الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهم اثنا عشر ذكرا. ومرويّ أنّ الأنبياء جميعهم من ولده، اللهمّ إلاّ أحد عشر، وهم: نوح وهود وصالح ولوط وإبراهيم وأيّوب وشعيب وإسماعيل وإسحاق ويعقوب نفسو محمّد، صلّى الله عليه وعلى سائر الأنبياء والمرسلين. وتوفّي يعقوب بمصر وله من العمر مائة سنة وسبع وأربعون سنة، وحمله يوسف، عليه السلام، ودفنه عند قبر أبيه إسحاق. ولم تزل النبوّة والملك متّصلين بالشام ونواحيها في ولد إسرائيل بن إسحاق، إلا أن أزال الحكم عنهم بخت نصر الفارسيّ، ثمّ الروم من بعده. وكان آخر أنبياء بني إسرائيل يحيى وزكريّا وعيسى، عليهم السلام.
ذكر يوسف، عليه السلام
أمّا يوسف، عليه السلام، فهو أعرق الأنبياء أصلا، ولسيّدنا محمّد صلى الله عليه وسلم، الشرف الرفيع والجمال البديع. فإنّ يوسف صديق الله، ابن يعقوب إسرائيل الله، ابن إسحاق ذبيح الله، ابن إبراهيم خليل الله. ولا يوجد نبيّ ابن نبيّ ابن نبيّ ابن نبيّ، أربعة على نسق سواه. . . إنّه لمّا بلغ سبع عشرة سنة رأى الشمس والقمر وإحدى عشر كوكبا، له ساجدين. فقصّ (150) رؤياه على أبيه، فحسده إخوته، فوضعوه في غيابه <في> الجبّ، وابتيع من أهل مصر. وقد تمثّل به بعض الشعراء فقال (من الطويل):
أقول وقد ضاقت بأحزانها نفسي
…
لإن بعت يا مولاي ودّي بالوكس
لقد بيع بعض الأنبياء عليهم
…
صلاة إله النّاس بالثّمن البخس
واشتراه قائدا من قياد فرعون مصر. فمكث عنده مدّة، ثمّ كان من أمره مع امرأة العزيز ما يأتي ذكره، وسجن. وكان من رؤيا فرعون ما كان، ثمّ أطلقه واستوزره. وصاحبه الرّيّان بن الوليد، ويقال: إنّه آمن به. ومات فرعون ويوسف حيّ. وولي بعده قابوس بن مصعب وكان كافرا. هذا ما روي عن أهل الأثر.
وأمّا ما وجدته من قصّته في هذا الكتاب القبطيّ، فإنّه قال: وإنّ في زمان نهراوش الملك دخل إلى مصر غلام قد ألبس ثوب الجمال من أهل الشام، احتوا عليه إخوته وباعوه. وكانت القوافل تأتي من الشام وتفرش بالموقف. فأوقف الغلام، ونودي عليه، وهو يوسف بن يعقوب، فبلغ وزنه ذهبا وورقا. فاشتراه طغين العزيز وزير نهراوش الملك ليهديه إلى الملك. فلمّا أتا به منزله، رأته امرأته زاريخا، وهي زليخا، وهي ابنة عمّ العزيز، قالت: اتركه لنا نربّيه، ففعل. فهويته، وكانت تكتم ذلك عليه، حتّى غلبها هواها. فجاءت وتزيّنت له وعرّفته أنّها تحبّه، وإن وافقها على ما تريد منه، حبته بمال عظيم، واصطفته لنفسها. فامتنع من ذلك. ورأت أن تقبّله؛ ولم تزل تعاركه وهو يمتنع عليها إلى أن أتا زوجها العزيز ورآه وهو هارب منها. وكان العزيز عنّينا لا ينال النساء. فجعل يوسف يعتذر إليه. وقالت <زليخا>: كنت نائمة، فأتاني وراودني عن نفسي. ففطن العزيز وعلم أنّ الأمر منها. فقال ليوسف: دع اعتذارك، وأعرض عنه.
والتفت (151) إليها فقال لها: استغفري لذنبك.
كلّ هذا الكلام بالقبطيّ، وهذا معناه لمّا جلبته إلى العربيّة.
وقد كان خبر الغلام اتّصل بالملك نهراوش. فسأل العزيز عنه فأنكره منه ومنعه من الخروج من قصره. وكان نهراوش قد عاود الاعتكاف على اللذّات و <سلّم> إلى العزيز الملك وتدبير الرعيّة.
ولمّا اتّصل خبر زليخا ويوسف بنساء من أصحاب الملك، فعيّروها بذلك. فأحضرت جماعة منهنّ، وعملت لهنّ وليمة وشرابا، وجلست في مجلس قد فرشته بأنواع الديباج في إيوان عظيم، وأمرت المواشط بتزين يوسف، <عليه السلام>، وإخراجه من المجلس على تلك النّسوة، بعدما أخذ الشراب منهنّ. فأخرجنه بعدما زيّنّه بأتمّ زينة، وجعلن عليه الثياب المنسوجة بالذهب على ثوب من الديباج الأحمر، وسرّحن ذوائبه، والتبر من خلفه ومن قدّامه. ودفنّ إليه مذبّة ذهب وشعرها أخضر، وكانت قد قدّمت لكلّ واحدة منهنّ أترجّة، وبيدها سكّينا يقطع بها. فلمّا خرج يوسف عليهنّ في تلك الزينة-وكان محاذيا للشمس-فأشرق المجلس وجميع ما فيه من جمال يوسف وقوّة نور وجهه، حتّى كاد يخطف بأبصارهنّ ذلك النور.
وأقبل يوسف والمذبّة في يده حتّى وقف على رأسها وعاد يذبّ عنها. وعادت تخاطب النّسوة، وهنّ لا يعين لكلامها، بل <كنّ> شاخصات ليوسف. فقالت: ما لكنّ اشتغلتنّ عن مخاطبتي بالنظر إلى عبدي. فقلن لها: ليس هذا من الإنس، وإنّما هذا روحانيّ عظيم قد ظهر
بهذا الزيّ العظيم. ولم يبق منهنّ واحدة إلاّ وسلب قلبها وحاضت في وقتها وأنزلت الشهوة من محبّته. فقالت لهنّ زليخا: هذا عبدي الذي لمتنّني عليه وعبتنّني فيه. فقلن لها: ما ينبغي لأحد أن يلومك بعد هذا.
ومن لامك فقد ظلمك، فدونكه. فقالت: قد فعلت وخاطبته فأبا عليّ.
فخاطبنه لي أنتنّ، لعسى <أن> يعطيكنّ رضا. فعادت (152) كلّ واحدة منهنّ تعرض نفسها عليه وتدعوه إليها وهو يمتنع. فإذا يئست منه لنفسها، خطبته لزليخا، وهو لا يرا ذلك أبدا. فلمّا رأين ذلك أجمعن على أخذه غصبا. فقالت مرة العزيز: لا يجوز هذا. ولكن، إن لم يفعل ما آمره به لأمنعنّه جميع اللذّات ولأسجننّه. فاختار السجن ومنع اللذّات. ثمّ أمرت بنزع ثيابه وألبسته الصوف وسألت زوجها أن يسجنه لتزول عنها التّهمة به.
فمال إلى قولها وسجنه. وأقام في السجن سبع سنين.
ورأى الملك في منامه كأن آتيا أتاه، فقال: إنّ فلانا وفلانا قد عزما على قتلك، يريد صاحبي طعامه وشرابه. فأمر بهما إلى السجن، بعدما اعترف الواحد، والآخر أنكر ذلك. وكان اسم صاحب الطعام كاسان وصاحب الشراب مرطيس. وكان يوسف يعرف بأهل السجن ويعدهم الفرج: وإن ذلك الفتيان رأيا رؤيا، فقصّاها على يوسف ففسّرها لهما. ولما خرجا من السجن وجدا ما قاله يوسف لهما قد أتا. فقتل أحدهما وقرّب الآخر إلى ما كان عليه من مرتبته.
فلمّا رأى الملك الرؤيا، وهي سبع بقرات يأكلن السنابل من الزرع، عرّفه الساقي خبر يوسف، ومضى إليه إلى السجن، ففسّرها له. فقال الملك: ائتوني به. فقال يوسف: لا أخرج، أو يكشف أمر النّسوة اللّواتي من أجلهنّ حبست. فلمّا بلغ <الخبر> زليخا اعترفت بالحقّ.
وقيل: إنّ مولودا نطق في المهد ببراءة يوسف، فأخرج وغسل من درن السجن وألبس ما يجب أن يدخل به على الملوك. فلمّا رآه الملك امتلأ قلبه من حبّه وإيثاره. وسأله عن الرؤيا. ففسّرها له وأخبره أمر الغلاء الواقع، فقال الملك: وكيف الخلاص في ذلك؟ قال يوسف: إن فوّظتني أمر ملكك كفيتك هذا الهمّ، فإني عليم به. فأمر الملك، فخلع عليه وتوّج، وأمر أن يكون مكان العزيز بمصر.
(153)
وعن أهل الأثر فيما اختلفوا فيه، في مدّة فراقه من أبيه. قال بعض الرّواة: إنّه أبيع وله من العمر سبع عشرة سنة، وأقام في الرّقّ ثلاث عشرة سنة، واستوزر وله ثلاثون سنة، وأقام بعد ذلك تسع سنين. واجتمع بأبيه، فكان مدّة الفراق اثنتين وعشرين سنة، وكان معه أبوه سبع عشرة سنة.
وقال سلمان الفارسيّ: كان مدّة فراقهما أربعون سنة. وقال الحسن البصريّ: ثمانون سنة. وقال ابن إسحاق: ثماني عشرة سنة. وإنّهم قالوا:
مات يوسف، عليه السلام، وله مائة وعشر سنين.
وكان يعقوب وأهل بيته يوم دخلوا مصر سبعون رجلا وامرأة. وخرج من مصر بني إسرائيل مع موسى، عليه السلام، وعدّتهم يومئذ ستّمائة ألف مقاتل. وبين دخول يعقوب مصر وأهل بيته وبين خروج موسى، عليه السلام، ببني إسرائيل أربع مائة سنة وستّ وثلاثون سنة.
وذكر أنّ موسى، عليه السلام، حمل معه تابوت يوسف، عليه السلام، حين خرج ببني إسرائيل، وأنّه دفنه عند آبائه وأجداده، والله أعلم.
وكان-كما صحّ-يعقوب، عليه السلام، مبجّلا عند الملك نهراوش. وقيل: إنّه آمن به، وكان يخفي ذلك من أرباب دولته. وأشار عليه الكاهن قسمين بقتله وقتل ذرّيّته، وقال: هذا الذي يكون خراب بلدك على يديه ويدي ذرّيّته. فقال الملك: فإذا كان الأمر كما زعمت، كيف لنا بقتله وقتل ذرّيّته؟
فلمّا وشوا بيوسف عند الملك، بعد موت يعقوب، وقالوا: إنّ يوسف قد كبر ولا عاد له رأي يدبّر به الملك. فاستمحنه الملك في بناية