الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الرابع
عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى فِي خَمِيصَةٍ لَهَا أَعْلَامٌ، فَنَظَرَ إلَى أَعْلَامِهَا نَظْرَةً، فَلمَّا انْصَرَفَ، قَالَ:"اذْهَبُوا بخَمِيصَتي هَذِهِ إلى أبي جَهْمٍ، وائْتُونِي بأَنْبِجَانِيَّةِ أَبِي جَهْمٍ؛ فَإِنَّهَا أَلْهَتْنِي آنِفًا عن صَلَاتِي"(1).
(1) * تَخْرِيج الحَدِيث:
رواه البخاري (366)، كتاب: الصلاة في الثياب، باب: إذا صلى في ثوب له أعلام، ونظر إلى علمها، واللفظ له، و (719)، كتاب: صفة الصلاة، باب: الالتفات في الصلاة، و (5479)، كتاب: اللباس، باب: الأكسية والخمائص، ومسلم (556/ 61 - 63)، كتاب: المساجد ومواضع الصلاة، باب: كراهة الصلاة في ثوب له أعلام، وأبو داود (914 - 915)، كتاب: الصلاة، باب: النظر في الصلاة، و (4052 - 4053)، كتاب: اللباس، باب: من كرهه، والنسائي (771)، كتاب: القبلة، باب: الرخصة في الصلاة في خميصة لها أعلام، وابن ماجه (3550)، كتاب: اللباس، باب: لباس رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم.
* مصَادر شرح الحَدِيث:
انظر: "معالم السنن" للخطابي (1/ 216)، و"الاستذكار" لابن عبد البر (1/ 529)، و"إكمال المعلم" للقاضي عياض (2/ 489)، و"المفهم" للقرطبي (2/ 162)، و"شرح مسلم" للنووي (5/ 43)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (2/ 96)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (2/ 659)، و"فتح الباري" لابن رجب (2/ 201)، و"النكت على العمدة" للزركشي (ص: 129)، و"طرح التثريب" للعراقي (2/ 377)، و"فتح الباري" لابن حجر (1/ 483)، و"عمدة القاري" للعيني (4/ 92)، و"سبل السلام" للصنعاني (1/ 151).
الخميصة: كساءٌ مربَّع له أعلام، والأنبجانية: كساء غليظ.
* * *
(عن) أم المؤمنين (عائشة) الصديقة (رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في خميصة) -بفتح الخاء المعجمة، وكسر الميم، وبالصاد المهملة-: كساء مربع (لها أعلام) جمع علم: هي رَسْمُ الثوب ورقمه؛ كما في "القاموس"(1).
(فنظر) رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم (إلى أعلامها) المرسومة بها (نظرة) كأنها أعجبته، (فلما انصرف)؛ أي: فرغ من صلاته، (قال) عليه الصلاة والسلام:(اذهبوا بخميصتي هذه إلى أبي جهم) -بفتح الجيم، وسكون الهاء على التكبير-، وربما يقال: أبو جهم بدون "أل"، واسمه: عامر، وقيل: عبيد -بضم العين- بن حذيفة بن غانم بن عامر بن عبد اللَّه بن عبيد -بفتح العين، وكسر الموحدة- بن عَوِيج -بفتح العين أيضًا، وكسر الواو، فياء مثناة، فجيم- بن عدي بن كعب القرشي العدوي، أسلم يوم الفتح، وكان معظمًا في قريش.
قال الزبير: كان أبو جهم من مشيخة قريش، عالمًا بالنسب.
قال ابن عبد البر: هو أحد الأربعة الذين كانت قريش تأخذ عنهم علم النسب؛ وهم: عقيل بن أبي طالب، ومخرمة بن نوفل الزهري، وأبو جهم هذا، وحويطب بن عبد العزى العامري.
وكان أبو جهم من المعمَّرين، بنى الكعبة مرتين؛ مرة في الجاهلية حين بنتها قريش، ومرة حين بناها ابن الزبير، وروي عنه أنه قال: قد عملت في
(1) انظر: "القاموس المحيط" للفيروزأبادي (ص: 1472)، (مادة: علم).
الكعبة مرتين: مرة في الجاهلية بقوة غلام يفاع، وفي الإسلام بقوة شيخ فان.
توفي رضي الله عنه في أيام ابن الزبير-رضي الله عنهما (1).
وإنما خصه صلى الله عليه وسلم بإرسال الخميصة؛ لأنه كان أهداها للنبي صلى الله عليه وسلم، كما رواه مالك في "الموطأ" من طريق أخرى، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: أهدى أبو جهم بن حذيفة إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم خميصة لها علم، فشهد فيها الصلاة، فلما انصرف، قال:"رُدِّي هذه الخميصة إلى أبي الجهم"(2).
ووقع عند الزبير بن بكار ما يخالف ذلك، فأخرج من وجه مرسل: أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بخميصتين سوداوين، فلبس إحداهما، وبعث بالأخرى إلى أبي الجهم (3).
ولأبي داود من طريق أخرى: وأخذ كرديًا لأبي جهم، فقيل:
(1) وانظر ترجمته في: "الطبقات الكبرى" لابن سعد (5/ 451)، و"الثقات" لابن حبان (3/ 291)، و"الاستيعاب" لابن عبد البر (4/ 1623)، و"تاريخ دمشق" لابن عساكر (38/ 173)، و"أسد الغابة" لابن الأثير (6/ 56)، و"تهذيب الأسماء واللغات" للنووي (2/ 492)، و"سير أعلام النبلاء" للذهبي (2/ 556)، و"الإصابة في تمييز الصحابة" لابن حجر (7/ 71).
(2)
رواه الإمام مالك في "الموطأ"(1/ 97)، والإمام أحمد في "المسند"(6/ 177)، وابن حبان في "صحيحه"(2338).
(3)
قال ابن عبد البر في "الاستيعاب"(4/ 1624): وذكر الزبير، قال: حدثني عمر بن أبي بكر المؤملي، عن سعيد بن عبد الكبير بن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب، عن أبيه، عن جده، قال: بلغنا أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أتي بخميصتين
…
، فذكره. وانظر:"الروض الأنف" للسهيلي (1/ 305).
يا رسول اللَّه! الخميصة كانت خيرًا من الكردي (1).
وقوله: (وائتوني بأَنْبِجانية أبي جهم) هي -بفتح الهمزة، وسكون النون، وكسر الموحدة، وتخفيف الجيم، وبعد النون ياء نسبة-: كساء غليظ؛ كما في كلام الحافظ -رحمه اللَّه تعالى- لا عَلَمَ له.
وقال ثعلب: يجوز -فتح الهمزة، وكسرها، وكذا الموحدة- يقال: كساء أنبجاني: إذا كان ملتفًا كثيرًا لصوف (2)، وأنكر أبو موسى المديني على من زعم: أنه منسوب إلى منبج البلد المعروف بالشام.
قال صاحب "الصحاح": إذا نسبت إلى منبج، فتحت الباء، فقلت: كساء مَنْبَجَاني، أخرجوه مُخْرَج مَنْظَرانيٍّ (3).
وفي "القاموس": كساء مَنْبَجَاني، وأَنْبَجَاني -بفتح بائهما-: نسبة على غير قياس، انتهى (4).
وفي "الجمهرة": منبج: موضع أعجمي تكلمت فيه العرب، ونسبوا إليه الثياب المنبجانية (5).
قال أبو حاتم السجستاني: لا يقال: كساء أنبجاني، وإنما يقال: منبجاني، قال: وهذا مما تخطىء فيه العامة، انتهى (6).
(1) تقدم تخريجه برقم (915) عنده.
(2)
نقله ابن عبد البر في "الاستذكار"(1/ 530).
(3)
انظر: "الصحاح" للجوهري (1/ 342)، (مادة: نبج).
(4)
انظر: "القاموس المحيط" للفيروزأبادي (ص: 264)، (مادة: نبج).
(5)
انظر: "جمهرة اللغة" لابن دريد (1/ 272)، (مادة: نبج).
(6)
نقله أبو عبيد البكري في "معجم ما استعجم"(4/ 1265)، عن أبي حاتم في:"لحن العامة".
وقد علمت: أن صاحب "القاموس" أجازهما معًا (1).
قال ابن بطال: إنما طلب منه ثوبًا غيرها؛ ليعلمه أنه لم يَرُدَّ عليه هديته استخفافًا به.
قال: وفيه: أن الواهب إذا ردت عليه عطيته، من غير أن يكون هو الراجع فيها، فله أن يقبلها من غير كراهة، وهذا على ما في "الموطأ"، بخلاف ما رواه الزبير بن بكار (2).
(فإنها)؛ أي: الخميصة المعلمة قد (ألهتني)؛ أي: شغلتني، يقال: لَهِيَ -بالكسر-: إذا غفل، ولَهَا -بالفتح-: إذا لعب؛ كذا في "الفتح"(3).
وفي "النهاية": اللهو: اللعب، يقال: لهوت بالشيء، ألهو لهوًا، وتلهيت به: إذا لعبت به، وتشاغلت، وغفلت به عن غيره، وألهاه عن كذا: أي شغله، ولهيت عن الشيء -بالكسر- ألهى -بالفتح- لهيًا: إذا سلوت عنه، وتركت ذكره، وإذا غفلت عنه واشتغلت، انتهى (4).
(آنفًا)؛ أي: قريبًا، وهو مأخوذ من ائتناف الشيء؛ أي: ابتدائه؛ كما في "الفتح"(5).
وقال في "المطالع": قوله صلى الله عليه وسلم: "آنفًا" -بالمد والقصر- قيدناه في الحديث، وقرأناه في القرآن؛ أي: قريبًا، أو الساعة، وقيل: في أول وقت كنا فيه، وكله من الاستئناف، والقرب (6).
(1) وانظر فيما ذكره الشارح رحمه الله: "فتح الباري" لابن حجر (1/ 483).
(2)
المرجع السابق، الموضع نفسه.
(3)
المرجع السابق، الموضع نفسه.
(4)
انظر: "النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير (4/ 282 - 283).
(5)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر (1/ 483).
(6)
وانظر: "مشارق الأنوار" للقاضي عياض (1/ 44).
(عن صلاتي)؛ أي: عن كمال الحضور فيها، كذا قيل، والطريق الثانية تقتضي أنه لم يقع شيء من ذلك، وإنما خاف أن يقع؛ لقوله في الرواية الثانية:"فأخاف أن تفتني"، وكذا في رواية مالك:"فكادت"(1).
قال ابن فى قيق العيد: فيه: المبادرة من الرسول صلى الله عليه وسلم إلى مصالح الصلاة، ونفي ما لعله يخدش فيها.
وفيه: دليل على طلب الخشوع في الصلاة، والإقبال عليها، ونفي ما يقتضي شغل الخاطر بغيرها (2).
ولا يلزم من بعثه صلى الله عليه وسلم بالخميصة لأبي جهم؛ أن يستعملها في الصلاة، ومنه: قوله في حلة عطارد حيث بعث بها إلى عمر: "إني لم أبعث بها إليك لتلبسها"(3).
ويحتمل أن يكون ذلك من جنس قوله: "كل، فإني أناجي من لا تناجي"(4).
واستنبط من هذا الحديث: كراهة كل ما يشغل عن الصلاة، من الأصباغ، والنقوش، ونحوها، واللَّه تعالى أعلم (5).
(1) انظر: "فتح الباري" لابن حجر (1/ 483).
(2)
انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (2/ 96).
(3)
رواه مسلم (2068)، كتاب: اللباس والزينة، باب: تحريم استعمال إناء الذهب والفضة على الرجال والنساء، عن ابن عمر رضي الله عنهما.
(4)
تقدم تخريجه عند البخاري ومسلم، من حديث جابر بن عبد اللَّه رضي الله عنهما.
(5)
انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (2/ 96).
قال الحافظ -روح اللَّه روحه-: (الخميصة: كساء مربع له أعلام) -كما قدمنا-.
(والأنبجانية) -بفتح الهمزة، وكسرها، وكذا الباء، كذا تقدم-:(كساء غليظ) لا أعلام فيه (1)، فإن كان فيه علم، فهو خميصة، واللَّه تعالى الموفق.
* * *
(1) كذا قاله الخطابي في "معالم السنن"(1/ 216).