الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثامن
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّ أُمِّي ماتَتْ، وَعَلَيها صَوْمُ شَهْرٍ، أَفأَقْضِيهِ عَنْهَا؟ فَقَالَ:"لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكَ دَيْنٌ، أَكُنْتَ قَاضِيَهُ عَنْهَا؟! "، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ:"فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى"(1).
وَفِي رِوَايَةٍ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ نَذْرٍ، أَفَأَصُومُ عَنْهَا؟، فَقَالَ:"أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكِ دَيْنٌ فَقَضَيْتِيهِ، أَكَانَ ذَلِكَ يُؤَدِّي عَنْهَا؟! "، قالتْ: نَعَمْ، قال:"فَصُومِي عَنْ أُمِّكِ"(2).
(1) * تَخْرِيج الحَدِيث:
رواه البخاري (1852)، كتاب: الصوم، باب: من مات وعليه صوم، و (6321)، كتاب: الأيمان والنذور، باب: من مات وعليه نذر، ومسلم (1148/ 155)، كتاب: الصيام، باب: قضاء الصيام عن الميت، واللفظ له.
(2)
رواه مسلم (1148/ 156، 154)، كتاب: الصيام، باب: قضاء الصيام عن الميت، وأبو داود (3310)، كتاب: الأيمان والنذور، باب: ما جاء فيمن مات وعليه صيام، صام عنه وليه.
* مصَادر شرح الحَدِيث:
"معالم السنن" للخطابي (4/ 60)، و"الاستذكار" لابن عبد البر (5/ 163)، و"إكمال المعلم" للقاضي عياض (4/ 105)، و"المفهم" للقرطبي (3/ 210)، و"شرح مسلم" للنووي (8/ 24)، و"شرح عمدة الأحكام" =
(عن) ترجمان القرآن الحبر المفخم (عبدِ اللَّه بنِ عباس رضي الله عنهما، قال: جاء رجل) قال القسطلاني في "شرح البخاري": لم يسم الرجل (1)، وقال البرماوي في "شرح الزهر": حديث ابن عباس: جاء رجل (إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول اللَّه! إن أمي ماتت وعليها صومُ شهرٍ) بالإضافة (أفأقضيه عنها؟)، الحديث.
السائل هو سعدُ بنُ عُبادةَ كما قد يُفهم ذلك عن رواية ذكرها المصنف -يعني: الحافظ عبد الغني- في باب: النذر من كتابه هذا، وذلك أنها من رواية ابن عباس، فالظاهر أن القضية واحدة، نعم، أشار ابن دقيق العيد إلى أن الحديث يحتمل أن يكون في صوم نذر، وأن يكون خلافه (2).
قال البرماوي: والظاهر الأولى؛ لما ذكرناه، ولكون اللفظ متقاربًا.
وأمُّ سعد هي عَمْرَةُ بنتُ مسعودِ بنِ قيسِ بن عمرِو بنِ زيدِ بنِ مناة رضي الله عنهما.
(فقال) عليه الصلاة والسلام: (أرأيت لو كان على أمك دين) من ديون الآدميين، (أكنتَ قاضِيَه عنها؟) لتبرأ ذمَّتُها منه، (قال: نعم) كنتُ أفعلُ ذلك، (قال) عليه السلام:(فَديْنُ اللَّه أحقُّ أن يُقْضى)؛ أي: كما أن حق العبد يُقضى، فحقُّ اللَّه أحقُّ.
وهذا الحديث أخرجه البخاري في الصوم، وكذا مسلم، وأخرجه
= لابن دقيق (2/ 230)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (2/ 879)، و"فتح الباري" لابن حجر (11/ 585)، و"عمدة القاري" للعيني (11/ 61)، و"إرشاد الساري" للقسطلاني (3/ 391)، و"سبل السلام" للصنعاني (4/ 113).
(1)
انظر: "إرشاد الساري" للقسطلاني (3/ 391).
(2)
انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (2/ 230).
أَبو داود في الأيمان والنذور، والترمذي في الصوم، وكذا النسائي، وابن ماجه (1).
(وفي رواية) عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال:(جاءت امرأةٌ إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول اللَّه! إن أمي ماتت).
قال البرماوي في "المبهمات من شرح الزهر البسام": اسم المرأة السائلة غاثية -بالغين المعجمة والثاء المثلثة فمثناة تحتية فهاء تأنيث-، أو: غايثة -بتقديم المثناة تحت على المثلثة-، على خلاف في ذلك، وذكره الذهبي في "التجريد" من مرسلات عطاء الخراساني (2)، (وعليها)؛ أي: أمي (صومُ نذر) بالإضافة، والواو للحال، وقد بين أَبو بشر في رواية عند الإمام أحمد سببَ النذر، ولفظه: أن امرأة ركبت البحر، فنذرت أن تصوم
(1) تقدم تخريجه عند البخاري ومسلم وأبي داود. وقد رواه النسائي (3816)، كتاب: الأيمان والنذور، باب: من نذر أن يصوم ثم مات قبل أن يصوم، عن ابن عباس رضي الله عنهما بلفظ: ركبت امرأة البحر، فنذرت أن تصوم شهرًا، فماتت قبل أن تصوم، فأتت أختها النبي صلى الله عليه وسلم، وذكرت ذلك له، فأمرها أن تصوم عنها. ورواه الترمذي (716)، كتاب: الصوم، باب: ما جاء في الصوم عن الميت، بلفظ: جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إن أختي ماتت وعليها صوم شهرين متتابعين، قال:"أرأيت لو كان على أختك دين، أكنت تقضينه؟ "، قالت: نعم، قال:"فحق اللَّه أحق". ورواه ابن ماجه (1758)، كتاب: الصيام، باب: من مات وعليه صيام من نذر، بنحو لفظ الترمذي. فعلم من هذا أن رواية البخاري ومسلم وأبي داود مخالفة لرواية النسائي والترمذي وابن ماجه، إذ أن رواية الأولين أن المقضي عنها هي الأم، وليس فيه أيضًا تحديد مقدار الصيام الذي نذرته، بخلاف رواية الآخرين. وقد نقل الشارح رحمه الله تخريجه هذا عن القسطلاني في "إرشاد الساري"(3/ 391).
(2)
انظر: "تجريد أسماء الصحابة" للذهبي (2/ 292).
شهرًا، فماتت قبل أن تصوم (1)، وهذا صريح في أنه غير رمضان (2)، (أفأصومُ عنها) نذرَها الذي ماتت ولم تؤد؟ (فقال) عليه الصلاة والسلام لها:(أرأيتِ لو كان على أُمِّكِ دَين) لآدمي ([فـ] قَضَيْتيهِ عنها) بدفعه لمن هو له، (أكان) استفهام تقرير (ذلك) القضاءُ لدَيْنِها الصادرِ منكِ (يؤدِّي عنها)، وتبرأ به ذمتها، ولا يسوغ لربِّ الدين بعد ذلك مطالبتُها بشيء منه؟ (قالت: نعم) يؤدِّي ذلك عنها، (قال) عليه الصلاة والسلام:(فصومي عن أُمِّك)، فعلَّل صلى الله عليه وسلم قضاءَ الصوم بعلَّة عامة للنذر وغيره، لكنْ للنذر وصفٌ لا يُلغى، فيسوغ اعتبارُه في الحديث، وهذا ظاهر لا غبار عليه.
وفي قوله صلى الله عليه وسلم: "لو كان على أُمِّكِ دينٌ
…
إلخ" دليلٌ على جواز القياس في الشريعة؛ من حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم قاسَ وجوبَ حقِّ اللَّه تعالى على وجوب أداء حقِّ العباد، وجعله من طريق الأحق، فيجوز لغيره القياسُ؛ لقوله تعالى: {فَاتَّبِعُوهُ} [الأنعام: 153]، ولاسيما قوله صلى الله عليه وسلم: "أرأيت إرشادًا وتنبيهًا على العلة التي هي كشيء مستقر في نفس المخاطب.
وفي قوله -عليه والسلام-: "فدينُ اللَّه أحق بالقضاء" دلالة على المسائل التي اختلف الفقهاء فيها عند تزاحم حق اللَّه تعالى وحق العباد؛ كما إذا مات وعليه دينُ آدمي، ودينُ الزكاة مثلًا، وضاقت التركَةُ عن الوفاء بكل واحد منهما (3)، ومعتمد مذهب الإمام أحمد: التسوية بينهما، واللَّه تعالى الموفق.
* * *
(1) رواه الإمام أحمد في المسند" (1/ 338). وتقدم تخريجه قريبًا عند النسائي أيضًا.
(2)
انظر: "إرشاد الساري" للقسطلاني (3/ 391).
(3)
انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (2/ 230 - 231).