الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
درسته الرّيح من بين الصّبا
…
وجنوب درجت حينا وطلّ
<
ذكر سعية بن غريض
>
وأمّا سعية بن غريض، فقد تقدّم خبر أخيه السّموأل بن غريض بن عاديا اليهوديّ، صاحب الحصن الأبلق الفرد، مع خبر امرئ القيس. وكان غريض شاعرا، وهو الذي يقول لمّا حضرته الوفاة هذه <الأبيات> (من الكامل):
يا ليت شعري حين يذكر صالحي
…
ما تؤبّنني به أنواحي
أيقلن لا تبعد فربّ كريهة
…
فرّجتها ببشارة وسماحي
وإذا دعيت لصعبة سهّلتها
…
أدعى بأفلح تارة ونجاح
وقيل: إنه مات في آخر خلافة معاوية بن أبي سفيان.
وممّا يذكر من حلم معاوية، رضي الله عنه، ما رواه الهيثم بن عديّ، قال: حجّ معاوية حجّتين في خلافته، وكانت له ثلاثون بغلة تحجّ عليها نساؤه وجواريه. قال: فحجّ في إحدى حجتيه فرأى شيخا يصلّي في المسجد الحرام عليه ثوبان أبيضان، فقال: من هذا؟ قالوا: سعية بن غريض. فأرسل إليه يدعوه. فأتاه رسوله فقال: أجب أمير المؤمنين. قال:
أوليس أمير المؤمنين قد مات؟ قيل: فأجب معاوية. فأتاه، فسلّم عليه بغير الخلافة. فقال له معاوية: ما فعلت أرضك التي بتيماء؟ قال: يكسى منها العاري، وتشبع الجيعان، ويردّ فضلها على الجار. قال: فتبيعها؟ قال:
نعم. قال: بكم؟ قال: بستّين ألف دينار، ولولا خلّة أصابت (348) الحيّ لم أبعها. قال: قد أغليت. قال: أمّا لو كانت لبعض أصحابك لأخذتها بستّمائة ألف دينار ثمّ لم تبالي. قال: أجل! فإذ بخلت بأرضك فأنشدني شعر أبيك في نفسه. فقال: قال أبي، وأنشده الأبيات المقدّم ذكرها وزاد فيه:
ولقد ضربت بفضل مالي حقّه
…
عند الشّتاء وهبّة الأرواح
ولقد أخذت الحقّ غير مخاصم
…
ولقد رددت الحقّ غير ملاح
فقال معاوية: أنا كنت أحقّ من أبيك بهذا الشعر. قال: كذبت ولو متّ. قال: أمّا كذبت، فنعم، وأمّا متّ، فلم؟ قال: لأنّك كنت ميّت الحقّ في الجاهليّة وميّتة في الإسلام. أمّا في الجاهليّة فقاتلت رسول الله صلى الله عليه وسلم، والوحي، حتّى جعل الله كيدك المردود. وأمّا في الإسلام فمنعت ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم، حقّهم من الخلافة، وما أنت وهي! وأنت طليق ابن طليق.
فقال معاوية، رضي الله عنه: قد خرف الشيخ فأقيموه. فأخذ بيده إزعاجا.
فقال: مه! أرفقوا بالشيخ.
قلت: وهذا فمعدود من حلم معاوية المشهور، وتغاضيه المذكور.