الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر الطبقة الثالثة من ملوك الفرس
(179)
هؤلاء الطبقة الثالثة من الملوك فأوّلهم الإسكندر ذو القرنين؛ مدّة ملكه أربع عشرة سنة، رأي حمزة. اسكا بن اسكان اثني وخمسون سنة، شابور بن اشك أربع وعشرين سنة، جودر بن شابور خمسون سنة، <ثمّ ملك ابن أخيه ونحن> بن بلاس أحد وعشرين سنة، <ثمّ ملك> جودر الأصغر ابن ونحن بن بلاس تسع عشر سنة <ثمّ ملك> نرسي بن ونحن أخو جودر الأصغر ثلاثون سنة، <ثمّ ملك> هرمز بن بلاس بن شابور سبع عشر سنة، <ثمّ ملك> فيروز بن هرمز اثنتا عشر سنة، <ثمّ ملك> خسرو بن فيروز أربعون سنة، <ثمّ ملك أخوه> بلاس بن فيروز، مع اختلاف فيه، أربع وعشرين سنة، وقيل: مروان اردوان بن بلاس خمسون سنة، هذا رأي حمزة، ولم أر لغيره في ذلك قول.
وهؤلاء هم الطبعة الثالثة من الملوك، ويعرفون بالأشغانيّة وهم ملوك الطوائف، وأوّلهم الإسكندر الروميّ المقدونيّ. وذلك أن كانت أرض المغرب تحمل الإتاوة إلى ملوك فارس. فلمّا ملك الإسكندر، نفذ دارا بن دارا يطلب منه الإتاوة على جري العادة. فقال الإسكندر لرسوله: قل له:
إنّ الدجاجة التي كانت تبيض إلى الآن انقطع البيض عنها. فكان ذلك سبب الحرب بينهما.
ثمّ خرج الإسكندر وقصد دارا بن دارا وناصبه الحرب. فغدر بدارا بعض حماة ظهره ورماه بسهم فقتله تقرّبا للإسكندر، وقيل غير ذلك، ما ذكره ابن ظفر، صاحب كتاب نجباء الأبناء، وكتاب سلوان المطاع، فإنّه قال: إنّ الإسكندر قتل دارا بن دارا بيده مبارزة في ميدان الحرب. وعلى الجملة انضاف ملك فارس إلى الإسكندر وتزوّج بابنته. وقال حمزة الإصفهانيّ: وإنّ الإسكندر أسرف في إهراق الدماء واجتمع في عسكره من وجوه فارس وأشرافها سبعة آلاف أسير مقرّنين في الأصفاد، يدعوا بهم كلّ يوم فيقتل أحد وعشرين نفرا، ثمّ يردّ الباقي. وجعل يطوف البلاد، فوصل الهند والصان (180) وأطاعه ملوك تلك الأقاليم.
وقال القضاعيّ: بلغ الظّلمات وسار فيها ثمانية عشر يوما يطلب عين الخلد، ثمّ قفل راجعا نحو العراق، فمات بشهرزور قبل وصوله إلى بابل، وكان قد جعلها تلّ تراب. ولمّا مات حمل في تابوت من ذهب إلى أمّه بالإسكندريّة. وكان عمره ستّا وثلاثين سنة ومدّة ملكه أربع عشرة سنة.
ولمّا وصل إلى مقصده وحصل على غرضه من قتل الأشراف وذوي الأقدار من الملوك، كتب إلى أرسطوطاليس يقول: إنّي قد قدرت على جميع من في الشرق بقتلي ملوكهم وتخريبي معاقلهم، وقد خشيت أن يظافروا بعدي على قصد بلاد المغرب، فهممت أن ألحق بأولاد الملوك والرؤساء بمن قتلت من آبائهم، حتّى لا يبقى طالب لهم، فما الرأي؟
فكتب إليه يقول: إن أنت قتلت أبناء الملوك أفضى الملك إلى السّفّل والسّقّاط؛ وهؤلاء إن ملكوا قدروا، وإذا قدروا جاروا وطغوا وظلموا، أفكان الذي يخشى من مغزاهم أفضع؟ ولكن الرأي أن تجمع أبناء الملوك، فتملّك كلّ واحد منهم إقليما محدّدا وكورة واحدة، فإنّهم ليتنافسوا فيما بينهم ولا تجتمع لهم كلمة، وتتولد بينهم العداوة على ما بأيديهم من الأعمال، ويمنعهم ذلك من التفرّغ والقصد عن ما بعد عنهم. قال: فكان هذا سبب قسمة الإسكندر ممالك الشرق على ملوك الطوائف.
ونقل من بلدانهم علم النجوم والفلسفة والطبّ والحراثة، بعد أن حوّلها إلى اللسان اليونانيّ والقبطيّ.
وقيل <عن الإسكندر> إنّه قال لأرسطوطاليس: ضع لي كتابا في السياسة أنتفع به. فوضع له كتابا. فقال: إنّ الحروب شغلتني عن استيعاب مطالعته، فلو اختصرته بكلمات يسهل حفضها عليّ. فاختصره في سبع كلمات، جعل كلّ كلمة آخرها أوّل الأخرى، وجعلها كالدائرة، وهي هذه:
العالم بستان سياجه الملّة؛ الملّة شريعة يقوم بها الملك؛ الملك راع يعضده الجيش؛ الجيش أعوان جمعهم المال؛ المال رزق تجمعه الرعيّة؛ الرعيّة عبيد يسترقّهم العدل؛ العدل (181) مألوف، به قوام العالم.
وقيل له: لم تعظّم معلّمك أكثر من أبيك؟ فقال-وهو في سنّ طفولته: لأنّ أبي سبب حياتي الفانية، ومعلّمي سبب حياتي الباقية.
وقيل: إنّه هو هذا المذكور في القرآن، وأصله من أهل قرية بقرب الإسكندريّة تعرف بلوبية.
وفي تسمية ذي القرنين عدّة أقوال، الأوّل: أنّه رأى في منامه أنّه أخذ بقرني الشمس فسمّي بذلك. الثاني: أنّه بلغ قرني الأرض، وقيل: غير ذلك، والله أعلم. وأمّا ذوي القرنين الأكبر، فيقال: إنّه أوّل القياصرة وهو من ولد سام بن نوح. وقيل: بل من أولاد يافث. ويقال: إنّه لقي إبراهيم، عليه السلام، وطاف البلاد والخضر على مقدّمته، وهو الذي سدّ على يأجوج ومأجوج، حسبما تقدّم من الكلام أوّل هذا الكتاب، وأنّه حكم
لإبراهيم، عليه السلام، ببئر كان احتفرها لماشيته ونازعه فيها أهل الأردنّ.
هذا ما رواه الطّبريّ. وروى ابن عبّاس، رضي الله عنه، أنّ اسمه: عبد الله ابن الضحّاك.
وفي تسميته ذي القرنين أيضا أقوال، أحدها ما رواه ابن عبّاس عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، قال:«لم يكن نبيّا، لكن كان عبدا صالحا، بعثه الله إلى قومه فضربوه على قرنه فقتلوه، ثمّ أحياه الله تعالى وبعثه إلى قومه فضربوه في قرنه الآخر فقتلوه، فسمّى بذلك» . وقيل: إنّه كان له شبه القرنين. وقيل:
إنّه كانت صفحتي رأسه من نحاس. وقيل: إنّه بلغ قطري الأرض، وكان موته ببابل.
وروي أنّه قيل له: إنّك لا تموت إلاّ على أرض من حديد وسماء من خشب. وكان يدفن كنوز كلّ إقليم في أرضه. فبلغ بابل وفرغ من دفن كنوزه، فرعف حتّى سقط عن جواده، فبسطت تحته درع من حديد، فأحرقته الشمس، فأظلّوه بترس من خشب. فلمّا نظر ذلك علم أنّه ميّت، والله أعلم.
ولمّا مات الإسكندر حصلت البلاد في أيدي ملوك الطوائف. فرفعوا ما بينهم الحرب والنحارات. فكان الواحد منهم إنّما يغلب صاحبه بعويص المسائل. (182) وكان أحد ملوك الطوائف مجاورا لأعمال الروم، فلقى عسكر الروم مجتمعا، فقتل ملكهم واستباح عسكرهم وانصرف إلى العراق بالسبايا. فكانت هذه العداوة سببا لإخراج الروم ذخائرها وأموالها وإنفاقها على بناء مدينة حصينة تنقل إليها دار الملك من رومية، لقرب دار الملك من بلاد سلطان فارس. فوقع اختيارهم على رقعة أرض القسطنطينة، فبنوا