الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الروميّ وظهر عليهم، فرأى دم يحيى يغلي فقتل عليه سبعين ألف، فسكن.
وأخرب بيت المقدّس، والله أعلم.
ذكر عيسى ابن مريم، صلوات الله عليه
وأمّا عيسى، صلوات الله عليه، فإنّ مولده سحر يوم الأربعاء الخامس والعشرين من كانون الأوّل سنة ثلاثمائة من تاريخ الإسكندر اليونانيّ، ويقال: سنة تسع عشرة وثلاثمائة. وقيل: إنّ مريم، عليها السلام، حملت به ولها ثلاث عشرة سنة. وقال الحسن: حملت به تسع ساعات، ووضعته من يومها. وقال الجمهور من العلماء والمفسّرين وأهل الكتاب: حملت به تسعة أشهر، وكانت ولادته في بيت لحم. ولمّا مضت له ثمانية أيّام ختن على سنّة موسى، وسمّوه يسوع. ولحقت به أمّه مصر، وأقامت هناك اثنتي عشرة سنة. ثمّ عادت به إلى ناصرة، من جبل الجليل، عليه السلام. وأمّا اليهود نسبوه إلى رجل يقال له: يوسف النّجّار، من دار داود، كانت مريم مسمّاه.
وقال أبو هريرة، رضي الله عنه: وكانت مريم لها (169) ابن عمّ يقال له: يوسف. وكانت هي وإيّاه يليان خدمة كنيسة. وكانت مريم إذا نفذ مايها وماء يوسف، يأخذ كلّ واحد منهما قلّته وينطلق إلى المغارة التي فيها الماء ويعودا.
فلمّا كان اليوم الذي لقيها فيه جبريل، عليه السلام-قال: وكان ذلك اليوم أطول يوم في السنة وأشدّ حرّا-ونفد ماء مريم، فقالت ليوسف: أما ننطلق بنا إلى الماء؟ قال يوسف: إنّ عندي لفضلة. فأخذت
قلّتها وانطلقت حتّى دخلت المغارة، فوجدت جبريل، عليه السلام، عند المغارة، قد مثّله الله {لَها بَشَراً سَوِيًّا} فقال لها: إنّ الله، تبارك وتعالى، قد أنفذني إليك ليهب {لَكِ غُلاماً زَكِيًّا} . {قالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا} ، وهي تحسبه رجل كان عندهم وكان اسمه تقيّا، وكان مشهورا بفسق. ف {قالَ إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيًّا قالَتْ أَنّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا قالَ كَذلِكِ قالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنّاسِ وَرَحْمَةً مِنّا وَكانَ أَمْراً مَقْضِيًّا} .
فلمّا سمعت ذلك استسلمت لأمر الله، فنفخ في جيبها ثمّ انصرف عنها. وملّت قلّتها وعادت. وكانت مريم لم يكن في أهل زمانها أحد أشدّ عبادة منها ولا أكثر اجتهادا. فكان أوّل من أنكر حمل مريم صاحبها يوسف. فإنّه لمّا رأى الذي بها عظم عليه ولم يدر ما يصنع. فكان إذا أراد أن يتّهمها، يذكر صلاحها وعبادتها وأنّها لم تغب عنه ساعة قطّ. وإذا أراد أن يبرّئها ينظر إلى الذي قد ظهر عليها. قال: فلمّا اشتدّ به الأمر-وهو يستحي من كلامها في ذلك-قال لها: يا مريم، إنّه قد وقع في نفسي منك أمرا، وقد نويت أن أكتمه في نفسي، فغلبني ذلك، وإنّ الكلام فيه شفاء للصدر. فقالت مريم: قل قولا جميلا. فقال: يا مريم، هل بنيت زرعا
بغير بذار؟ قالت: نعم. قال: فهل بنيت شجرا بغير غيث يصيبها؟ قالت:
نعم. ثمّ قالت: ألم تعلم أنّ الله، عز وجل، أنبت (170) الزرع يوم خلقه من غير بذر؟ وخلق آدم وحوّاء من غير ذكر ولا أنثى؟ قال: فلمّا قالت له ذلك، وقع في نفسه أنّ الذي بها من الله، عز وجل، وأنّه لا يسعه أن يسألها أكثر من ذلك.
قال: ثمّ تولّى خدمة المسجد وحده، وكفاها كلّ عمل كانت تعمله، لمّا رأى عجزها عن القيام بذلك. فلمّا دنا فقاسها، أوحى الله إليها أن اخرجي من أرض قومك، فإنّهم إن ظفروا بك عيّروك وقتلوا ولدك، وكانت أختها يومئذ حبلى وقد بشّرت بيحيى. فوضعته وهو ساجدا معترفا بعيسى، عليهما السلام.
قال: ثمّ حملها يوسف إلى أرض مصر على حمار له، حتّى إذا كان بأرض مصر في منقطع أدرك مريم المخاض، فألجأها إلى أزاي حمار-أي إلى مذوذه-في أصل نخلة نخرة، وكان ذلك في زمان الشتاء، فاشتدّ بمريم المخاض، فالتجأت إلى النخلة فاحتظنتها، وأحاطت الملائكة بها قائمين صفوفا، محدّقين بها. فلمّا وضعت، حزنت. قيل لها: لا تخافي ولا {تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا فَكُلِي وَاِشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً فَإِمّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا} . ثمّ كان الرّطب يتساقط عليها رطبا حيّا من تلك النخلة النّخرة، في غير زمانه، آية من الله تعالى.
قال وهب: إنّه تكلّم في المهد ثلاث مرار، ثمّ لم يتكلّم حتّى بلغ حدّ الكلام. ولمّا بلغ ثلاثين سنة، جاءه الوحي. فكانت مدّة نبوّته ثلاث
سنين. وإنّ اليهود طلبوه، فدلّ عليه بعض الحواريّين، واسمه يودش، ويقال: يهوذا واريسي؛ ويقال: ابن العجوز. وارتشا من اليهود ثلاثين درهما. وألقى الله شبهة على الذي دلّ عليه، فأخذوه وصلبوه وقتلوه بعد أن بالغوا في تعذيبه. وصلبوا عن يمينه لصّا وعن شماله لصّا.
وزعم المؤرّخون أنّه حدث ذلك اليوم ظلمة عظيمة مزعجة، وكانت سبب تنصّل المسيح من أيديهم، وصعوده حيّا.
وزعم النّصارى (171) أنّ تلك الظّلمة كانت بعد موته. وقيل: كان بعد سبع، ظهر لأمّه وقال: لم يصبني إلاّ خير. وأمرها أن تأتيه بالحواريّين، فبثّهم في الأرض ووصّاهم. ويقال: إنّ مريم عاشت بعده ستّ سنين.
وبعد عشرين سنة من رفعه سمّيت المؤمنون به نصارى. وكان أهل هذه التّسمية بأنطاكية. وبعد ذلك بثلاث عشرة سنة قتل بطرس وبولص تلميذاه؛ وقيل: جميع من كان في مملكة الروم من النصارى. ولم يزل الأمر كذلك إلى أن ملك قسطنطين ابن هيلاني، وذلك بعد رفع المسيح بمائتي وسبعين سنة.
وقسطنطين أوّل من فارق عبادة الأصنام وتنصّر. وكان سبب ذلك أنّه رأى في منامه كأنّ رماحا نزلت من السماء عليها صور صلبان، فجعل على رماحه مثل ذلك، وقاتل أعداء كانوا لم يزل له غالبون، فقهرهم وظفر بهم.
فندس في النّصرانيّة، وجمع ثلاثمائة وثمانية عشر أسقفا وأربعة بطارقة في