الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ووضعته في غير حقّه، فأنت ملك ولست خليفة. فبكى عمر، رضي الله عنه، فقال كعب: ما كنت أحسب أنّ في المجلس من يعرف الخليفة من الملك غيري، ولكنّ الله ألهم سلمان حكما وعلما.
فصل
قوله تعالى: {أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها} الآية
روى يحيى بن أبي كثير عن أبيه، قال: الذين قالوا هذا كانوا عشرة آلاف ملك، فأرسل الله عليهم نارا فأحرقتهم، فإن قيل: فهلاّ أحرق إبليس لمّا خالف؟ قلنا: لما سبق في الأزل من امتحان بني آدم. وقوله: {إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ} . وقال قتادة: غضب الله عليهم فطافوا بالعرش سبع سنين يقولون: لبّيك اللهمّ لبّيك، اعتذارا إليك. فتاب الله عليهم، فذلك بدء التّلبية. والثاني: استفهام إيجاب تقديره: ستجعل. قاله أبو عبيد. والثالث:
أنّه استفهام استعلام.
ثمّ في مرادهم بذلك أقوال، أحدها: أنّهم استفهموا وجه الحكمة، فكأنّهم قالوا: كيف يعصونك وقد استخلفتهم؟ وإنّما ينبغي أن يسبّحوا كما نسبّح نحن. والثاني: أنّهم قالوه تعجّبا من استخلاف من يفسد. والثالث:
أنّهم استفهموا عن حال أنفسهم، وتقديره: أتجعل فيها من يفسد فيها ونحن نسبّح أم لا؟ ذكره ابن الأنباريّ والحسين بن الفضل (17) ونظيره
{أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ} في النار، ومعناه كمن ليس بقانت؟
فإن قيل: فكيف قطعوا على بني آدم بالفساد وما رأوهم، وذكر الغائب غيبة؟ وهل علموا الغيب حتّى قالوا ذلك؟ فالجواب من وجوه، أحدها: ما روي عن ابن عبّاس، أنّه قال: لما قال {إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ} ، قالوا: وما يكون من ذلك الخليفة؟ قال: ذرّيّة يفسدون في الأرض ويتحاسدون، ويقتل بعضهم بعضا. فقالوا عند ذلك:{أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ} ؟ والثاني: أنّهم قاسوا على فعل من تقدّمهم من الجنّ الذين أفسدوا في الأرض، فقاسوا بالشاهد عن الغائب. الثالث: كان لهم علم التجربة وعلم الفراسة والظنّ، فتحقّق ظنّهم. والرابع: أنّه لمّا أخبرهم بوجود هذا الخليفة وأنّه مخلوق من الطبائع الأربع المختلفة، والهوى والغضب إنّما يثوران من الحرارة، والهوى يفسد والغضب يسفك، فحكموا بذلك. والمراد بالفساد: العمل بالمعاصي، وسفك الدم: صبّه وإراقته، والتسبيح: التوبة لله من كلّ سوء، والتقديس: التطهير، والمعنى: ننزّهك ونعظّمك.