الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث السابع
عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ الأَنْصَارِيَّةِ، قَالَتْ: نُهِينَا عَنِ اتِّبَاعِ الجَنَائِزِ، وَلَمْ يُعْزَمْ عَلَيْنَا (1).
(عن أم عطية) نسيبة (الأنصارية) رضي الله عنها، (قالت: نهينا) -معشر النساء-، وهو -بضم النون، وكسر الهاء، مبنيًا لما لم يسم فاعله-، وفي بعض الروايات، كما عند الإسماعيلي، وابن شاهين، بسند صحيح: أنها قالت: نهانا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم (2)(عن اتباع الجنائز) نهي تنزيه
(1) * تَخْرِيج الحَدِيث:
رواه البخاري (1219)، كتاب: الجنائز، باب: اتباع النساء الجنائز، ومسلم (938/ 34 - 35) كتاب: الجنائز، باب: نهي النساء عن اتباع الجنائز، وأبو داود (3167)، كتاب: الجنائز، باب: اتباع النساء الجنائز، وابن ماجه (1577)، كتاب: الجنائز، باب: ما جاء في اتباع النساء الجنائز.
* مصَادر شرح الحَدِيث:
"إكمال المعلم" للقاضي عياض (3/ 382)، و"المفهم" للقرطبي (2/ 591)، و"شرح مسلم" للنووي (7/ 2)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (2/ 168)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (2/ 776)، و"فتح الباري" لابن حجر (3/ 145)، و"عمدة القاري" للعيني (8/ 63)، و"سبل السلام" للصنعاني (2/ 108)، و"نيل الأوطار" للشوكاني (4/ 165).
(2)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر (3/ 145).
لا تحريم (1)؛ بدليل قولها: (ولم يعزم علينا) -بضم الياء، وفتح الزاي، مبنيًا للمفعول-؛ أي: نهيًا غير محتم، فكأنها قالت: كره لنا اتباع الجنائز من غير تحريم، وهذا قول الجمهور (2).
قال في "شرح المقنع": كره ذلك ابن مسعود، وابن عمر، وأبو أمامة، وعائشة، ومسروق، والحسن، والنخعي، والأوزاعي، وإسحاق (3).
ورخص فيه مالك، وكرهه للشابة، وقال أَبو حنيفة: لا ينبغي (4).
واستدل للجواز: بما رواه ابن أبي شيبة، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كان في جنازة، فرأى عمر رضي الله عنه امرأة، فصاح بها، فقال: دعها يا عمر. . .، الحديث، وأخرجه ابن ماجه برجال ثقات (5).
وأما ما رواه ابن ماجه أيضًا وغيره، مما يدل على التحريم؛ فضعيف، وهو ما رواه: أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم خرج، فإذا نسوة جلوس، قال:"ما يجلسكن؟ "، قلن: ننتظر الجنازة، قال:"هل تغسلن؟ "، قلن: لا، قال:"هل تحملن؟ "، قلن: لا، قال:"هل تدلين فيمن يدلي؟ "، قلن: لا، قال:"فارجعن مأزورات غير مأجورات"(6).
(1) قاله القرطبي في "المفهم"(2/ 591).
(2)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر (3/ 145).
(3)
انظر: "شرح المقنع" لابن أبي عمر (2/ 364).
(4)
انظر: "شرح مسلم" للنووي (7/ 2)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (2/ 168).
(5)
رواه ابن أبي شيبة في "المصنف"(11295)، وابن ماجه (1587)، كتاب: الجنائز، باب: ما جاء في البكاء على الميت.
(6)
رواه ابن ماجه (1578)، كتاب: الجنائز، باب: ما جاء في اتباع النساء الجنائز.
وعن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، قال: قبرنا مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم -يعني: ميتًا-، فلما فرغنا، انصرف رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وانصرفنا معه، فلما حاذى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بابه، وقف، فإذا نحن بامرأة مقبلة، قال: أظنه عرفها، فلما ذهبت، إذا هي فاطمة رضي الله عنها، فقال لها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:"ما أخرجكِ يا فاطمةُ من بيتك؟ "، قالت: أتيت يا رسول اللَّه أهل هذا البيت، فرحصت إليهم ميتهم، أو عزيتهم به، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:"لعلك بلغت معهم الكدى؟ "، فذكر تشديدًا في ذلك، قال: فسألت ربيعة بن سيف عن الكدى، فقال: القبور فيما أحسب. رواه أَبو داود (1)، والنسائي بنحوه، إلا أنه قال في آخره: فقال: "لو بلغتها معهم، ما رأيت الجنة، حتى يراها جد أبيك"(2).
وظاهر كلام الحافظ المنذري: أن هذا الحديث حسن، قال المنذري: الكدى -بضم الكاف، وبالدال المهملة، مقصور-: هو المقابر (3).
قال ابن دقيق العيد: الحديث الذي جاء في فاطمة رضي الله عنها: إما أن يكون ذلك لعلو منصبها، وحديث أم عطية في عموم النساء، أو يكون الحديثان محمولين على اختلاف حالات النساء (4).
قلت: حرم اتباع الجنائز للنساء: الآجريُّ من أئمة علمائنا، وهو رواية عن مالك في الشابة، وقال: جميع ما يفعل النساء في الجنائز محظور عند العلماء.
(1) رواه أَبو داود (3123)، كتاب: الجنائز، باب: في التعزية.
(2)
رواه النسائي (1880)، كتاب: الجنائز، باب: النعي، وقال النسائي: ربيعة بن سيف ضعيف.
(3)
انظر: "الترغيب والترهيب" للمنذري (5380)، (4/ 190 - 191).
(4)
انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (2/ 168).
قال أَبو المعالي: يمنعن من اتباعها، وذكره بعضهم قول الجمهور من العلماء.
وقال أَبو حفص: هو بدعة، ويجب طردهن، فإن رجعن، وإلا رجع الرجال بعد أن يحثوا في وجوههن التراب، قال أَبو حفص: ويحرم بلوغها المقبرة؛ للخبر في ذلك، ثم يحمل على وقت تحريم زيارتهن، ذكر ذلك علماؤنا، وهو تلخيص ما في "الفروع"(1).
تنبيه: الذي تدل عليه الأحاديث: حرمة اتباع النساء الجنائز، وهو مخالف لحديث أم عطية، وحديث أم عطية أصح؛ فإنه متفق عليه، وما سواه لا يقاد به، فضلًا عن أن يقاومه، لا جرم وجب الأخذ بما دل عليه من الكراهة، دون التحريم، هذا إذا لم يبد منهن محظور، وإلا، حرم؛ اتفاقًا، واللَّه أعلم.
* * *
(1) انظر: "الفروع" لابن مفلح (2/ 202 - 204).