الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخلفاء العباسيّين، ومن استقلّ بها من الخلفاء الفاطميّين، ومن تلاهم من الملوك الأيوبيّة، واستبدّ بها بعدهم من الملوك التركيّة، إلى آخر سنة خمس وثلاثين وسبعميّة، المخصوصة بالدولة الشريفة الناصريّة، أدام الله أيّام مورد سلطانها إلى آخر الأبد، وعمّره كعمري لبيد ولبد، بمحمّد وآل محمّد، وذاك آخر الجزء التاسع من هذا التاريخ المبارك، المسمّى ذاك الجزء بالدرّ الفاخر، في أخبار سيرة الملك الناصر، فتح الله له فتحا مبينا، وجعل له من الملائكة حافظا وحارسا ومعينا.
ذكر انقضاء مدّة العالم وابتدائه
واختلاف العلماء في ذلك
قال الشيخ جمال الدين ابن الجوزيّ، رحمه الله: اختلف العلماء في ذاك على أقوال، أحدها: أنّ عمر الدنيا من هبوط آدم، عليه السلام، إلى الهجرة سبعة آلاف سنة، رواه سعيد بن جبير عن ابن عبّاس قال: هي جمعة من جمع الآخرة، قد مضى منها ستّة آلاف سنة وبقي ألف سنة.
الثاني: أنّ عمر الدنيا ستّة آلاف سنة وسبع مائة سنة، قاله كعب الأحبار، وذهب وهب بن منبّه كذلك. الثالث: أربعة آلاف سنة وستّمائة سنة (5) واثنان وأربعون سنة، وهو نصّ التّوراة. الرابع: خمسة آلاف سنة وخمس مائة واثنتين وثلاثون سنة، وهذا قول النّصارى. الخامس: أربعة آلاف سنة وستّمائة سنة، وقيل: أربعة آلاف سنة ومائة واثنان وثمانون سنة، وهذا قول اليونان. السادس: حكاه أبو جعفر الطّبريّ عن المجوس، قال: وأمّا المجوس فيزعمون أنّ قدر مدّة الزمان من لدن كهومرت إلى وقت الهجرة النبويّة ثلاثة آلاف سنة ومائة وتسعا وثلاثين سنة، ولا يذكرون شيئا فوق كهومرت، وهو آدم عندهم.
قال ابن الجوزيّ، رحمه الله: وقد اختار الطبريّ القول الأوّل، وهو سبعة آلاف سنة. واحتجّ بأخبار، منها ما رواه في تاريخه، فقال: حدّثنا
محمّد بن بشّار بإسناده إلى ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أجلكم في أجل من قد كان قبلكم من صلاة العصر إلى مغرب الشمس» . انفرد بإخراجه البخاريّ.
قال الطبريّ، رحمه الله: وقدّر ما بين صلاة العصر في أوسط أوقاتها بالإضافة إلى باقي النهار مقدار نصف سبع يوم. فإذا كانت الدنيا سبعة آلاف سنة، فنصف يوم خمس مائة سنة. وقد بقي خمس مائة سنة. وذكر الطّبريّ كلاما طويلا.
يقول ابن الجوزيّ: وما ذكره الطبريّ ضعيف لوجوه، أحدها لأنّه قال:
حدّثنا أبو الحسن بإسناده إلى شعبة. قال: سمعت قتادة يحدّث عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بعثت أنا والساعة كهاتين» . وأشار بإصبعيه:
السّبابة والوسطى. وهذا حديث متّفق على صحّته. والثاني: أنّ الغالب على
النّهار أن يكون اثنتي عشرة ساعة وأقلّ وأكثر. فكيف يقدّر من العصر إلى غروب الشمس مقدار (6) نصف سبع اليوم، مع اختلاف العلماء في دخول وقت العصر؟ ثمّ على حسابه يقتضي مثل ما قال النبيّ صلى الله عليه وسلم:«إنّه قد بقي من الدنيا خمس مائة عام» ، على تقدير ما قاله الطبريّ، وليس كذلك، بل قد زاد على ذلك مبين أعوام. والثالث: لأنّ الأخبار الواردة في مخالفة للكتاب، وهو قوله تعالى:{إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السّاعَةِ} . وكقوله تعالى: {يَسْئَلُونَكَ عَنِ السّاعَةِ أَيّانَ مُرْساها} الآية، ونحو ذلك. وقد روى أيضا في قوله، عليه السلام:«بعثت أنا والساعة كهاتين» . فلم يقدّر وقتا.
وقد أنكر أحمد بن حنبل، رحمه الله، ما روى في قوله، عليه السلام:
بعثت، في آخرها ألفا. وقال: لا يصحّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، في التّقدير حديث. وما رواه أنس عنه صلى الله عليه وسلم، أنّه قال:«عمر الدنيا سبعة أيّام من أيّام الآخرة» . قال ابن الجوزيّ: فقد روى هذا الحديث جدّي في الموضوعات. وقال في إسناده: ريدك كان يضع الحديث باتّفاق ابن المدينيّ وأبي داود وأبي حاتم. وقد ثبت أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم، قال: «ما المسؤول
عنها بأعلم من السائل».
قلت: هذا من رواية ابن الجوزيّ، رحمه الله، ونحن نذكر ما رواه غيره أيضا.
قال محمّد بن سلاّم، رحمه الله، روى سعيد بن جبير عن عبد الله بن عبّاس، رضي الله عنه، قال: الدنيا جمعة من جمع الآخرة، ستّة آلاف سنة وليأتينّ عليها مئون من سنين ليس عليها موحّد. فإن كان هذا ثابتا عن ابن عبّاس فلن يقوله إلاّ موقوفا. وقد اختاره الطّبريّ لما رواه ابن عمر، رضي الله عنه، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، أنّه قال:«بعثت أنا والساعة كهاتين» وقابل بين إصبعيه، يعني أنّه جمع بين الوسطا والسبّابة. قال ابن سلاّم:
قال الطّبريّ: وقدّر ما (7) بين أوسط أوقات <صلاة> العصر، وهو إذا صار ظلّ كلّ شيء مثليه على التحرّي وبين غروب الشمس نصف سبع اليوم، يزيد قليلا أو ينقص قليلا. وكذلك بين السبّابة والوسطا. وعن أنس بن مالك، رضي الله عنه، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، أنّه قال:«ما بقي لأمّتي من الدنيا إلاّ كمقدار الشمس إذا صلّيت العصر» . فهذا دليل لما رواه الطّبريّ، والله أعلم.
وقال ابن سلاّم في تاريخه أيضا: اختلف الناس في مدّة ما مضى من الزمان، من لدن هبوط آدم، عليه السلام، إلى هجرة نبيّنا محمّد صلى الله عليه وسلم،
اختلافا متباينا، ونحن نذكر بعض ما قيل في ذلك. روى ابن الكلبيّ عن أبي صالح عن ابن عبّاس، رضي الله عنه، أنّه قال: إنّ مدّة ما بين آدم، عليه السلام، إلى نبيّنا محمّد صلى الله عليه وسلم، خمسة آلاف سنة وسبع مائة وخمسين سنة. فمن آدم إلى نوح، عليهما السلام، ألفان ومائة سنة. ومن نوح إلى إبراهيم، عليه السلام، ألف ومائة سنة وثلاث وأربعون سنة. ومن إبراهيم إلى موسى، عليه السلام، خمس مائة سنة وخمس وسبعون. ومن موسى إلى داود، عليه السلام، مائة سنة وتسع وسبعون سنة. ومن داود إلى عيسى، عليه السلام، ألف سنة وثلاث وخمسون سنة. ومن عيسى إلى محمّد صلى الله عليه وسلم، ستّمائة سنة.
وروي عن الواقديّ، رحمه الله، أنّه قال: من هبوط آدم إلى مولد نبيّنا محمّد صلى الله عليه وسلم، أربعة آلاف سنة وستّمائة سنة. وروي عن وهب بن منبّه، رحمه الله، أنّه قال: مضى من الدنيا خمسة آلاف سنة وستّمائة سنة.
هذا ما رواه محمّد بن سلاّم القضاعيّ، وقال: وأمّا أصحاب التاريخ فيزعمون (8) أن برهان التاريخ من لدى الطوفان إلى الهجرة واضح عندهم من جهة تقويم الكواكب على ذلك، وأنّه لا برهان عندهم على تاريخ آدم، عليه السلام. وذكروا أنّ من أوّل يوم من الطوفان إلى أوّل يوم من الهجرة ثلاثة آلاف سنة وسبع مائة سنة وخمس وعشرون سنة فارسيّة وثلاثمائة وتسع وأربعون يوما.
وزعموا اليهود أنّ جميع الماضي من الدنيا من لدن آدم إلى وقت الهجرة أربعة آلاف سنة وستّمائة سنة واثنتان وأربعون سنة.
وقال اليونانيّون من النّصارى: إنّ الصحيح عندهم في الماضي من الدنيا إلى الهجرة خمسة آلاف سنة وتسع مائة سنة واثنتان وتسعون سنة وأشهر. وزعموا أنّ اليهود إنّما نقّصوا ما نقّصوه دفعا لنبوّة عيسى، عليه السلام، إذ كانت صفته في التوراة. وقالوا: لم يأت الوقت الذي وقّت له.
وقال المجوس من الفرس: إنّ الماضي من الزمان بعمر الدنيا أربعة آلاف سنة ومائة واثنتان وثمانون سنة وعشرة أشهر وتسعة عشر يوما إلى تاريخ هجرته صلى الله عليه وسلم.
قلت: هذا ما رواه محمّد بن سلاّم القضاعيّ، رحمه الله، في تاريخه. وأمّا ما ذكروه المتفلسفين وأرباب علم الرّصد والنجوم، فليذكر من ذلك أيضا طرفا ليكون سماعه للتعجّب، لا للتّصديق، وبالله التّوفيق.
زعموا أنّ في كتاب السّند هند، الذي معناه: الدهر الداهر، وهو الذي عمل منه المجسطيّ وغيره من الزّيجات التي نذكر منها ما يليق بذكره في موضعه، إن شاء الله تعالى، فقالوا: إنّ دوران الشمس من أوّل مسيرها (9) من الحمل، إنّما ينقضي مسيرها على ما حسبوا: أربعة آلاف ألف ألف
وأربع مائة ألف ألف وعشرون ألف ألف دورة، لكلّ دورة سنة، والسنة ثلاثمائة وخمسة وستون يوما وربع يوم. وقالوا: إنّ أصل الدورة أربعة آلاف ألف وثلاثمائة ألف وعشرون ألفا عند بدء كلّ ألف سنة.
وقد نقل عن محمّد بن إبراهيم الفزاريّ، الآتي ذكره في موضعه، وهو أوّل من عني بحلّ علم الفلك من اللّغة الهنديّة إلى اللّغة العربيّة، يقول: إنّ الله سبحانه خلق جميع الكواكب والأوجات والجوزهرات في أوّل نقطة من برج الحمل، وقدّر لكلّ واحد منها سيرا معلوما، فسارت من هناك. وإنّها لا تجتمع في المكان الذي بدت منه، إلاّ بعد أربعة آلاف ألف ألف وثلاثمائة ألف ألف وعشرين ألف سنة. ثمّ يقضي الله، عز وجل، فيها ما شاء ممّا سبق في علمه وقدرته، وإنّ الماضي من هذه الجملة، أعني المدّة المذكورة إلى الهجرة، ألف ألف ألف وتسع مائة واثنان وسبعون ألف ألف وتسع مائة وسبعة وأربعون ألفا وسبع مائة وثلاث وعشرون سنة. وهذا شيء افترد به هذا الرجل، وقليل من وافقه عليه من أصحاب الأرصاد، متقدّمهم ومتأخّرهم.
والأصل في ذلك أنّ تلك المدّة مبنيّة على مقادير الحركات بمذهب السند والهند. وإن ثبتت تلك المقادير في نفس الأمر، كان من لوازمها أنّ في تلك المدّة تدور كلّ واحدة من تلك الدورات دورات متساوية، لا كسر فيها. وليس هذا موضع الإطناب، والله أعلم.
(10)
وقال أبو معشر: إنّ أكثر التواريخ القديمة مدخول فاسد،