الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الأول
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا تَقَدَّمُوا رَمَضَانَ بِصَومِ يَوْمٍ وَلَا يَوْمَيْنِ، إِلَّا رَجُلًا كَانَ يَصُومُ صَوْمًا، فَلْيَصُمْهُ"(1).
* * *
(1) * تَخْرِيج الحَدِيث:
رواه البخاري (1815)، كتاب: الصوم،
باب:
لا يتقدمن رمضان بصوم يوم ولا يومين، ومسلم (1082)، كتاب: الصيام، باب: لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين، واللفظ له، وأبو داود (2335)، كتاب: الصيام، باب: فيمن يصل شعبان برمضان، والنسائي (2172)، كتاب: الصيام، باب: التقدم قبل شهر رمضان، و (2173)، باب: ذكر الاختلاف على يحيى بن أبي كثير ومحمد بن عمرو على أبي سلمة فيه، والترمذي (684)، كتاب: الصوم، باب: ما جاء: لا تقدموا الشهر بصوم، وابن ماجه (1650)، كتاب: الصيام، باب: ما جاء في النهي أن يتقدم رمضان بصوم إلا من صام صومًا فوافقه.
* مصَادر شرح الحَدِيث:
"عارضة الأحوذي" لابن العربي (3/ 200)، و"إكمال المعلم" للقاضي عياض (4/ 13)، و"المفهم" للقرطبي (3/ 146)، و"شرح مسلم" للنووي (7/ 194)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (2/ 204)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (2/ 839)، وفتح الباري "لابن حجر"(4/ 128)، و"عمدة القاري" للعيني (10/ 287)، و"إرشاد الساري" للقسطلاني (3/ 359)، و"سبل السلام" للصنعاني (2/ 150).
(عن أبي هريرة) عبدِ الرحمن بنِ صخرٍ (رضي الله عنه، قال: قالَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: لا تَقَدَّمُوا رمضانَ).
قال البيضاوي (1) كالزمخشري: رمضان: مصدرُ رَمِضَ: إذا احترق، فأُضيف إليه الشهر، وجُعل عَلَمًا (2)، فجعلا مجموع المضاف والمضاف إليه هو العلم، وهذا الحديث حجة عليهما.
قال الإمام العلامة ابن مفلح في "فروعه": قيل: سمي رمضان؛ لحرِّ جوفِ الصائم فيه، ورمضه، والرمضاء: شدةُ الحر، وقيل: لمّا نقلوا الشهور عن اللغة القديمة، سموها بالأزمنة التي وقعت فيها، فوافق هذا الشهرُ أيامَ شدةِ الحر ورمضِه، وقيل: لأنّه يحرقُ الذنوب، وقيل: موضوع لغير معنى؛ كسائر الشهور، كذا قيل، وجمعُه رمضانات، وأرمضة، ورماضين، وأرمض، ورماض، ورماضي، وأراميض.
قال: والمستحبُّ قول: شهر رمضان، كما قال اللَّه تعالى، ولا يكره قول: رمضان؛ بإسقاط الشهر؛ وفاقًا لأبي حنيفة، وأكثر العلماء.
وذكر الشيخ -يعني: الموفق-: يكره إلا مع قرينة الشهر؛ وفاقًا لأكثر الشّافعيّة.
قال: وذكر شيخنا -يعني: شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه اللَّه تعالى- وجهًا: يكره؛ وفاقًا للمالكية (3).
وفي القسطلاني: وقول الأكثر -يعني: من الشّافعيّة-: يُكره أن يقال:
(1) انظر: "تفسير البيضاوي"(1/ 463).
(2)
انظر: "الكشاف" للزمخشري (1/ 226).
(3)
انظر: "الفروع" لابن مفلح (3/ 3).
رمضان بدون شهر، رده النّووي في "المجموع"(1) بأنّ الصواب خلافه؛ كما ذهب إليه المحققون؛ لعدم ثبوت نهي فيه، انتهى (2).
وكأنّه يشير إلى ما رواه ابن عدي، والبيهقي، وغيرهما من رواية أبي معشر، وهو ضعيف عندهم، عن المقبري، عن أبي هريرة، مرفوعًا:"لا تَقُولوا رَمَضان؛ فإنه اسمٌ من أسماء اللَّه، ولكن قولوا: شهرُ رمضان"(3)، قال الإمام الحافظ ابن الجوزي: موضوع، ولم يذكره أحد من أسمائه تعالى، ولا يجوز أن يسمى به إجماعًا، انتهى (4).
والأحاديث صحت عن سيد العالم من وجوه متعددة بإسقاط شهر، منها:"مَنْ قامَ رمضانَ إيمانًا واحْتِسابًا، غُفِرَ له ما تقدَّمَ من ذنبه"(5)، و"مَنْ صامَ رمضانَ إيمانًا واحتسابًا، غُفر له ما تقدَّمَ من ذنبه" متفق عليه (6).
ورواه الإمام أحمد، وزاد:"وما تأخر" من حديث أبي هريرة (7).
(1) انظر: "المجموع شرح المهذب" للنووي (6/ 245 - 246).
(2)
انظر: "إرشاد الساري" للقسطلاني (3/ 349 - 350).
(3)
رواه ابن عدي في "الكامل في الضعفاء"(7/ 53)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(4/ 201).
(4)
انظر: "الموضوعات" لابن الجوزي (2/ 187).
(5)
رواه البخاري (37)، كتاب: الإيمان، باب: تطوع قيام رمضان من الإيمان، ومسلم (759)، كتاب: صلاة المسافرين وقصرها، باب: الترغيب في قيام رمضان وهو التراويح، عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(6)
رواه البخاري (38)، كتاب: الإيمان، باب: صوم رمضان احتسابًا من الإيمان، ومسلم (760)، كتاب: صلاة المسافرين وقصرها، باب: الترغيب في قيام رمضان وهو التراويح، عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(7)
رواه الإمام أحمد في "المسند"(2/ 385).
وعنه مرفوعًا: "إذا جاءَ رمضانُ، فتحتْ أبوابُ الجنّة، وغُلِّقَتْ أبوابُ النّار، وصُفِّدَتِ الشياطينُ"(1).
وفي لفظ: "فُتحت أبوابُ الرحمة، وغلقتْ أبوابُ جهنم، وسُلْسِلَتِ الشياطينُ" متفق عليه (2).
وعنه مرفوعًا: "أُعطيتْ أُمتي خمسَ خصالٍ في رمضان لم تُعْطَه أمّةٌ قبلَهم: خلوفُ فمِ الصائمِ أطيبُ عند اللَّه من ريح المسك، وتستغفرُ له الملائكة حتّى يفطر، ويزين اللَّه كل يوم جنته، ثمَّ يقول: يوشكُ عبادي الصالحون أن يلقوا عنهم المؤنةَ والأذى، ويصيروا إليكِ، وتُصَفَّدُ فيه مَرَدَةُ الشياطين، فلا يخلصون فيه إلى ما كانوا يخلصون إليه في غيره، ويغفر لهم في آخر ليلة"، قيل: يا رسول اللَّه! أهي ليلة القدر؟ قال: "لا، ولكن العامل إنّما يُوَفَّى أجرَه إذا قضى عملَه" رواه الإمام أحمد، وغيره (3).
قال الحافظ ابن ناصر: حديث حسن، إسناده عدول (4).
والحاصل: معتمد المذهب؛ كالحنفية: عدمُ كراهةِ قولِ رمضان بدون شهر؛ خلافًا لأكثر الشّافعيّة، والمالكية، واللَّه أعلم.
(1) رواه البخاري (1799)، كتاب: الصوم، باب: هل يقال: رمضان، أو شهر رمضان؟، ومسلم (1079/ 1)، كتاب: الصيام، باب: فضل شهر رمضان، واللفظ له.
(2)
رواه البخاري (1800)، كتاب: الصوم، باب: هل يقال: رمضان، أو شهر رمضان؟، ومسلم (1079/ 2)، كتاب: الصيام، باب: فضل شهر رمضان، واللفظ له.
(3)
رواه الإمام أحمد في "المسند"(2/ 292)، والحارث بن أبى أسامة في "مسنده"(319)، وابن عبد البر في "التمهيد"(16/ 153)، وغيرهم.
(4)
نقله ابن مفلح في "الفروع"(3/ 4).
وقوله: "لا تَقَدَّموا" -بفتح التاء والدال-، أصله: تتقدموا، فحذفت إحدى التاءين تخفيفًا؛ أي: لا تتقدموا الشهر بصوم تعدُّونه منه احتياطًا حيث لم تكن في السماء علةٌ من غيم أو قتر؛ خلافًا للروافض الذين يرون تقديمَ الصوم على الرؤية (1).
ولكراهة التقدم معان:
أحدها: خوفًا من أن يُزاد في رمضان ما ليس منه، كما نُهي عن صيام يوم العيد لذلك؛ حذرًا مما وقع فيه أهلُ الكتاب في صيامهم، فزادوا فيه بآرائهم وأهوائهم.
وخرج الطبراني عن عائشة رضي الله عنها: أنّ ناسًا كانوا يتقدمون الشهرَ، فيصومون قبل النّبيّ صلى الله عليه وسلم، فأنزل اللَّه تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} (2)[الحجرات: 1].
الثّاني: الفصلُ بين صيام الفرض والنفل؛ فإن جنس الفصل بين الفرائض والنوافل مشروع، ولذا نهى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن يوصل صلاة مفروضة بصلاة حتّى يفصل بينهما بسلام، أو كلام، خصوصًا سنة الفجر.
الثالث: أنّه للتقوي على صيام رمضان؛ فإن مواصلة الصّيام تُضعف عن صيام الفرض، فإذا حصل الفطر قبله بيوم أو يومين، كان أقرب إلى التقوِّي على صيام رمضان، وفيه نظر؛ لعدم الكراهة بالتقدم أكثرَ من ذلك، وبصيام الشهر كله، وهو أبلغ في معنى الضعف، نعم الفطرُ بنية التقوي على صيام رمضان حسنٌ لمن أضعَفَته مواصلةُ الصّيام، ومن هذا قولُ بعض الصّحابة:
(1) انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (2/ 204).
(2)
رواه الطبراني في "المعجم الأوسط"(2713)، وأبو نعيم في "تاريخ أصبهان"(2/ 325).
إنّي أحتسب نومتي كما أحتسب قومتي (1)، وفي الحديث المرفوع:"الطاعِمُ الشاكرُ كالصائمِ الصابرِ" خرَّجه التّرمذي، وغيره (2)، وأشار إلى ذلك الحافظ ابن رجب في "لطائفه"(3).
(بصوم يوم) واحد، (ولا) بصوم (يومين).
قال الحافظ ابن رجب: صيامُ آخرِ شعبانَ له ثلاثة أحوال:
أحدها: أن يصوم بنية الرمضانية احتياطًا لرمضان، فهذا منهيٌّ عنه، وقد فعله بعضُ الصّحابة، وكأنّهم لم يبلغهم النهيُ عنه، وفرق ابن عمر رضي الله عنهما بين الغيمِ والصحو في يوم الثلاثين من شعبان، وتبعه الإمام أحمد.
الثّاني: أن يُصام بنية النذر، أو قضاء عن رمضان، أو عن كفارة، ونحو ذلك، فجوزه الجمهور، ونهى عنه مَنْ أمرَ بالفصل بين شعبان ورمضان بفطرِ يومٍ مطلَق، وهم طائفةٌ من السلف، وحكي كراهته أيضًا عن أبي حنيفة، والشّافعيّ، وفيه نظر.
الثالث: أن يُصام بنية التطوُّع المطلق، فكرهه مَنْ أمر بالفصل بين شعبان ورمضان بالفطر، منهم: الحسن، وإن وافق صومًا كان يصومه،
(1) رواه البخاري في حديث (4086)، كتاب: المغازي، باب: بعث أبي موسى ومعاذ بن جبل رضي الله عنهما إلى اليمن قبل حجة الوداع، ومسلم (1733)، كتاب: الإمارة، باب: النهي عن طلب الإمارة والحرص عليها، عن معاذ بن جبل رضي الله عنه من قوله.
(2)
رواه الترمذي (2486)، كتاب: صفة القيامة والرقائق والورع، باب:(43)، وقال: حسن غريب، وابن ماجه (1764)، كتاب: الصيام، باب: فيمن قال الطاعم الشاكر كالصائم الصابر، عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(3)
انظر: "لطائف المعارف" لابن رجب (ص: 273 - 276).
ورخص فيه مالكٌ ومَنْ وافقه، وفرق الشّافعيّ والأوزاعي والإمام أحمد وغيرهم بين أن يوافق عادة، أو لا، وكذلك يفرق بين من تقدم صيامه بأكثر من يومين (1)، ووصله برمضان، فلا يكره؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:(إلا رجلًا)؛ أي: شخصًا من رجل وامرأة (كان يصوم صومًا) معتادًا؛ كأن اعتاد صومَ الدهر، أو صومَ يومٍ وفطرَ يوم، أو يوم مخصوص؛ كالاثنين والخميس، (فليصمه) على حسب عادته؛ فإنه مأذون له فيه، فمفهوم الحديث الجواز إذا كان التقدُّم بأكثرَ من يومين (2).
قال في "الفروع": يكره استقبالُ رمضان بيوم أو يومين، ذكره التّرمذي عن أهل العلم، وجزم به الأصحاب، مع ذكرهم في يوم الشّك ما يأتي، ولا يكره التقديم بأكثرَ من يومين، نص عليه؛ لظاهر هذا الحديث، وقيل: يكره بعد نصف شعبان، وحرمه الشّافعيّة؛ لحديث أبي هريرة:"إذا انتصفَ شعبانُ، فلا تصوموا" رواه الخمسة (3)، وقد ضعفه الإمام أحمدُ وغيرُه من الأئمة (4).
وقد صَحَّحه التّرمذيُّ وغيرُه، وقال عبد الرحمن بن مهدي: إنّه حديث منكر، وكذا الإمام أحمد، وأبو زرعة الرازي، والأثرم.
(1) المرجع السابق، (ص: 273).
(2)
انظر: "إرشاد الساري" للقسطلاني (3/ 360).
(3)
رواه أَبو داود (2337)، كتاب: الصوم، باب: في كراهية ذلك، والنسائي في "السنن الكبرى"(2911)، والترمذي (738)، كتاب: الصوم، باب: ما جاء في كراهية الصوم في النصف الثاني من شعبان لحال رمضان، وابن ماجه (1651)، كتاب: الصيام، باب: ما جاء في النهي أن يتقدم رمضان بصوم إلا من صام صومًا فوافقه، والإمام أحمد في "المسند"(2/ 442).
(4)
انظر: "الفروع" لابن مفلح (3/ 87).
قال الإمام أحمد: لم يرو العلاء حديثًا أنكرَ منه، ورده بحديث:"لا تقدموا رمضان بصوم يوم أو يومين"؛ فإن مفهومه جواز التقدم بأكثر من يومين.
وقال الطحاوي: هو منسوخ، وحكى الإجماع على ترك العمل به، وأكثر العلماء أنّه لا يُعمل به، وقد أخذ به الشّافعيّ وأصحابه، فنهوا عن ابتداء التطوع بالصّيام بعد نصف شعبان لمن ليس له عادة، وقد وافقهم بعضُ متأخري أصحابنا كما في "اللطائف"(1).
ومعتمد المذهب: عدمُ الكراهة أن تقدم رمضان بصيام ثلاثة أيام فصاعدًا، وكذا إن وافق عادةً، ولو كان التقدم بصوم يوم أو يومين؛ لمنطوق هذا الحديث ومفهومه، واللَّه تعالى الموفق.
* * *
(1) انظر: "لطائف المعارف" لابن رجب (ص: 260).