الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وحمزة: سنة واحدة. شهربراز، ويلقب حرمان، لم يذكره بهرام ولا حمزة. وقال الكسرويّ: ثمانية وعشرون يوما. <ثمّ ملكت> بوران بنت كسرى فيروز برأي بهرام سنة وأربع شهور؛ الكسرويّ وحمزة: سنة وأيّام.
<ثمّ ملك> حشنشبنده؛ رأي بهرام: أيّام؛ <رأي> الكسرويّ وحمزة:
شهران. <ثمّ ملك> خسره، ويلقب كوتاه، برأي الكسرويّ فقط عشرة أشهر. <ثمّ ملك> كسرى فيروز؛ رأي الكسرويّ: فقط شهرين. <ثمّ ملكت> ارزميدخت بنت كسرى أبرويز؛ رأي بهرام: ستّة أشهر؛ <رأي> الكسرويّ أربعة أشهر؛ حمزة: سنة وأربعة أشهر. <ثمّ ملك> فروخ بن خسره، <و> يلقّب الطفل، برأي بهرام سنة واحدة؛ رأي الكسرويّ وحمزة: شهر واحد. <ثمّ ملك> يزدجرد بن شهريار بن أبرويز بن هرمز عشرون سنة؛ متّفق عليه. وهو آخر ملوك فارس، الذي افتحت الإسلام بلاد فارس في أيّامه، والله أعلم.
ذكر نبذ من أخبارهم
وبعد أن ذكرنا أسماءهم ومددهم فلنتبع ذلك بشيء من طرف
أخبارهم ونبذ (185) من تذكارهم، ممّا انتقيته من تاريخ حمزة الإصفهانيّ، صاحب تاريخ إصفهان، وشيء من تاريخ الكسرويّ وألّفت بينهما كلام مختصر يتلوا بعضه بعضا، ما يليق بهذا المكان، وبالله المستعان.
هؤلاء الملوك المذكورون هم الطبقة الرابعة من ملوك فارس، وهم الساسانيّة. فأوّلهم أردشير بن بابك، حسبما تقدّم. ولمّا ملك، تغلّب أوّلا على إصطخر. وتقوّى بملك إصطخر على جماعة من ملوك فارس، وذلك أنّه نظر أوّلا في أمور الملك، فرأى كثرة عدد من حوله من الملوك وضيق رقعتهم وقلّة خطرهم وثقل مؤنهم وكلفهم على رعاياهم، مع اتّفاقهم على دين واحد. وهؤلاء هم ملوك الطوائف الذين ذكرناهم.
فعلم أردشير أنّه لم يجمعهم دين واحد إلاّ بألفة سابقة. فأنكر الخلاف العارض في ممالكهم، وسأل العلماء بحضرته عن ذلك، فعرّفوه أنّ أسلاف ملوكهم ما زال منتظما على سلطان واحد تجتمع الرعايا على طاعته وتنتهي إلى مواسمه، إلى أن انتهى الملك إلى دارا بن دارا، فوافق من رعيّته نفارا عنه وكراهة لدولته. وصادفه خروج الإسكندر الروميّ، وناصبه الحرب، فغدر بدارا خاصّته، فكان من حديث الإسكندر ما تقدّم.
فعلم أردشير عند سماعه هذا الكلام أنّه لا سبيل إلى بسط العدل في الرعايا وضبطهم بفنون السياسة حتّى يكون ملكهم واحد، فيكون هو المؤلّف بينهم والباعث لأهوائهم على ما فيه صلاح شؤونهم. فأعمل فكرته فيما يعتمد،
واتّفقت مساعدة من الأقدار، فلم يزل يدأب حتّى أذلّ وأزال ملوك الطوائف عن مملكتهم، واستبدّ بمفرده واستولى عليها، وقتل جميع ملوك الطوائف، وكانوا تسعين ملكا. ومكث في الحروب ثلاثين سنة.
وذكر أنّه وجد على نبط العراق ملكا يقال له: أزدوان، وعلى نبط الشام ملكا يقال له: بابا، وكلّ واحد منهما يقاتل (186) صاحبه على ملكه. فتوافقا على حرب أردشير. فكان أردشير يقاتل بابا يوما، وأزدوان يوما. فكان يقوى على أزدوان ويضعف عن بابا يوما. فرأى من المصلحة مصالحة بابا ليكفّ عنه. فصالحه وتفرغ لأزدوان. فلم يلبث إلاّ يسيرا حتّى قتله واستولى على ما كان بيده. فعندها بايعه بابا، فسمع له وأطاع.
فضبط أردشير الملك، وقهر من كان مناوئا له، حتّى عمل برعاياه على ما أراد.
وبنى أردشير عدّة مدن، منها أردشير حره، وهي مدينة قوم. ورايا دونه أردشير، وهذا اسم لمدينتين بالعراق وكرمان. فالتي بالعراق هي أحد المدن السبع على غربيّ دجلة، وقد عرّب اسمها. فقيل: بهرشير.
والتي بكرمان عرّب اسمها على وضع آخر، فقيل: بردشير وبهرسير،
وهي على شاطئ دجلة بأرض ميسان، ويسميها البصريّون: فرات ميسان. وأما داردشير فهي مدينة على شاطئ دجلة تسمّى كرخ ميسان، وأرام هرمز أردشير، وهي إحدى مدن طبرستان، وهي مزاردشير وهو اسم لمدينتين اختطّها وسمّى كلّ واحدة منها باسم مركّب من اسمه واسم الله تعالى.
وأمّا الواحدة فغلب عليها من الأسماء: حان واحمن، وإذا عرّب ذلك قيل: سوق الأهواز. و <أمّا> الأخرى فغلب عليها اسم آخر، فقيل:
نهرشير، وأخربها العرب لمّا وردوا خوزستان ونود وأردشير، وهو أحد مدن الموصل.
وبنى أردشير أيضا مدينة سمّاها: بني، لأنّ أردشير بنى سورها على جثث أهلها، فإنّهم عصوا أمره، فجعل سورها سافا بناء من لبن وسافا جثثا. وبنى مدن أخر يطول شرحها، فاختصرتها.
وأمّا هرمز، وهو الملك الثالث، فكان شبيها بجدّه أردشير في الصورة والقدّ. وهو ابن شابور، وسيأتي ذكر أبيه شابور في موضعه، إن
شاء الله تعالى. وكان هرمز كامل الصورة، ضعيف الرأي ولا أصيلا، وأمّه هي المشهرة بكردراد.
وأمّا ولده بهرام فهو الذي ظفر بماني، داعية الزنادقة بعد استتاره وهربه سنتين. فجمع عليه العلماء حتّى ناظروه وألزموه (187) الحجّة على رؤوس الملأ، ثمّ أمر به فقتل، وسلخ جلده، وحشاه تبنا، وعلّق على أحدى الأبواب جندي شابور.
وأمّا بهرام جور فسيأتي لمعا من أخباره في موضعه، إن شاء الله.
وأمّا بهرام بن بهرام جور، ويقال له: بهرام <بن> بهرامان، وكان ملقّبا بسكار شاه. والسبب في هذا اللقب وما يجري مجراه، أنّ الملك من ملوك فارس، كان إذا ولى عهد أحد بنيه أو أخوته، لقّبه شيئا يعرف به، فيدعى بذلك اللقب طول حياته في مدّة ولاية أبيه كان أو أخيه. فإذا عاد الملك إليه سمّي حينئذ: شاهنشاه. وعلى هذا أجري أمر بهرام الملقّب بكرمان شاه. وكان أنوشروان يلقّب في حياة أبيه بفرشحاد شاه، وهو الملك
على طبرستان. لأنّ بفرا اسم للجبل، وسحار اسم للسهل، وكرا اسم للتّلال والهضاب، وشكار اسم لسجستان؛ فركّب من هذه الأسماء ألقاب بعض الملوك. وكذلك كلّ من تلى منهم مكانا في حياة الملوك في ذلك الوقت، تركّب من اسم ذلك المكان الذي يليه، ويضاف إليه اسم شاه، فيستقرّ ذلك.
وأمّا شابور بن هرمز، تاسع الملوك، فهو ذو الأكتاف. سمّي بذلك لأنّه لمّا غزا العرب فكان يثقب أكتافهم ويجمع بين كتفي شخصين بحلقة ثمّ يتركهما. فسمّته العرب: ذو الأكتاف، والفرس تسميّة شابور هو سا، وهو اسم الكتف بالفارسيّ.
وذكر أنّ أباه مات وهو جنين، فعقد التاج على بطن أمّه. ومن أخباره أنّه دخل إلى بلاد الروم متنكّرا وحضر بعض كنائسهم، فعرفوه وأسروه.
وقد ذكر قصّته ابن ظفر في كتابه المسمّى بسلوان المطاع، فتركته لكونه مشهور في أيدي الناس. ومدّة ملكه اثنان وأربعون سنة باتّفاق الجماعة، منها تكون سنة كان مقيما فيها بجندي شابور من أوّل بلاده، ثمّ تحول إلى المدائن، فأقام بها بقيّة عمره.
وقيل: إنّه لمّا ظفر بملك الروم ألزمه أن يعيد جميع ما أخربه من الطين واللّبن وبالجصّ والآجرّ. لا جرم أنّ سور مدينة جندي شابور بعضه بالآجر والجصّ وبعضه بالطين واللبن. (188) وفي زمانه كان ادرياد الذي أذيب النحاس على صدره.
وبنى عدّة مدن، منها برزخ شابور وإيوان حرة شابور وهي في السوس. وبنى مدينة أخرى إلى جانبها. وإنّ إحدى هتين المدينتين خرج أهلها عن أمره فأرسل الفيلة حتّى داسها، وجاء بسبي من الروم فأنزلهم بها.
وأمّا أردشير بن هرمز، وهو عاشر الملوك، فإنّه ملك أربع سنين، متّفقا عليه، حتّى أدرك ابن أخيه شابور وخرج عن حدّ الطفوليّة، وسيأتي خبره بعد ذلك، إن شاء الله تعالى.
قال موسى بن عيسى الكسرويّ: إن هذا الذي عقد التاج على بطن أمّه. وليس كذلك، بل أبيه شابور.
وأمّا بهرام بن شابور، وهو الثاني عشر من ملوكهم، فإنّه كان ملتهيا بنفسه، ولم يقرأ شيء من أحوالهم في طول أيّامه ولا نظر في مظلمة ولا
قرأ قصة. ولمّا مات وجدت الكتب الواردة عليه من الكور بختومها، لم تفضّ.
وأمّا يزدجرد ولده، الثالث عشر، فإنّ الكسرويّ تفرّد بذكره. ووصل غيره يزدجرد الأثيم، وهو الرابع عشر، ببهرام.
قال الكسرويّ: أمّا القول في ملوك بني ساسان، فلعلها لإهمال النّقلة، ولعلّهم أتوا في ذلك من أجل تشابه الأسماء. فمن ذلك يزدجرد الأثيم، فإنّه كان ذا سياسة مرضية وأمانة وديانة. وبلغ من وفائه وأمانته أنّ أحد الملوك من الروم في زمانه حضرته الوفاة وله ابن صغير، فأوصى إلى هذا-يزدجرد الأثيم-أن ينفذ إليه من رجال مملكته خليفة يقوم بأمر الملك إلى حين صلاح ولده، ففعل ذلك، وردّ ملك أبوه على ذلك اليتيم بعد صلاحه، فسمّي يزدجرد الأثيم.
وأمّا يزدجرد بن يزدجرد، وهو الرابع عشر عند الكسرويّ، والثالث عشر عند غيره. وكان كثير الظّلم والعسف.
وأمّا ابنه بهرام جور فكانت له آثار عظيمة في الهند والترك والروم، وسيأتي ذكره ونبذ من أخباره في موضعه، إن شاء الله تعالى. وكان قد أمر الناس أنّهم لا يستمرّون في أشغالهم وعمل صنائعهم إلاّ إلى نصف النهار، ثمّ يبطلون. ونها أنهم لا يشربون بغير طرب.
(189)
وأمّا يزدجرد بن بهرام جور-على رأي الكسرويّ، وقال غيره فيروز بن يزدجرد-فقد بنى بأرض الهند، مدينة وسمّاها: رام فيروز، وأخرى سمّاها: روشن فيروز، وبنى أخرى بناحية جرجان، وأخرى بناحية أذربيجان، وابتنى حائطا وراء النهرين.
وأمّا ولده بلاش بن فيروز، فمن آثاره مدينتان، بنى أحدهما بساباط المدائن، وسمّاها: بلاش بابروي، والأخرى بجانب حلوان، وسمّاها:
بلاشقر.
وأمّا قباد بن فيروز، ويعرف بالزّنديق، ويسمّى: سك راي، وتولّى مرّتين. أمّا أوّل مرّة فمكث فيها سنتين، وهرب لمّا خلع، عندما خلط في الدين. ولأجل ذلك سمّي زنديقا. وملك أخوه مدّة ثمّ أعيد قباد، فملك بقيّة المدّة التي تقدّم ذكرها أوّلا.
وكان جاماسف بن فيروز متقدّما في صناعة النّجوم من الأحكام، وله في ذلك كتاب تقدّم فيه الأخبار عن أحوال كثير من الملوك والأنبياء، لكنّ أهل التاريخ أسقطوا اسمه لأنّ ولايته في مدّة فتنة مزدك، فأدرجوها في مدّة ملك أخيه قباد.
وبنى قباد مدن عدّة منها مدينة بين حلوان وشهرزور، وهي إيران شاد كواذ، وأخرى بين جزجان وإيرشهر، لم أقف على اسمها.
وأمّا ولده أنوشروان كسرى، ويسمّى: الملك العادل، فإنّه سار أحسن السّير وأعدلها. وبنى عدّة مدن، منها مدينة دخلت في أعداد المدن السبع، وهي المسمّاة رومية المدائن، واسمها بالفارسية: أيدنوا حسره، ومعنى ذلك الاسم إذا عرّب: خير من أنطاكية.
وأمّا كسرى أبرويز بن هرمز فإنّه حصل في داره ثلاثة آلاف حرّة واثنا عشر ألف أمة برسم الخدمة وأصناف الملاهي. وكان على حرسه ستّة آلاف رجل، وفي إصطبله ثمان آلاف وخمس مائة دابّة برسم ركابه لنفسه، سوى ما للخاصّة والحشم، وتسع مائة وخمسون فيلا، واثني عشر ألف بغل لحمل الأثقال، وعشرين ألفا من البخاني.
وسخط على النّعمان بن المنذر فاقتلعه من البادية ورمى به تحت
أرجل الفيلة، واستباح أمواله وأهله وولده، وأمر أن يباعوا بأوكس الأثمان.
(190)
وفي زمانه بعث سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكتب بادان، وهو عامل أبرويز على العرب، إلى أبرويز يقول له: إنّه قد نجم بجبال تهامة داعية خفيّ أمره، قليل أشياعه، يزعم أنّه نبيّ، وبربرته العرب، ونصبت له الحرب، إلاّ اليسير ممّن أجابه وتبعه. فكتب إليه كسرى أبرويز: اذهب إليه واتني برأسه. وإنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، علم بذلك، فكتب إلى بادان، أن «اعلم أنّ الله ربّي وعدني أن يقتل كسرى في يوم كذا وكذا» . فتربّص بادان حتّى ينظر ما يكون من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقتل أبرويز في الوقت الذي عيّنه رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ قتله ولده قباد. وكان أبرويز يلقّب بالملك العزيز.
وأمّا قباد، ولقبه شيرويه، فإنّه بعد أن قتل أباه أبرويز أحسّ من إخوته نبوّ عنه، فقتل ثمانية عشر أخا كانوا له، وعدّة من أبنائهم. فلا جرم اضطّروا عند فقد الرجال مع قصر مدّة شيرويه. فإنّه قيل: لم يعش بعد قتل أبيه إلى ستّة أشهر حتّى ملّكوا ولده أردشير بن شيرويه <و> كان طفلا، ولقبه كجك أو كوجك.
ولمّا بلغ شهريزان، صاحب ثغر المغرب، أنّهم ملّكوا صبيّا أقبل حتّى دخل عليه داره فقتله. وتملّك-على زعم موسى بن عيسى الكسرويّ
-هذا شهريزان، بعد قتل الصبيّ شهرا وثمانية أيّام؛ ويسمّى جرهان. قال ابن قتيبة: ملك جرهان اثني وعشرون يوما، ثمّ قتلته المرة وتملّكت بعده.
فإنّهم اضطرّوا إلى تمليك النساء لعدم النسل من الرجال، لأجل ما أفاهم شيرويه.
وهذه بوران دخت بنت أبرويز، وتلقّب بالسّعيدة، وأمّها مريم بنت هرقل ملك الروم، وهي التي ردّت خشبة الصليب على الجاثليق. ووصل إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم، خبر تلك بوران، فقال:«لن يفلح قوم تملكهم امرأة» .
ثمّ ملك بعد بوران هذه حشنشبنده، وبعض الناس تسمّيه: فيروز حشنشبنده، وليس (191) من عنصر الملك.
وملك بعد خسره، على ما زعم الكسرويّ أيضا، ولقّب كوتاه.
ويقال: هو خسره بن قباد بن هرمز بن أنوشروان. قال ابن قتيبة: هو خسره بن قباد، ولد بأرض التّرك، ومدّة ملكه ثلاث شهور.
ثمّ تولى الملك فيروز بن بهرام حسيس المسمّى حرشده. عدّه
الكسرويّ وأسقط غيره. ووصل ولاية بوران بنت كسرى أبرويز إلى حشنشبنده، ولا فصل بينهما.
ثمّ تولى الطفل الملقب فروخ خسره. وقال بعض المؤرّخين: إنّه تولّى يوما واحدا.
ثمّ تولّى بعده يزدجرد بن شهريار بن كسرى أبرويز، ويلقّب بالملك الأخير. وكان قد خلص من القتل على يد مرضعته، أخفته من شيرويه واحتالت له حتّى أخرجته من المدائن، وسيّرته إلى بعض الأطراف حتّى كبر. ولمّا تولّى لم يزل في حروب متوالية إلى أن قتل بمرو في أيّام خلافة الإمام عثمان بن عفّان، رضي الله عنه، سنة إحدى وثلاثين من الهجرة.
ولمّا انتقل يزدجرد من العراق، بعد أن أقام بالمدائن ثمان سنين على الضعف، أخرج ما قدر عليه من الذخائر مع نسائه وولده وحشمه. فكان فيمن أخرج معه ألف طبّاخ وألف حوسيان وألف فهّاد وبازيار. وخرج معه خرداد بن حرهر، أخو رستم صاحب القادسيّة، حتّى أورده إصفهان ثمّ كرمان ثمّ مرو،. وسلّمه إلى ماهويه، مرزبان مرو. وركب إليه، وكتب عليه سجلاّ بتسلّمه الملك منه. ورجع خرداد إلى أذربيجان.
وإنّ ملك الهياطلة قصد حرب يزدجرد فمالأه ماهويه على قتله.
فأولاد ماهويه إلى اليوم يسمّون بمرو ونواحيها: خداه كشان، لذلك.
وقال بهرام الموبد: إنّ الطبقة الرابعة من الملوك من بني ساسان ثمانية وعشرين ملكا، وإنّ مدّتهم أربع مائة سنة وستّ وخمسون سنة وشهران غير أيّام، وذلك خارج عن ثلاثين سنة كانت مدّة حرب أردشير مع ملوك الطوائف. فتكون (192) جميع المدّة من بداية التناسل من عهد كيمورث-على زعمهم أنّه آدم أبو البشر-وإلى آخر الملوك الساسانيّة، وهي الطبقة الرابعة حسبما سقناه: أربعة آلاف سنة وأربع مائة سنة وعشرة سنين تنقص شهرين وعشرة أيّام، ملك فيها ستّة وستّون ملكا-هذا رأي بهرام الموبد.
وقال موسى بن عيسى الكسرويّ: إنّي بحثت عن تاريخ ملوك الفرس الذين تملّكوا بعد الإسكندر، وهم الأشغانيّة والساسانيّة، وقابلت ذلك بتاريخ الإسكندر، وهو تاريخ صحيح مضبوط. وقد صحّ أنّ أوّل المحرّم سنة إحدى للهجرة، وكان موافقا لخامس عشر تمّوز سنة ثلاث وثلاثين وسبع مائة لذي القرنين. فزدت على ذلك لما بين ابتداء الهجرة وانقضاء دولتهم بهلاك يزدجرد ملكهم، أربع سنين، فبلغ ذلك تسع مائة وثلاثة
وسبعون سنة، تقصر قريبا من شهرين ونصف. وإنّي خطّطت عن ذلك لمدّة ملك الأشغانين مائتين وستّ وستّين سنة. فبقي مقدار ملك ملوك بني ساسان من أوّل ملك أردشير بن بابك إلى آخر هلاك يزدجرد سبع مائة سنة وسبع وستّين سنة إلاّ شهرين ونصف. هذه حكاية كلام الكسرويّ، نقله عن حمزة.
وهذا كلام كما يرى من الفساد والخبط، وهذا تفاوت كبير بين قول بهرام الموبد وبين قول الكسرويّ على قول حمزة الإصفهانيّ. فإنّه يقول:
جميع ملوك الفرس ستّون ملكا في مدّة أربعة آلاف سنة واثنين وسبعين سنة إلاّ أحد وأربعين يوما، منها بني ساسان أربع مائة سنة وثمانون سنة تنقص لأربعين يوما.
قلت: وهذا تفاوت كبير واختلاف بيّن، والله أعلم بالصواب.
وقد انتهى ما اخترته من كلام الإصفهانيّ والكسرويّ. وقد وقفت على نبذ لطاف لابن ظفر، صاحب كتاب: نجباء الأبناء وسلوان المطاع، تختصّ بهؤلاء الملوك، والزبد من (193) سيرهم، من طريق الاختصار.
وزعم الفرس أنّ أردشير بن بابك-وهو أوّل ملوك هذه الطبقة الأخيرة، وهي الطبقة الرابعة من ملوكهم، حسبما سقّناه بعون الله تعالى- لمّا قهر ملوك الطوائف وجمع كلمة الفرس على سبيل واحد ومدّ أسباب
المصالح وحسم أطماع الأعداء، مرض مرضا شديدا، فجزع لمرضه خاصّته ورعيّته. فبينا هو نائم إذ سمع ضجّة عظيمة قد طبّقت الجوّ، فسأل عن ذلك، فقيل له: هذه ضجّة رعيّة الملك، اجتمعوا يدعون له بالسلامة وتعجيل العافية. فأمر بإحضار موبدان موبد، وهو حافظ دين حفظة الدين، وإحضار الموابدة، وهم حفظة الدين، وإحضار الهرامزة، وهم خلفاء الموابدة، وإحضار الاصفهيد، وهو حافظ عدّة الجيش، وهو أمير الأمراء، وإحضار المرازبة، وهم قوّام الثّغور وأمراء الجيوش، الواحد منهم مرزبان، وهم يكونون أربعة، كانوا لا يفارقون حضرة الملك، وهم خلفاء من قبلهم على الجيوش في أطراف إقليم بابل من جهاته الأربع، يحرسون الممالك من الأمم المجاورة لها. فلمّا حضروا أدخلوا على الملك أردشير في مجلسه، وقد سدل بينه وبينهم حجاب.
وقام المتكلّم عن أردشير، فقال لهم: إنّكم من الملك بمرأى ومسمع. وإنّه سمع ضجّة فسأل عنها، فأخبر أنّها أصوات رعيّته، تدعو الله له. <فسأل>: أفحقّ هذا؟ فقال موبدان موبد: حقّ ما قيل للملك شاهان شاه، وإن نفوس رعيّته لتسمح بأموالها وأولادها فدية له، و <هو> أهل ذلك ومستحقّه منها.
فتكلّم أردشير بصوت ضعيف خافت، فشكر الله تعالى على ذلك، ثمّ قال: إنّ الانحلال والدثور لمحرّمتان على عالم التركيب، وإن نهلك فبعد أن أعدنا الملك الذي كان غرب إلى مشرقه، والدين الذي كان هرم إلى شبابه؛ ثمّ هذا ولدنا شابور قد علمنا عناية مقبض (194) العقل منه وقوّة إمداده له، وإن شئتم فاختبروه-وكان شابور إذ ذاك ابن ثمان سنين- وسكت أردشير. فنكّس القوم رؤوسهم وصمتوا. فقال أردشير: ليقل الموبدان موبد بالصّدق الذي هو أهله.
فقال الموبدان موبد: قد علم شاهان شاه، وكلّنا له الفداء، أنّ جماعة من المتغلّبين، قد كانوا ركبوا الأسرّة وحملوا التّيجان، ونظروا بالنّفع والضّرّ، ونطقوا بالحياة والموت، ثمّ تركوا ذلك كلّه، لا لزهد فيه، ولكن لأنّ شاهان شاه اضطرّهم إلى تركه، وتيجانهم بعد في خزائنهم، وأسرّتهم في مجالسهم، وسيوفهم على عواتقهم، وأعوانهم نصب أعينهم.
ولسنا نأمن إذا علموا أنّ هذه المملكة التي هي لمالك الأقاليم كالواسطة
للعقد وقد صارت إلى صبيّ، أن ينيبوا على أسرّتهم ويضعوا تيجانهم على رؤوسهم، والخصم حاضر، والكلم يدمى، والعهد بالشباب قريب، فيعود الملك على غروبه، والدّين إلى هرمه. ومع هذا، فعبيد شاهان شاه مفوّضون إلى اختياره وراضون بحكمه.
فقال أردشير: ليحضر ولدنا شابور. فأحضر شابور في محفّة من العود الرّطب مصفّحة بالذهب. فوضعت المحفّة بباب المجلس. ومثل شابور قائما على قدميه. ثمّ سجد في المحفّة، ثمّ قام فخرج منها، فخطا خطوة واحدة وثبت مكانه. فرفع الحجاب عن أردشير وأمر شابور بالدخول. فسجد ثمّ قام فاقترب من سرير والده، وقال أردشير مخاطبا لموبد موبدان: أيّها الفاضل المخصوص من الربّ بحفظ الدين الذي هو قوام العالم، اذكر لولدنا شابور ما ذكرته لنا. فأعاد موبدان موبد كلامه. ثمّ قال أردشير: ليجب ولدنا شابور لما سمع، بما عنده فيه.
فقال شابور: لشاهان شاه المدح الخالد خلود النهار والليل، بعد حمد الربّ المخصوص بالعبادة، (195) ليعطى شاهان شاه عمر كيومرث،
ويملّكه ممالكه. أمّا إذا أذن في الإجابة، فليعلم الحاضرون من حفظة الدين وحفظ الملك، أنّ رعيّة الملك مريدون تقوى عقله لا تقوى أعضائه، ومحروسون بمضاء جنانه لا بمضاء سيفه، ومثمرون بعظم همّته ولطافة فطنته وكرم سجيّته، لا بضخامة جسمه وتقدّم مولده. ومن كان جزءا من شاهان شاه أردشير فحسبه؛ ثمّ سكت.
فقال أردشير: بل أنت أيّها الولد كلّ نفوسنا، لا جزء منها. فخرّ الحاضورن وشابور سجّدا. ولم يبق من الجماعة إلاّ من اعترف بفضله وإصطلاحه للملك. فبذلوا المواثيق من أنفسهم على الانقياد له.
قلت: قد تقدّم تفسير موبدان موبد ومن يليه من أرباب دولة الفرس، وبقي قول شابور داعيا لأبيه، أعطاه الربّ عمر كيومرث وكلشاه، وقد تقدّم الكلام أنّ كيومرث هو أوّل ملوك الطبقة الأولى من الفرس. ومعنى كلشاه:
ملك الطير، يريدون أنّه ملك الأرض كلّها. ويزعمون أنّه عمّر ألف سنة وخمس مائة سنة، والله أعلم.
وزعم الفرس أنّ شابور ذا الأكتاف، لمّا هلك ترك ابنه شابور بن شابور صغيرا. واختلف مدبّروا ملكه في من يملّكونه. فمال قوم إلى أن يملّكوا شابور بن شابور هذا، لما يرجونه من أخذه سنّة آبائه. ومال الأكثرون إلى أن ملّكوا عليهم أردشير بن هرمز لكفايته، وقالوا: إنّا قد بلونا طمع من يجاورنا من الملوك والأعراب في بلادنا، حين ولّينا شابور جنينا، فلا يعود يملك علينا من لا كفاية له. وغلبوا على الأمر، فولّوا أردشير بن هرمز.
ولمّا بلغ شابور بن شابور أنّهم عدلوا عنه بالملك لصغر سنّة، قال أربع كلمات في أربع أوقات شتّى، فحفظن منه. الأولى أنّه قال: ليس من العدل أن يدفع الولد من ميراث أبيه. الثانية أنّه قال: ما عذر قوم ورّثوا الجنين وحرموا الوليد. (196) يعني أنّهم ملّكوا والده وهو جنين في بطن أمّه، وعقدوا التاج على بطنها، وصرفوا عنه الملك، وهو موجود مولود. الثالثة أنّه قال: لو علم رعيّتنا أنّ الملك كالنّار، لا يمنعها صغرها من عظم التأثير، لما اجترؤوا علينا. الرابعة أنّه قال: إن عاد إلينا حقّنا
يوما، لأذقنا رعيّتنا المعتدين علينا من حلاوة العفو وبرد الإحسان أضعاف ما أذاقونا من مرارة البغي وحرّ الإساءة، أخذا بالفضل وشكرا للربّ.
فملك أردشير بن هرمز أربع سنين ثمّ هلك. فعطفوا على شابور بن شابور فملّكوه. ولم يردّهم عنه صغر سنّة لما كان نمي إليهم عنه من الخصائص الكرام. فأوسعهم صفحا وعدلا وطولا، ولم تطل أيّامه.
وممّا حفظ عنه حين ملّكوه، أنّه حمد الله على صنعه له، وردّ حقّه إليه. ثمّ قال: إن كان لكم عندنا قضاء بالحقّ وأخذا بالعدل وقولا بالصدق ونظرا بالعطف وسماعا بالحلم وسياسة بالحزم، فإنّا نستثيب بحمد الله من أقلع عن الإساءة ثواب المحسنين، فأحسنوا بنا الظنّ في يومنا، واصرفوا إلينا الأمر في غدنا، وأديموا الرغبة إلى الربّ في معونتنا على طاعته فيكم، والسلام.
تزعم الفرس أنّه لمّا ولد يزدجرد بن بهرام الأكبر ولده بهرام جور، أخبره منجّموه بقوّة ميلاده وسعادة جدّه وعظم شأنه ومصير الملك إليه.
وأنّه نشى غريبا بين أمّة ذات همم عالية وأحساب زاكية، وأنّه تناول ملكه
من بين ظهرانيهم. فأجال يزدجرد فكرته في الأمم المجاورة له والنائية عنه، فوقع اختياره على العرب. فاستدعى النّعمان بن امرئ القيس اللّخميّ فأحسن إليه وملّكه على العرب وسلّم إليه ولده بهرام جور وجعل إليه حضانته وأمره أن يسير به إلى بلاده.
فانطلق به النّعمان بعد أن اختار له أربع (197) نسوة ذوات أعراق سنيّة، وأبدان زكيّة، وألوان وضيّة، وأخلاق رضيّة، وأذهان ذكيّة، ونفوس أ؟؟؟، امرأتين من العرب وامرأتين من الفرس وأحسنّ القيام عليهنّ، فارضعنه أربع سنين، ثمّ فصلنه.
فلمّا استكمل خمس سنين قال للنّعمان: أحضرني من يصلح منّي بأدبه وعلمه. فقال النّعمان: يا بنيّ، أنت صغير السنّ عن ذلك، وإذا بلغت من السنّ ما تطيق فيه المعلّم أحضرتك من يتولّى ذلك منك. فقال له بهرام: أنا-كما قلت-صغير السنّ، ولكنّ عقلي عقل محنّك. أما تعلم أيّها الرجل أنّ كلّما يتقدّم في طلبه قبل وقته، ينال في وقته؟ وما يطلب في وقته ينال في غير وقته؟ وما يفرّط في طلبه يفوت، فما ينال؟ وإنّي لولد
الملك، والملك بإذن الله صائر إليّ. وأولى ما طلبه الملوك صالح العمل <فإنّه> لأزين لهم ولملكهم وبه يقؤون، فعجّل عليّ بمطلوبي منك، أيّها الرجل البارّ.
قال: هذا حكيته عن بهرام جور عن ابن ظفر. وقال ابن ظفر: إنّه أثبتها في كتابه من المقالة التي أودعها محمّد بن جرير الطبريّ في كتابه، ونقلها عنها بإسناد صحيح من روايته. والقصد بذكر هذا براءة العهد، إذ كانت النفوس تأبى أكثرها تصديق هذا الحكم إلى ابن خمس سنين، ولن ينكر ذلك من وقف على خصّيصى عقول الملوك ومن طبعه الله على الرئاسة وفطره على سموّ الهمّة وأهّله لسياسة الخلق، فهو بما ذكرناه جدير.
وقال: ولمّا سمع النّعمان مقالته، بعث من فوره إلى يزدجرد يسأله أن يرسل إليه رهطا من فقهاء الفرس وحكمائهم ومعلّمي خطّهم، ففعل. وضمّ إليه أولي أدب من حكماء العرب، وألزمه رجلا من عقلاء العرب ودهاتهم، يقال له: حلس، وكان بصيرا بأيّام العرب ووقائعها. ورتّب لكلّ طائفة من أهل تعليمه وقتا من النهار يفيدونه فيه ما عندهم، وأمرهم بالجدّ فيما يراد