الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث السادس
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"مَنْ نَسِيَ وَهُوَ صَائِمٌ، فَأَكَلَ أَوْ شَرِبَ، فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ؛ فَإنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ"(1)
* * *
(عن أبي هريرة) عبدِ الرحمنِ بنِ صخرٍ (رضي الله عنه، عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم): أنّه (قال: مَنْ)؛ أي: أي شخصٍ، ذكرٍ أو أنثى (نسي، وهو)؛
(1) * تَخْرِيج الحَدِيث:
رواه البخاري (1831)، كتاب: الصوم، باب: الصائم إذا أكل أو شرب ناسيًا، و (6292)، كتاب: الأيمان والنذور، باب: إذا حنث ناسيًا في الأيمان، ومسلم (1155)، كتاب: الصيام، باب: أكل الناسي وشربه وجماعه لا يفطر، وأبو داود (2398)، كتاب: الصوم، باب: من أكل ناسيًا، والترمذي (721)، كتاب: الصوم، باب: ما جاء في الصائم يأكل أو يشرب ناسيًا، وابن ماجه (1673)، كتاب: الصيام، باب: ما جاء فيمن أفطر ناسيًا.
* مصَادر شرح الحَدِيث:
"معالم السنن" للخطابي (2/ 120)، و"عارضة الأحوذي" لابن العربي (3/ 246)، و"إكمال المعلم" للقاضي عياض (4/ 119)، و"المفهم" للقرطبي (3/ 221)، و"شرح مسلم" للنووي (8/ 35)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (2/ 211)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (2/ 850)، و"فتح الباري" لابن حجر (4/ 156)، و"عمدة القاري" للعيني (11/ 17)، و"إرشاد الساري" للقسطلاني (3/ 371)، و"سبل السلام" للصنعاني (2/ 160)، و"نيل الأوطار" للشوكاني (4/ 283).
أي: والحال أنّه (صائم)، سواء كان الصّوم فرضًا أو نفلًا، (فأكل أو شرب)، سواء كان الأكل أو الشرب قليلًا أو كثيرًا.
وقد روى عبد الرزاق، عن عمرو بنِ دينار: أنّ إنسانًا جاء إلى أبي هريرة رضي الله عنه، فقال: أصبحتُ صائمًا، فنسيتُ فطعمتُ، فقال: لا بأس، قال: ثمَّ دخلتُ على إنسان، فنسيت فطعمت وشربت، فقال: لا بأس، اللَّه أطعمك وسقاك، قال: ثم دخلت على آخر فنسيت فطعمت، فقال أَبو هريرة: أنت إنسانٌ لم تتعوَّدِ الصّيام (1).
قال في "الفروع": وإنما يُفطر إذا فعل شيئًا من المفطرات عامدًا ذاكرًا لصومه، مختارًا، فلا يفطر ناسٍ؛ خلافًا لمالك، نقله الجماعة، ونقله ابن عقيل في مقدمات الجماع، وذكره الخرقي في الإمناء بقبلة أو تكرار نظر، وأنه يفطر بوطئه دون الفرج ناسيًا (2).
(فليتم) -بفتح الميم، ويجوز كسرها على التقاء الساكنين- (صومَه) مفعول "يتم"، فسماه صلى الله عليه وسلم صومًا، والظاهر: حملُهُ على الحقيقة الشرعية، وإذا كان صومًا، وقع مجزيًا، ويلزم من ذلك عدم وجوب القضاء (3).
ورواه الدارقطني، بمعناه، وزاد:"ولا قضاءَ عليه"(4)، وفي لفظ:"من أفطرَ يومًا من رمضان ناسيًا، فلا قضاءَ عليه ولا كفارةَ" رواه الدارقطني. وقال: تفرد به ابنُ مرزوق، وهو ثقة (5).
(1) رواه عبد الرزاق في "المصنف"(7378).
(2)
انظر: "الفروع" لابن مفلح (3/ 39).
(3)
انظر: "إرشاد الساري" للقسطلاني (3/ 372).
(4)
رواه الدارقطني في "سننه"(2/ 179).
(5)
رواه الدارقطني في "سننه"(2/ 178).
وللحاكم، وقال: على شرط مسلم: "من أكلَ في رمضان ناسيًا، فلا قضاءَ عليه ولا كفارةَ"(1).
وعند مالك: يبطل الصّوم بالأكل ونحوه، ولو ناسيًا، ويجب القضاء، والحديث صريح في رده.
وقول ابن دقيق العيد: قولُ مالك بوجوب القضاء هو القياس؛ فإن الصّوم قد فات ركنُه، وهو من باب المأمورات، والقاعدة تقتضي أنّ النسيان لا يؤثر في باب المأمورات (2)، منظور فيه؛ لأنّه قياس في مقابلة نص، فوجب طرحه؛ إذ من شرط المصير إلى القياس عدمُ مخالفة النص، وهنا النص صرح بإتمام الصّوم، وفي الحديث الآخر بعدم القضاء، فما بقي للقياس هنا مدخل (3).
ثمَّ علل صلى الله عليه وسلم كونَ النّاسي لا يفطر بقوله: (فإنما أطعمه اللَّه) سبحانه وتعالى، (وسقاه)، ليس له فيه قصد.
قال الطيبي: "إنما" للحصر؛ أي: ما أطعمه أحدٌ، ولا سقاه إلا اللَّه، فدلّ على أن هذا النسيان من اللَّه تعالى، ومن لطفه في حق عباده؛ تيسيرًا عليهم، ودفعًا للحرج (4).
وقال الخطابي: النسيانُ ضرورةٌ، والأفعال الضرورية غيرُ مضافة في
(1) رواه الحاكم في "المستدرك"(1569).
(2)
انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (2/ 211).
(3)
قاله البرماوي في "شرح العمدة"، كما نقله القسطلاني في "إرشاد الساري"(3/ 372)، وهو كذلك عند الحافظ ابن حجر في "الفتح"(4/ 156 - 157).
(4)
انظر: "إرشاد الساري" للقسطلاني (3/ 372).
الحكم إلى فاعلها، ولا يؤاخَذ فيها، واللَّه أعلم (1).
تنبيه:
اختلف العلماء في جماع الناسي، هل يوجبُ فسادَ الصّوم، ويوجب الكفارة، أم لا؟
فمعتمد المذهب: أنّ الناسي كالعامد، نقله الجماعة، واختاره الأصحاب؛ وفاقًا لمالك، والظاهرية.
وعنه: لا يُكَفِّر، اختاره ابنُ بطة؛ وفاقًا لمالك في رواية.
وعنه: لا يقضي، اختاره الآجري، وأبو محمد الجوزي، وشيخ الإسلام ابن تيمية؛ وفاقًا لأبي حنيفة، والشّافعي.
وذكر في "شرح مسلم"(2) أنّه قول جمهور العلماء (3).
قال ابن دقيق العيد: ومن أراد إلحاق الجماع بالمنصوص عليه -أي: من الأكل والشرب-، فإنما طريقه القياس، والقياسُ مع الفارق متعذِّر، إلا إذا بيَّن القائسُ أَنّ الوصفَ الفارقَ مُلْغى؛ فإنّ نسيانَ الجماع نادرٌ بالنسبة إليه (4).
ويأتي الكلام على جماع الصائم في الحديث الآتي، واللَّه أعلم.
* * *
(1) انظر: "معالم السنن" للخطابي (2/ 120).
(2)
انظر: "شرح مسلم" للنووي (7/ 225).
(3)
انظر: "الفروع" لابن مفلح (3/ 57).
(4)
انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (2/ 212).