الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لاوذ بن سام بن نوح، واتّبعهم عمليق، فنزلوا بأرض الحرم، وصار عندهم صخم بن ادم بن سام بن نوح، فنزل الطائف، ونزل جرهم بن قحطان بولده مكّة. فهؤلاء ونسلهم يسمّون العرب العاربة. وبنو إسماعيل، عليه السلام، يسمّون العرب المستغربة، لأنّهم تكلّموا بلغتهم.
<
ذكر عاد
>
ثمّ إنّ قوم عاد طغوا وأفسدوا، فأرسل الله تعالى إليهم هود، عليه السلام، بالأحقاف، وملكهم يومئذ الخلجان بن الدهم. وكانوا يعبدون ثلاثة أصنام. فكذّبوا هودا، فدعا عليهم. فحبس الله تعالى عنهم المطر ثلاث سنين فأجهدهم ذلك. فوجّهوا إلى مكّة منهم رجالا يستسقون لهم في الحرم، ولم تزل الناس تعظّم البيت الحرام من أوّل الدهر. وكان موضعه بعد الطوفان ربوة حمراء، وكانوا الذين سيّروهم، فيهم لقمان بن عاد، حسبما يأتي ذكره في موضعه، إن شاء الله تعالى.
ذكر الكهّان القديمة بمصر من قبل الطوفان
لمّا اشترطنا ذكر الكهّان القديمة بمصر، ذكرناهم من قبل الطوفان، ليكون سماعهم للتعجّب، لا للتّصديق؛ فإنّ هذا الكلام لم أجده في كتب أحد (72) من أرباب التاريخ، وإنّما نقلته من كتاب قبطيّ وقع لي، لمّا وجّهني. . . الكبير رحمه الله، إلى الوجه القبليّ، بسبب ترميم الكنائس
والأديرة، فوجدت هذا الكتاب في الدّير الأبيض الذي مقابل سوهاي، وكان به رجل راهب فاضل، يقال له: برصوما. فلمّا تجارينا في أمر تاريخ مصر، أحضر هذا الكتاب وقرأه عليّ وفسّره بالعربيّ، فاستنسخت منه لي طول مدّة إقامتي بذلك الدّير، ما أنا ذاكره ها هنا، فإنّ فيه من العجائب والغرائب ما لا يسمع بمثله، فهذا الذي حثّني حتّى وضعته في هذا التاريخ، وأنا أرجوا من الله تعالى المسامحة، والآخرة الصالحة، بمنّه وعونه وكرمه.
أمّا هؤلاء الكهنة قبل الطوفان بمصر، <فكانوا> ينحون في كهانتهم نحو الكواكب بزعمهم، ويدّعون أنّ الكواكب إذا خدموها جدّ الخدمة، أفاضت عليهم خصائص العلوم المكنونة، فعملوا الطّلّسمات المشهورة، والنواميس الجليلة، وولّدوا المولّدات الماشية، والصّور المتحرّكة، وبنوا العالي من البنيان، وزبروا علومهم في الصّلب من الصّخور، وافتردوا لعمل البرابي، وتحصّنوا بها من الأعداء، وعجائبهم ظاهرة، وحكمهم باقية واضحة.
وكانت مصر خمسة وثمانين كورة، فيها بأسفل الأرض خمسة وأربعين، وبالصّعيد أربعين. وكان في كلّ كورة رئيس من كهّانهم يرجعون
إليه، وهم الذين ذكرهم الله تعالى في قصّة فرعون، في قوله تعالى:
{وَأَرْسِلْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ، يَأْتُوكَ بِكُلِّ ساحِرٍ عَلِيمٍ} يريد هؤلاء الرؤساء. وكان الذي يتعبّد منهم الكواكب السبعة المدبّرة بزعمهم، يخدم كلّ كوكب سبع سنين، فإذا بلغ هذه المرتبة وقطع هذه المدّة في خدمة السبع كواكب بجملتها يسمّى حينئذ: قاطيرا، وكان يجلس مع الملك في مرتبته، ويصدر الملك عن رأيه، ويكون (73) له المنزلة العالية التي لا بعدها غاية. ثمّ كلّ من يتبتّل بخدمة كوكب من الكواكب السبعة ويقطع في خدمته تلك المدّة يسمّى: كاهنا، ويعرف بعبد الكوكب الفلانيّ. وكان أكبرهم الذي ينفرد بخدمة الشمس.
وقد كانت العرب في الجاهليّة قديما يسمّون بأسمائهم، فيقولون:
عبد شمس، عبد العزّى، عبد مناف، وأشباه ذلك.
وكانوا يجتمعون في مجلس الملك، فيجلس القاطير إلى جانب الملك وعلى مرتبته، وتقف الكهّان خدّام الكواكب السبعة، كلّ أحد بقدر منزلة كوكبه الذي يعبده، فيقول القاطير للكاهن: أين صاحبك اليوم؟ فيقول: في البرج الفلانيّ، في الدّرجة الفلانيّة، في دقيقة كذا. ويسأل الآخر، حتّى إذا عرف مستقرّ الكواكب السبعة، قال للملك عند ذلك:
ينبغي أن يعمل اليوم كذا، وأن يصنع كذا، وأن يوجّه الجيش إلى الجهة الفلانيّة؛ وينصّ عليه جميع ما يراه إصلاحا لأموره، والكاتب قائم يكتب بجميع ما يقوله له القاطير. ثمّ يلتفت إلى أهل الصناعات، فيقول: انقش أنت صورة كذا على حجر كذا. واغرس أنت كذا. واصنع أنت كذا. حتّى يمرّ على أهل الصناعات، فيخرجون من بين يديه إلى دار الحكمة المرصدة لهم، ويضعون أيديهم في تلك الأعمال، ويستعمل جميع ما قاله لهم القاطر،
ويؤرّخ ذلك اليوم في الصحيفة وتطوى وتودع في خزانة الملك. وعلى ذلك كانت تجري سائر أمورهم.
وكان الملك إذا حدث حادث، جمعهم بخارج مدينة منف واصطفّ لهم الناس في شارع المدينة، ثمّ يدخلون ركبانا يتقدم بعضهم بعضا، ويضرب بين أيديهم بطبل الاجتماع، فيدخل كلّ واحد بأعجوبة: منهم من يعلوا وجهه نورا مثل نور الشمس، فلا يقدر <أحدهم> على الدنوّ منه، (74) ومنهم من تكون يده جوهر لونا من الألوان، ومنهم من يعمل جسده ذهبا إبريزا، ومنهم من يدخل راكب أسدا، متوشّحا بحيّات عظام، ومنهم من يكون عليه قبّة من نور شعشعانيّ أو من جوهر نفيس. وكلّ واحد يدخل بقدر ما ند له كوكبه الذي يتعبّده، لا يقدر <أن> يتعدّاه. فإذا دخلوا على الملك، قالوا له: أردتنا لمهمّة كذا وكذا، وقد أضمر الملك كذا وكذا، والرأي فيه كذا وكذا؛ فيفعل ما أمروه به، ولا يخرج عن إشارتهم.
وكان بمصر القديمة من قبل الطوفان ومن قبل تسميتها مصر-وكان اسمها: أمسوس-ملك كاهن، قد تعمّق في علم الكهانة، يقال له: عيقام،
من ولد عرثاث بن آدم، عليه السلام. وكان قد اقتبس من علم الأسماء التي كانت تعمل بها عناق بنت حوّاء المقدّم ذكرها. وحكى عنه القبطيّون من أهل مصر في كتبهم المدّخرة عندهم حكايات كثيرة تخامر العقول، لخروجها عن حدّ القياس.
وهذا الملك عيقام، كان من قبل الطوفان بدهر طويل، فرأى في علمه كون الطوفان، فأمر الشياطين الخادمة لتلك الأسماء أن يبنوا له مكانا خلف خطّ الاستواء، بحيث لا يلحقه فساد هذا الكائن. فبني له القصر الذي في صفح جبل القمر، وهو قصر. . النّحاس الذي فيه التماثيل النحاس المشهور ذكرها بين العوامّ بمدينة النحاس. يشتمل هذا القصر على خمس وثلاثين تمثالا، لا يخرج ماء النيل إلاّ من حلوقها، وينصبّ في بطيحة.
ومن تلك البطيحة يتشعّب ويجري إلى عدّة أماكن، غير هذا النيل الواصل بمصر. فلمّا عمل له هذا القصر، أحبّ أن يراه قبل سكناه إيّاه. فجلس في قبّة، وحملته الشياطين على كواهلهم إلى ذلك القصر. فلمّا (75) رأى حكمة بنيانه وزخرفته، وإلى حيطانه وما فيها من النقوش وصور الأفلاك وغير ذلك من صنوف العجائب-وكان يسرج بغير مصباح، وينصب فيه