الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بعد هلك أبرويز. ثمّ كان ملك أردشير بن شيرويه. ثمّ وردت العرب الشام، فكان آخر عهد الروم به.
قال حمزة: فكان مدّة هؤلاء الملوك ثلاثمائة وخمس وسبعون سنة ونصف سنة، ملك فيها سبعة عشر ملكا. فيكون قد ملك بعد الإسكندر إلى سنة الهجرة النبويّة ثمانية وخمسون ملكا من الروم، والله، عز وجل أعلم.
ذكر من ملك مصر من ملوك بعدما غرّق الله تعالى فرعون
(215)
قال: حدّثنا عليّ بن الحسن، قال: ثنا عبد الرحمن. قال:
ثنا عبد الله بن صالح عن ابن لهيعة عن بكر بن سوادة وبكر بن عمرو الخولانيّ، يرفعان الحديث إلى عبد الله بن عمر، رضي الله عنهما، قال:
لمّا غرّق الله تعالى فرعون وجنوده عادت نساء أهل مصر بغير أزواج، ولم
يكن تبقّى إلاّ العبيد والأجراء والأكّارين وسقّاط الناس. فلم تطق النّساء الصبر على الرجال، فعادت كلّ امرأة منهنّ تعتق عبدها وتتزوّج به. وكذلك أخذن الأجراء من الناس والسّوقة وما أشبه ذلك من سواد الناس. وأشرطوا عليهم أنّهم لا يتحدّثون في أمر من سائر الأمور إلاّ عن رأي النساء.
وكان قد ملكتهم دلوكة ابنة زبّا. وكان ثمّ ساحرة يقال لها: قدورة، وكانت السّحرة تعظّمها وتقدّمها في علمهم وسحرهم. فبعثت إليها الملكة دلوكة بنت زبّا تقول لها: قد احتجنا إلى سحرك، وفزعنا إليك، ولا نأمن أن يطمع فينا الرجال من الملوك لأنّا نساء، فاعملي لنا شيئا نغلب به من قصدنا من الملوك المجاورة لنا، فقد كان فرعون يحتاج إليك، وقد ذهب أكابرنا وبقي أقلّنا.
فامتثلت الساحرة أمر دلوكة، وعملت برباتين من حجارة، في وسط منف، وجعلت لها أربعة أوجه إلى الأربع نواحي. وصوّرت في كلّ وجه صور الخيل والبغال والحصير والإبل والسّفن والرجال، بطالع اختارته لذلك. ثمّ قالت: قد عملت لكم عملا يهلك به كلّمن أرادكم بسوء أو قصدكم من جميع هذه الأربع جهات التي لا نوتا إلى منها برّا وبحرا، وهذا ممّا يغنيكم عن الحرب ويقطع طمع من يقصدكم. فإنّهم إن كانوا في البرّ على خيل أو بغال أو سائر الدواب بأصنافها، أو سفن أو رجّالة من أيّ جهة
تحرّكوا من الجهات الأربع، فإنّ هذه الصّور تختلج. فما فعلتم أنتم في هذه الصّور صار بتلك الدّوابّ مثل ذلك. إن شئتم قطع أرجلهم أو قلع أعينهم أو فسادهم هلاكا، كان ذلك.
(216)
فلمّا بلغ الملوك المجاورة لمصر أنّ أمرهم صار إلى النساء، طمعوا فيهنّ وتوجّهوا إليهنّ. فلمّا دنوا من عمل مصر تحركت تلك الصور التي في البربا. فطفقوا لا يفعلون بتلك الصور شيئا من الشرّ، إلاّ وفعل بتلك الأقوام من الأعداء مثله. وانتشر ذلك عنهم وهابوهم الملوك، وقطعوا البأس والطمع منهم.
وصار أمر مصر إلى النساء؛ وملكت دلوكة ابنة زبّا عشرون سنة، تدبّر أمور الناس أحسن تدبير، حتّى بلغ صبيّ من أبناء أكابرهم وأشرافهم، يقال له: دركون بن بلوطس، فملكهم أربعين سنة، ثمّ استخلف ولده بودريس بن دركون، فملكهم عشرين سنة. ثمّ استخلف أخاه. . . بن دركون، فلم يمكث إلاّ ثلاث سنين. وهلك ولم يترك ولدا. فاستخلف ابن أخيه. . . بن بودريش، فملكهم تسع عشرة سنة. ثمّ استخلف. . .
بن مرينا فتجبّر وطغا وسفك الدم وأظهر الفاحشة، فأعظموا ذلك وأجمعوا على خلعه. فخلعوه وقتلوه بعد أن ملكهم إحدى عشر سنة. وبايعوا رجلا من أشرافهم يقال له: بلوطس بن مناكيل، فملكهم أربعين سنة، ثمّ هلك.
واستخلف ابنه. . . بن بلوطس، فملكهم خمس عشرة سنة، ثمّ هلك.
واستخلف أخاه مناكيل بن بلوطس بن مناكيل، فملكهم مائة وعشرون سنة، ثمّ هلك. واستخلف ابنه. . . بن مناكيل، فملكهم مائة سنة وعشرة سنين، وهو الأعرج الذي سبا ملك بيت المقدّس، وقوم <به> إلى مصر.
وقيل: بل اسمه نوله. وكان قد تمكّن في البلاد وبلغ مبلغا لم يبلغه أحدا ممّن كان قبله بعد فرعون. وطغا وتمرّد، فقتله الله تعالى: صرعته دابّته، فدقّت عنقه، فهلك.
قيل: إنّ المخلوع الذي خلعته أهل مصر هو هذا نوله. وسبب ذلك أنّه دعا الوزراء والأكابر من أهل الدولة (217) ومن كان يجري عليه الملوك قبله الأرزاق والجوائز-وكأنّه استكثر ذلك-فقال: إنّي أريد <أن> أسألكم عن أشياء، إن أخبرتوني عنها زدت في أرزاقكم وكنتم لذلك مستحقّين، وإن لم تخبروني بها ضربت رقابكم، فإن لا فائدة، فبكم.
فقالوا: ليسأل الملك عمّا شاء. فقال: أخبروني، ما يعمل الإله العظيم صاحب هذه البنية العظيمة في كلّ يوم؟ وكم عدد نجوم السماء؟ وكم مقدار دوران الشمس في كلّ يوم على التّحقيق؟ وماذا يستحقّ دوران الفلك على ابن آدم؟ فاستأجلوه، فأجّلهم شهرا. فكانوا يخرجون كلّ يوم إلى خارج المدينة، فيقفون على الطرقات ويسألون سائر من يلقونه، ثمّ يعودوا ولا بلغوا غرسا.
وكان صاحب قرموس ينظر في كلّ يوم إليهم، فأتاهم ذات يوم، فسألهم عن أمرهم، فأخبروه. فقال: عندي علم ذلك، فأجّلوني إلى غد.
وكان للقرموسيّ ابنة ذات عقل وأدب. فلمّا أتا إليها أبوها عشيّة يومه، قصّ عليها ذلك وقال: إنّي وعدت القوم إلى غد، ثقة منّي بعقلك يا بنيّة.
فقالت له: افعل كيت وكيت. فلمّا كان من الغد وجد القوم في انتظاره.
فقال: طيبوا نفسا، فعندي ما تريدون، إلاّ أنّ لي قرموسا لا أسطتيع <أن> أعطّله. فليقعد رجل منكم يقد تنّوره وأنا أمضي معكم لقضي شغلكم. وألبسوني من أثوابكم <وأعطوني> دابّة من دوابّكم لمركوبي.
ففعلوا ذلك.
وكان في المدينة رجلا من أولاد ملوكهم قد ساءت حالته، فأتاه القرموسيّ، وسأله القيام بملك أبيه وطلبه. فقال: ليس بتهيّأ لي ذلك حتّى يخرج هذا من مدينة منف-يريد بقوله الملك نوله. فقال القرموسيّ: أنا أخرجه لك وجميع حاشيته. وجمع لذلك الفتى مالا من كبار الدولة.
ثمّ أقبل القرموسيّ حتّى دخل على نوله الملك، فأخبره أنّ عنده علم ما يسأله عنه. فقال: أخبرني كم عدد نجوم السماء؟ فأخرج (218) القرموسيّ جرابا، كانت ابنته قد أمرته به، محشوّا رملا، فنشره بين يدي الملك، وقال: هذا بعدد نجوم السماء. وإن كنت تشكّ في ذلك فأمر من يعدّها ويقابل بينها. وكان حضوره بين يديه حين غربت الشمس، فقال
الملك: فكم مقدار دوران الشمس في كلّ يوم على التحقيق؟ قال: مقدار هذه الساعة من نهار الغد. قال: فماذا يصنع الإله العظيم في كلّ يوم؟ فقال: ليركب الملك وجميع حاشيته ونظهر إلى خارج مدينة منف حتّى أريك صنع الإله العظيم، وما يستحقّ دوران الفلك على ابن آدم.
قال: فركب نوله الملك، ولم يزل بجميع خاصّته حتّى أوقفه القرموسيّ على قرموسه، وإحدى وزرائه يقد في تنّوره. فقال القرموسيّ:
أيّها الملك، هذا صنع الإله العظيم، إنّ هذا أحد وزرائك بالأمس وها هو اليوم يقد قرموسي، وأنا صاحب القرموس عليّ ثيابه وراكب دابّته محادثا الملك. فهو في كلّ يوم يذلّ قوما ويعزّ قوما ويمت قوما ويحيي قوما.
وأمّا ما يستحقّ دوران الفلك على ابن آدم، فإنّه قد دار عليك وعزلك عن ملكك، وملّك فلان بن فلان مكانك، وقد جلس على سرير ملكك وقد أغلق عليك باب مدينة منف. فرجع مبادرا، فإذا مدينة منف قد أغلقت.
ووثبوا مع الغلام على نوله الملك حتّى خلعوه. فوسوس بعد ذلك نولة، وكان يقعد على طرق مدينة منف ويهذي. فلذلك إنّ القبط قولهم إذا كلّم أحدهم بما لا يريد، يقول: سنحتك من نوله، يريد: أي وسوستك كوسوسة نوله، فعاد مثلا.
وقيل: بل تولّى الملك بعد نوله ولده مرنيوس بن نوله، فملكهم تسعين سنة ثمّ هلك. واستخلف ولده اينانس بن مرنيوس، فملكهم ستّين سنة ثمّ هلك. فاستخلف أخاه لغاس بن مرنيوس.