الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثالث
عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: كانَ رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكعَةً، يُوترُ مِنْ ذَلِكَ بخَمْسِ، لَا يَجْلِسُ في شَيْءٍ إِلَّا في آخِرِهَا (1).
(1) * تَخْرِيج الحَدِيث:
رواه مسلم (737/ 123)، واللفظ له، و (737/ 124)، كتاب: صلاة المسافرين وقصرها، باب: صلاة الليل، وعدد ركعات النبي صلى الله عليه وسلم في الليل، وأبو داود (1338)، كتاب: الصلاة، باب: في صلاة الليل، و (1359، 1360)، والترمذي (495)، كتاب: الصلاة، باب: ما جاء في الوتر بخمس، وابن ماجه (1359)، كتاب: الصلاة، باب: ما جاء في كم يصلي بالليل. والحديث من أفراد مسلم، كما نبه عليه الحافظ عبد الحق الإشبيلي، كما سيأتي للشارح؛ إذ لم يخرج البخاري هذا اللفظ، وإنما رواه (1089)، كتاب: التهجد، باب: كيف كان صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، من طريق القاسم بن محمد، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة، منها الوتر وركعتا الفجر. نعم، جعله الحميدي في "الجمع بين الصحيحين"(4/ 38) من متفقي الشيخين، لكن الأول أولى، كما ذكر الزركشي في "النكت على العمدة" (ص: 123).
* مصَادر شرح الحَدِيث:
"الاستذكار" لابن عبد البر (2/ 102)، و"شرح مسلم" للنووي (6/ 20)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (2/ 87)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (2/ 638)، و"فتح الباري" لابن حجر (3/ 20) ، و"عمدة القاري" للعيني (7/ 188)، و"سبل السلام" للصنعاني (2/ 13)، و"نيل =
(عن عائشة) أم المؤمنين الصديقة بنت الصديق (رضي الله عنها) ، وعن أبيها، (قالت: كان) تقدم غير مرة أن هذه العبارة تفيد الكثرة، أو المداومة (رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة)، منها: ركعتان خفيفتان، وهما اللتان كان يفتتح بهما صلاته من الليل، (يوتر من ذلك بخمس) ركعات يسردها سردًا، (لا يجلس في شيء) منها (إلا في آخرها).
قال في "الفروع": وإن أوتر بخمس، سردهن، وكذا السبع، نصَّ عليه، وإن أوتر بتسع، تشهد بعد الثامنة، وسلم بعد التاسعة، قال: في "الخلاف" عن فعله صلى الله عليه وسلم: قصدَ بيانَ الجواز، وإن كان الأفضل غيره، وقد نص الإمام أحمد على جواز هذا (1).
تنبيهات:
الأول: ظاهر صنيع الحافظ: أن هذا الحديث من متفقي الشيخين، وليس كذلك، بل هو من أفراد مسلم، كما نبه عليه الحافظ عبد الحق الإشبيلي (2)، ولم ينبه عليه ابن دقيق العيد، وكأن ذلك؛ لكون البخاري خرج ما بمعناه، واللَّه أعلم.
الثاني: مقصود الحافظ -رحمه اللَّه تعالى-: أن يبين بمجموع ما ذكره؛ من كون صلاة الليل مثنى مثنى؛ ليس على إطلاقه، فإنه قد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم: أنه سرد خمس ركعات سردًا، لم يجلس إلا في آخرها، وهذا أدل على الجواز من مفهوم الحصر، من قوله:"صلاة الليل مثنى مثنى"(3)؛ إذ
= الأوطار" للشوكاني (3/ 44).
(1)
انظر: "الفروع" لابن مفلح (1/ 480).
(2)
انظر: "الجمع بين الصحيحين" للحافظ عبد الحق الإشبيلي (1/ 488).
(3)
تقدم تخريجه.
المفهوم لا يعارض صريح الفعل الثابت.
والحاصل من معتمد المذهب: أن الإنسان لو نوى ليلًا أربعًا، جاز، وله أن يسلم من اثنتين، ولو نوى اثنتين، اقتصر عليهما، فلو قام إلى ثالثة سهوًا، فكقيامه إلى ثالثة بفجر، وهذا يعني: أنه لو نوى أكثر من ثنتين ليلًا، وكذا نهارًا؛ صح، خلافًا للشافعية (1).
[و] الأحاديث الصحيحة بالجواز صريحة، فحمل علماؤنا كل فعل على محله الذي فعله فيه النبي صلى الله عليه وسلم، واللَّه أعلم.
الثالث: قول عائشة رضي الله عنها: كان صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة، منها: الوتر، وركعتا الفجر (2)، وفي لفظ عنها: كان يصلي ثلاث عشرة ركعة، بركعتي الفجر (3).
وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن: أنه سأل عائشة رضي الله عنها، عن صلاة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فقالت: كان يصلي ثلاث عشرة ركعة، يصلي ثماني ركعات، ثم يوتر، ثم يصلي ركعتين وهو جالس، فإذا أراد أن يركع، قام فركع، ثم يصلي ركعتين بين النداء والإقامة، من صلاة الصبح، وهذه في "الصحيحين"، إلا أن البخاري لم يذكر: أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي بعد الوتر شيئًا، إلا ركعتي الفجر خاصة (4).
(1) انظر: "كشاف القناع" للبهوتي (1/ 397).
(2)
تقدم تخريجه عند البخاري برقم (1089).
(3)
تقدم تخريجه عند مسلم برقم (737/ 124).
(4)
رواه البخاري (1106)، كتاب: التهجد، باب: المداومة على ركعتي الفجر، ومسلم (738/ 126)، كتاب: صلاة المسافرين وقصرها، باب: صلاة الليل، وعدد ركعات النبي صلى الله عليه وسلم في الليل، واللفظ له.
وفي رواية لمسلم في هذا الحديث. تسع ركعات قائمًا، يوتر فيهن (1).
وفيهما عن عائشة رضي الله عنها: كانت صلاة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من الليل عشر ركعات، ويوتر بسجدة، ويركع ركعتي الفجر، فتلك ثلاث عشرة ركعة (2).
وكذا في حديث أم سلمة رضي الله عنها: أن صلاته ثلاث عشرة، منها الوتر، وركعتا الفجر (3).
وقد جاء من عدة طرق: أن الوتر إحدى عشرة ركعة (4).
قال في "الفتح": وظهر لي أن الحكمة فى الزيادة على الإحدى عشرة: أن التهجد والوتر مختص بصلاة الليل، وفرائض النهار: الظهر وهي أربع، والعصر وهي أربع، والمغرب وهي ثلاث وتر النهار، فناسب أن تكون صلاة الليل كصلاة النهار في العدد، جملة وتفصيلًا، وأما مناسبة ثلاث عشرة، فتضم صلاة الصبح؛ لكونها نهارية إلى ما بعدها (5).
قلت: وفيه تأمل:
(1) رواه مسلم (738/ 126)، (1/ 509 - 510)، كتاب: صلاة المسافرين وقصرها، باب: صلاة الليل، وعدد ركعات النبي صلى الله عليه وسلم في الليل.
(2)
تقدم تخريجه عند البخاري برقم (1089)، وعند مسلم (738/ 128)، واللفظ لمسلم.
(3)
لعل الشارح يريد حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن عائشة، المتقدم تخريجه قريبًا، واللَّه أعلم.
(4)
رواه البخاري (949)، كتاب: الوتر، باب: ما جاء في الوتر، ومسلم (736)، كتاب: صلاة المسافرين وقصرها، باب: صلاة الليل، وعدد ركعات النبي صلى الله عليه وسلم في الليل، من حديث عائشة رضي الله عنها.
(5)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر (3/ 21).
أولًا: لعدم اعتبار صلاة العشاء في شيء من الطرفين.
وثانيًا: لأن صلاة المغرب ليلية، وصلاة الفجر نهارية؛ لحديث:"إذا أقبل الليل من هاهنا، فقد أفطر الصائم"(1).
وثالثًا: لقول مسروق بن الأجدع: سألت عائشة رضي الله عنها عن صلاة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بالليل، فقالت: سبع، وتسع، وإحدى عشرة؛ سوى ركعتي الفجر تفرد به البخاري (2)، يعني: كل عدد تارة في أوقات مختلفة؛ بحسب اتساع الوقت وضيقه، أو عذر من مرض، أو غيره، أو كبر سنه.
وفي "النسائي" عنها: أنه كان يصلي من الليل تسعًا، فلما أسن صلى سبعًا (3).
وفي "الصحيحين"، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن: أنه سأل عائشة: كيف كانت صلاة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في رمضان؟ قالت: ما كان يزيد في رمضان، ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة، يصلي أربعًا، فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعًا، فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي ثلاثًا، قالت عائشة: فقلت: يا رسول اللَّه! أتنام قبل أن توتر؟ فقال: "يا عائشة! إن عيني تنامان، ولا ينام قلبي"(4).
(1) تقدم تخريجه.
(2)
رواه البخاري (1088)، كتاب: التهجد، باب: كيف كان صلاة النبي صلى الله عليه وسلم.
(3)
رواه النسائي (1709)، كتاب: قيام الليل وتطوع النهار، باب: ذكر الاختلاف على حبيب بن أبي ثابت في حديث ابن عباس في الوتر، والإمام أحمد في "المسند"(6/ 225).
(4)
رواه البخاري (1096)، كتاب: التهجد، باب: قيام النبي صلى الله عليه وسلم بالليل في رمضان وغيره، ومسلم (738/ 125)، كتاب: صلاة المسافرين وقصرها، باب: صلاة الليل وعدد ركعات النبي صلى الله عليه وسلم في الليل.
الرابع: يسن قيام الليل، وافتتاحه بركعتين خفيفتين؛ لفعله وأمره صلى الله عليه وسلم، وينوي القيام عند النوم؛ ليفوز بقوله صلى الله عليه وسلم:"من نام ونيته أن يقوم، كتب له ما نوى، وكان نومه صدقة عليه" رواه أبو داود، والنسائي، وهو حسن، من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه (1).
واعلم: أن الصلاة بالليل من موجبات الجنة؛ كما دلت عليه الأحاديث، ودل عليه قوله تعالى:{إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (15) آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ (16) كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18) وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [الذاريات: 15 - 19] فوصفهم: بالتيقظ بالليل، والاستغفار بالأسحار، وبالإنفاق من أموالهم.
وفي "اختيار الأولى في شرح حديث اختصام الملأ الأعلى" للحافظ ابن رجب: كان بعض السلف نائمًا، فأتاه آت في منامه، فقال له: قم فصل، أما علمت أن مفاتيح الجنة مع أصحاب الليل، هم خزانها، هم خزانها (2)؟ واللَّه الموفق.
* * *
(1) رواه النسائي (1784)، كتاب: قيام الليل وتطوع النهار، باب: من كان له صلاة بالليل فغلبه عليها النوم، وابن ماجه (1344)، كتاب: الصلاة، باب: ما جاء فيمن نام عن حزبه من الليل، وغيرهما. ولم أره في "سنن أبي داود"، ولم يعزه إليه أحد من الأئمة؛ كالمنذري، وغيره، واللَّه أعلم.
(2)
رواه ابن أبي الدنيا في "التهجد وقيام الليل"(ص: 499)، وفي "المنامات" (ص: 141 - 142). وانظر: "اختيار الأولى في شرح حديث اختصام الملأ الأعلى"(ص: 38).