المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر خلق آدم، عليه السلام - كنز الدرر وجامع الغرر - جـ ٢

[ابن الدواداري]

فهرس الكتاب

- ‌[مقدمة المصنف]

- ‌ذكر انقضاء مدّة العالم وابتدائهواختلاف العلماء في ذلك

- ‌ذكر ما لخّص من مقامة لابن الجوزيّ، رحمه اللهوهي الباينة مما يتعلّق بذكر آدم، عليه السلام

- ‌نستفتح الكلام بذكر آدم، عليه السلام

- ‌فصلفي إعلام الله تعالى الملائكة بخلقه

- ‌فصلفي الخليفة

- ‌فصلقوله تعالى: {أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها} الآية

- ‌فصلفي قوله تعالى: {إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ}

- ‌ذكر خلق آدم، عليه السلام

- ‌فصلفي تعليمه الأسماء كلّها

- ‌فصلفي سجود الملائكة، عليهم السلام

- ‌(28) فصلفي قوله تعالى: {إِلاّ إِبْلِيسَ أَبى وَاِسْتَكْبَرَ}

- ‌فصل ذكر خلق حوّاء، عليها السلام

- ‌فصل(31)في مقام آدم في الجنّة

- ‌فصل: ذكر الشجرة المنهيّ عنها

- ‌فصل في احتيال إبليس على دخول الجنّة

- ‌فصلقوله تعالى: {وَقُلْنَا اِهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} الآية

- ‌فصلفي ذكر المكان الذي أهبطوا إليه

- ‌فصلفيما تجدّد لآدم بعد هبوطه من الجوار

- ‌(42) فصلفيما نزل مع آدم من الجنّة

- ‌ذكر قابيل بن آدم وما كان من أمره بعد أن قتل أخاه هابيل

- ‌ذكر شيث بن آدم، صلوات الله عليهما،وعدد الكتب والصحف التي أنزلت عليه

- ‌ذكر أنوش بن شيث بن آدم، عليه السلام

- ‌ذكر قينان بن أنوش بن شيث بن آدم، عليه السلام

- ‌ذكر برد بن قينان بن أنوش بن آدم، عليه السلام

- ‌ذكر أخنوخ، وهو إدريس النبيّ، صلوات الله عليه وسلم

- ‌ذكر متوشلح بن إدريس، عليه السلام

- ‌ذكر لامك، أبو نوح، عليه السلام

- ‌ذكر نوح، عليه السلام، وقصّته مع قومه

- ‌ذكر أولاد نوح، عليه السلام، وهم سام وحام ويافثوما ولد كلّ إنسان منهم من الأمم

- ‌ذكر كنعان بن حام وأولاده وشعوبه والفراعنة منهم

- ‌ذكر ملوك مصر من ولد حام

- ‌ذكر أولاد يافث بن نوح، عليه السلام،وقبائلهم وشعوبهم وأخبارهم

- ‌ذكر يأجوج ومأجوج

- ‌ذكر السدّ الذي سدّه ذو القرنين على يأجوج ومأجوج

- ‌ذكر الصقالبة

- ‌ذكر اليونانيّون الأوّلون من ولد يافث بن نوح عليه السلام

- ‌ذكر مملكة الروم

- ‌ذكر ملوك الصّين من ولد يافث

- ‌ذكر الإفرنج

- ‌ذكر مملكة الأندلس

- ‌ذكر مملكة الترك

- ‌ذكر مملكة خراسان

- ‌ذكر أولاد سام بن نوح، عليه السلام

- ‌ذكر تفرّق الطوائف من الناس بعد الطوفان

- ‌ذكر عاد

- ‌ذكر الكهّان القديمة بمصر من قبل الطوفان

- ‌ذكر قومة الكاهنة وما صنعت من العجائب في وقتها

- ‌(77) ذكر الأهرام وأوّل بنائها والسبب في ذلكوما فيها من العجائب

- ‌ذكر ملوك من ولد سوريد واتّصال بعضهم ببعض إلى آخر وقت

- ‌ذكر الكهّان من بعد الطوفان إلى حين خراب مصر

- ‌(91) ذكر ملوك مصر بعد الطوفان من وجه آخر

- ‌ذكر الوليد بن دومغ، أوّل الفراعنة بمصر

- ‌أخبار الوليد بن دومغ

- ‌ذكر نهراوس

- ‌ذكر دريوش

- ‌ذكر مقاريوس

- ‌ذكر اقسامين

- ‌ذكر ظلما بن فرمس

- ‌ولنبتدئ بذكر بقيّة الأنبياء، صلوات الله عليهم،بعد نوح عليه السلام

- ‌ذكر هود، عليه السلام

- ‌ذكر صالح، عليه السلام

- ‌ذكر إبراهيم الخليل، صلوات الله عليه

- ‌ذكر لوط، عليه السلام

- ‌ذكر إسماعيل، عليه السلام

- ‌ذكر يعقوب، عليه السلام

- ‌ذكر يوسف، عليه السلام

- ‌ذكر أيّوب، عليه السلام

- ‌ذكر شعيب، عليه السلام

- ‌ذكر الخضر، عليه السلام

- ‌ذكر موسى وهارون، عليهما السلام

- ‌ذكر أشمويل، عليه السلام، وداود، عليه السلام

- ‌ذكر سليمان بن داود، عليه السلام

- ‌ذكر رحبعم

- ‌ذكر أخبار آل داود

- ‌ذكر يونس بن متّا، عليه السلام

- ‌ذكر زكريّا، عليه السلام

- ‌ذكر عيسى ابن مريم، صلوات الله عليه

- ‌ذكر أهل القرية

- ‌ذكر ذو الكفل

- ‌ذكر لقمان الحكيم

- ‌ذكر أصحاب الأخدود

- ‌ذكر أصحاب الكهف

- ‌ذكر سائر ملوك الأرض وأسمائهمومدد تملّكهم إلى آخر وقت

- ‌ذكر الطّبقة الأولى لملوك الفرس

- ‌(177) ذكر الطبقة الثانية من ملوك الفرس وهم الكيسانيّة

- ‌ملحق من الأصل

- ‌ذكر الطبقة الثالثة من ملوك الفرس

- ‌ذكر ملوك الطبقة الرابعة من الفرس وهم الساسانيّة

- ‌ذكر نبذ من أخبارهم

- ‌ذكر الخبر الأوّل عن بهرام جور

- ‌ذكر الخبر الثاني عن بهرام جور

- ‌ذكر شابور ذي الأكتاف

- ‌ذكر ملوك البطالسة، وهم اليونانيّون

- ‌ذكر ملوك رومية، وهم المعروفون بالقياصرة

- ‌ذكر ملوك القسطنطينيّة بحكم الاختلاف

- ‌ذكر من ملك مصر من ملوك بعدما غرّق الله تعالى فرعون

- ‌ذكر بخت نصّر وسنة دخوله مصر وسبي بني إسرائيل

- ‌ذكر سبب انكشاف فارس عن الروم

- ‌ذكر ملوك العرب وأصولها وفروعها وبطونها

- ‌ذكر ملوك اللّخميّين وهم ملوك الحيرة، عرب العراق

- ‌ذكر ملوك العرب من آل جفنة

- ‌(233) ذكر التّبابعة من حمير ملوك اليمن

- ‌ذكر ملوك كندة بحكم التلخيص

- ‌ذكر وقائع العرب وحروبها في أيّامها المشهورة

- ‌ذكر كليب ومهلهل ابنا ربيعة،وهو حرب البسوس المذكور

- ‌(253) ذكر حرب عبس وبنو عامر والسبب فيه

- ‌هذا ذكر حرب داحس والغبراء المشهورة من أيّام حروب العرب

- ‌ذكر حاتم الطّائي ونبذ من أخباره

- ‌ذكر أيضا حاتم من وجه آخر

- ‌ذكر عنترة العبسيّ من وجه آخر

- ‌ذكر عروة بن الورد العبسيّ، جاهليّ

- ‌ذكر دريد بن الصّمّة والخنساء بنت عمر بن الشّريد السّلميّ

- ‌ذكر ذو الإصبع العدوانيّ، جاهليّ

- ‌(305) ذكر تأبّط شرّا وطرفا من خبره

- ‌ذكر الفحول من شعراء الجاهليّة ولمعا من شعرهم

- ‌ذكر امرئ القيس بن حجر

- ‌ذكر النّابغة الذّبيانيّ ولمعا من أخباره وأشعاره

- ‌ذكر زهير بن أبي سلمى وطرفا من شعره

- ‌ذكر طرفة بن العبد، جاهليّ

- ‌ذكر علقمة بن عبدة الفحل، جاهليّ

- ‌ذكر المتلمّس وبعض أخباره وطرف من أشعاره، جاهليّ

- ‌ذكر الأعشى، جاهليّ

- ‌ذكر عبيد بن الأبرص، جاهليّ

- ‌ذكر لبيد بن ربيعة وطرف من أخباره

- ‌ذكر عمرو بن كلثوم، جاهليّ

- ‌(336) ذكر المرقّشان: الأكبر والأصغر، جاهليّين

- ‌ذكر الأسود بن يعفر الدّارميّ، جاهليّ

- ‌ذكر عمرو بن قميئة

- ‌ذكر أبو دؤاد الإياديّ، جاهليّ

- ‌ذكر عديّ بن زيد

- ‌ذكر الأفوه الأوديّ، جاهليّ

- ‌(343) ذكر أبو كبير الهذليّ، جاهليّ

- ‌ذكر من تلا هؤلاء من المبشّرين بظهور سيّد المرسلين

- ‌ذكر زيد بن عمرو بن نفيل، جاهليّ، وفيه حديث

- ‌ذكر مدرج الرّيح، عامر المجنون الجرميّ

- ‌ذكر سعية بن غريض

- ‌ذكر أبو الصّلت، جاهليّ

- ‌ذكر ورقة بن نوفل، جاهليّ، وفيه حديث

- ‌ذكر ما الخّص من كهّان العرب في الجاهليّة

- ‌ذكر عدد الأنبياء والمرسلين والكتب المنزلة عليهم،صلوات الله عليهم أجمعين

- ‌ذكر التواريخ من لدن، آدم عليه السلام، إلى آخر وقت

- ‌ملحق

- ‌سرد المصادر والمراجع

الفصل: ‌ذكر خلق آدم، عليه السلام

‌فصل

في قوله تعالى: {إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ}

اختلفوا فيه على أقوال، أحدها: إنّي أعلم أنّه سيكون من ذرّيّته أنبياء وعلماء وصالحون. قاله ابن عبّاس، رضي الله عنه. الثاني: إنّني أعلم أنّه سيكون من ذرّيّته من يذنب فيتوب فأغفر له، قاله مقاتل، رحمه الله.

والثالث: إنّني أعلم بوجوه المصالح في استخلافي إيّاهم، فلا تعترضوا عليّ في حكمي وتدبيري. قاله الحسين بن الفضل، رحمه الله. (18) الرابع: إنّني أعلم أنّهم يسفكون الدماء، ولكن بجور رئيسكم.

‌ذكر خلق آدم، عليه السلام

قال أحمد بن حنبل بإسناده عن أبي موسى عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، قال:

«خلق الله آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض، فجاء بنوه على قدر ذلك. فمنهم الأبيض والأحمر والأسود وبين ذلك، والخبيث والطيّب، والسّهل والحزن وبين ذلك» قال التّرمذيّ: هذا حديث حسن صحيح.

ولهذا اختلفت ألوان بنيه.

وروى عكرمة عن ابن عبّاس، قال: خلق الله الصالحين من عذبها والكافرين من ملحها. وروي عنه أنّه قال: الروم والعرب من الأبيض، والتّرك من الأحمر، والحبش من الأسود. وقال أهل المعاني: الكافر من الأسود، والمنافق من الأحمر، والمؤمن من الأبيض. وقيل: الظالم من الأسود، والمقتصد من الأحمر، والسابق من الأبيض.

ص: 27

وقال أحمد بن حنبل، رحمه الله، حدّث عبد الرّزّاق بإسناده، عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه دخل الجنّة، وفيه أخرج منها، ولا تقوم الساعة إلاّ يوم الجمعة» . انفرد بإخراجه مسلم. هذا قدر ما أخرج في الصحيح. وقد روي فيه زيادات من طريق أبي لبابة بن عبد المنذر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:«سيّد الأيّام يوم الجمعة، وفيه ساعة لا يسأل الله العبد فيها شيئا إلاّ أعطاه إيّاه، ما لم يسأل إثما أو قطيعة رحم؛ وما من ملك مقرّب ولا جبل ولا أرض ولا سماء إلاّ وهو مشفق من يوم الجمعة أن تقوم فيه الساعة، وفيه توفّي آدم» . ولمسلم عن أبي هريرة (19) عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنّه قال:«وخلق الله آدم بعد العصر من يوم الجمعة آخر الخلق، ما بين العصر إلى اللّيل» .

وقال ابن سعد بإسناده عن سعيد المقبريّ عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الناس ولد آدم وآدم من تراب» .

واختلفوا في من جاء بالطين الذي خلق الله تعالى منه آدم على

ص: 28

قولين، أحدهما: إبليس. قاله ابن مسعود وابن عبّاس. قال: وكذاك قال:

{أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً} . ومعناه: أنا جئت به، فكيف أسجد له؟ والثاني: ملك الموت، فروى السّدّيّ عن أشياخه، قال: لما أراد الله تعالى أن يخلق آدم، بعث جبريل إلى الأرض ليأتيه بطين منها، ليخلق منه آدم.

فجاء إليها فناشدته الله وقالت: أعوذ بالله منك أن تنقصني وتشينني وتكون سببا لإدخال جزء منّي إلى النار. فرقّ لها جبرائيل واستحيى ورجع إلى الله وقال: إنّها قالت كذا وكذا، واستعاذت بك فأعذتها. فبعث إليها إسرافيل فاستعاذت منه فأعاذها. فبعث إليها ميكائيل ففعلت كذلك. فبعث إليها ملك الموت فقالت له كذاك، واستعاذت بالله منه فقال: وأنا أعوذ بالله أن أرجع ولا أنفّذ أوامر ربّي. فأخذ من وجهها تربة بيضاء وحمراء وسوداء، ولم يأخذ من مكان واحد بل من عذبها وملحها، وكلّ شيء أخذه من عذبها صار في الجنّة، وإن كان ابن كافر، وكلّ شيء أخذه من ملحها صار إلى النار، وإن كان ابن مؤمن. فلمّا جاء ملك الموت بالطين إلى بين يدي الله عز وجل، وأخبره بما قالت وما قال-وهو أعلم-قال الله تعالى:

وعزّتي لأسلّطنّك عليها إذ أطعتني وخالفتها.

(20)

ولا يختلفون أن خلقه يوم الجمعة في آخر ساعة من ساعات النهار، سادس نيسان، وقد تقدم القول في ذلك.

واختلفوا كم أقام مصوّرا على أقوال، أحدها: أربعين سنة، قاله ابن عبّاس. والثاني: أربعين ليلة، قاله الضّحّاك. والثالث: لم يقدّر شيء، قاله

ص: 29

مقاتل. والأوّل أظهر لوجهين، أحدهما: لأنّها تمام الخلق ومنتها الأشدّ، ولهذا لم يبعث الله نبيّا إلاّ بعد أربعين سنة، قاله السّدّيّ. والثاني: لتدور عليه الأفلاك بالنجوم السبعة {فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً} ، فتستحكم أجزاؤه ويكمل خلقه. وقال بعضهم: أمطر عليه الحزن أربعين سنة، والسّرور يوما واحدا.

وقد نصّ ابن عبّاس على أربعين سنة، فقال: خمّر الله طينة آدم قبل التصوير أربعين سنة.

واختلفوا أين صوّره، قال ابن عبّاس: في السّماء على باب الجنّة، المدّة التي ذكرها. وقال السّدّيّ: ألقاه بين مكّة والطائف، وكان إبليس إذا مرّ به فزع وضرب برجله فيظهر له صوت وصلصلة فيزداد فزعه. قال مقاتل: كان يدخل في فيه ويخرج من دبره ويقول: لأمر ما خلقت، ولإن فضّلت عليّ لأهلكنّك. قال مسلم ابن الحجّاج بإسناده عن أبيّ بن كعب وأنس بن مالك عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، قال:«لمّا صوّر الله آدم تركه ما شاء أن يتركه، فجعل إبليس يطيف به وينظر إليه، فلمّا رآه أجوف عرف أنّه خلق لا يتمالك» . وقد روي أنّه وكّل به ملك الموت أربعين سنة ثمّ أربعين سنة ثمّ أربعين سنة، حتّى استحكم في مائة وعشرين سنة، فلذلك تقول الأطبّاء:

إن العمر الطبيعيّ مائة وعشرون سنة.

فإن قيل: فقد قال الله تعالى في موضع {مِنْ طِينٍ لازِبٍ} (21) وفي موضع آخر {مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخّارِ} ومن {حَمَإٍ مَسْنُونٍ} و {مِنْ}

ص: 30

{تُرابٍ} ، فكيف الجمع بين هذه الآيات؟ فالجواب: إنّ الألفاظ وإن اختلفت فالمعاني قد اتّفقت، لأنّه كان أوّلا ترابا ثمّ صار حماء، ثمّ جفّ فصار صلصالا أو صلصلا، والصّلصلة الصوت كان ينقر فيطنّ ويسمع له صوت؛ واللازب: اللاصق، والحماء المسنون: المتغيّر المنتن، والسّلالة:

القليل ممّا ينسلّ، وآدم استلّ من الأرض.

فإن قيل: فلم خصّ بالتراب خلقه؟ فالجواب: لتكمل به الاستقصّات الأربع، فتجتمع فيه الطبائع الأربع المختلفة. ولم يكن قبله خلق من التّراب، بل من النار والماء والريح.

وذكر الحافظ أبو القاسم في تاريخ دمشق عن سعيد بن جبير، قال:

خلق الله آدم من دحنا ومسح ظهره بنعمان السّحاب. وأخرج ابن سعد بمعناه، فنذكر أرضا يقال لها: دحنا. قلت: لعلها الدهناء، فإنّها أرض معروفة بالسعة. وأمّا (أن) نعمان، فقد ذكرنا جبلي نعمان في باب الجبال في الجزء الأوّل منه.

وقال الحافظ أبو القاسم أيضا: في حديث الحسن البصريّ أنّه خلق جؤجؤة من نقا ضريّة، ومعناه: صدره من رمل ضريّة، وهي منزلة بطريق مكّة من ناحية البصرة واليمامة. وكذا روى ابن سعد عن الحسن.

ص: 31

والجؤجؤ: الصدر، وقال الجوهريّ، ضريّة: قرية لبني كلاب على طريق البصرة، وهي إلى مكّة أقرب. وروى أبو هريرة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، أنّه قال:

«خلق آدم من تراب الجابية وعجن بماء الجنّة» . قال ابن الجوزيّ، رحمه الله، في الموضوعات: هذا حديث لا يصحّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، (22) في إسناده إسماعيل بن رافع، ضعّفه أحمد وابن معين.

وذكر الحافظ ابن عساكر في تاريخه عن عليّ، عليه السلام، قال:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أكرموا عمّتكم النّخلة فإنّها خلقت من الطين الذي خلق منه آدم، وليس من الشجر شيء يلقّح غيرها؛ وأطعموا نساءكم الولّد الرّطب، فإن لم يكن الرّطب فالتّمر؛ وليس من الشجر أكرم على الله من شجرة ولدت تحتها مريم بنت عمران» . قال ابن الجوزيّ، رحمه الله: وهذا أيضا ضعيف.

وقال مسلم بإسناده إلى عائشة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خلقت الملائكة من النور {وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ} وخلق آدم ممّا وصفت لكم» ، أي من التّراب.

ص: 32

وفي الحديث بالإسناد إلى أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لمّا نفخ في آدم الروح، مارت فطارت فصارت في رأسه فعطس، فقال: الحمد لله؛ فقال الله، عز وجل: يرحمك الله» . وأخرجه ابن سعد عن أبي هريرة قال:

«فلمّا جرى الروح في خياشيمه عطس، فلقّنه الله حمده، فحمد ربّه» . وقد رواه ابن عبّاس وفيه: «يرحمك ربّك أبا محمّد» . قال مقاتل: وهذا معنى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كنت نبيّا وآدم بين الماء والطين» . وقال سهل بن عبد الله: لمّا قال يرحمك الله، علم أنّه سيذنب، لأنّ الرحمة إنّما تكون بعد الذنب والزّلّة. وقال السدّيّ: لمّا وصلت الروح إلى عينية، نظر إلى الجنّة وما فيها، فوثب قبل أن يصل الروح إلى رجليه؛ فذلك قوله {خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ} .

وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد أنّه قال: لمّا بلغ الروح عيني آدم ولسانه وأعلاه ولم تبلغ أسفله، قال: يا ربّ، استعجل خلقتي (23) قبل غروب الشمس، يعني من يوم الجمعة؛ فذلك قوله تعالى:{خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ} .

وقال ابن سعد بإسناده عن سلمان الفارسيّ وابن مسعود، قال: خمّر الله طينة آدم أربعين ليلة-أو قال: أربعين يوما-ثمّ ضرب بيده فيه، فخرج كلّ طيّب في يمينه وخرج كلّ خبيث في يده الأخرى، ثمّ خلط بينهما؛ قال: فمن ثمّ يخرج الحيّ من الميّت والميّت من الحيّ.

ص: 33

وروى ابن سعد بإسناده إلى وهب بن منبّه، أنّه سمعه يقول: خلق الله آدم كما شاء ممّا شاء، فكان كذلك، {فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ} خلق من التراب والماء، فمنه لحمه ودمه وشعره وعظامه وجسده كلّه، فهذا بدء الخلق الذي خلق الله تعالى منه آدم، عليه السلام.

ثمّ جعل فيه النّفس، فبها يقوم ويقعد ويعلم ويسمع ويبصر، ثمّ ركّب فيه الروح فعرف الحقّ والباطل والرّشد من الغيّ.

وقال ابن عبّاس: أتته النفخة من قبل رأسه، فجعلت لا تجري في شيء من جسده إلاّ صار لحما ودما. وروى ابن سعد بإسناده عن إبراهيم قال: قال سلمان: أوّل ما خلق الله من آدم رأسه. فجعل يخلق جسده وهو ينظر إليه، قال: فبقيتا رجلاه عند العصر، فقال: يا ربّ عجّل، فقد حلّ الليل. قال الله تعالى:{خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ} أي عجولا.

وقال ابن سعد بإسناده، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّ الله خلق آدم بيده» .

فإن قيل: فقد قال تعالى: {يَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} ، فقد ردّ العلم إلى الله تعالى. فالجواب من وجهين، أحدهما: أنّ

ص: 34

اليهود أرادوا امتحان (24) النبيّ صلى الله عليه وسلم بذلك، فكان سكوته عن الجواب من إمارات معجزاته، لأنّهم قالوا: إن أجاب فليس بنبيّ. والثاني: أنّه لا يسعنا أن نقول: إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، لم يعلم سرّ الروح، مع قوله، عليه السلام:

أورثني علم الأوّلين والآخرين، وكان معناه: إنّني لا أخبر من ليس بأهل عن هذا السرّ، كاليهود. أمّا من هو أهل العلم، فنعم، لئلا يقع التناقض بين الآية والحديث.

وإنّما قالوا: إنّه لا داخل ولا خارج ولا متّصل ولا منفصل، لأنّ الدخول والخروج والاتّصال والانفصال من صفات الأجسام، وهو ليس بجسم.

وقال أحمد بن حنبل بإسناده عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّ الله خلق آدم على صورته، طوله ستّون ذراعا، وقال له: اذهب فسلّم على أولائك النّفر من الملائكة وهم جلوس، واسمع ما يجيبونك، فإنّها تحيّة ذريّتك. فجاء، فسلّم، فقالوا: وعليك السلام ورحمة الله.

فزادوه: ورحمة الله. فكلّ من يدخل الجنّة على صورة آدم وطوله؛ فلم يزل الخلق ينقص بعد ذلك». أخرجاه في الصحيحين.

ومن تاريخ جدع بن سنان رحمه الله: لمّا خلق الله الروح، وأمرها أن تكون في فخّارة آدم، فنظرت مكانا حرجا ضيّقا، فقالت: يا ربّ، أهذا سجن لي وعذاب؟ فيما أستحقّ ذلك، وأنت العدل الذي لا تحبّ الظلم؟ فقال الله تعالى: «وعزّتي وجلالي، لم أخلق خلقا هو أعزّ عليّ من هذا المخلوق، وإنّك لتنعمي بنعمة في جناني بطاعته لي، وتشقي بشقاه

ص: 35