الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كهيئة كورة الفلك، ونقش عليها صور الكواكب الثابتة ودهنها بالدهن الصينيّ وركّبها على منار في وسط منف. وصنع في هيكل أبيه روحانيّ زحل من ذهب أسود مدبّر. وعمل في وقته الميزان الذي يعتبر الناس قيّما، وكفّتاه من ذهب وعلاّقتاه من فضّة، وكان معلّقا في هيكل الشمس.
وكتب على إحدى كفّتيه: حقّ، واالغرى: باطل. وتحته فصوص قد نقش عليها اسم كلّ شيء <من الكواكب>. فيدخل الظالم والمظلوم، ويأخذ كلّ أحد منهما فصّا من تلك الفصوص، ويسمّي عليه ما يريد، ويجعلا <ن> في كفّتي الميزان، فتثقل كفّة الظالم وتخفّ كفّة المظلوم.
وكذلك من أراد سفرا أو فصامرا فيأتي ويجعل خيرته ويذكرها على فصّين ويضعها في كفّتي ذلك الميزان، فيظهر له خيرته في ما يرومه. ولم يزل هذا الميزان بمصر إلى أيّام بخت نصر، فاقتلعه وحمله إلى بابل وجعله في بيت من بيوت الميزان.
<
ذكر ظلما بن فرمس
>
ثمّ إنّ هذا الملك مات ولم يعقّب، واستخلف على الناس رجلا من أهل المملكة يقال له: ظلما بن فرمس. وكان شجاعا كاهنا حكيما داهية متصرّفا في كلّ فنّ. وكانت نفسه تنازعه الملك في حال تملك اقسامين، فلمّا مات اقسامين أوصا له بذلك. (139) وهذا هو فرعون موسى، عليه
السلام. وأهل الأثر يسمّونه: الوليد بن مصعب. وإنّما وجدت اسمه في هذا الكتاب: ظلما.
وكان قد رأى في كهانته أنّه سيكون جدبا في زمانه وغرقا لقومه.
فأمر ببناء المعاقل واستعمل ما استعمله نهرواش الملك في زمانه. وبنا بناحية رفوده والصعيد ملاعب ومصانع. وشكى القبط إليه رجال الإسرائيليّين، فقال: هم لكم عبيد. فكان إذا أراد القبطيّ حاجة سخّر الإسرائيليّ، فلا يقدر <أن> يمتنع عليه، وإن ضرب الإسرائيليّ القبطيّ قتل. وكان أوّل من أذلّ الإسرائيليّين ظلما هذا.
وكان، فيما حكي عنه، قصيرا جدّا، طويل اللحية، أشهل العينين أزرقهما، صغير العين اليسرى، في جبهته شامة سوداء، وأنّه كان أعرج.
وزعم قوم أنّه من الكنعانيّين. وقال قوم: بل <هو> من القبط. والذي وجدته في هذا الكتاب القبطيّ أنّه من القبط، من أهل بيت المملكة.
والدليل على أنّه منهم ميله إليهم واستعباد الإسرائيليّين لهم ونكاحه فيهم.
وذكر قوم أنّه دخل منف على حمار أتان عليها نطرون. وكانوا بعد موت اقسامين اختلفوا فيمن يلي الملك عليهم. وكون اقسامين لم يعقّب، فرضوا بأيّ من طلع عليهم. فطلع عليهم هذا ظلما على أتان، قد جلب عليها أطرونا، فلمّا راه ملّكوه عليهم. وهذا كلام ضعيف، لأنّ القوم أدهى
وأعلم من أن يملّكوا عليهم من هذا سبيله، وإنّما أوردت جميع الاختلاف في أمره.
وكان أوّل ما تملّك اضطرب الناس عليه، فساسهم أحسن سياسة، ودبّر أحوالهم أتمّ تدبير، فرجعوا لطاعته. واستخلف هامان وزيره. وقيل:
إنّه كان ابن خالته؛ هكذا رأيت في الكتاب القبطيّ، ولم أر أحدا ذكر ذلك.
وأثار بعض الكنوز، وعمل في مصر أعمال كثيرة، وعمل العمائر الهائلة، وحفر <خليج> السردوس. وقيل: إنّ تعاريجه إنّما كانت أهل البلاد يبذلوا له الأموال حتّى يجرّه على نواحيهم، (140) فاجتمع له من ذلك مال كثير. فلمّا بلغه من وزيره ذلك، أمره أن يردّ كلّ مال إلى أهله، ففعل ذلك. وبلغ الخراج في زمانه تسعة وتسعون ألف ألف دينار. وكان ينزل الناس على مراتبهم. وهو أوّل من عرّف العرفاء على الناس.
وكان ممّن يصحبه من الإسرائيليّين رجل يقال له: عمرون، وهو عمران أبو موسى، عليه السلام. فجعله حارسا على قصره ومتولّي حفظه وحامل مفاتيحه، وإليه فتحه وغلقه. وكان أنّه رأى في كهانته أنّه يجري هلاكه على يدي مولود من الإسرائيليّين، فمنعهم المناكح ثلاث سنين،