الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(141)
والآن فقد تقدّم الكلام من بدء الأشياء كلّها إلى حين أولاد نوح، عليه السلام، وتلونا ذلك بذكر مصر وكهّانها وملوكها وفراعنتها وعجائبها، يتلو بعضه بعضا. فإنّي وجدت كثيرا ممّن يقف على التواريخ تشمأز نفسه من الواقعة أو الحكاية إذا ساقها صاحب التاريخ، وأفصلها قبل إحكام تمامها، وينتقل إلا ما سواها في غير وقتها. فاشترطت على نفسي أنّني لا أذكر كلاما قد استفتحت فيه وأتركه إلاّ حتّى أنهيه.
فلمّا ذكرنا بدء الكائنات أنهينا فيها الكلام حدّ الطاقة، وتلونا ذلك بخلق الأمم قبل آدم، عليه السلام، على السياقة. ثمّ أتبعنا ذلك بخلق آدم وبنيه، وذرّيّته ومن يليه، إلى الطوفان، ومن كان فيهم من الملوك والكهّان. ثمّ ذكرنا أولاد نوح، عليه السلام، وملوك مصر إلى آخر الكلام.
ووقفنا عند فرعون في زمن موسى، صلوات الله عليه، كونه آخر فراعنة مصر ومنتهاهم إليه. ولنبتدئ الآن بذكر الأنبياء والمرسلين، صلوات الله عليهم أجمعين. نستفتح الكلام، ب
ذكر هود، عليه السلام
.
ذكر هود، عليه السلام
روي عن ابن مسعود رضي الله عنه، أنّ هودا، عليه السلام، اسمه عابر، وإليه ينسب العبرانيّون. وفي كتاب الجمهرة: إنّه عابر بن شالح بن
أرفخشد. وروى محمّد بن سلاّم في تاريخه أنّه ولد بعد مضيّ ستّمائة سنة وسبع وستّين سنة من عمر نوح، عليهما السلام. وقال المسعوديّ: إنّه ولد بعد وفاة نوح بثلاثمائة سنة. وقيل: إنّه هود بن عبد الله بن رباح بن الحلود بن عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح، بعثه الله تعالى إلى حيّ من ولد إرم بن سام، وهم عاد بن عوص بن إرم، وهم عاد الأولى، فكذّبوه ولم يستجيبوا له، فأهلكهم الله بالريح العقيم، وهي التي لا تلقح الشجر، (142) استمرّت {عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيّامٍ حُسُوماً}. وقيل: لم تخرج الريح قطّ إلاّ بمكيال إلاّ ذلك اليوم، فإنّها عتت على الخزنة فغلبتهم. فلمّا هلكوا بأجمعهم، بعث الله طيرا أسودا فنقلهم إلى البحر، {فَأَصْبَحُوا لا يُرى إِلاّ مَساكِنُهُمْ} .
وكان هود، عليه السلام، أشبه ولد آدم بآدم، عليه السلام، خلا يوسف، عليه السلام. ولمّا هلك قومه، لحق هو ومن آمن معه بمكّة، شرّفها الله تعالى. فلم يزل بها حتّى مات وله من العمر مائة وخمسين سنة، وقيل: أكثر. وقبره بحضرموت؛ روي ذلك عن عليّ بن أبي طالب، كرّم الله وجهه.