الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثالث
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلَّى عَلَى قَبْرٍ بَعْدَمَا دُفِنَ، فَكَبَّرَ عَلَيْهِ أَرْبَعًا" (1).
* * *
(عن) أبي العباس (عبد اللَّه بن عباس رضي الله عنهما: أن
(1) * تَخْرِيج الحَدِيث:
رواه البخاري (819)، كتاب: صفة الصلاة، باب: وضوء الصبيان، و (1190)، كتاب: الجنائز، باب: الإذن بالجنازة، و (1256)، باب: الصفوف على الجنازة، و (1258)، باب: صفوف الصبيان مع الرجال على الجنائز، و (1259)، باب: سنة الصلاة على الجنائز، و (1262)، باب: صلاة الصبيان مع الناس على الجنائز، و (1271)، باب: الصلاة على القبر بعدما يدفن، و (1275)، باب: الدفن بالليل، ومسلم (954/ 68)، كتاب: الجنائز، باب: الصلاة على القبر، واللفظ له، والنسائي (2023 - 2025)، كتاب: الجنائز، باب: الصلاة على القبر، والترمذي (1037)، كتاب: الجنائز، باب: ما جاء في الصلاة على القبر، وابن ماجه (1530)، كتاب الجنائز، باب: ما جاء في الصلاة على القبر.
* مصَادر شرح الحَدِيث:
"عارضة الأحوذي" لابن العربي (4/ 256)، و"إكمال المعلم" للقاضي عياض (3/ 418)، و"المفهم" للقرطبي (2/ 616)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (2/ 161)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (2/ 766)، و"فتح الباري" لابن حجر (3/ 205)، و"عمدة القاري" للعيني (6/ 150).
رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم صلى على قبر) وفي لفظ: مر على قبرٍ منبوذٍ (1) -بتنوين قبر-، ومنبوذ صفة له؛ أي: في ناحية عن القبور، ولأبي ذر: قبرِ منبوذٍ -بالإضافة-؛ أي: لقيط، كما في القسطلاني (2).
(بعدما دفن) في "الأوسط" للطبراني، عن الشيباني: أنه صلى عليه بعدما دفن بليلتين (3). ورواه الدارقطني، فقال: بعد موته بثلاث (4). وروى الدارقطني، من طريق بشر بن آدم، عن أبي عاصم، عن سفيان الثوري، عن الشيباني، فقال: بعد شهر (5). قال في "الفتح": وهذه روايات [شاذة]، وسياق [الطرق](6) الصحيحة يدل على أنه صلى عليه في صبيحة دفنه (7).
(فكبر) النبي صلى الله عليه وسلم (عليه)؛ أي: على ذلك القبر -يعني: على الميت الذي في ذلك القبر- (أربعًا).
وفي "البخاري": قال سليمان الشيباني: سمعت الشعبي عامر بن شراحيل قال: أخبرني من مر مع النبي صلى الله عليه وسلم على قبر منبوذ، فأمهم عليه الصلاة والسلام وصلوا خلفه. قال الشيباني: قلت للشعبي: من حدثك بهذا يا أبا عمرو؟ قال: ابن عباس رضي الله عنهما (8).
(1) تقدم تخريجه عند البخاري برقم (819، 1259، 1271).
(2)
انظر: "إرشاد الساري" للقسطلاني (2/ 432 - 433).
(3)
رواه الطبراني في "المعجم الأوسط"(802).
(4)
رواه الدارقطني في "سننه"(2/ 78)، ومن طريقه البيهقي في "السنن الكبرى"(4/ 46).
(5)
والدارقطني في "سننه"(2/ 78)، ومن طريقه: البيهقي في "السنن الكبرى"(4/ 46).
(6)
في الأصل: "الطريق"، والتصويب من "الفتح".
(7)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر (3/ 205).
(8)
تقدم تخريجه برقم (1271) عنده.
وفي رواية عنه، قال: انتهينا مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى قبر رطب، فصلى عليه، وصفوا خلفه، فكبر أربعًا (1).
وقد اختلف العلماء في حكم ما دل عليه هذا الحديث من الصلاة على القبر:
فمعتمد مذهب الإمام أحمد: أن من فاتته الصلاة على الجنازة؛ فله أن يصلي عليها ما لم تدفن، فإن دفنت، فله أن يصلي على القبر إلى شهر وشيء، وفسر الشيء: باليوم واليومين، فإن شك في مضي المدة، صلى حتى يعلم انتهاءها؛ وهذا قول أكثر أهل العلم، روي ذلك عن أبي موسى الأشعري، وابن عمر، وعائشة رضي الله عنهم.
وهو مذهب الأوزاعي، والشافعي، لكن معتمد مذهبه: جواز الصلاة عليه أبدًا، بشرط كون المصلي من أهل وجوب الصلاة يوم موته، واختاره ابن عقيل من أئمة علمائنا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على شهداء أحد بعد ثمان سنين، حديث صحيح (2).
وقال بعضهم: يصلي عليه ما لم يبل جسده.
ودليل معتمد المذهب: فعلُ النبي صلى الله عليه وسلم، قال الإمام أحمد رضي الله عنه: أكثر ما سمعت: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على أم سعد بن عبادة بعد شهر. وحديث صلاته صلى الله عليه وسلم على أم سعد بعد شهر، رواه الترمذي، عن سعيد بن المسيب، مرسل، وهو صحيح (3).
(1) تقدم تخريجه عند مسلم برقم (954/ 68).
(2)
رواه البخاري (3816)، كتاب: المغازي، باب: غزوة أحد، ومسلم (2296)، كتاب: الفضائل، باب: إثبات حوض نبينا صلى الله عليه وسلم وصفاته، عن عقبة بن عامر رضي الله عنه. ولم يقل مسلم: بعد ثماني سنين.
(3)
رواه الترمذي (1038)، كتاب: الجنائز، باب: ما جاء في الصلاة على القبر.
وقد روى عكرمة، عن ابن عباس، موصولًا: قيل لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: لو صليت على أم سعد، فصلى عليها، وقد أتى لها شهر، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم غائبًا (1)، ولأنها مدة يغلب على الظن بقاء الميت فيها، أشبهت الثلاث، أو كالغائب.
وأما تجويز الصلاة على الميت مطلقًا، فباطل؛ بأن قبر النبي صلى الله عليه وسلم لا يصلَّى عليه الآن إجماعًا.
وأما مذهب أبي حنيفة، ومالك: فلا تعاد الصلاة على الميت، إلا للولي إذا كان غائبًا، ولا يصلى على القبر إلا لذلك، قال أبو حنيفة: يصلي عليه الولي خاصة إلى ثلاث.
وقال إسحاق: يصلي على الغائب إلى شهر، والحاضر إلى ثلاث.
ودليل جواز الصلاة على القبر من الولي والأجنبي: ما روي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن امرأة سوداء كانت تقم المسجد، أو شابًا، ففقدها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فسأل عنها، أو عنه، فقالوا: مات، قال:"أفلا كنتم آذنتموني؟ "، قال: فكأنهم صغروا أمرها، أو أمره، فقال:"دلوني على قبرها"، فدلوه، فصلى عليها، ثم قال:"إن هذه القبور مملوءة ظلمة على أهلها، وإن اللَّه ينورها لهم بصلاتي عليهم"(2).
قال الحافظ عبد الحق: الصحيح أنها كانت امرأة، رواه البخاري
(1) رواه ابن عدي في "الكامل في الضعفاء"(3/ 428)، ومن طريقه: البيهقي في "السنن الكبرى"(4/ 48).
(2)
رواه البخاري (446)، كتاب: المساجد، باب: كنس المسجد، ومسلم (956)، كتاب: الجنائز، باب: الصلاة على القبر، واللفظ له، وانظر كلام الحافظ عبد الحق الذي ساقه الشارح رحمه الله الآتي.
ومسلم، واللفظ لمسلم، ولم يقل البخاري:"إن هذه القبور" وما بعده (1).
قال الإمام أحمد رضي الله عنه: ومن يشك في الصلاة على القبر؟! يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم من ستة أوجه، كلها حسان. وأيضًا: فغير الولي من أهل الصلاة؛ فتسوغ له الصلاة، كالولي (2).
وأما صلاته عليه الصلاة والسلام على قتلى أحد بعد ثمان سنين؛ فكالمودع للأحياء والأموات، وكان قد صلى عليهم، فلذلك كان خاصًا به صلى الله عليه وسلم، وأيضًا: قتلى أحد شهداء لا صلاة عليهم، والذي يظهر: أنه صلى الله عليه وسلم إنما صلى عليهم؛ أي: دعا لهم وودعهم، عند قرب أجله صلى الله عليه وسلم (3)، واللَّه أعلم.
* * *
(1) انظر: "الجمع بين الصحيحين" للإشبيلي (2/ 24)، حديث رقم (1428).
(2)
انظر فيما ذكره الشارح رحمه الله من مذهب الإمام أحمد والمذاهب الأخرى: "شرح المقنع" لابن أبي عمر المقدسي (2/ 353 - 354)، و"المغني" لابن قدامة (2/ 194).
(3)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر (3/ 210).