الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثالث
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "تَسَحَّرُوا؛ فَإِنَّ في السُّحُورِ بَرَكَةً"(1).
(عن) أبي حمزةَ (أنسِ بنِ مالكٍ رضي الله عنه، قال: قال رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: تَسَحَّروا) وهو تفعُّل من السَّحَر، وهو قُبيل الصبح.
قال علماؤنا كالشّافعيّة: يدخل وقتُه بنصف اللّيل، وفيه نظر؛ لأنّ السّحر لغةً قُبيلَ الفجر، ومن ثمَّ خصّه بعضُهم بالسدُس الأخير، والمراد:
(1) * تَخْرِيج الحَدِيث:
رواه البخاري (1823)، كتاب: الصوم، باب: بركة السحور، ومسلم (1095)، كتاب: الصيام، باب: فضائل السحور وتأكيد استحبابه، والنسائي (2146)، كتاب: الصيام، باب: الحث على السحور، والترمذي (708)، كتاب: الصوم، باب: ما جاء في فضل السحور، وابن ماجه (1692)، كتاب: الصيام، باب: ما جاء في السحور.
* مصَادر شرح الحَدِيث:
"إكمال المعلم" للقاضي عياض (4/ 32)، و"المفهم" للقرطبي (3/ 155)، و"شرح مسلم" للنووي (7/ 206)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (2/ 208)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (2/ 845)، و"فتح الباري" لابن حجر (4/ 139)، و"عمدة القاري" للعيني (10/ 301)، و"إرشاد الساري" للقسطلاني (3/ 365)، و"سبل السلام" للصنعاني (2/ 154)، و"نيل الأوطار" للشوكاني (4/ 302).
الأكلُ في ذلك الوقت، وذلك لأنّ معنى التفعُّل هنا في الزمن المصوغ من لفظه؛ فإنه من معاني تفعَّلَ؛ كتغدى، وتعشَّى (1).
وتحصل فضيلةُ السُّحور بأكلٍ أو شربٍ؛ لحديث أبي سعيد: "ولو أن يجرعَ أحدُكم جرعةً من ماء"، وفيه عبد الرحمن بنُ زيدِ بنِ أسلم، ضعيف، رواه الإمام أحمد، وغيره (2).
وروى الإمام أَحمد من حديث جابر رضي الله عنه مرفوعًا: "من أَرادَ أَنْ يَصومَ، فليتسَحَّرْ ولو بشيء"(3).
وكمال فضيلة السّحور تحصل بالأكل؛ لحديث عمرو بن العاص: أنّ [رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال]: "فصلُ ما بينَ صيامِنا وصيامِ أهلِ الكتابِ أكلةُ السّحر" رواه الإمام أحمد، ومسلم، وغيرهما (4)، والأمرُ به للندب.
قال في "الفروع": ولا يجب السّحور، حكاه ابن المنذر وغيره إجماعًا (5). ويدل على كون الأمر في الحديث للندب قوله:(فإن في السّحور) -بفتح السين المهملة-: اسم لما يُتَسَحَّر به، و-بالضم-: الفعلُ (بركةً) اسم إن (6).
(1) انظر: "إرشاد الساري" للقسطلاني (3/ 365).
(2)
رواه الإمام أحمد في "المسند"(3/ 12). وانظر: "الفروع" لابن مفلح (3/ 53).
(3)
رواه الإمام أحمد في "المسند"(3/ 367)، وأبو يعلى في "مسنده"(1930).
(4)
رواه الإمام أحمد في "المسند"(4/ 197)، ومسلم (1096)، كتاب: الصيام، باب: فضل السحور وتأكيد استحبابه.
(5)
انظر: "الفروع" لابن مفلح (3/ 53).
(6)
انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (2/ 208).
قال ابن دقيق العيد: وهذه البركة يجوز أن تعود إلى الأمور الأخروية؛ فإنّ إقامة السّنة، توجب الأجرَ وزيادته، ويحتمل أن تعود إلى الأمور الدنيوية؛ كقوة البدن على الصّوم، وتيسيرِه من غير إجحافٍ به، والبركةُ محتملة لأن تضاف إلى كل واحد من الفعلِ والمتسحَّرِ به معًا، وليس ذلك من باب حمل اللفظ الواحد على معنيين مختلفين، بل من باب استعمال المجاز في لفظة "في"، وعلى هذا يجوز أن يقال:"فإنّ في السّحور بركةً" -بفتح السين-، وهو الأكثر، و-بضمها- (1).
قال القسطلَّاني: ومن وجوه البركة في السّحور: أن يبارك في اليسير منه، بحيث تحصل به الإعانةُ على الصوم، ومن ثمَّ جاء في الحديث:"ولو بشربةِ ماءٍ"(2).
وعند الطبراني عن أبي أمامة مرفوعًا: "ولو بتمرة، ولو بحباتِ زبيب"(3)، ويكون ذلك بالخاصية، كما بورك في الثريد، والاجتماع على الطعام، أو المراد بالبركة: نفي التبعة.
وفي حديث أبي هريرة؛ كما في "الفردوس": "ثلاثةٌ لا يُحاسب عليها العبدُ: أكلةُ السَّحَر، وما أفطرَ عليه، وما أكلَ مع الإخوان".
أو المراد بها: التقوي على الصّيام وغيره من أعمال النهار.
وفي حديث جابر عند ابن ماجه، والحاكم مرفوعًا: "استعينوا بطعامِ
(1) المرجع السابق، الموضع نفسه.
(2)
رواه ابن عدي في "الكامل في الضعفاء"(2/ 357)، عن علي رضي الله عنه.
(3)
رواه الطبراني في "مسند الشاميين"(16)، وأبو نعيم في "حلية الأولياء"(5/ 246)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق"(6/ 56 - 57).
السَّحَرِ على صيامِ النَّهارِ، وبِالقَيْلولَةِ على قِيامِ اللّيل" (1)، ويحصلُ به النشاطُ، ومدافَعَةُ سوءِ الخلُق الذي يثيره الجوع (2).
وقال القاضي عياض: قد تكون هذه البركة ما يتفق للمتسَحِّر من ذكر أو صلاة أو استغفار، وغير ذلك من زيادات الأعمال التي لولا القيامُ للسحور، لكان الإنسانُ نائمًا عنها، وتاركًا لها (3).
تنبيه:
إن قلنا: المراد بالبركة: التقويةُ على الصيام ونحوه، فالسَّحور -بالفتح-، وإن قلنا: المراد بها: ما يحصل من الأجر والثواب -فبالضم-؛ لأنّه مصدر بمعنى التسحُّر، واللَّه تعالى الموفق (4).
* * *
(1) رواه ابن ماجه (1693)، كتاب: الصيام، باب: ما جاء في السحور، والحاكم في "المستدرك"(1551)، لكن من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
(2)
انظر: "إرشاد الساري" للقسطلاني (3/ 365).
(3)
انظر: "إكمال المعلم" للقاضي عياض (4/ 32).
(4)
انظر: "إرشاد الساري" للقسطلاني (3/ 365).