الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب العيدين
أي: صلاتهما، وهما: عيد الأضحى، وعيد الفطر، وسمي العيد عيدًا؛ لأنه يعود ويتكرر لأوقاته، وقيل: يعود بالفرح على الناس، وقيل: سمي بذلك تفاؤلًا ليعود ثانية (1).
قال الجوهري: إنما جمع بالياء، وأصله الواو؛ للزومها في الواحد، وقيل: للفرق بينه وبين أعواد الخشب (2).
وقد كان للجاهلية يومان مُعَدَّان لِلَّعب، فأبدل اللَّه تعالى المسلمين منهما هذين اليومين اللذين يظهر فيهما تكبير اللَّه تعالى، وتحميده، وتوحيده، وتمجيده، ظهورًا شائعًا يغيظ المشركين (3).
ولما قدم صلى الله عليه وسلم المدينة، كان لهم يومان يلعبون فيهما، فقال:"إن اللَّه قد أبدلكم يومين خيرًا منهما: يوم الفطر، ويوم الأضحى"(4).
(1) قاله القاضي عياض في "مشارق الأنوار"(2/ 105).
(2)
انظر: "الصحاح" للجوهري (2/ 515)، (مادة: عود). وانظر: "المطلع" لابن أبي الفتح (ص: 108)، وعنه نقل الشارح رحمه الله.
(3)
انظر: "شرح عمدة الاحكام" لابن دقيق (2/ 124).
(4)
رواه أبو داود (1134)، كتاب: الصلاة، باب: صلاة العيدين، والنسائي (1556)، كتاب: صلاة العيدين، والإمام أحمد في "المسند"(3/ 103)، =
فائدة: قال الحافظ ابن رجب في "اللطائف": في الدنيا للمؤمنين ثلاثة أعياد؛ عيد يتكرر كل أسبوع، وعيدان يأتيان في كل عام مرة، من غير تكرير في السنة.
فأما العيد المتكرر: فيوم الجمعة، وهو عيد الأسبوع، وهو مرتب على إكمال الصلوات المكتوبات؛ فإن اللَّه فرض على المؤمنين في كل يوم وليلة خمس صلوات، وأيام الدنيا تدور على سبعة أيام، فكلما كمل دور أسبوع من أيام الدنيا، واستكمل المسلمون صلواتهم فيه؛ شرع لهم في استكمالهم، وهو اليوم الذي كمل فيه الخلق.
وفيه: خلق آدم، وأدخل الجنة، وأخرج منها، وفيه ينتهي أمر الدنيا، فتزول، وتقوم الساعة.
وفيه: الاجتماع على قيام الذكر، والموعظة، وصلاة الجمعة، وجعل ذلك لهم عيدًا، ولذلك نهي عن إفراده بالصوم (1)، وفي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قال: "ما طلعت الشمس، ولا غربت، على يوم أفضل من يوم الجمعة"(2).
وفي "المسند": أنه صلى الله عليه وسلم قال في يوم الجمعة: "هو أفضل عند اللَّه من يوم
= وغيرهم، من حيث أنس بن مالك رضي الله عنه.
(1)
روى البخاري (1883)، كتاب: الصوم، باب: صوم يوم الجمعة، ومسلم (1143)، كتاب: الصيام، باب: كراهة صيام يوم الجمعة منفردًا، عن محمد بن عباد، قال: سألت جابرًا رضي الله عنه: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم الجمعة؟ قال: نعم. زاد غير أبي عاصم: أن ينفرد بصوم.
(2)
رواه الترمذي (3339)، كتاب: التفسير، باب: ومن سورة البروج، والإمام أحمد في "المسند"(2/ 272)، وابن خزيمة في "صحيحه"(1727)، وغيرهم، من حديث -أبي هريرة رضي الله عنه.
الفطر، ويوم الأضحى" (1). فهذا عيد الأسبوع، وهو متعلق بإكمال الصلاة المكتوبة، وهي أعظم أركان الإسلام ومبانيه بعد الشهادتين.
وأما العيدان اللذان يتكرران في كل عام، فإنما يأتي كل واحد منهما في العام مرة واحدة:
فأحدهما: عيد الفطر من صوم رمضان، وهو مرتب على إكمال صوم رمضان، وهو الركن الثالث من أركان الإسلام ومبانيه، فإذا استكمل المسلمون صيام شهرهم المفروض عليهم، استوجبوا من اللَّه المغفرة والعتق من النار؛ فإن صيامه يوجب مغفرة ما تقدم من الذنوب، وآخره عتق من النار، يعتق فيه من النار من استحقها بذنوبه، فشرع اللَّه لهم عقب إكمالهم لصيامهم عيدًا يجتمعون فيه على شكر اللَّه، وذكره، وتكبيره على ما هداهم، وشرع لهم في ذلك العيد من الصلاة والصدقة، وهو يوم الجوائز، يستوفي الصائمون فيه أجر صيامهم، ويرجعون من عيدهم بالمغفرة.
والعيد الثاني: عيد النحر، وهو أكبر العيدين، وأفضلهما، وهو مرتب على إكمال الحج، وهو الركن الرابع من أركان الإسلام ومبانيه، فإذا أكمل المسلمون حجهم، غفر لهم، وإنما يكمل الحج بيوم عرفة، والوقوف فيه بعرفة ركن الحج الأعظم؛ كما قال صلى الله عليه وسلم:"الحج عرفة"(2)، ويوم عرفة هو
(1) رواه الإمام أحمد في "المسند"(3/ 430)، وابن ماجه (1084)، كتاب: الصلاة، باب: في فضل الجمعة، من حديث أبي لبابة بن عبد المنذر رضي الله عنه.
(2)
رواه أبو داود (1949)، كتاب: المناسك، باب: من لم يدرك عرفة، والنسائي (3016)، كتاب: مناسك الحج، باب: فرض الوقوف بعرفة، والترمذي (889)، كتاب: الحج، باب: ما جاء فيمن أدرك الإمام بجمع فقد أدرك الحج، =
يوم العتق من النار، يعتق فيه من النار من وقف بعرفة، ومن لم يقف بها من أهل الأمصار من المسلمين، فلذلك صار اليوم الذي يليه عيدًا لجميع المسلمين، في جميع أمصارهم؛ من شهد الموسم منهم، ومن لم يشهده؛ لاشتراكهم في العتق والمغفرة يوم عرفة، فشرع للجميع التقربُ إليه بالنسك؛ وهو إراقة دماء القرابين؛ شكرًا منهم لهذه النعمة.
فهذه أعياد المسلمين في الدنيا، وكلها عند كمال طاعة مولاهم الملك الوهاب، واللَّه أعلم (1).
وذكر الحافظ -رحمه اللَّه تعالى- في هذا الباب خمسة أحاديث.
* * *
= وابن ماجه (3015)، كتاب: المناسك، باب: من أتى عرفة قبل الفجر ليلة جمع، والإمام أحمد في "المسند"(4/ 309)، وغيرهم، من حديث عبد الرحمن بن يعمر الديلي رضي الله عنه.
(1)
انظر: "لطائف المعارف" لابن رجب (ص: 480 - 482).