المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الحديث الأول عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: - كشف اللثام شرح عمدة الأحكام - جـ ٣

[السفاريني]

فهرس الكتاب

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌باب الوتر

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌باب بالذكر عقب الصلاة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌باب الجمع بين الصلاتين في السفر

- ‌باب قصر الصلاة في السفر

- ‌باب الجمعة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌باب العيدين

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌باب صلاة الكسوف

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌باب صلاة الاستسقاء

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌باب صلة الخوف

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌كتاب الجنائز

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌الحديث الثاني عشر

- ‌الحديث الثالث عشر

- ‌الحديث الرابع عشر

- ‌كتاب الزكاة

- ‌الحديث الأول

- ‌ باب:

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌باب صدقة الفطر

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌كتاب الصيام

- ‌الحديث الأول

- ‌ باب:

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌[كتاب] الصوم في السفر وغيره

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌باب أفضل الصيام

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

الفصل: ‌ ‌الحديث الأول عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ:

‌الحديث الأول

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ حِينَ بَعَثَهُ إِلَى اليَمَنِ: "إِنَّكَ سَتَأْتِي قَوْمًا أَهْلَ كِتَابٍ، فَإِذَا جِئْتَهُم، فَادْعُهُم إلَى أَنْ يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلهَ إلَّا اللَّهُ، وأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، فَإِنْ هُمْ أَطاعُوا لَكَ بذَلِكَ، فَأَخْبِرْهُم أَنَّ اللَّهَ عز وجل قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ في كُلِّ يَوْمِ وَلَيْلَةٍ، فَإِنْ هُم أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ، فَأَخْبِرْهُم أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِم، فَتُرَدُّ عَلَىَ فُقَرَائِهِم، فَإنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بذَلِكَ، فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ، وَاتَّقِ دَعْوَةَ المَظْلُومِ؛ فَإنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ حِجابٌ"(1).

(1) * تَخْرِيج الحَدِيث:

رواه البخاري (1331)، كتاب: الزكاة،‌

‌ باب:

وجوه الزكاة، و (1389)، باب: لا تؤخذ كرائم أموال الناس في الصدقة، و (1425)، باب: أخذ الصدقة من الأغنياء، وترد في الفقراء حيث كانوا، و (2316)، كتاب: المظالم، باب: الاتقاء والحذر من دعوة المظلوم، و (4090)، كتاب: المغازي، باب بعث أبي موسى ومعاذ بن جبل رضي الله عنهما إلى اليمن قبل حجة الوداع، و (6937)، كتاب: التوحيد، باب: ما جاء في دعوة النبي صلى الله عليه وسلم أمته إلى توحيد اللَّه تبارك وتعالى، ومسلم (19/ 29 - 31)، كتاب: الإيمان، باب: الدعاء إلى الشهادتين وشرائع الإسلام، وأبو داود (1584)، كتاب: الزكاة، باب: في زكاة السائمة، والنسائي (2522)، كتاب: الزكاة، باب: إخراج الزكاة من بلد إلى بلد، والترمذي (625)، كتاب: الزكاة، باب: ما جاء =

ص: 398

(عن عبدِ اللَّه بنِ عبّاسٍ رضي الله عنهما، قال: قال رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم لمعاذِ بنِ جَبَلٍ) رضي الله عنه (حين)؛ أي: وقت (بعثَهُ) عليه الصلاة والسلام (إلى اليمن) سنة عشرٍ قبل حجة الوداع؛ كما في أواخر المغازي من "صحيح البخاري"(1).

وقيل: في آخر سنة تسع عند منصَرَفِه من غزوة تبوك، رواه الواقدي، وابن سعد في "الطبقات"(2)، يعلِّمهم القرآنَ وشرائع الإسلام، ويقضي بينهم، ويقبضُ الصدقات من عمال أهل اليمن.

واليمن -محركة-: مما عن يمين القبلة من بلاد الغَوْر، والنسبة إليها: يَمَنِيٌّ، ويَمَانِيٌّ، ويَمانٍ، وهي بلاد واسعة من عُمان إلى نجران، وتسمى: الخضراء؛ لكثرة أشجارها وزرعها (3).

= في كراهية أخذ خيار المال في الصدقة، و (2014)، كتاب: البر والصلة، باب: ما جاء في دعوة المظلوم، وابن ماجه (1783)، كتاب: الزكاة، باب: فرض الزكاة.

* مصَادر شرح الحَدِيث:

"معالم السنن" للخطابي (37/ 2)، و"عارضة الأحوذي" لابن العربي (3/ 117)، و"إكمال المعلم" للقاضي عياض (1/ 238)، و"المفهم" للقرطبي (1/ 181)، و"شرح مسلم" للنووي (1/ 196)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (2/ 183)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (2/ 795)، وفتح الباري "لابن حجر"(3/ 358)، و"عمدة القاري" للعيني (8/ 234)، و"سبل السلام" للصنعاني (2/ 120)، و"نيل الأوطار" للشوكاني (4/ 170).

(1)

تقدم تخريجه برقم (4090) عنده.

(2)

رواه ابن سعد في "الطبقات الكبرى"(3/ 584). وانظر: "فتح الباري" لابن حجر (3/ 358).

(3)

انظر: "معجم البلدان" لياقوت (5/ 447).

ص: 399

وأهلُها أرقُّ النّاس قلوبًا، وأعرفُهم للحق، سماهم اللَّه: النّاس حيث قال: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} [البقرة: 199] في قول.

(إنك) يا معاذُ (ستأتي قومًا أهلَ كتابٍ) لعلَّ هذا منه صلى الله عليه وسلم كالتمهيد والتوطئة للوصية باستجماع همته في الدّعاء لهم؛ فإنّ أهلَ الكتاب أهلُ علم، ومخاطبتُهم لا تكون كمخاطبة جُهَّال المشركين وعَبَدَةِ الأوثان في العناية بها (1).

(فإذا جِئْتَهم فادْعُهم) أوّلًا (إلى) شيئين:

أحدهما: (أن يشهدوا أَنْ لا إله إلا اللَّه).

(و) الثّاني: أن يشهدوا (أنَّ محمدًا رسولُ اللَّه)، والبداءةُ في المطالبة بالشهادتين؛ لأنَّ ذلك أصل الدين الذي لا يصحُّ شيء من فروعه إلا به، فمن كان منهم غيرَ موحد على التحقيق؛ كالنصارى، فالمطالبة متوجهةٌ إليه بكل واحدة من الشهادتين عينًا.

ومن كان موحِّدًا؛ كاليهود، فالمطالبة له بالجمع بين ما أقرَّ به من التّوحيد، وبين الإقرار بالرسالة، فإن كان هؤلاء اليهود الذين كانوا باليمن عندَهم ما يقتضي الإشراكَ، ولو باللزوم، تكون مطالبتُهم بالتّوحيد لنفي ما يلزم من عقائدهم.

وقد ذكر الفقهاء أن مَنْ كان كافرًا بشيء، ومؤمنًا بغيره، لم يدخل في الإسلام إلا بالإيمان بما كفر به (2).

(فإنْ هم أطاعوا لك بذلك)؛ أي: انقادوا بما أمرتهم به، ودعوتهم إليه؛ بأن تلفَّظوا بالشهادتين، (فأخبرهم) -بفتح الهمزة-؛ من الإخبار.

(1) انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (2/ 183).

(2)

المرجع السابق، الموضع نفسه.

ص: 400

وفي لفظ عندهما: "فأعلمهم"(1) -بقطع الهمزة-؛ من الإعلام (أَنَّ اللَّه) -بفتح الهمزة-؛ لأنها في محل نصب مفعولٌ ثانٍ للإعلام أو الإخبار (عز وجل) نعتان للَّه تعالى (قد فرضَ)، وفي لفظ:"قد افترض"(2)، وفي آخر:"افترض"(3) بإسقاط "قد"(عليهم خمسَ صلواتٍ في كل يوم وليلة)، فخرج الوتر، (فإن هم أطاعوا)؛ أي: امتثلوا وأذعنوا (لك بذلك)؛ أي: بوجوبها، أو بادروا إلى فعلها، ولو لم يتلفظوا بالإقرار بالوجوب، فالشرطُ عدمُ الإنكار، والإذعان للوجوب، لا التلفظ بالإقرار (4).

(فأخبرهم)، وفي لفظ:"فأعلمهم"(5)(أنَّ اللَّه) تعالى (قد فرضَ)،

وفي لفظ: "افترض"(6)(عليهم صدقةً)؛ أي: زكاة في أموالهم

(تؤخَذُ) -بضم أوله مبنيًا للمفعول- (من) مال (أغنيائِهم) المكلَّفين وغيرِهم، (فترَدُّ)، وفي رواية:"وترد"(7) -بالواو- (على فقرائِهم)، وبدأ بالأهم فالأهم، وذلك من التلطف في الخطاب؛ لأنّه لو طالبهم بالجميع في أول الأمر، لنفرت نفوسُهم من كثرتها.

واقتصارُه على الفقراء من غير ذكر بقيةِ أصناف أهل الزكاة مشعرٌ بجواز إخراجها إلى صنف واحد.

(1) تقدم تخريجه عند البخاري برقم (1331)، وعند مسلم برقم (19/ 29).

(2)

تقدم تخريجه عند البخاري برقم (1331).

(3)

تقدم تخريجه عند مسلم برقم (19/ 29).

(4)

انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (2/ 184)، وفتح الباري "لابن حجر"(3/ 359).

(5)

تقدم تخريجه عند البخاري برقم (1331)، ومسلم برقم (19/ 29).

(6)

تقدم تخريجه عند البخاري برقم (1331)، ومسلم برقم (19/ 29).

(7)

تقدم تخريجه عند البخاري برقم (1331) و (1389).

ص: 401

وخصَّ الفقراء بالذكر؛ لأنهم الأغلبُ والأهم، وتفيد الإضافة في قوله:"فقرائهم" منعَ صرف الزكاة للكافر.

وقد يستدلّ به على منع نقل الزكاة عن بلد المال؛ لأنّ الضمير في قوله: "فقرائهم" يعود على أهل اليمن، وعورض بأن الضمير يرجع إلى فقراء المسلمين، وهم أعم من أن يكونوا فقراءَ أهل تلك البلد أو غيرهم (1).

قال ابن دقيق العيد: قد استدلّ به على عدم جواز النقل للزكاة عن بلد المال، وفيه ضعف؛ لأنّ الأقرب أنّ المراد: تؤخذ من أغنيائهم من حيث إنّهم مسلمون، لا من حيث إنّهم أهل اليمن، وكذلك الرد على فقرائهم، وإن لم يكن هذا هو الأظهر، فهو محتمل احتمالًا قويًا، ويقويه: أن أعيانَ الأشخاص المخاطبين في قواعد الشرع الكلية لا تعتبر، ولولا وجودُ مناسبة في باب الزكاة، لقطع بأن ذلك غير معتبر، وقد وردت صيغة الأمر بخطابهم في الصّلاة، فلا يختص بهم قطعًا -أعني: الحكم-، وإن اختص بهم خطاب المواجهة، انتهى (2).

(فإن هم أطاعوا لك بذلك)، أي: أذعنوا بفريضة ذلك ومشروعيته، أو بادروا فأخرجوا الزكاة، ولم يجحدوا وجوبها، فقد أسلموا، فلهم ما للمسلمين، وعليهم ما عليهم، فإذا بذلوا لك الواجب في أموالهم، (فإياك وكَرائِمَ أموالهم).

وفي رواية: "وتَوَقَّ -أي: احذر- كرائمَ أموالهم"(3) جمع كريمة، وهي

(1) انظر: "إرشاد الساري" للقسطلاني (3/ 3).

(2)

انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (2/ 184).

(3)

تقدم تخريجه عند البخاري برقم (1389، 6937)، وعند مسلم برقم (19/ 31).

ص: 402

العزيزة عند ربِّ المال، النفيسةُ من ماله، إما باعتبار كونها أكولة؛ أي: مُسَمَّنة للأكل، أو رُبَّى -بضم الراء وتشديد الموحدة-؛ أي: قريبة العهد بولادة.

وقال الأزهري: إلى خمسة عشر يومًا من ولادتها؛ لأنَّ الزكاة شُرعت لمواساة الفقراء، فلا يناسب الإجحاف بمال الأغنياء، إلا إن رضوا بذلك (1).

تنبيهات:

الأوّل: معتمد المذهب: جوازُ نقل الزكاة إلى دون مسافة قصر، نص عليه الإمام أحمد؛ لأنّه في حكم بلد واحد؛ بدليل أحكام رخص السفر.

وللشّافعيّة وجهان: معتمد مذهبهم: المنعُ، وأمّا نقلُها إلى مسافة القصر، فلا يجوز، ولو لرحِمٍ، وشدةِ حاجةٍ، أو لاستيعابِ الأصناف، فإن خالف وفعل، أجزأ.

وقال أَبو حنيفة والشّافعي: بعدم الإجزاء، وكذا عند مالك في قول.

وقال: يجوز مع رجحان الحاجة، وكرهه أَبو حنيفة إلا لقرابة أو رجحان حاجة.

واختار الآجريُّ جوازَه لقرابة.

واتفقوا على أنّه إذا استغنى أهل بلد عنها، جاز نقلها (2).

الثّاني: اتفق الأئمة الثلاثة على أنّه يجوز وضعُ الزكاة في صنف واحد من الأصناف الثمانية، وقال الشّافعي: بوجوب استيعابها، ولا بد من كل

(1) انظر: "إرشاد الساري" للقسطلاني (2/ 48).

(2)

انظر: "الفروع" لابن مفلح (2/ 425).

ص: 403

صنف أقلُّ الجمع، وهو ثلاثة، إلا ما استثني (1).

الثالث: يجب إخراج زكاةٍ على الفور، ولا يجوز تأخيره عن وقت وجوبها مع إمكانه، إلا إن خاف ضررًا؛ كرجوع ساعٍ، أو خوفِه على نفسه، أو ماله، ونحوه، أو أخرها لمن حاجتُه أشدُّ، أو لقريب، أو جار، أو لتعذر إخراجِها من النصاب، لغيبته، أو غيرها.

فإن جحد وجوبها، فإن كان جهلًا -ومثلُه يجهلُه-؛ كقريب عهد بالإسلام، أو نشوئه ببادية بعيدة يخفى عليه، عُرِّفُ ذلك، ونُهي عن المعاودة، فإن أصرَّ، أو كان عالمًا بوجوبها، كفر، وأُخذت منه إن كانت وجبت، واستُتيب ثلاثة أيام وجوبًا، فإن لم يتب، قُتل كفرًا وجوبًا.

ومن منعها بخلًا بها، [أ] وتهاونًا، أخذت منه، وعزَّره إمام عدل فيها، أو عامل زكاة، إلا أن يكون المانعُ جاهلًا.

فإن كان المنع لكون الإمام لايعدل فيها؛ بأن كان يضعها في غير مواضعها، لم يعزَّر.

وإن غَيَّبَ مالَه، أو كتمَه، وأمكن أخذُها، أُخذت منه من غير زيادة، وإن لم يمكن أخذُها، استُتيب ثلاثة أيام وجوبًا، فإن تاب وأَخرجَ، وإلا قُتل حدًّا، وأُخذت من تركته، واللَّه تعالى الموفق (2).

وقوله صلى الله عليه وسلم: (واتَّقِ) يا معاذُ (دعوةَ) الشخصِ (المظلوم) من ذكر وأنثى؛ (فإنه)؛ أي: الشأن والأمر، والفاء للتعليل؛ أي: لأنّه (ليسَ بينها)؛ أي: دعوة المظلوم (وبين اللَّه) عز وجل (حجابٌ) يحجبها عنٍ الوصول إليه -جلَّ شأنه-، وهو يجيبها ولا بد، بعد النهي عن أخذ كرائم الأموال، إشعارٌ

(1) انظر: "المغني" لابن قدامة (2/ 281).

(2)

انظر: "الإقناع" للحجاوي (1/ 455 - 456).

ص: 404

بأنَّ أخذها ظلم (1)؛ أي: اجعل بينك وبين دعوة المظلوم العدل والإنصاف وقايةً تقيك من شدةِ الانتقام، وحلولِ الغضب ممن لا يظلم مثقالَ ذرة.

وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة لا تُرَدُّ دعوتُهم: الصائمُ حتّى يُفطرَ، والإمامُ العادلُ، ودعوةُ المظلومِ يرفعُها اللَّه فوقَ الغَمام، وتُفتح لها أبوابُ السماء، ويقولُ الربُّ: وعِزِّتي وجَلالي! لأنصرنَّكِ ولو بَعْدَ حينٍ" رواه الإمام أحمد، والتّرمذي، وحسَّنه، وابن ماجه، وابن خزيمة، وابن حِبّانَ في "صحيحيهما"(2).

وفي رواية للتّرمذي، وحسَّنه:"ثَلاثُ دَعَواتٍ لا شَكَّ في إجابتهِنَّ: دعوةُ المظلومِ، ودعوةُ المسافرِ، ودعوةُ الوالدِ على الولدِ"، ورواه أَبو داود بتقديم وتأخير (3).

وفي حديث ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "اتَّقُوا دعوةَ المظلومِ؛ فإنَّها تصعَدُ إلى السماء كأنَّها شرارةٌ" رواه الحاكم، وقال: رواته متفقٌ على الاحتجاج بهم، إلا عاصمَ بنَ كليب، فاحتج به مسلمٌ وحده (4).

وفي حديث عقبةَ بنِ عامرٍ الجهنيِّ رضي الله عنه، عن النّبي صلى الله عليه وسلم،

(1) انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (2/ 185).

(2)

رواه الإمام أحمد في "المسند"(2/ 304)، والترمذي (3598)، كتاب: الدعوات، باب: في العفو والعافية، وابن ماجه (1752)، كتاب: الصيام، باب: في الصائم لا ترد دعوته، وابن خزيمة في "صحيحه"(1901)، وابن حبان في "صحيحه"(874).

(3)

رواه الترمذي (3448)، كتاب: الدعوات، باب:(48)، وأبو داود (1536)، كتاب: الصلاة، باب: الدعاء بظهر الغيب.

(4)

رواه الحاكم في "المستدرك"(81).

ص: 405

قال: "ثلاثةٌ تُستجابُ دعوتُهم"، فذكر منهم: المظلومَ. رواه الطبراني بإسناد صحيح (1).

وفي "مسند الإمام أحمد" بإسناد حسن من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "دعوةُ المظلومِ مستجابَةٌ وإنْ كانَ فاجرًا، ففجورُه على نفسِه"(2).

وفي "المسند" أيضًا من حديث أنسٍ مرفوعًا: "دعوةُ المظلومِ ولو كانَ كافرًا ليسَ دونَها حجابٌ"(3).

وفي "أوسط الطبراني"، و"الصغير" من حديث علي مرفوعًا:"يقول اللَّه عز وجل: اشتدَّ غَضَبِي على مَنْ ظلمَ مَنْ لا يجدُ له ناصِرًا غَيري"(4).

وفي "صحيح ابن حبان"، "ومستدرك الحاكم" من حديث أبي ذر الغفاري رضي الله عنه، قال: قلت: يا رسول اللَّه! ما كانت صحفُ إبراهيم؟ قال: "كانَتْ أَمثالًا كُلُّها: أَيُّها الملِكُ المسلَّطُ المبتلَى المغرورُ! إنّي لم أبتعثك لتجمعَ الدنيا بعضَها على بعض، ولكني بعثْتُكَ لتردَّ عني دعوةَ المظلومِ؛ فإنّي لا أردُّها وإنْ كانَتْ من كافرٍ" الحديث بطوله (5).

قال الطيبي: في قوله: "فإنّه ليس بينَها وبينَ اللَّه حجابٌ": هذا تعليل

(1) رواه الطبراني في "المعجم الكبير"(17/ 340).

(2)

رواه الإمام أحمد في "المسند"(2/ 367)، والطيالسي في "مسنده"(2330)، وابن أبي شيبة في "المصنف"(29374)، والطبراني في "الدعاء"(1318)، والقضاعي في "مسند الشهاب"(315).

(3)

رواه الإمام أحمد في "المسند"(3/ 153).

(4)

رواه الطبراني في "المعجم الأوسط"(2207)، وفي "المعجم الصغير"(71)، والقضاعي في "مسند الشهاب"(1452).

(5)

رواه ابن حبان في "صحيحه"(361)، والحاكم في "المستدرك"(4166).

ص: 406

للاتِّقاء، وتمثيلٌ للدعاء؛ كمن يقصد دارَ السلطان متظلِّمًا فلا يُحْجَبُ (1).

قال ابن العربي: إلا أنّه -وإن كان مطلقًا- فهو مقيد بالحديث الآخر: أن الداعي على ثلاث مراتب: إما أن يُعَجَّل له ما طلبَ، وإما أن يُدَّخَر له أفضلُ منه، وإما أن يُدفع عنه من السوء مثلُه (2).

وفي الحديث: دليل على تعظيم أمر الظلم.

وفي "صحيح مسلم" وغيره من حديث جابرِ بنِ عبد اللَّه رضي الله عنهما: أنَّ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "اتَّقُوا الظُّلْمَ، فإنَّ الظلمَ ظلماتٌ يومَ القيامة، واتَّقُوا الشُّحَّ؛ فإن الشحَّ أهلكَ مَنْ كانَ قبلَكُم، حَمَلَهُم على أَنْ سَفَكوا دماءَهُمْ، واستَحَلُّوا مَحارِمَهُم"(3).

وفي "الصحيحين" من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "الظلم ظلمات يوم القيامة"(4).

وحقيقةُ الظلم لغةً: وضعُ الشيءِ في غيرِ موضعهِ (5).

وشرعًا: التصرُّفُ في غير ملكٍ، أو في ملك الغير، وهو مأمور باجتنابه شرعًا وعقلًا.

(1) انظر: "فتح الباري" لابن حجر (3/ 360).

(2)

رواه الإمام أحمد في "المسند"(3/ 18)، والبخاري في "الأدب المفرد"(710)، وغيرهما، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه. وانظر:"عارضة الأحوذي" لابن العربي (3/ 120).

(3)

رواه مسلم (2578)، كتاب: البر والصلة والآداب، باب: تحريم الظلم.

(4)

رواه البخاري (2315)، كتاب: المظالم، باب: الظلم ظلمات يوم القيامة، ومسلم (2579)، كتاب: البر والصلة والآداب، باب: تحريم الظلم.

(5)

انظر: "القاموس المحيط" للفيروزأباي (ص: 1464)، (مادة: ظلم).

ص: 407

ولا يصلح العالَم إلا بالإقامة على سنن العدل والاستقامة.

وفي وصية عمرِو بنِ العاص لابنه عبدِ اللَّه رضي الله عنهما: يا بني! احفظْ عني ما أُوصيك به: إمامٌ عدلٌ خيرٌ من مطرٍ وَبْل، وأسدٌ خطومٌ خيرٌ من إمامٍ ظَلُوم، وإمامٌ ظلومٌ غشومٌ خيرٌ من فتنةٍ تدومُ (1).

والظلم من حيث هو يتنوَّع أنواعًا كثيرة:

فأعظمُه: الشركُ باللَّه؛ كما قال عز وجل: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13].

والكذبُ على اللَّه تعالى، ويدخل في هذا أمناءُ اللَّه على شريعته، المتوسطون بينه وبين خليقته؛ كما أشار -جلَّ شأنه- إلى هذا في قوله:{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ} الآية [الأنعام: 93].

وكذا وُلاة الأمور من الخلفاء والسلاطين والأمراء، وكل ذي ولاية، حتّى على أهل بيته.

وفي خبر: "أشدُّ النّاس عذابًا يومَ القيامة مَنْ أشركَهُ اللَّهُ في حُكمه، فأدخلَ عليه الجَوْرَ في عدله"(2)؛ يعني: من جعله حاكمًا على خلقه، فساسهم بالسياسة الظالمة، والعوائد الفاسدة الآثمة، والقوانين الباطلة، ووضعِ المكوسِ، وظلمِ الرعايا، والاستئثار بالغيِّ والكبر، والفخر والعجب والخيلاء.

(1) رواه ابن عساكر في "تاريخ دمشق"(46/ 184).

(2)

رواه أَبو نعيم في "حلية الأولياء"(4/ 15)، عن طاوس رحمه الله من قوله.

ص: 408

قال يزيد بن حاتم: ما هبتُ شيئًا هيبةَ رجلٍ ظلمتُه وأنا أعلمُ أنْ لا ناصرَ له إلا اللَّه (1).

ويروى أنَّ بعض الملوك رقم على بساطه هذين البيتين: [من البسيط]

لَا تَظْلِمَنَّ إِذَا مَا كُنْتَ مُقْتَدِرًا

فَالظُّلْمُ مَصْدَرُهُ يُفْضي إِلَى النَّدَمِ

تَنَامُ عَيْنَاك وَالْمَظْلُومُ مُنْتَبِهٌ

يَدْعُو عَلَيْكَ وَعَيْنُ اللَّهِ لَمْ تَنَمِ (2)

وقال بعضهم وأحسنَ: [من الوافر]

أَتَهْزَأُ بِالدُّعَاءِ وَتَزْدَرِيهِ

وَمَا تَدْرِي بِمَا صَنَعَ الدُّعَاءُ

سِهَامُ اللَّيْلِ نَافِذَةٌ وَلَكِنْ

لَهَا أَمَدٌ وَلِلأَمَدِ انْقِضَاءُ (3)

ووجد تحت فراش يحيى بنِ خالدٍ البرمكيِّ رقعةٌ فيها مكتوب: [من الوافر]

وَحَقِّ اللَّهِ إنَّ الظُّلْمَ لُومُ

وَإِنَّ الظُّلْم مَرْتَعُهُ وَخِيمُ

إِلَى دَيَّانِ يَوْمِ العَرْضِ نَمْضِي

وَعِنْدَ اللَّهِ تَجْتَمِعُ الخُصُومُ

وقال بعضهم وأحسنَ: [من الطويل]

إِذَا ظَالِمٌ استَحْسَنَ الظُّلْمَ مَذْهَبًا

وَزَادَ عُتُوًّا فِي قَبِيحِ اكْتِسَابِهِ

فَكِلْهُ إِلَى صَرْفِ الزَّمَانِ فَإِنَّهُ

سَيُبْدِي لَهُ مَا لَمْ يَكُنْ فِي حِسَابِهِ

فَكَمْ قَدْ رَأَيْنَا ظَالِمًا مُتَجَبِّرًا

يَرَى النَّجْمَ تِيهًا تَحْتَ ظِلِّ رِكَابِهِ

فَلَمَّا تَمَادَى وَاسْتَطَالَ بِظُلْمِهِ

أَنَاخَتْ صُرُوفُ الحَادِثَاتِ بِبَابِهِ

وَعُوقِبَ بِالذَّنْبِ الَّذِي كَانَ قَدْ جَنَى

وَصَبَّ عَلَيْهِ اللَّهُ سَوْطَ عَذَابِهِ (4)

(1) انظر: "الكبائر للذهبي"(ص: 107).

(2)

والبيتان منسوبان إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه، كما في "ديوانه".

(3)

انظر البيتين في: "ربيع الأبرار" للزمخشري (1/ 184).

(4)

والأبيات منسوبة للإمام الشافعي، كما في "ديوانه".

ص: 409

وفي "صحيح البخاري" من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النّبي صلى الله عليه وسلم، قال:"مَنْ كانتْ عندَهُ مَظْلَمَةٌ لأخيه من عِرْضٍ أو شيء، فَلْيتحلَّلْهُ منهُ اليومَ من قبلِ أَلَّا يكونَ له دينارٌ ولا درهمٌ، إنْ كان له عملٌ صالح، أُخذ منه بقدرِ مظلمتِهِ، وإن لم يكنْ له حسناتٌ، أُخِذَ من سيئاتِ صاحبهِ فَحُمِلَ عليه"(1).

ورواه التّرمذي أيضًا، وقال في آخره:"رَحِمَ اللَّهُ عَبْدًا كانتْ له عندَ أخيهِ مظلمةٌ في عرضٍ أو مالٍ"(2).

وفي "صحيح مسلم" من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أنَّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "أَتَدْرونَ مَنِ الُمْفِلسُ؟ "، قالوا: المفلسُ فينا مَنْ لا درهمَ له ولا مَتاعَ، فقال:"إنَّ المفلسَ مِنْ أُمَّتي مَنْ يأتي يومَ القيامةِ بصلاةٍ وصيامٍ وزكاةٍ، ويأتي وقد شتمَ هذا، وقذفَ هذا، وأكلَ مالَ هذا، وسفكَ دمَ هذا، وضربَ هذا، فيُعْطى هذا من حسناتِه، وهذا من حسناتِه، فإن فنيت حسناتُه قبلَ أن يقضيَ ما عليه، أُخِذَ من خطاياهُم، فطُرحَتْ عليه، ثُمَّ طُرح في النّار". ورواه التّرمذي أيضًا (3).

* * *

(1) رواه البخاري (2317)، كتاب: المظالم، باب: من كانت له مظلمة عند الرجل فحللها له، هل يبين مظلمته.

(2)

رواه الترمذي (2419)، كتاب: صفة القيامة والرقائق والورع، باب: ما جاء في شأن الحساب والقصاص.

(3)

رواه مسلم (2581)، كتاب: البر والصلة والآداب، باب تحريم الظلم، والترمذي (2418)، كتاب: صفة القيامة والرقائق والورع، باب: ما جاء في شأن الحساب والقصاص.

ص: 410