الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شوى من لحمها وأراد أكله، وجدوه حجرا صمّا. فلمّا علم صالح بذلك، وعدهم الله تعالى بالعذاب (143) بعد ثلاث. فأصبحوا في اليوم <الأوّل> -وكان يوم خميس-ووجوههم مصفرّة؛ وأصبحوا في اليوم الثاني ووجوههم محمرّة، وفي اليوم الثالث مسودّة. وصبّحهم العذاب الأحد، فأتتهم صيحة من السماء، فماتوا وهلكوا جميعا.
ولحق صالح ومن آمن معه بمكّة، ومات بها وله من العمر مائة وثمانين سنة. وقيل: أقلّ من ذلك. وإنّ قبورهم بين دار الندوة والحجر.
وقيل: عمّر صالح مائتي وثمانون سنة، والله أعلم.
ذكر إبراهيم الخليل، صلوات الله عليه
إبراهيم، خليل الله، بن آزر، وهو تارخ بن ناحور بن ساروع بن قالع بن عابر، وهو هود بن شالح بن سوساح بن أرفخشد، وسنوصله بآدم، عليه السلام، عند ذكر سيّدنا ونبيّنا محمّد صلى الله عليه وسلم.
ولد إبراهيم، صلوات الله عليه، ببابل. وكان مولده في زمن نمرود ابن كنعان بن كوش بن حام، مع اختلاف في نسب نمرود. وكان لنمرود ملك المشارق. ولمّا بلغ إبراهيم ثلاثين سنة ألقاه نمرود في النار، فنجّاه الله تعالى منها وجعلها {بَرْداً وَسَلاماً} ، بعد أن احتبسه ثلاث عشر سنة.
ولمّا كان لإبراهيم، عليه السلام، سبعين سنة خرج ومعه ابن أخيه لوط وابنة عمّه سارة-وهي زوجته-إلى الشام، فوجدوا بها الجوع. فساروا إلى مصر وبها فرعون يقال له: سنان. هذا عن أهل الأثر، أن اسم فرعون إبراهيم يقال له: سنان. وسيأتي الكلام من ذلك الكتاب القبطيّ، بعد ما ننهي ما جاء عن أهل الأثر. أقاموا بمصر ثلاثة أشهر، ورجعوا إلى الشام، وقد أهدى فرعون مصر لسارة هاجر، فتولّوا السّبع من أرض فلسطين.
وفارقه لوط وسكن سدوم.
ثمّ تحوّل إبراهيم، عليه السلام، فنزل الرّملة. وارتحل فنزل إيليا.
فلمّا بلغ إبراهيم، عليه السلام، خمسا وثمانين سنة، فوهبت سارة (144) له جاريتها هاجر، فولدت له إسماعيل، عليه السلام، ولإبراهيم من العمر حين ولد له إسماعيل ستّة وثمانين سنة، واختتن وله تسع وتسعون سنة.
وقيل: اختتن بالقدوم، وهي قرية من قرا كنعان، لا ما يذهب إليه الناس أنّها الآلة التي كالفأس. وختن أيضا إسماعيل.
ثمّ ولدت له سارة إسحاق، عليه السلام، وله مائة سنة، وأنزل الله
عليه عشر صحائف. وولد لإسحاق يعقوب، عليهما السلام، والعيص تؤما بعد مضيّ مائة وستّين سنة لإبراهيم. ومات، صلوات الله عليه، وله من العمر مائة وخمس وسبعون سنة. وماتت سارة ولها من العمر مائة وسبع وعشرون سنة. وكان وفاتها قبل وفاة إبراهيم، بعد مضيّ سبع وثلاثين سنة من عمر ولدها إسحاق. ودفنها في مزرعة جيرون من الشام.
. . . أوّل من شاب. وذلك أنّه كان إسحاق على شبهه لا يفرق بينهما المتأمّل الحاذق، فوسمه الله تعالى بالشّيب حتّى تميّز به عنه. وروي أنّه لمّا رأى الشيب، راعه، قال: يا ربّ، ماذا؟ فأوحى الله، عز وجل، إليه: إنّ هذا وقاري. فقال: اللهمّ زدني وقارا. فأصبح أبيض اللّحية والرأس. وما أحسن قول بعض البلغاء في هذا المعنى، وهو: سبحان من بيّض القار وسمّاه الوقار.
هذا عن أهل الأثر، أنّ اسم فرعون إبراهيم كان اسمه سنان وسيأتي الكلام عن ذلك.
(من الطويل، مع خلل في الوزن):
رأين الغواني الشّيب لاح بعارضي
…
فأعرضن عنّي بالخدود النّواظر
وكنّ إذا ما أبصرنني أو سمعن بي
…
سعين فرفعن اللّواء بالمحاجر
لإن حجبت عنّي خدود نواظر
…
نظرن بأحداق المها والجآذر
فإنّي من قوم كرام أعزّة
…
لأقدامهم صيغت رؤوس المنابر
وقال الطّبريّ: إنّ من هبوط آدم، عليه السلام، إلى إبراهيم، (145) عليه السلام، ثلاثة آلاف سنة وثلاثمائة سنة وسبعا وثلاثين سنة. فتكون إلى حين وفاته ثلاثة آلاف سنة وخمس مائة سنة واثنتا عشر سنة، والله أعلم.
وأمّا قصّة إبراهيم، صلوات الله عليه، مع طوطيس ملك مصر، ممّا تظمنه ذلك الكتاب القبطيّ، فإنّه قال: إنّ أبراهام لمّا خاف على نفسه وزوجته من قومه ونمرود الكنعانيّ، فإنّه كان من أهل قرية من القرا العراقيّة، تسمّى: لوذاها؛ وكانت هذه القرية في خاصّ ملك نمرود الكنعانيّ؛ فخرج طالبا للشام. فلمّا نزل بارمنيدا-وهي الغوطة-خشي أيضا لا يلحقوه هنالك، <وذلك ل> كون حكم نمرود نافذا إلى هناك.
فتوصّل إلى مصر، وبها أحد الفراعنة يسمّى طوطيس، أبو حوريا الكاهنة.
فوصل إليه الخبر من البوّابين أن قد دخل إلى المدينة رجل من شرق الأرض ومعه امرأة لم يرا مثلها. وذكر أنّ حسن يوسف كان جزءا منها.
فأمر الملك بإحضاره، وسأله عن خبره، فقال: رجل قاصد لديارك. وخبّره
عن بلده، وكتم أمره مع نمرود. فقال: وما تكون هذه المرأة منك؟ قال:
أختي. فقال: أحضرها لأراها. فامتنع. ثمّ لم يمكنه المخالفة لغربته في مصر، وعلم أنّ الإله لا يفضحه في أهله ولا يسؤه. فقال لسارة: توجّهي معي إلى الملك فقد طلبك ليراك. قالت: وما يفعل بي الملك؟ إنّي أخشاه على نفسي. فقال: إنّ إلاهنا يمنعه منك. فقامت على كره منها.
فلمّا دخلت إليه، ونظر منها منظرا أراعه، فافتنته بحسنها. فأمر بإخراج إبراهيم. فخرج، وهو لا يكاد <. . .> خوفا عليها منه. وندم على قوله: هي أختي. وتمنّى أنّه لم يدخل مصر. فقال: يا ربّ، لا تفضحني في أهلي. فكشف الله تعالى له عن الملك وسارة حتّى عاد ينظر إليهما. ثمّ إنّ الملك راودها عن نفسها فامتنعت عليه. فذهب يمدّ يده إليها، فقالت: إنّك (146) إن وضعت يدك عليّ أهلكت نفسك، لأنّ لي ربّا يمنعني منك. فلم يلتفت إلى قولها ومدّ يده إليها، فجفّت يده وبقي حائرا. فقال لها: أزيلي عنّي ما قد أصابني. فقالت: على أن لا تعود إلى مثل ما فعلت. قال: نعم. فدعت إلى الله تعالى، فزال عنه. فلمّا وثق بالصحّة، منّاها وعاودها، فامتنعت وقالت: قد علمت ما نزل بك. ثمّ مدّ يده إليها، فجفّت، واضطربت عليه عصبه. فاستغاث بها، وأقسم بآلهته، أنّها إن أزالت عنه ذلك لا يعاودها فيما تكره. فسألت الله، عز وجل، فزال عنه، ورجع إلى صحّته. فقال لها: إنّ لكما لربّا عظيما لا يظيعكما. ثمّ إنّه أعظم قدرها وسألها عن إبراهيم، فقالت: هو بعلي وأنا زوجته وابنة عمّه.
قال: فإنّه يقول: إنّك أخته. قالت: صدق؛ أنا أخته في الدين، وكلّ من كان على ديننا فهو أخ لنا. قال: نعم الدين دينكم. ووجّهها إلى إبراهيم بعدما أنفذها لابنته حوريا. فأضافتها أحسن ضيافة، ووهبت لها هاجر لخدمتها. وكان هاجر ابنة ملك عين شمس، وأغار عليهم هذا الملك، وأخذها، وكانت عنده بمنزلة ابنته حوريا. فلم تجد حوريا عندها أعزّ من هاجر، فأهدتها لسارة، ووهبت لها مالا وجوهرا. فقالت سارة لإبراهيم، فأمرها أن تردّ ذلك المال والجوهر، فردّته.
وذكرت <حوريا> ذلك لأبيها. فتعجّب منه، وقال: إنّ هؤلاء لكرام من أهل بيت طاهر. فتحايل الملك في برّهما بكلّ حيلة، حتّى صنع لهما سلاّ وجعل فيه حلوا ومأكولا وجعل المال والجوهر في أسفل السلّ، وقال: ليكون هذا برسم زوّادتكما. فقبلاه على أنّه مأكولا؛ وخرج إبراهيم، عليه السلام. فلمّا أبعدوا وأمعنوا في السير، أخرجت سارة بعض السلال، فوجدوا فيه ذلك المال. فحفر منه البئر التي جعلها للسبيل، وفرّق بعضه في وجوه البرّ. وكان يضيف كلّ من مرّ به حتّى كنّي أبا الضيفان. (147) وادّخرت منه سارة لولد كان لها قبل إسحاق، عليه السلام.
وعاش طوطيس الملك إلى أن وجّهت إليه هاجر من مكّة تعرّفه أنّها في مكان جدب وتستعينه. فأمر بحفر نهر في شرقيّ مصر، بسفح الجبل، حتّى انتهى إلى مرفأ السفن في البحر المالح. وكان يحمل إليها الحنطة وأضاف الغلّة، فتصل إلى جدّة وتحمل من هناك على الظهر. فأحيت بلد الحجاز بعدما كان قحط.