الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الرابع
عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها: أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كُفِّنَ فِي ثَلَاثةِ أَثْوَاب يَمَانِيَةٍ بيضٍ لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ وَلَا عِمَامَةٌ (1).
(1) * تَخْرِيج الحَدِيث:
رواه البخاري (1205)، كتاب: الجنائز، باب: الثياب البيض للكفن، و (1212 - 1213)، باب: الكفن بغير قميص، و (1214)، باب: الكفن ولا عمامة، و (1321)، باب: موت يوم الإثنين، ومسلم (941/ 45 - 47)، كتاب: الجنائز، باب: في كفن الميت، وزاد بعد قوله:"بيض": "سحولية من كرسف". ورواه أيضًا: أبو داود (3151)، كتاب: الجنائز، باب: في الكفن، والنسائي (1897 - 1899)، كتاب: الجنائز، باب: كفن النبي صلى الله عليه وسلم، والترمذي (996)، كتاب: الجنائز، باب: ما جاء في كفن النبي صلى الله عليه وسلم، وابن ماجه (1469)، كتاب: الجنائز، باب: ما جاء في كفن النبي صلى الله عليه وسلم.
* مصَادر شرح الحَدِيث:
"الاستذكار" لابن عبد البر (3/ 15)، و"عارضة الأحوذي" لابن العربي (4/ 215)، و"إكمال المعلم" للقاضي عياض (3/ 391)، و"المفهم" للقرطبي (2/ 599)، و"شرح مسلم" للنووي (7/ 7)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (2/ 162)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (2/ 769)، و"النكت على العمدة" للزركشي (ص: 158)، و"طرح التثريب" للعراقي (3/ 270)، و"فتح الباري" لابن حجر (3/ 135)، و"عمدة القاري" للعيني (8/ 57)، و"سبل السلام" للصنعاني (2/ 94)، و"نيل الأوطار" للشوكاني (4/ 70).
(عن) أم المؤمنين (عائشة) الصديقة (رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم كفن في ثلاثة أثواب يمانية) -بتخفيف الياء (1) - نسبة إلى اليمن (2)(بيض) زاد في لفظ في "الصحيحين": سحولية (3) -بفتح السين المهملة، وتشديد المثناة التحتية- نسبة إلى السحول، وهو القصار؛ لأنه يسحلها؛ أي: يغسلها، أو إلى سحول: قرية باليمن، وقيل: -بالضم-: اسم القرية أيضًا (4).
قال في "شرح المقنع": الأفضل عند إمامنا الإمام أحمد رضي الله عنه: أن يكفن الرجل في ثلاث لفائف بيض، لا يزيد عليها، ولا ينقص منها.
قال الترمذي: العمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم، وهو مذهب الشافعي (5).
ويستحب كون الكفن أبيض؛ للحديث، ولقوله صلى الله عليه وسلم:"البسوا من ثيابكم البياض، فإنه أطهر وأطيب، وكفنوا فيه موتاكم" رواه النسائي (6).
وحكي عن أبي حنيفة: أن المستحب أن يكفن في إزار ورداء وقميص؛
(1) في الأصح، كما قال الزركشي في "النكت" (ص: 158).
(2)
قال الجوهري في "الصحاح"(6/ 2219)، (مادة: يمن): اليمن: بلاد العرب، والنسبة إليها يمنيٌّ، ويمانٍ -مخففة-، والألف عوض من ياء النسب، فلا يجتمعان. قال سيبويه: وبعضهم يقول: يمانيٌّ -بالتشديد-.
(3)
كما تقدم تخريجه قريبًا.
(4)
انظر: "النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير (2/ 347).
(5)
انظر: "سنن الترمذي"(3/ 322).
(6)
رواه النسائي (1896)، كتاب: الجنائز، باب: أي الكفن خير؟، عن أبي المهلب سمرة رضي الله عنه.
لما روى عبد اللَّه بن المغفل: أن النبي صلى الله عليه وسلم كفن في قميصه (1)، ولأنه عليه السلام ألبس قميصه عبد اللَّه بن أبي. رواه النسائي (2).
وحديث "الصحيحين" أصح حديث يروى في كفن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم؛ ولأن عائشة أقرب إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وأعرف بأحواله، ولهذا لما ذكر لها قول الناس: أن النبي صلى الله عليه وسلم كفن في برد، قالت: قد أتي بالبرد، ولكنهم لم يكفنوه فيه (3)، فحفظت ما أغفله غيرها.
وقالت أيضًا: أُدرج رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في حلة يمنية كانت لعبد اللَّه بن أبي بكر، ثم نزعت عنه، فرفع عبد اللَّه بن أبي بكر الحلة، وقال: أكفن فيها. ثم قال: لم يكفن فيها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وأكفن فيها؟! فتصدق بها رواه مسلم (4)، وفي رواية: ثم قال: لو رضيها اللَّه لنبيه، لكفنه بها، فباعها وتصدق بثمنها (5).
(1) رواه أبو داود (3153)، كتاب: الجنائز، باب: في الكفن، وابن ماجه (1471)، كتاب: الجنائز، باب: ما جاء في كفن النبي صلى الله عليه وسلم، والإمام أحمد في "المسند"(1/ 222)، وغيرهم، لكن عن ابن عباس رضي الله عنهما.
(2)
رواه النسائي (1900)، كتاب: الجنائز، باب: القميص في الكفن. عن ابن عمر رضي الله عنهما. وقد رواه أيضًا من حديثه: البخاري (1210)، كتاب: الجنائز، باب: الكفن في القميص الذي يُكفُّ، ومسلم (2774)، في أول كتاب: صفات المنافقين وأحكامهم.
(3)
رواه أبو داود (3152)، كتاب: الجنائز، باب: في الكفن، والنسائي (1899)، كتاب: الجنائز، باب: كفن النبي صلى الله عليه وسلم، والترمذي (996)، كتاب: الجنائز، باب: ما جاء في كفن النبي صلى الله عليه وسلم، وابن ماجه (1469)، كتاب: الجنائز، باب: ما جاء في غسل النبي صلى الله عليه وسلم.
(4)
تقدم تخريجه عند مسلم برقم (941/ 46).
(5)
تقدم تخريجه عند مسلم برقم (941/ 45).
وأما إلباس النبي صلى الله عليه وسلم عبدَ اللَّه بن أُبي قميصَه: فإنما فعل ذلك تكرمة لابنه عبد اللَّه؛ لأنه سأله ذلك؛ ليتبرك به أبوه، ويندفع عنه العذاب ببركة قميص النبي صلى الله عليه وسلم، وقيل: إنما فعل ذلك مكافأة وجزاء لعبد اللَّه بن أبي عن كسوته العباس رضي الله عنه قميصه يوم بدر؛ لأنه كان طوالًا، فلم يجىء على قدر طول العباس إلا قميصه (1).
(ليس فيها)؛ أي: الأكفان الثلاثة (قميص) هذا صريح في نفي ما احتج به أبو حنيفة، (ولا عمامة)، أي: ليس موجودًا أصلًا في أكفانه ذلك، بل هي الثلاثة فقط.
قال النووي: وهو ما فسره به الشافعي والجمهور؛ وهو الصواب الذي يقتضيه ظاهر الحديث، وهو أكمل الكفن للذكر، ويحتمل أن يكون الثلاثة أثواب خارجة عن القميص والعمامة؛ فيكون ذلك خمسة، وهو تفسير الإمام مالك (2).
وهل تكره الزيادة على الثلاثة، أو لا؟
قطع في "الإقناع"(3)، و"المنتهى" (4): بكراهة الزيادة على الثلاثة أكفان، كتعميمه لظاهر حديث عائشة رضي الله عنها.
والذي قدمه في "الفروع": لا تكره خمسة أثواب، وفاقًا، ولا تعميمه في أحد الوجهين فيهما، بل في سبعة أثواب، خلافًا لمالك (5).
(1) انظر: "شرح المقنع" لابن أبي عمر المقدسي (2/ 339 - 340).
(2)
انظر: "شرح مسلم" للنووي (7/ 8).
(3)
انظر: "الإقناع" للحجاوي (1/ 345).
(4)
انظر: "منتهى الإرادات" لابن النجار الفتوحي (1/ 403).
(5)
انظر: "الفروع" لابن مفلح (2/ 178).
قلت: فيكون معتمد المذهب على ما في "الفروع": الكراهة؛ لأنه متى صدّر بقول: ثم قال في وجه، فالمقدم خلافه (1).
ومذهب الشافعية: جواز زيادة القميص والعمامة على الثلاثة، من غير استحباب (2).
تنبيه: الواجب: ثوب يستر العورة، يعني: يستر جميع الميت؛ بحيث لا يصف البشرة، وأن يكون من ملبوس مثله، ما لم يوص بدونه، ويكره في أعلى من ملبوس مثله.
وإن كفن الميت في قميص، ومئزر، ولفافة، جاز بلا كراهة، إلا كونه في ثلاث لفائف أفضل، ويجوز التكفين في ثوبين، لما يأتي في حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
وأما المرأة: فتكفن في خمسة أثواب: إزار، وخمار، وقميص، ولفافتين (3).
قال ابن المنذر: أكثر من يحفظ عنه من أهل العلم يرى ذلك؛ منهم: الشعبي، ومحمد بن سيرين، والنخعي، والأوزاعي، والشافعي، وإسحاق، وأبو ثور، وأصحاب الرأي.
وكان عطاء يقول: تكفن في ثلاثة أثواب: درع، وثوب تحت الدرع تلف به، وثوب فوقه تلف فيه، وإنما استحب ذلك؛ لأن المرأة تزيد في حال حياتها على الرجل في الستر؛ لزيادة عورتها على عورته، فكذلك بعد
(1) انظر: "تصحيح الفروع" للمرداوي (3/ 319 - 320).
(2)
انظر: "شرح مسلم" للنووي (7/ 8).
(3)
انظر: "الفروع" لابن مفلح (2/ 176، 177، 180).
الموت، ولما كانت تلبس المخيط في إحرامها، وهو أكمل أحوال الحي، استحب إلباسها إياه بعد موتها، بخلاف الرجل.
وقد روى أبو داود، عن ليلى بنت قانف الثقفية، قالت: كنت فيمن غسل أم كلثوم بنت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عند وفاتها، وكان أول ما أعطانا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: الحقا، ثم الدرع، ثم الخمار، ثم الملحفة، ثم أدرجت في الثوب الآخر، قالت: ورسول اللَّه عند الباب معه كفنها يناولنا [هـ]، ثوبًا ثوبًا. ورواه الإمام أحمد (1).
قال البخاري: قال الحسن: الخرقة الخامسة تشد بها الفخذان، والوركان تحت الدرع (2).
وروت أم عطية: أن النبي صلى الله عليه وسلم ناولها إزارًا، ودرعًا، وخمارًا، وثوبين (3).
قوله في الحديث: "ناولها الحقا" قال ابن نصر اللَّه في "حواشي الكافي": الحقا، بالقصر: كأنه لغة في الحقو، وكأن الواو قلبت ألفًا،
(1) رواه أبو داود (3157)، كتاب: الجنائز، باب: في كفن المرأة، والإمام أحمد في "المسند" (6/ 380). وانظر:"شرح المقنع" لابن أبي عمر المقدسي (2/ 342 - 341).
(2)
رواه البخاري في "صحيحه"(1/ 424)، معلقًا. ورواه ابن أبي شيبة في "المصنف"(11087)، عن الحسن، قال: تكفن المرأة في خمسة أثواب: درع، وخمار، وحقو، ولفافتين.
(3)
قال الحافظ ابن حجر في "التلخيص الحبير"(2/ 109): كذا وقع فيه أم عطية، وفيه نظر؛ لما رواه أبو داود من حديث ليلى بنت قانف الثقفية، قالت، -فذكر الحديث السابق-، ثم قال: ولم يظهر في الخبر حضور أم عطية ذلك، انتهى.
فتكون الحاء باقية على الفتح، انتهى (1).
وفي "القاموس": الحقو: الكشح، والإزار، و-يكسر-، أو مَعْقِدُه، كالحَقْوة والحِقاء، والجمع: أَحْقٍ، وأَحْقاء (2).
وأما الصغيرة إلى بلوغ، فتكفن في قميص ولفافتين.
قال المروذي: سألت أبا عبد اللَّه: في كم تكفن الجارية إذا لم تبلغ؟ قال: في لفافتين، وقميص لا خمار فيه (3).
وكفن ابن سيرين بنتًا له قد أعصرت -أي: قاربت المحيض- في قميص، ولفافتين (4).
* * *
(1) وانظر: "النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير (1/ 417)، و"لسان العرب" لابن منظور (14/ 190)، (مادة: حقو).
(2)
انظر: "القاموس المحيط" للفيروزأبادي (ص: 1646)، (مادة: حقو).
(3)
انظر: "شرح المقنع" لابن أبي عمر المقدسي (2/ 342).
(4)
رواه ابن أبي شيبة في "المصنف"(11105)، إلا أنه قال:"في برد ولفافتين".