الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ابن قابض الطريّ، فأنت؟ فقلت: أنا حاتم بن سعد الطائيّ. فما هو إلاّ أن سمع باسمي حتّى ترجّل عن جواده وقال: اعذرني يا سيّد طيء من التقصير، لأنّ لي سنين أسمع بك وبما شيّدته من الكرم، وكنت أودّ على لقاك وأجتهد أن أتّبع مساعيك. ثمّ عاد إلى سهمه فأخلطه بسهمي، وقال:
يا حاتم، لا تردّه عليّ؛ فوحقّ اللاّت والعزّى أنجز نفسي بحسامي، وإن رأيت أن تعود معي إلى أهلي حتّى أزيدك من مالي ألف ناقة تستعين بها على معروفك. قال: فشكرته وأتيت إلى أهلي بكّل تلك الغنيمة.
ذكر أيضا حاتم من وجه آخر
قال ابن الأعرابيّ: كان حاتم من شعراء الجاهليّة. وكان جوادا يشبه جوده شعره، ويصدق قوله فعله. وكان حيث ما نزل عرفت منزلته بحومان الطّير على منازله، لكثرة خيره وذبائحه. وكان ممّن يأتيه من الشعراء الحطيئة وبشر بن أبي خازم وغيرهم. وكان يكنى أبا عديّ وأبا سفّانة.
وأدرك عديّ وسفّانة الإسلام فأسلما.
روي أنّ سفّانة، ابنة حاتم، حضرت بين يدي سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا محمّد، هلك الوالد، وغاب الواجد. فإن رأيت أن تخلّي عنّي
ولا تشمّت بي الأعداء من أحياء العرب، فإنّ أبي كان سيّد قومه؛ كان يفكّ العاني ويحمي الديار ويفرّج عن المكروب ويطعم الطعام، ويفشي السلام، ولم يطلب إليه أحد قطّ حاجة إلا قضاها. أنا ابنة (290) حاتم الطائيّ.
فقال سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، يا جارية، هذه صفة المؤمن؛ لو كان أبوك إسلاميّا لترحّمنا عليه. «خلّوا عنها، فإنّ أباها كان يحبّ مكارم الأخلاق» .
وذكر أنّ سفّانة كانت أجود نساء العرب.
وقيل: إنّ النّعمان بن المنذر جلس يوما فقال لحاجبه: انظر من بالباب. فنظر ثمّ عاد، فقال: بالباب حاتم طيء وأوس بن لام. فقال النّعمان: ما رأيت كاليوم قطّ، ورد عليّ شريفا العرب-أو قال: العراق- وليس في بيت المال ما يرضيهما. ثمّ قال لحاجبه: ائذن لحاتم من حيث لا يعلم أوس. فدخل حاتم. فقال له النّعمان، بعدما أجلسه وآنسه: أيّما أشرف أنت أم أوس؟ قال: أوس أشرف منّي. قال: كيف؟ قال: لقول الشاعر (من الوافر):
فما وطئ الحصا مثل ابن سعدي
…
ولا لبس النّعال ولا احتذاها
إذا ما المكرمات ذكرن يوما
…
فقصّر مبتغوها عن مداها
وإن ضاقت يد المثرين عنها
…
سما أوس إليها فاحتواها
فعزله النّعمان ناحية، ثمّ أمر بإحضار أوس. فلمّا جلس واستأنس، قال له النّعمان: أيّما أشرف أنت أم حاتم. فقال: حاتم أشرف منّي. قال:
وكيف؟ قال (من الوافر):
أرى نفسي تتوق إلى أمور
…
يقصّر دون مبلغهنّ مالي
فنفسي لا تطاوعني لبخل
…
ومالي لا يبلّغني فعالي