الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثاني
عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ، عَنْ صَالح بْنِ خَوَّاتِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَمَّنْ صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلاةَ ذَاتِ الرِّقَاعِ صَلاةَ الخَوْفِ: أَنَّ طَائِفَةً صَفَّتْ مَعَهُ، وَطَائِفَةٌ وِجَاهَ العَدُوِّ، فَصَلَّى بالَّذِينَ مَعَهُ رَكعَةً، ثُمَّ ثَبَتَ قَائِمًا، وَأَتَمُّوا لِأَنْفُسِهِم، ثُمَّ انْصَرَفُوا، فَصَفُّوا وِجَاهَ العَدُوِّ، وَجَاءَتِ الطَّائِفَةُ الأُخْرَى، فَصَلَّى بِهِمُ الرَّكعَةَ الَّتِي بقِيَتْ، ثُمَّ ثبَتَ جَالِسًا، وَأتمُّوا لِأَنْفُسِهِمْ، ثُمَّ سَلَّمَ بِهِمْ (1).
(1) * تَخْرِيج الحَدِيث:
رواه البخاري (3900)، كتاب: المغازي، باب: غزوة ذات الرقاع، ومسلم (842)، كتاب: صلاة المسافرين وقصرها، باب: صلاة الخوف، واللفظ له، وأبو داود (1238)، كتاب: الصلاة، باب: من قال: إذا صلى ركعة وثبت قائمًا أتموا لأنفسهم ركعة، ثم سلموا ثم انصرفوا، فكانوا وجاه العدو، والنسائى (1537)، كتاب: صلاة الخوف، والترمذي (567)، كتاب: الصلاة، باب: ما جاء في صلاة الخوف. وقد رواه البخاري (3902)، كتاب: المغازي، باب: غزوة ذات الرقاع، ومسلم (841)، كتاب: صلاة المسافرين وقصرها، باب: صلاة الخوف، وأبو داود (1237)، كتاب: الصلاة، باب: من قال: يقوم صف مع الإمام، وصف وجاه العدو، و (1239)، باب: من قال: إذا صلى ركعة وثبت قائمًا، أتموا لأنفسهم ركعة، ثم سلموا، ثم انصرفوا فكانوا وجاه العدو، والنسائي (1536، 1553)، كتاب: صلاة الخوف، والترمذي (565 - 566)، كتاب: الصلاة، باب: ما جاء في صلاة الخوف، وابن ماجه =
الَّذِي صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هُوَ سَهْلُ بْنُ أَبِي حَثْمَةَ.
* * *
(عن يزيد بن رومان) القرشيِّ الأسديِّ مولاهم، مولى الزبير، يعد في أهل المدينة، تابعي.
سمع من الزبير، وصالح بن خوات، وأنس بن مالك، وعروة بن الزبير، وغيرهم.
روى عنه: الزهري، وهشام بن عروة، وغيرهما.
قال محمد بن سعد: توفي سنة ثلاثين ومئة؛ كذا قال عمرو بن علي، والواقدي، وابن نمير، وأبو عيسى، وكان عالمًا كثير الحديث ثقة، أخرج له الجماعة (1)
(عن صالح بن خوات) -بفتح الخاء المعجمة، وتشديد الواو، وبالمثناة
= (1259)، كتاب: الصلاة، باب: ما جاء في صلاة الخوف، عن صالح بن خوات، عن سهل بن أبي حثمة، به.
* مصَادر شرح الحَدِيث:
"الاستذكار" لابن عبد البر (2/ 451)، و"عارضة الأحوذي" لابن العربي (3/ 43)، و"إكمال المعلم" للقاضي (3/ 226)، و"شرح مسلم" للنووي (6/ 128)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (2/ 153)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (2/ 752)، و"فتح الباري" لابن رجب (6/ 37)، و"النكت على العمدة" للزركشي (ص: 154)، و"فتح الباري" لابن حجر (7/ 422)، و"عمدة القاري" للعيني (17/ 196)، و"سبل السلام" للصنعاني (2/ 59)، و"نيل الأوطار" للشوكاني (4/ 2).
(1)
وانظر ترجمته في: "التاريخ الكبير" للبخاري (8/ 331)، و"الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم (9/ 260)، و"الثقات" لابن حبان (7/ 615)، و"تهذيب الكمال" للمزي (32/ 122)، و"الكاشف" للذهبي (2/ 382)، و"تهذيب التهذيب" لابن حجر (11/ 284).
فوق- (بن جبير) بن النعمان الأنصاريِّ المدنيِّ، تابعيٌّ مشهور، عزيز الحديث، سمع: أباه، وسهل بن أبي حثمة -بفتح الحاء المهملة، وسكون المثلثة-، روى عنه: يزيد بن رومان، والقاسم بن محمد.
حديثه عند أهل المدينة، وهو ثقة، أخرج له: البخاري، ومسلم، وغيرهما (1).
(عمَّن صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم) فسره الحافظ رحمه الله: بأنه سهل بن أبي حثمة، كما يأتي (صلاة) غزوة (ذات الرقاع)، وكانت في السنة السابعة؛ كما جزم به الإمام ابن القيم في "الهدي"(2)، والشمس الشامي في "سيرته"(3)، وغيرهما، ومشيت على ذلك في "معارج الأنوار"، والخلاف في ذلك كثير شهير.
وتسمى هذه الغزوة: ذات العجائب أيضًا، واختلفوا في تسميتها بذات الرقاع:
فقيل: لأن أقدامهم نقبت، فلفوا عليها الخرق، كما في "الصحيحين"
(1) وانظر ترجمته في: "الطبقات الكبرى" لابن سعد (5/ 259)، و"التاريخ الكبير" للبخاري (4/ 276)، و"الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم (4/ 399)، و"الثقات" لابن حبان (4/ 372)، و"تهذيب الاسماء واللغات" للنووي (1/ 237)، و"تهذيب الكمال" للمزي (13/ 35)، و"تهذيب التهذيب" لابن حجر (4/ 339).
(2)
انظر: "زاد المعاد" لابن القيم (3/ 252).
(3)
كتاب: "سيرة النبي صلى الله عليه وسلم" للشيخ محمد بن علي بن يوسف الشامي الشافعي، المتوفى سنة (600 هـ)، ويعد كتابه هذا من أجمع كتب السيرة. انظر:"كشف الظنون" لحاجي (2/ 1012)، و"هدية العارفين" للبغدادي (1/ 500).
عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه (1) وقيل: لرقاع كانت في أجربتهم.
والأصح: أنه اسم موضع؛ لقوله: حتى إذا كنا بذات الرقاع (2)، وكانت الأرض التي نزلوها ذات ألوان تشبه الرقاع.
وقال الواقدي: سميت بجبل هناك فيه بقع من بياض وسواد وحمرة، يقال له: الرقاع، وقيل: اسم شجرة هناك بنجد من أرض غطفان.
ورجح السهيلي (3)، والنووي السببَ الذي ذكره أبو موسى الأشعري، قال النووي: ويحتمل أنها سميت بالمجموع (4)، وبه جزم صاحب "تهذيب المطالع"(5).
(صلاة الخوف) بدل من صلاة ذات الرقاع، فأخبر:(أن طائفة) من
(1) رواه البخاري (3899)، كتاب: المغازي، باب: غزوة ذات الرقاع، ومسلم (1816)، كتاب: الجهاد والسير، باب: غزوة ذات الرقاع.
(2)
رواه البخاري (3906)، كتاب: المغازي، باب: غزوة ذات الرقاع، ومسلم (843)، كتاب: صلاة المسافرين وقصرها، باب: صلاة الخوف، عن جابر بن عبد اللَّه رضي الله عنه.
(3)
انظر: "الروض الأنف" للسهيلي (3/ 401).
(4)
انظر: "شرح مسلم" للنووي (6/ 128).
(5)
كتاب: "تهذيب المَطالع لترغيب المُطالع"، في غريب الحديث، للقاضي محمود بن أحمد بن محمد الهمداني، المشهور بابن خطيب الدهشة، المتوفى سنة (834 هـ)، وهو ابن الفيومي صاحب "المصباح المنير"، وقد أودع ابنه في كتابه هذا غالب "المصباح". انظر:"هدية العارفين" للبغدادي (2/ 164). وانظر أقوال الأئمة في تسمية ذات الرقاع: "الطبقات الكبرى" لابن سعد (2/ 61)، و"السيرة النبوية" لابن هشام (4/ 157)، و"الثقات" لابن حبان (1/ 258)، و"الدرر" لابن عبد البر (ص: 167)، و"مشارق الأنوار" للقاضي عياض (1/ 275)، و"تهذيب الأسماء واللغات" للنووي (3/ 107)، و"فتح الباري" لابن حجر (7/ 419).
الصحابة الكرام -رضوان اللَّه عليهم- (صفت) -بفتح الصاد المهملة، وتشديد الفاء-؛ أي: صفت أنفسها (معه)؛ أي: النبي صلى الله عليه وسلم؛ يعني: خلفه، (و) قامت (طائفة) منهم (وِجاهَ العدو) (1)؛ أي: مواجهة للمشركين، (فصلى) عليه الصلاة والسلام (بـ) الطائفة الأولى، وهم (الذين) دخلوا (معه) في ابتداء صلاته (ركعة) تامة، ثم تفارقه في قيام الثانية، إذا استتم قائمًا.
قال علماؤنا: ولا يجوز قبله؛ لأنها مفارقة بلا عذر (2).
(ثم) إنه صلى الله عليه وسلم بعد قيامه إلى الركعة الثانية، ومفارقة الذين كانوا معه (ثبت قائمًا) يقرأ، ويطيل الإمام هنا القراءة، حتى تحضر الطائفة الأخرى، (وأتموا)؛ يعني: الذين كانوا دخلوا معه من أول صلاته، بعد أن نوت مفارقة الإمام؛ لأن من ترك المتابعة، ولم ينو المفارقة، بطلت صلاته (لأنفسهم)، فهي بعد المفارقة منفردة، فلا تسجد لسهو الإمام إلّا فيما قبل المفارقة، (ثم) سلموا من صلاتهم لتمامها، و (انصرفوا، فصفوا وجاه العدو) بعد انصفافهم وجاه العدو (وجاءت الطائقة الأخرى) التي كانت تحرس، فدخلت معه في الصلاة (فصلى بهم الركعة التي بقيت) من صلاته (ثم ثبت) عليه الصلاة والسلام (جالسًا) للتشهد، وينبغي للإمام أن يكرره، وقاموا هم للركعة الثانية، فأتوا بها، (وأتموا) بقية صلاتهم (لأنفسهم، ثم سلم) صلى الله عليه وسلم (بهم)؛ أي: بالطائفة الثانية.
وهذه الصفة اختيار الإمام أحمد، وأصحابه، والشافعية.
وزاد في "البخاري" بعد ذكره لهذا الحديث: قال مالك: وذلك أحسن
(1) قوله: "وِجاه" بكسر الواو، وضمها، كما قاله القرطبي في "المفهم"(2/ 476).
(2)
انظر: "الفروع" لابن مفلح (2/ 64).
ما سمعت في صلاة الخوف، ذكره في: المغازي من "صحيحه"(1).
ونص الإمام أحمد: أنها تفعل على هذه الصفة، وإن كان العدو في جهة القبلة، وخالف القاضي وغيره.
وقدمنا: أنه يطيل قراءته حال قيامه، حتى تحضر الأخرى، وقال الشافعي في أحد قوليه: لا يقرأ في حال الانتظار، بل يؤخر القراءة ليقرأ بالطائفة الثانية؛ لتحصل التسوية بين الطائفتين.
ولنا: أن الصلاة ليس فيها حال سكوت، والقيام محل للقراءة، فينبغي أن يأتي بها فيه، كما في التشهد إذا انتظرهم؛ فإنه لا يسكت، والتسوية بينهم تحصل بانتظاره إياهم في موضعين، والأولى في موضع واحد.
وقد علم أن الإمام إذا جلس للتشهد، قاموا فصلوا ركعة أخرى، وهي الباقية من صلاتهم، وأطال هو التشهد والدعاء، حتى يدركوه ويتشهدوا، ويسلم بهم.
وقال الإمام مالك: يتشهدون معه، فإذا سلم الإمام، قاموا فقضوا ما فاتهم كالمسبوق.
والأَوْلى: ما ذكرناه؛ لموافقة الحديث، ولأن قوله تعالى:{وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ} [النساء: 102] يدل على أن صلاتهم كلها معه، ولأن الطائفة الأولى أدركت معه فضيلة الإحرام، فينبغي أن يسلم بالثانية؛ ليسوي بينهم، فتكون الثانية أدركت فضيلة السلام، فيحصل التعادل (2).
(1) وتقدم تخريجه برقم (3900) عنده.
(2)
انظر: "شرح المقنع" لابن أبي عمر المقدسي (2/ 129 - 130).
تنبيه: يشترط أن تكون كل طائفة تكفي العدو، زاد أبو المعالي من علمائنا: بحيث يحرم فرارها، ولا يشترط في الطائفة عدد، وقيل: يشترط كون كل طائفة ثلاثة فأكثر (1).
قال في "الرعاية الكبرى": وهو أشهر، وقال القاضي: إن كانت كل طائفة أقل من ثلاثة، كرهناه.
قال الإمام الموفق: والأولى عدم اشتراط هذا؛ لأن ما دون الثلاثة تصح به الجماعة، فجاز أن يكونوا طائفة كالثلاثة، واللَّه الموفق (2).
قال الحافظ -رحمه اللَّه تعالى، ورضي عنه-:(الذي صلى مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: سهلُ بن أبي حثمة) كما ذكره ابن عبد البر (3)، وعبد الحق (4)، وغيرهما، قالا: وتوقف فيه ابن القطان، من حيث إن غزوة ذات الرقاع؛ إما في سنة أربع، أو خمس، على الخلاف في ذلك، ومولد سهل بن أبي حثمة إما سنة اثنتين، أو ثلاث من الهجرة، على الخلاف.
قال البرماوي: سهل بن أبي حثمة -بفتح الحاء المهملة، وسكون الثاء المثلثة- كنيته: أبو محمد، وقيل: أبو يحيى، واسم والد أبي حثمة: عبد اللَّه، وقيل: عبيد اللَّه، وقيل: عامر بن ساعدة بن عامر بن عدي الأنصاري الأوسي، ولد سنة ثلاث من الهجرة، سكن الكوفة، وعداده في أهل المدينة، وبها توفي زمان مصعب بن الزبير.
وأما قول أبي حاتم: إنه بايع تحت الشجرة، وشهد المشاهد كلها إلّا
(1) انظر: "الفروع" لابن مفلح (2/ 64).
(2)
انظر: "شرح المقنع" لابن أبي عمر المقدسي (2/ 129).
(3)
انظر: "التمهيد" لابن عبد البر (23/ 167).
(4)
انظر: "الأحكام الوسطى"، له (2/ 42).
بدرًا، وكان دليل النبي صلى الله عليه وسلم (1)، لا يصح ما ذكره؛ لما سبق، والدليل: إنما كان أبوه عامر بن ساعدة، وهو الذي بعثه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم (2) خارصًا، وأبو بكر، وعمر بعده (3).
ولهذا فسره النووي في "تهذيبه": بأن الذي صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم خوات بن جبير، والد صالح بن خوات، قال: ويحقق هذا من "صحيح مسلم" وغيره (4).
وأما ما في بعض طرق حديث صلاة الخوف بذات الرقاع؛ في أبي داود، والنسائي، وغيرهما رواية صالح بن خوات بن جبير، عن سهل بن أبي حثمة (5)، فليس يدل لشيء من ذلك؛ لأنه ليس فيها أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم، بل مجرد رواية ذلك؛ فيكون مرسل صحابي، أما أن يفسر به من صلى معه، فلا، واللَّه الموفق (6).
(1) انظر: "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم (4/ 200).
(2)
رواه البخاري في "التاريخ الكبير"(4/ 97)، والطبراني في "المعجم الأوسط"(9150)، والدارقطني في "سننه"(2/ 134).
(3)
رواه ابن أبي شيبة في "المصنف"(10560)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(4/ 124).
(4)
انظر: "تهذيب الأسماء واللغات" للنووي (2/ 585).
(5)
قلت: قد رواه الستة كما تقدم تخريجه من طريق صالح بن خوات، عن سهل بن أبي حثمة، به.
(6)
وانظر ترجمته في: "الطبقات الكبرى" لابن سعد (5/ 304)، و"التاريخ الكبير" للبخاري (4/ 97)، و"الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم (4/ 200)، و"الثقات" لابن حبان (3/ 169)، و"الاستيعاب" لابن عبد البر (2/ 661)، و"أسد الغابة" لابن الأثير (2/ 570)، و"تهذيب الأسماء واللغات" للنووي (1/ 227)، و"تهذيب الكمال" للمزي (12/ 177)، و"تهذيب التهذيب" لابن حجر =
قال الإمام أبو عبد اللَّه أحمد بن حنبل رضي الله عنه: صح عن النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف من خمسة أوجه، أو ستة، أو قال: ستة، أو سبعة؛ كل ذلك جائز لمن فعله.
قال الأثرم: قلت لأبي عبد اللَّه: تقول بالأحاديث كلها، أو تختار واحدًا منها؟ قال: أنا أقول: من ذهب إليها كلها، فحسن، وأما حديث سهل، فأنا أختاره (1)، يريد رضي الله عنه: ما رواه الجماعة عن صالح بن خوات، عن سهل بن أبي حثمة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر مثل الصفة المتقدمة.
وفي "سيرة مغلطاي"(2): قد رويت صلاة الخوف على ست عشرة صورة؛ كلها سائغ فعله، قال: وتفارق سائر الصلوات: بأنه لا سهو فيها على إمام، ولا مأموم، انتهى، كذا قال، وهو غريب.
تتمة: لو كانت الصلاة مغربًا، صلى بالطائفة الأولى ركعتين، وبالثانية ركعة، ولا تفسد بعكسه، نص عليهما الإمام أحمد، لكن الأولى أولى.
وبه قال مالك، والأوزاعي، وسفيان، والشافعي في أحد قوليه، وقال في الآخر: يصلي بالأولى ركعة، وبالثانية ركعتين؛ لأنه روي عن علي -
= (4/ 218)، و"الإصابة في تمييز الصحابة" له أيضًا (3/ 195).
(1)
انظر: "المغني" لابن قدامة (2/ 137). وانظر: "مسائل الإمام أحمد - رواية أبي داود"(ص: 111).
(2)
المسماة: "الإشارة على سيرة المصطفى وتاريخ من بعده من الخلفا" للشيخ الإمام الحافظ علاء الدين مغلطاي بن قليج التركي الحنفي المصري، المتوفى سنة (762 هـ)، وقد لخصه من سيره الكبير المسمى:"الزهر الباسم في سيرة المصطفى أبي القاسم". انظر: "كشف الظنون" لحاجي (2/ 958)، و"هدية العارفين" للبغدادي (2/ 191).
رضي اللَّه عنه-: أنه صلى كذلك ليلة الهرير (1)، ولأن الأولى أدركت معه فضيلة الإحرام والتقدم، فينبغي أن يزيد الثانية في الركعات، فيجبر نقصهم به.
ولنا: أنه إذا لم يكن بد من التفضيل، فالأولى أحق به، وما فات الثانية من فضيلة الإحرام ينجبر بإدراكها السلام مع الإمام، ولأنها تصلي جميع صلاتها في حكم الائتمام، والأولى تفعل بعض صلاتها في حكم الانفراد، وكل منهما جائز.
وإذا صلى بالثانية الركعة الثالثة، وجلس للتشهد، فإن الطائفة تقوم، ولا تتشهد معه؛ لأنه ليس بموضع تشهدها، بخلاف الرباعية.
وإن كانت الصلاة رباعية غير مقصورة؛ صلى بكل طائفة ركعتين، وأتمت الأولى بالفاتحة في كل ركعة من باقي صلاتها، والأخرى تتم بالفاتحة وسورة، وتفارقه الأولى في الرباعية، والمغرب عند فراغ التشهد، وينتظر الإمام الطائفة الثانية جالسًا يكرره، فإذا أتت الثانية، قام، زاد أبو المعالي: تحرم معه، ثم ينهض بهم، وقيل: المفارقة والانتظار في الثالثة؛ وفاقًا لإحدى روايتي مالك، وقولي الشافعي (2).
(1) ذكره البيهقي في "السنن الكبرى"(3/ 252) فقال: يذكر عن جعفر بن محمد، عن أبيه: أن عليًا رضي الله عنه صلى المغرب صلاة الخوف ليلة الهرير. وقال الإمام الشافعي في "الرسالة"(ص: 263): وحفظ عن علي بن أبي طالب: أنه صلى صلاة الخوف ليلة الهرير، كما روى خوات بن جبير، عن النبي صلى الله عليه وسلم. قال ابن الملقن في "خلاصة البدر المنير" (1/ 227): وليلة الهرير: حرب جرت بين علي والخوارج، وكان بعضهم يهر على بعض؛ فسميت بذلك، وقيل: هي ليلة صفين بين علي ومعاوية رضي الله عنهما.
(2)
انظر: "شرح المقنع" لابن أبي عمر المقدسي (2/ 133 - 134).
قال في "شرح المقنع": هذا قول مالك، والأوزاعي؛ لأنه يحتاج إلى التطويل من أجل الانتظار، والتشهد يستحب تخفيفه؛ ولهذا روي: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا جلس للتشهد، كأنه على الرضف، حتى يقوم (1)، ولأن ثواب القائم أكثر، ولأنه إذا انتظرهم جالسًا، وجاءت الطائفة، فإنه يقوم قبل إحرامهم، فلا يحصل اتباعهم إياه في القيام.
والوجه الثاني: تفارقه في التشهد؛ لتدرك الطائفة الثانية جميع الركعة الثالثة، ولأن الجلوس أخف على الإمام، ولأنه متى انتظرهم قائمًا، احتاج إلى قراءة السورة في الركعة الثالثة، وهو خلاف السنة، ويصح أن يصلي بطائفة ركعة، وبأخرى ثلاثًا، واللَّه أعلم (2).
* * *
(1) رواه أبو داود (995)، كتاب: الصلاة، باب: في تخفيف القعود، والنسائي (1176)، كتاب: التطبيق، باب: التخفيف في التشهد الأول، والترمذي (366)، كتاب: الصلاة، باب: ما جاء في مقدار القعود في الركعتين الأوليين، وقال: حسن، وغيرهم، عن ابن مسعود رضي الله عنه. والرضف: الحجارة المحماة على النار، واحدتها: رضفة. كما في "النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير (2/ 231).
(2)
انظر: "شرح المقنع" لابن أبي عمر المقدسي (2/ 134 - 135).