المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر عروة بن الورد العبسي، جاهلي - كنز الدرر وجامع الغرر - جـ ٢

[ابن الدواداري]

فهرس الكتاب

- ‌[مقدمة المصنف]

- ‌ذكر انقضاء مدّة العالم وابتدائهواختلاف العلماء في ذلك

- ‌ذكر ما لخّص من مقامة لابن الجوزيّ، رحمه اللهوهي الباينة مما يتعلّق بذكر آدم، عليه السلام

- ‌نستفتح الكلام بذكر آدم، عليه السلام

- ‌فصلفي إعلام الله تعالى الملائكة بخلقه

- ‌فصلفي الخليفة

- ‌فصلقوله تعالى: {أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها} الآية

- ‌فصلفي قوله تعالى: {إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ}

- ‌ذكر خلق آدم، عليه السلام

- ‌فصلفي تعليمه الأسماء كلّها

- ‌فصلفي سجود الملائكة، عليهم السلام

- ‌(28) فصلفي قوله تعالى: {إِلاّ إِبْلِيسَ أَبى وَاِسْتَكْبَرَ}

- ‌فصل ذكر خلق حوّاء، عليها السلام

- ‌فصل(31)في مقام آدم في الجنّة

- ‌فصل: ذكر الشجرة المنهيّ عنها

- ‌فصل في احتيال إبليس على دخول الجنّة

- ‌فصلقوله تعالى: {وَقُلْنَا اِهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} الآية

- ‌فصلفي ذكر المكان الذي أهبطوا إليه

- ‌فصلفيما تجدّد لآدم بعد هبوطه من الجوار

- ‌(42) فصلفيما نزل مع آدم من الجنّة

- ‌ذكر قابيل بن آدم وما كان من أمره بعد أن قتل أخاه هابيل

- ‌ذكر شيث بن آدم، صلوات الله عليهما،وعدد الكتب والصحف التي أنزلت عليه

- ‌ذكر أنوش بن شيث بن آدم، عليه السلام

- ‌ذكر قينان بن أنوش بن شيث بن آدم، عليه السلام

- ‌ذكر برد بن قينان بن أنوش بن آدم، عليه السلام

- ‌ذكر أخنوخ، وهو إدريس النبيّ، صلوات الله عليه وسلم

- ‌ذكر متوشلح بن إدريس، عليه السلام

- ‌ذكر لامك، أبو نوح، عليه السلام

- ‌ذكر نوح، عليه السلام، وقصّته مع قومه

- ‌ذكر أولاد نوح، عليه السلام، وهم سام وحام ويافثوما ولد كلّ إنسان منهم من الأمم

- ‌ذكر كنعان بن حام وأولاده وشعوبه والفراعنة منهم

- ‌ذكر ملوك مصر من ولد حام

- ‌ذكر أولاد يافث بن نوح، عليه السلام،وقبائلهم وشعوبهم وأخبارهم

- ‌ذكر يأجوج ومأجوج

- ‌ذكر السدّ الذي سدّه ذو القرنين على يأجوج ومأجوج

- ‌ذكر الصقالبة

- ‌ذكر اليونانيّون الأوّلون من ولد يافث بن نوح عليه السلام

- ‌ذكر مملكة الروم

- ‌ذكر ملوك الصّين من ولد يافث

- ‌ذكر الإفرنج

- ‌ذكر مملكة الأندلس

- ‌ذكر مملكة الترك

- ‌ذكر مملكة خراسان

- ‌ذكر أولاد سام بن نوح، عليه السلام

- ‌ذكر تفرّق الطوائف من الناس بعد الطوفان

- ‌ذكر عاد

- ‌ذكر الكهّان القديمة بمصر من قبل الطوفان

- ‌ذكر قومة الكاهنة وما صنعت من العجائب في وقتها

- ‌(77) ذكر الأهرام وأوّل بنائها والسبب في ذلكوما فيها من العجائب

- ‌ذكر ملوك من ولد سوريد واتّصال بعضهم ببعض إلى آخر وقت

- ‌ذكر الكهّان من بعد الطوفان إلى حين خراب مصر

- ‌(91) ذكر ملوك مصر بعد الطوفان من وجه آخر

- ‌ذكر الوليد بن دومغ، أوّل الفراعنة بمصر

- ‌أخبار الوليد بن دومغ

- ‌ذكر نهراوس

- ‌ذكر دريوش

- ‌ذكر مقاريوس

- ‌ذكر اقسامين

- ‌ذكر ظلما بن فرمس

- ‌ولنبتدئ بذكر بقيّة الأنبياء، صلوات الله عليهم،بعد نوح عليه السلام

- ‌ذكر هود، عليه السلام

- ‌ذكر صالح، عليه السلام

- ‌ذكر إبراهيم الخليل، صلوات الله عليه

- ‌ذكر لوط، عليه السلام

- ‌ذكر إسماعيل، عليه السلام

- ‌ذكر يعقوب، عليه السلام

- ‌ذكر يوسف، عليه السلام

- ‌ذكر أيّوب، عليه السلام

- ‌ذكر شعيب، عليه السلام

- ‌ذكر الخضر، عليه السلام

- ‌ذكر موسى وهارون، عليهما السلام

- ‌ذكر أشمويل، عليه السلام، وداود، عليه السلام

- ‌ذكر سليمان بن داود، عليه السلام

- ‌ذكر رحبعم

- ‌ذكر أخبار آل داود

- ‌ذكر يونس بن متّا، عليه السلام

- ‌ذكر زكريّا، عليه السلام

- ‌ذكر عيسى ابن مريم، صلوات الله عليه

- ‌ذكر أهل القرية

- ‌ذكر ذو الكفل

- ‌ذكر لقمان الحكيم

- ‌ذكر أصحاب الأخدود

- ‌ذكر أصحاب الكهف

- ‌ذكر سائر ملوك الأرض وأسمائهمومدد تملّكهم إلى آخر وقت

- ‌ذكر الطّبقة الأولى لملوك الفرس

- ‌(177) ذكر الطبقة الثانية من ملوك الفرس وهم الكيسانيّة

- ‌ملحق من الأصل

- ‌ذكر الطبقة الثالثة من ملوك الفرس

- ‌ذكر ملوك الطبقة الرابعة من الفرس وهم الساسانيّة

- ‌ذكر نبذ من أخبارهم

- ‌ذكر الخبر الأوّل عن بهرام جور

- ‌ذكر الخبر الثاني عن بهرام جور

- ‌ذكر شابور ذي الأكتاف

- ‌ذكر ملوك البطالسة، وهم اليونانيّون

- ‌ذكر ملوك رومية، وهم المعروفون بالقياصرة

- ‌ذكر ملوك القسطنطينيّة بحكم الاختلاف

- ‌ذكر من ملك مصر من ملوك بعدما غرّق الله تعالى فرعون

- ‌ذكر بخت نصّر وسنة دخوله مصر وسبي بني إسرائيل

- ‌ذكر سبب انكشاف فارس عن الروم

- ‌ذكر ملوك العرب وأصولها وفروعها وبطونها

- ‌ذكر ملوك اللّخميّين وهم ملوك الحيرة، عرب العراق

- ‌ذكر ملوك العرب من آل جفنة

- ‌(233) ذكر التّبابعة من حمير ملوك اليمن

- ‌ذكر ملوك كندة بحكم التلخيص

- ‌ذكر وقائع العرب وحروبها في أيّامها المشهورة

- ‌ذكر كليب ومهلهل ابنا ربيعة،وهو حرب البسوس المذكور

- ‌(253) ذكر حرب عبس وبنو عامر والسبب فيه

- ‌هذا ذكر حرب داحس والغبراء المشهورة من أيّام حروب العرب

- ‌ذكر حاتم الطّائي ونبذ من أخباره

- ‌ذكر أيضا حاتم من وجه آخر

- ‌ذكر عنترة العبسيّ من وجه آخر

- ‌ذكر عروة بن الورد العبسيّ، جاهليّ

- ‌ذكر دريد بن الصّمّة والخنساء بنت عمر بن الشّريد السّلميّ

- ‌ذكر ذو الإصبع العدوانيّ، جاهليّ

- ‌(305) ذكر تأبّط شرّا وطرفا من خبره

- ‌ذكر الفحول من شعراء الجاهليّة ولمعا من شعرهم

- ‌ذكر امرئ القيس بن حجر

- ‌ذكر النّابغة الذّبيانيّ ولمعا من أخباره وأشعاره

- ‌ذكر زهير بن أبي سلمى وطرفا من شعره

- ‌ذكر طرفة بن العبد، جاهليّ

- ‌ذكر علقمة بن عبدة الفحل، جاهليّ

- ‌ذكر المتلمّس وبعض أخباره وطرف من أشعاره، جاهليّ

- ‌ذكر الأعشى، جاهليّ

- ‌ذكر عبيد بن الأبرص، جاهليّ

- ‌ذكر لبيد بن ربيعة وطرف من أخباره

- ‌ذكر عمرو بن كلثوم، جاهليّ

- ‌(336) ذكر المرقّشان: الأكبر والأصغر، جاهليّين

- ‌ذكر الأسود بن يعفر الدّارميّ، جاهليّ

- ‌ذكر عمرو بن قميئة

- ‌ذكر أبو دؤاد الإياديّ، جاهليّ

- ‌ذكر عديّ بن زيد

- ‌ذكر الأفوه الأوديّ، جاهليّ

- ‌(343) ذكر أبو كبير الهذليّ، جاهليّ

- ‌ذكر من تلا هؤلاء من المبشّرين بظهور سيّد المرسلين

- ‌ذكر زيد بن عمرو بن نفيل، جاهليّ، وفيه حديث

- ‌ذكر مدرج الرّيح، عامر المجنون الجرميّ

- ‌ذكر سعية بن غريض

- ‌ذكر أبو الصّلت، جاهليّ

- ‌ذكر ورقة بن نوفل، جاهليّ، وفيه حديث

- ‌ذكر ما الخّص من كهّان العرب في الجاهليّة

- ‌ذكر عدد الأنبياء والمرسلين والكتب المنزلة عليهم،صلوات الله عليهم أجمعين

- ‌ذكر التواريخ من لدن، آدم عليه السلام، إلى آخر وقت

- ‌ملحق

- ‌سرد المصادر والمراجع

الفصل: ‌ذكر عروة بن الورد العبسي، جاهلي

والخيل ساهمة الوجوه كأنّما

تسقى فوارسها نقيع الحنظلي

وقد قيل: إنّ أشجع بيتا قاله العرب بيتي عنترة، الأوّل (من الكامل):

وأنا المنيّة في المواطن كلّها

والطّعن منّي سابق الآجال

والثاني قوله (من الكامل):

إذ تتّقون بي الأسنّة لم أجم

عنها ولكنّي تضايق مقدم

قلت: ولهذين البيتين حكاية جرت بحضرة عبد الملك بن مروان، تأتي في موضعها اللائق بها، إن شاء الله تعالى.

‌ذكر عروة بن الورد العبسيّ، جاهليّ

قال ابن الأعرابيّ: هو عروة بن الورد بن زيد بن عود بن زيد، بنسب متّصل إلى عبس بن بغيض بن ريث بن غطفان بن سعد بن عيلان بن مضر ابن نزار، شاعر من شعراء الجاهليّة، وفارس من فرسانها، وصعلوك من صعاليكها، ومن المعدودين المقدّمين من أجوادها. وكان يلقّب: عروة

ص: 439

الصعاليك، لجمعه إيّاهم وقيامه بأمورهم إذا أخفقوا في غزواتهم ولم يكن لهم معاش ولا مغزى. وقيل: إنّما سمّي عروة الصّعاليك لقوله (من الطويل):

لحى الله صعلوكا إذا جنّ ليله

مضى في المساس آلفا كلّ مجزر

(293)

:

يعدّ الغنى من دهره كلّ ليلة

إذا ما قراها من صديق وميسّر

ولله صعلوك صفيحة وجهه

كضوء الشّهاب القابس المتنوّر

وعن ابن شبّة قال: بلغني أن معاوية بن أبي سفيان قال: لو كان لعروة بن الورد ولد لأحببت أن أصل حبلى بحبله وأتزوّج إليه.

وعن عبد الله بن مسلم، قال: قال عبد الملك: ما يسرّني أنّ أحدا من العرب ولدني إلاّ عروة بن الورد، لقوله (من الطويل):

إنّي امرؤ عافي إنائي شركة

وأنت امرؤ عافي إنائك واحد

ص: 440

أتهزأ منّي أن سمنت وأن ترى

بجسمي مسّ الحقّ والحقّ جاهد

أفرّق جسمي في جسوم كثيرة

وأحسوا قراح الماء والماء بارد

وعن ابن شبّة قال: قال عمر بن الخطّاب، رضي الله عنه، للحطيئة:

كيف كنتم في حربكم؟ قال: كنّا ألف حازم. قال: وكيف؟ قال: كان فينا قيس بن زهير وكان حازما وكنّا لا نعصيه، ونقدم بقدوم عنترة، وننقاد لأمر الرّبيع بن زياد، ونأتمّ بشعر عروة بن الورد. قال: صدقت.

وعن ابن شبّة أيضا أنّه قال: إنّ عبد الملك بن مروان قال: من زعم أنّ حاتما أسمح الناس فقد ظلم عروة بن الورد.

وروى معن بن عيسى قال: سمعت عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، عليه السلام، يقول لمعلّم ولده: لا تروّهم قصيدة عروة بن الورد التي يقول فيها (من الوافر):

دعيني للغنا أسعى فإنّي

رأيت النّاس شرّهم الفقير

فإنّ ذلك ممّا يدعوهم للاغتراب عن أوطانهم.

وعن أبي عمرو الشّيبانيّ أنّ عروة بن الورد أصاب امرأة من كنانة بكر ابن وائل، يقال لها: سلمى، وتكنى: أمّ وهب، فأعتقها وأتّخذها لنفسه.

فمكثت عنده بضع عشرة سنة، (294) وولدت له أولادا وهو لا يشكّ أنّها

ص: 441

أرغب الناس فيه، وهي تقول: لو حججت <بي> فأمرّ على أهلي وأراهم. فحجّ بها، فأتى مكة ثمّ أتى المدينة، وكان يخالط أهل يثرب من بني النّضير، فيقرضونه إذا احتاج ويبايعهم إذا غنم. وكان قومها يخالطون بني النّضير، فأتوهم وهو عندهم. فقالت <لهم> سلمى: إنّه خارج بي قبل أن يخرج الشهر الحرام، فتعالوا إليه وأخبروه أنّكم تستحيون أن تكون منكم امرأة معروفة النّسب صحيحة الحسب سبيّة، وافتدوني منه وأوعدوه أن تعيدوني إليه زواجا، فإنّه لا يرى أنّي أحبّ مفارقته ولا أختار عليه أحد. فأتوه فأسقوه الخمر. فلمّا ثمل قالوا له: فادنا بصاحبتنا، فإنّها وسط النّسب فينا، وإنّ علينا سبّة في أن تكون سبيّة، فإذا صارت إلينا وأردت معاودتها، فاخطبها، فإنّا ننكحك إيّاها. فقال: ذاك إليكم، ولكن لي الشّرط فيها تخيّروها لي ولكم، ودعوني اللّيلة أتمتّع بها، وأفادي بها غدا. فلمّا كان الغد جاؤوه، فامتنع من فداها، فقالوا له: قد فاديتها منذ البارحة، وشهد عليه بذلك جماعة ممّن حضر، فلم يقدر على الامتناع، وفاداها. فلمّا وقع ذلك خيّروها، فاختارت أهلها. ثمّ أقبلت عليه فقالت:

يا عروة، أما إنّي أقول الحقّ، والله لا أعرف امرأة من العرب ألقت سترها على بعل خير منك، وأغضّ طرفا، وأقلّ فحشا، وأجود يدا، وأحمى لحقيقة، وإنّك والله ما علمت لضحوك مقبلا كسوب مدبرا، خفيف على متن الفرس، ثقيل على متن العدوّ، طويل العماد، كثير الرّماد، راضي

ص: 442

الأهل والجانب؛ وما مرّ عليّ يوما كنت عندك فيه إلاّ الموت أحبّ إليّ من الحياة بين قومك، لأنّي لم أكن أشاء أن أسمع امرأة من (295) قومك تقول: قالت أمة عروة: كذا وكذا، إلاّ سمعته. وو الله لا أنظر في وجه غطفانيّة أبدا ما حييت! فارجع راشدا واستوص ببنيك خيرا. ثمّ فارقته، فقال عروة في ذلك قصيدته التي يقول فيها: سقوني الخمرة ثمّ تكنّفوني.

وأوّلها يقول (من الوافر):

أرقت وصحبتي بمضيق عمق

لبرق من تهامة مستطير

سقى سلمى وأين ديار سلمى

إذا كانت مجاورة السّرير

إذا حلّت بأرض بني عليّ

وأهلي بين إمّرة وكير

ذكرت منازلا من أمّ وهب

إلى الإصباح آثر ذي أثير

وأحدث معهد من أمّ وهب

محلّ الحيّ أسفل ذي النّقير

بائسة الحديث رضاب منها

بعيد النّوم كالعنب العصير

ص: 443

قال ثمّ نزوّج سلمى رجل من بني عمّها، وقال لها يوما: يا سلمى، أثني عليّ كما أثنيت على عروة-وقد كان قولها في عروة شهر وعلم- فقالت: لا تكلّفني لذلك، فإنّي إن قلت الحقّ غضبت، ولا واللاّت والعزّى لا أكذب. فقال: عزمت عليك لتأتيني في مجلس قومي، فلتثنين عليّ بما تعلمين منّي. وخرج وجلس في نادي القوم، وأقبلت، فرماها الناس بأبصارهم. فوقفت وقالت: أنعموا صباحا! إنّ هذا عزم عليّ أن أثني عليه بما أعلم منه، وكلّفني ذلك. ثمّ أقبلت عليه فقالت: والله إنّ شملتك لألتحاف، وإنّ شربك لاستفاف، وإنّك لتنام ليلة تخاف، وتشبع ليلة تضاف، ولا ترضي الأهل والأجانب. ثمّ ولّت. فلامه قومه، وقالوا: ما أغناك عن هذا منها!

وعن ابن الأعرابيّ عن أبي فقعس قال: كان عروة إذا انتاب الناس سنة شديدة تركوا في دارهم المريض (296) والكبير والضعيف، فكان عروة يجمع هؤلاء من دون الناس في الشدّة، ثم يحفر لهم الأسراب ويكنف لهم الكنف ويكسبهم ويطعمهم، ومن قوي منهم خرج به معه فأغار، وجعل لأصحابه الباقين في ذلك نصيبا، حتّى إذا أخصبت الناس وألبنوا وذهبت الشّدّة من السنة ألحق كلّ إنسان بأهله بنصيبه ممّا يحصل

ص: 444

له، فربّما أتى الإنسان إلى أهله وقد أثرى بعد الفقر. فلذلك سمّي: عروة الصعاليك.

روى ابن الأعرابيّ أنّ عروة ضاقت حاله في بعض السنين ولم يجد ما يموّن به أصحابه الضعفاء، فقال (من الطويل):

لعلّ ارتيادي في البلاد وبغيتي

وشدّي حيازيم المطيّة بالرّحل

سيدفعني يوما إلى ربّ هجمة

يدافع عنها بالحقوق وبالبخل

وقيل: إنّ الله سبحانه وتعالى قيّض له ناقتين دهماوتين وهو مع قوم من الضعفاء، وفي شتاء شديد، وقد غلب عن قوتهم وحملهم، فنحر لهم إحداهما وحمل متاعهم على الأخرى، وجعل ينتقل بهم من مكان إلى مكان، وكان بين النّقرة والرندة، فنزل بهم ماء بينهما يقال له: ملوان. ثمّ إنّ الله تعالى قيّض له رجلا صاحب مائة من الإبل قد فرّ بها من حقوقها، وذلك أوّل ما ألبن الناس. فقتله وأخذ إبله وامرأته، وكانت من أحسن النساء وأجملهنّ. فأتى بالإبل أصحاب الكنيف، فحلبها لهم وحملهم عليها، حتّى إذا دنوا من عشائرهم أقبل يقسم الإبل. ثمّ أخذ مثل نصيب أحدهم، فقالوا: لا، والله لا نرضى حتّى تجعل المرأة نصيبا أيضا، فمن وقعت بسهمه أخذها. فعظم عليه، وجعل يهمّ أن يحمل عليهم فيقتلهم

ص: 445

وينتزع الإبل منهم، ثمّ يذكر أنّهم صنيعته. فأفكر طويلا (297) ثمّ أجابهم إلى أن يردّ عليهم نصيبه من الإبل إلاّ راحلة يحمل عليها المرأة حتّى يلحق بأهله، فأبوا عليه أيضا. فانتدب رجل منهم فجعل له راحلة من نصيبه، فقال عروة في ذلك (من الطويل):

ألا إنّ أصحاب الكنيف وجدتهم

كما النّاس لمّا أمرعوا وتموّلوا

وإنّي لمدفوع أليّ ولاهم

بماوان إذ تمشي وإذ تتململ

وإنّي وإيّاهم كذي الأمّ أذهبت

له ماء عينيها تفدّي وتحملوا

وباتت بحدّ المرفقين كلاهما

توحوح ممّا نالها وتولول

تخيّر من أمرين ليسا بغبطة

هو الثّكل إلاّ أنّها قد تتحمّل

قال أبو الفرج الإصفهانيّ في كتاب الأغانيّ: نسخت من كتاب أحمد ابن القاسم بن يوسف، قال: حدّثني جرير قطن أنّ ثمامة بن الوليد دخل على المنصور، ثاني خلفاء بني العباس أيّام خلافته، فقال: يا ثمامة، أتحفظ حديث ابن عمّك عروة الصعاليك ابن الورد العبسيّ؟ قال: أيّ

ص: 446

حديثه يا أمير المؤمنين؟ فقد كان له من الحديث كثير! قال: حديثه مع الهذليّ الذي استلّ فرسه. قال: ما يحضرني ذلك يا أمير المؤمنين. فقال المنصور: نعم، خرج عروة بن الورد حتّى دنا من منازل هذيل، وكان منها على ميلين، وقد جاع. وإذا هو بأرنب، فرماها فأصماها، ثمّ أورى نارا فشواها وأكلها ودفن النار على مقدار نصف عوده، وقد ذهب أكثر الليل وغارت النجوم، ثمّ أتى سرحة فصعدها وتخوف الطّلب. فلمّا تغيّب فيها إذا الخيل قد جاءت وفيهم رجل على فرس، فجاء حتّى ركز عوده في موضع النار، وقال: لقد رأيت النار ها هنا. فنزل رجل منهم فحفر قدر ذراع فلم يجد شيئا. فركب القوم ومروا على الرجل يلومونه (298) ويعنّفونه ويعيبون أمره ويقولون: عنّيتنا في مثل هذه اللّيلة القرّة وزعمت لنا شيئا كذبت فيه. فقال: ما كذبت، ولقد رأيت النار موضع ركزت رمحي.

فقالوا: ما رأيت شيئا، ولكنّ تحذلقك وتداهيك، وهو الذي يحملك على هذا. ولم يزالوا به حتّى رجع عن قوله، وعادوا، وتبعهم عروة وسبقهم إلى الأحياء، فكمن في كسر بيت، وجاء الرجل ذاك بعينه وقد كان قبل عوده قد خالفه إلى زوجته عبد أسود، فأتاها العبد بعلبة فيها لبن، فقال:

اشربي. فقالت: لا، أو تبدأ أنت. فبدأ الأسود، فشرب. فلمّا جاء الرجل قالت له: لعن الله حدسك وصلفك! عنّيت القوم في هذه الليلة على غير

ص: 447

شيء. ثمّ دعا بالعلبة ليشرب، فقال حين ذهب ليشرب: ريح رجل وربّ الكعبة! فقالت المرأة: وهذه أخرى! وأيّ ريح رجل في إنائك غير ريحك؟ ثمّ صاحت. فجاء قومها فأخبرتهم خبره، فقالت: يتّهمني ويظنّ بي.

فأقبلوا عليه باللّوم والتّعنيف حتّى رجع. فقال عروة: وهذه ثانية. ثمّ أوى الرجل إلى فراشه ووثب عروة إلى الفرس وهو يريد أن يذهب به، فضرب الفرس بيده وحمحم وتحرّك، فرجع عروة إلى موضعه، ووثب الرجل فقال: ما كنت تكذّبني قبل اليوم، فما لك؟ فأقبلت المرأة عليه لوما وعذلا. قال: فصنع بالفرس كذلك ثلاثا والرجل يثب ثمّ يعود والمرة تلومه وتزيد في تعنيفه. فلمّا ضجر من كثرة تعنيفها له قال: لا أقوم اللّيلة ولو أخذ! فأتاه عروة، فصار في متنه وخرج ركضا. وركب الرجل فرسا عنده وجعل يقول: الحقي فإنّك من نسله. قال: فلمّا انقطع من البيوت قال عروة: أيّها الرّجل قف! فإنّك لو تعرفني لم تقدم عليّ. قال: كن عروة (299) بن الورد؟ فقال: أنا هو، وقد رأيت منك عجبا، فأخبرني به وأردّ فرسك إليك. قال: وما هو؟ قال: جئت مع قومك حتّى ركزت رمحك في موضع كنت قد شويت فيه أرنبا، ولم تخطئ مكان النار، فثنوك عن ذلك فانثنيت، وقد صدقت. ثمّ اتّبعتك حتّى سبقتك إلى منزلك وأتيت وشممت ريح رجل في إنائك، وقد كان زوجتك قد آثرت بذلك عبدك الأسود،

ص: 448