الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الرابع
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَاِبتٍ رضي الله عنه، قَالَ: تَسَحَّرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ، قَالَ أَنَسٌ: قُلْتُ لِزَيْدٍ: كَمْ كَانَ بَيْنَ الأَذَانِ وَالسَّحُورِ؟ قَالَ: قَدْرُ خَمْسِينَ آيَةً (1).
* * *
(عن أنس بن مالك) خادمِ رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم المتقدِّمِ ذكرُه، (عن زيد بن
(1) * تَخْرِيج الحَدِيث:
رواه البخاري (550)، كمَاب: مواقيت الصلاة، باب: وقت الفجر، و (1821)، كتاب: الصوم، باب: قدر كم بين السحور وصلاة الفجر، واللفظ له، ومسلم (1097)، كتاب: الصيام، باب: فضل السحور وتأكيد استحبابه، والنسائي (2155)، كتاب: الصيام، باب: قدر ما بين السحور وبين صلاة الصبح، و (2156 - 2157)، باب: ذكر اختلاف هشام وسعيد على قتادة فيه، والترمذي (703)، كتاب: الصوم، باب: ما جاء في تأخير السحور، وابن ماجه (1694)، كتاب: الصيام، باب: ما جاء في تأخير السحور.
* مصَادر شرح الحَدِيث:
"عارضة الأحوذي" لابن العربي (3 - 221)، و"المفهم" للقرطبي (3/ 156)، و"شرح مسلم" للنووي (7/ 207)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (2/ 209)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (2/ 846)، و"فتح الباري" لابن حجر (4/ 128)، و"عمدة القاري" للعيني (10/ 298)، و"إرشاد الساري" للقسطلاني (3/ 364)، و"نيل الأوطار" للشوكاني (1/ 422).
ثابت) بنِ الضحَّاكِ بنِ لَوذانَ -بفتح اللام والذال المعجمة- الأنصاريِّ النجاريِّ، كان أحدَ كتاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم يكتب له الوحي، وكذا المراسلات، ولمّا قدم صلى الله عليه وسلم المدينة، كان زيدٌ ابن إحدى عشرة سنة، وكان عمره يوم بعاث ست سنين، وفيها قتل أبوه.
استصغرهُ النّبيُّ صلى الله عليه وسلم يومَ بدر مع مَنِ استصغرهم، فلم يشهدْها، ثمَّ شهد أُحدًا وما بعدها، وقيل: أوّل مشاهده الخندقُ، وأعطاه النّبيُّ صلى الله عليه وسلم يومَ تبوكَ راية بني النجار، وقال:"بالقرآن تقدم"(1).
وكان زيد أعلمَ الصّحابة بالفرائض، حتّى قال صلى الله عليه وسلم:"أَفْرَضُكُم زيدٌ"(2)، وأحدَ من جمعَ القرآن، وكتبه في خلافة أبي بكر، ونقله من الصُّحف إلى المصحف في زمن عثمان.
مات بالمدينة سنة خمس وأربعين، وله ستٌّ وخمسون سنة.
روي له عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم اثنان وسبعون حديثًا، اتفقا على خمسة، وانفرد البخاري بأربعة، ومسلم بحديث (رضي الله عنه)(3).
(قال) زيد بن ثابت، ويكنى بأبي سعيد، وقيل: بأبي خارجة -بفتح الخاء المعجمة والجيم-: (تَسَحَّرنا) المراد: أنا والنبيُّ صلى الله عليه وسلم كما ترشد إليه رواية النّسائيّ وابن حبان فيما يأتي (مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ثم) بعدَ سحورنا (قام) عليه الصلاة والسلام (إلى الصّلاة)؛ أي: صلاة الفجر، (قال أنس) بنُ مالك رضي الله عنه:(قلت لزيد) بن ثابت رضي الله عنه:
(1) ذكره ابن عبد البر في "الاستيعاب"(2/ 537) بلفظ: "القرآن مقدم".
(2)
تقدم تخريجه.
(3)
قلت: قد تقدمت ترجمة الشارح رحمه الله لزيد بن ثابت رضي الله عنه.
(كم كانَ بين السّحورِ والأذان؟ قال) زيد: هو (قدر) قراءةِ (خمسينَ آيةً) من القرآن.
قال في "الفتح": والمدة التي بين الفراغ من السّحور والدخول في الصّلاة، وهي قراءة الخمسين آية أو نحوها، قدرُ ثلث خمس ساعة، ولعلها مقدارُ ما يتوضأ، فأشعر ذلك بتأخير السّحور (1).
وفي "النّسائيّ" و"ابن حبان" عن أنس رضي الله عنه، قال: قال لي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "يا أنسُ! إنّي أريدُ الصّيامَ، أَطْعِمْني شيئاَّ"، فجئته بتمر وإناء فيه ماء، وذلك بعد ما أذن بلال، قال:"يا أنس! انظرْ رجلًا يأكل معي"، فدعوت زيدَ بنَ ثابت، فجاء فتسحَّر معه، ثمَّ قام فصلّى ركعتين، ثمَّ خرج إلى الصلاة (2).
فعلى هذا فالمراد بقوله: كم كان بين الأذانِ والسّحور؟ أي: أذان ابنِ أمِّ مكتوم؛ لأنّ بلالًا كان يؤذن قبل الفجر، والآخر يؤذن إذا طلع (3)، وقد قال صلى الله عليه وسلم كما في "الصّحيحين" وغيرهما من حديث عائشة رضي الله عنها إنّ بلالًا كان يؤذن بليل، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:"كلوا واشربوا حتى يؤذِّنَ ابنُ أمِّ مكتوم؛ فإنه لا يؤذِّنُ حتّى يطلُع الفجرُ"(4).
قال في "الفروع": يُسن تأخيرُ السّحور إجماعًا ما لم يخشَ طلوع
(1) انظر: "فتح الباري" لابن حجر (2/ 55).
(2)
رواه النسائي (2167)، كتاب: الصيام، باب: السحور بالسويق والتمر، ولم أقف عليه عند ابن حبان، واللَّه أعلم.
(3)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر (2/ 54).
(4)
تقدم تخريجه.
الفجر؛ اتفاقًا، ذكره أَبو الخطّاب، والأصحاب، للأخبار، ولأنه أقوى على الصوم، وللتحفظ من الخطأ، والخروج من الخلاف (1)؛ فإنّ في "الإقناع": ويُكره تأخيرُ الجماعِ مع الشّك في طلوع الفجر، لا الأكلُ والشربُ (2).
قال الإمام أحمد: إذا شَكَّ في الفجر، يأكلُ حتي يستيقن طلوعَه، وإنه قول ابن عباس، وعطاء، والأوزاعي.
قال الإمام أحمد: يقول اللَّه تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا} الآية [البقرة: 187].
وذكر ابن عقيل في "الفصول": إذا خاف طلوعَ الفجر، وجبَ عليه أن يُمسك جزءًا من الليل؛ ليتحقق له صومُ جميع اليوم، وجعله أصلًا لوجوب صوم ليلة الغيم، وقطع جماعة بوجوب إمساك جزء من اللّيل في أوله وآخره في أصول الفقه وفروعه، وأنّه مما لا يتم الواجب إلا به، وذكره في "الفنون"، وأبو يعلى الصغير.
ويُسَنُّ تعجيلُ الإفطار إذا تحقق غروب الشّمس إجماعًا، وله الفطر بالظن وفاقًا، ويُقبل فيه قولُ الواحد؛ كالوقت والقبلة، وإذا غاب حاجب الشّمس الأعلى، أفطر الصائم حكمًا، وإن لم يطعم، ذكره في "المستوعب"(3)، وغيره (4).
وقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا أقبلَ اللَّيلُ من هاهنا، وأَدْبَرَ النهارُ من هاهنا، وغَرَبَتِ
(1) انظر: "الفروع" لابن مفلح (3/ 50).
(2)
انظر: "الإقناع" للحجاوي (1/ 504).
(3)
انظر: "المستوعب" للسامري (3/ 445 - 446).
(4)
انظر: "الفروع" لابن مفلح (3/ 50 - 53).
الشَّمْسُ، فقدْ أفطرَ الصائمُ" (1)؛ أي: أفطر شرعًا، فلا يثاب على الوصال، والفطرُ قبل الصّلاة أفضلُ وفاقًا؛ لفعله صلى الله عليه وسلم (2).
وكان عمرُ وعثمانُ رضي الله عنهما لا يُفطران حتّى يُصليا المغرب، وينظرا إلى اللّيل الأسود. رواه مالك (3).
وفي "الصّحيحين" عن سهل بن سعد رضي الله عنه: أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "لا يزالُ النّاسُ بخيرٍ ما عَجَّلُوا الفطرَ"(4).
وروى الإمام أحمد، والتّرمذي، وحسَّنه، وابنُ خزيمةَ، وابن حبان في "صحيحيهما" عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "قال اللَّه عز وجل: إنَّ أَحَبَّ عبادي إليَّ أعجلُهم فِطْرًا"(5).
قال ابن دقيق العيد: وللمتصوفة وأرباب الباطن في هذا المعنى كلامٌ تشوفوا فيه إلى اعتبار معنى الصّوم وحكمته، وهو كسرُ شهوة البطن والفرج، قالوا: وإن لم تتغير عليه عادته في مقدار أكله، لا يحصل له المقصود من الصّوم، وهو كسر الشهوتين.
(1) تقدم تخريجه.
(2)
انظر: "الفروع" لابن مفلح (3/ 53).
(3)
رواه الإمام مالك في "الموطأ"(1/ 289)، ومن طريقه: الإمام الشافعي في "مسنده"(ص: 104).
(4)
رواه البخاري (1856)، كتاب: الصوم، باب: تعجيل الإفطار، ومسلم (1098)، كتاب: الصيام، باب: فضل السحور وتأكيد استحبابه.
(5)
رواه الإمام أحمد في "مسنده"(2/ 237)، والترمذي (700)، كتاب: الصوم، باب: ما جاء في تعجيل الفطر، وابن خزيمة في "صحيحه"(2062)، وابن حبان في "صحيحه"(3507).
قال: والصواب -إن شاء اللَّه تعالى-: أن ما زاد في المقدار حتّى تعدم هذه الحكمة بالكلية، لا يستحب؛ كعادة المترفين في التأنُّق في المأكل، وكثرة الاستعداد لها، وما لا ينتهي إلى ذلك، فهو مستحبٌّ على وجه الإطلاق، وقد تختلف مراتب هذا الاستحباب باختلاف مقاصد النّاس وأحوالهم، واختلاف مقدار ما يستعملونه، انتهى (1).
* * *
(1) انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (2/ 209 - 210).