الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الرابع
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"العَجْمَاءَ جُبَارٌ، والبِئْرُ جُبَارٌ، والمَعْدِنُ جُبَارٌ، وَفي الرِّكَازِ الخُمُسُ"(1).
الجبار: الهَدَرُ الذي لا شيء فيه، والعجماء: الدابَّة.
(1) * تَخْرِيج الحَدِيث:
رواه البخاري (1428)، كتاب: الزكاة، باب: في الركاز الخمس، و (2228)، كتاب: المساقاة، باب: من قال: إن صاحب الماء أحق بالماء حتى يروى، و (6514)، كتاب: الديات، باب: المعدن جبار والبئر جبار، و (6515)، باب: العجماء جبار، ومسلم (1710/ 45 - 46)، كتاب: الحدود، باب: جرح العجماء والمعدن والبئر جبار، وأبو داود (4593)، كتاب: الديات، باب: العجماء والمعدن والبئر جبار، والنسائي (2495 - 2498)، كتاب الزكاة، باب: المعدن، والترمذي (642)، كتاب: الزكاة، باب: ما جاء أن العجماء جرحها جبار، وفي الركاز الخمس، و (1377)، كتاب: الأحكام، باب: ما جاء في العجماء جرحها جبار، وابن ماجه (2673)، كتاب: الديات، باب: الجبار.
* مصَادر شرح الحَدِيث:
"معالم السنن" للخطابي (4/ 39)، و"الاستذكار" لابن عبد البر (3/ 147)، و"عارضة الأحوذي" لابن العربي (6/ 145)، و"إكمال المعلم" للقاضي عياض (5/ 552)، و"المفهم" للقرطبي (5/ 143)، و"شرح مسلم" للنووي (11/ 225)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (2/ 189)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (2/ 811)، و"فتح الباري" لابن حجر (3/ 365)، و"عمدة القاري" للعيني (9/ 101)، و"إرشاد الساري" للقسطلاني (3/ 82)، و"سبل السلام" للصنعاني (2/ 136)، و"نيل الأوطار" للشوكاني (4/ 210).
(عن أبي هريرةَ رضي الله عنه: أنَّ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: العَجْماءُ) -بفتح العين المهملة وسكون الجيم والمد-؛ أي: البهيمة، سميت بذلك؛ لأنّها لا تتكلم، ويقال أيضًا لكل حيوان غير الإنسان، ويقال أيضًا لمن لا يُفصح، والمراد هنا: الأوّل (1).
(جُبَار) -بضم الجيم وتخفيف الموحدة-؛ أي: هدر غير مضمون (2).
وفي لفظ لمسلم: "جرحُها جبارٌ"(3)، ولا بُدَّ في رواية البخاري من تقدير؛ إذ لا معنى لكون العجماء نفسها هدرًا، وقد دلت رواية مسلم على أن ذلك المقدَّر هو الجرح، فوجب المصير إليه، لكن الحكم غير مختص به، بل هو مثال نبه به على غيره، والمراد: أنَّ إتلافات العجماء هدرٌ لا شيء فيه، وإنّما عبر بالجرح؛ لأنّه الأغلبُ، فإذا انفلتت دابةٌ، فصدمت إنسانًا، فأتلفته، أو أتلفت مالًا، فلا غرم على مالكها، أمّا إذا كان معها، فعليه ضمانُ ما أتلفته، سواء أتلفت ليلًا أو نهارًا، وسواء كان سائقَها أو راكبَهَا أو قائدَها، وسواء كان مالكَها، أو أجيرَه، أو مستأجرًا أو غاصبًا، أو موصًى له بنفعها، وسواءٌ أتلفَتْ بيدها، أو عضِّها، أو وَطْئها برجلِها، لا ما نفحت جيادًا لم يكبحها؛ أي: يجذبها بنحو لجام زيادة على العادة، أو يضربها في وجهها، ولو لمصلحة، ولا يضمن ما جنت بذنبها، وإن جنت على راكبها ونحوه، فهدر، وإن ركبها اثنان، ضمن الأوّل منهما، إلا أن يكون صغيرًا، أو مريضًا، ونحوهما، والثّاني متولٍّ تدبيرها، فعليه
(1) انظر: "مشارق الأنوار" للقاضي عياض (2/ 68)، و"فتح الباري" لابن حجر (12/ 255).
(2)
انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (2/ 189).
(3)
تقدم تخريجه عند مسلم برقم (1710/ 45 - 46)، وكذا هي في رواية البخاري المتقدم تخريجها برقم (6514).
الضمانُ، وإن اشتركا في التصرف، اشتركا في الضمان، وكذا لو كان معها سائق وقائد، وإن كان معهما، أو مع أحدهما راكب، شاركهما.
والإبل المقطَّرة، وكذا البغال، كالواحدة، على قائدها الضمان، وإن كان معه سائق، شاركه في ضمان الأخير فقط إن كان في آخرها، وإن كان في أولها، شارك في الكل، وإن كان فيما عدا الأول، شارك في ضمان ما باشر سوقَه، وفيما بعده، دون ما قبله.
وأمّا إذا كانت البهيمة لا يدَ لأحد عليها، فأتلفت شيئًا، ولو صيدَ حرم، فلا ضمان على صاحبها ما لم تكن ضارية.
وعند الشّافعية: يضمن القائد والسائق والراكب حتى ما أتلفت برجلها وذنبها.
وقال مالكٌ: القائدُ والراكبُ والسائقُ كلُّهم ضامنون لما أصابتِ الدابةُ، إلا أن ترمح الدابة من غير أن يُفعل بها شيء ترمح له.
وقال أَبو حنيفة: إنَّ الراكب والقائد لا يضمنان ما نفحت الدابة برجلها أو ذنبها، إلا إن أوقفها في الطريق.
واختلفوا في السائق، فقال القدوري وآخرون: إنّه ضامن لما أصابت بيدها ورجلها؛ لأن النفحة بمرأى عينه، فأمكنه الاحتراز عنها.
وقال أكثرهم: لا يضمن النفحةَ أيضًا، وإن كان يراها؛ إذ ليس على رجلها ما يمنعها به، فلا يمكنه التحرُّزُ عنه؛ بخلاف الكدم؛ لإمكانه كبحها بلجامها، وصححه صاحب "الهداية"(1).
(1) انظر: "إرشاد الساري" للقسطلاني (3/ 82).
(والبئرُ) يحفرها الرجلُ في ملكه، فيسقط فيها رجلٌ، أو دابة، فيهلك (جُبارٌ) لا ضمانَ عليه.
أمّا إذا حفرها في طريق المسلمين، أو في ملك غيره بغير إذن مالك، فتلف فيها إنسانٌ، وجب ضمانُهُ على عاقلةِ حافرٍ، وعليه -أي: الحافر- الكفارةُ، وإن تلف بها غيرُ آدمي، فعلى الحافر (1).
وأمّا إذا حفر بئرًا محرمًا في فِنائه، أو فِناء غيره، أو في طريق لغير مصلحة المسلمين، أو في ملك غيره بغير إذنه، ضمن، وإن حفرها بملكه، أو وضع فيها حجرًا أو حديدة وسترها، فمن دخل بإذنه، وتلف بها، فالقودُ، وإلا فلا، كمكشوفة بحيث يراها إن كان بصيرًا، أو دخل بغير إذنه (2).
وإن حفرها في سابلة واسعة لنفع المسلمين بلا ضرر بالمارة، لا لنفع نفسه، ولو بغير إذن الإمام، لم يضمن ما تلف بها؛ كبناء جسر، وكذا لو حفرها في مَواتٍ لتُمْلَك، أو ارتفاق، أو انتفاع عام، وإن فعله فيها لنفع نفسه، أو كان يضر بالمارة، أو في طريق ضيق، ضمن، سواء فعله لمصلحة عامة، أو لا، بإذن الإمام، أو لا؛ لأنّه ليس له أن يأذن فيه (3).
(والمَعْدِنُ): مأخوذ من العدن، وهو الإقامة، والمعدن مركزُ كل شيء، والجمع معادن، وهي المواضع التي يُستخرج منها جواهر الأرض؛ كالذهب؛ والفضة؛ والنحاس، وغير ذلك (4).
(1) المرجع السابق، الموضع نفسه.
(2)
انظر: "الإقناع" للحجاوي (4/ 139 - 140).
(3)
المرجع السابق، (2/ 596).
(4)
انظر: "النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير (3/ 192).
فإذا حفر الإنسان في ملكه، أو موات أيضًا لاستخراج ما فيه، فتلف به
شيء (جبار) لا ضمانَ فيه؛ لعدم تعديه (1).
(و) يجب (في الرِّكاز)، وهو الكنز من دفْنِ الجاهلية، وعند أهل العراق: هي المعادن؛ لأنّها ركزت في الأرض؛ أي: ثبتت (2).
(الخمسُ) في الحال اتفاقًا؛ أيَّ نوع كان من المال، ولو غيرَ نقد، قَلَّ أو كثر، ويجوز إخراج الخمس من غيره، ويُصرف مصرِفَ الفيء المطلق للمصالح كلها (3).
وفي عطف الركاز على المعدن دلالةٌ على تغايرهما، واختصاص الخمس بالركاز دون المعدن.
واتفق الأئمة الأربعة على وجوب الخمس، سواء كان في دار الإسلام، أو دار الحرب؛ خلافًا للحسن؛ حيث فَرَّقَ بين كونه في دار الحرب، ففيه الخمس، أو دار الإسلام، فهو كالمعدن.
وعند الشّافعيّة مَنْ شرطَ وجوب الخمس في الركاز بلوغَ النصاب، وكونَه من النقدين، وهو مذهب مالك أيضًا.
وقال أَبو حنيفة: إن وجده في صحراء دار الحرب، فلا خُمس فيه، وهو لواجده (4).
واتفقوا على أنّه يجب فيه الخمس، كَتَمَهُ واجدُه أو أظهرَه، إلا
(1) انظر: "إرشاد الساري" للقسطلاني (3/ 82 - 83).
(2)
انظر: "مشارق الأنوار" للقاضي عياض (1/ 289).
(3)
انظر: "الفروع" لابن مفلح (2/ 369).
(4)
انظر: "إرشاد الساري" للقسطلاني (3/ 83).
أبا حنيفة، فإنّه قال: إن كتمه واجده، فلا شيء فيه، ومعتمدُ مذهبنا كالحنفية: أنَّ مصرف خُمس الركاز مصرفُ الفيء.
وقال الشّافعيّ: مصرفه مصرفُ الصدقات.
وقال مالك: هو والغنائم والجزية، وما أخذ من تجار أهل الذمة، وما صولح عليه الكفار، ووظائف الأرضين، كل ذلك يجتهد الإمام في مصارفه على قدر ما يراه من المصلحة (1).
قال الحافظ -رحمه اللَّه تعالى-: (الجبار) -بضم الجيم وتخفيف الموحدة فألف ساكنة فراء-: (الهدرُ الذي لا شيء فيه)، لا طلبَ فيه، ولا قَوَدَ، ولا دِيَةَ، وأصلُه: أنَّ العرب تسمي السّيلَ جُبارًا لهذا المعنى؛ كما في "المطالع"(2).
(والعجماءُ: الدابَّةُ)، وتقدّم أن كلَّ من لا يقدر على الكلام فهو أعجمُ، ومنه حديث:"بعدد كلِّ فصيحٍ وأعجم"(3)، قيل: أراد: بعدد كلِّ آدمي وبهيمة (4)، واللَّه أعلم.
* * *
(1) انظر: "المغني" لابن قدامة (2/ 329 - 330)، و"كشاف القناع" للبهوتي (2/ 226).
(2)
انظر: "مشارق الأنوار" للقاضي عياض (1/ 137).
(3)
رواه ابن عدي في "الكامل في الضعفاء"(5/ 91)، وأبو نعيم في "حلية الأولياء"(6/ 181)، والبيهقي في "شعب الإيمان"(565)، عن ابن عمر رضي الله عنهما.
(4)
انظر: "النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير (3/ 187).