الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بإسناده> عن الحسن البصريّ، رحمه الله، قال: لمّا أهبط آدم من الجنّة بكا ثلاثمائة عام، لا يرفع إلى السماء رأسه حياء من الله تعالى، ولا وضع يده على حوّاء ولا ألفها ولا سكن إليها، ولم يأكلا ولم يشربا أربعين يوما.
فجاءه جبرائيل، فقال: يا آدم، ما هذا الجهد الذي بك؟ وما هذه البليّة التي أجحفت بك؟ وما هذا البكاء؟ فقال: كيف لا أبكي؟
(42) فصل
فيما نزل مع آدم من الجنّة
نزل معه الحجر الأسود، وكان أشدّ بياضا من الثلج، ونزل معه الركن والمقام، وهما ياقوتتان من ياقوت الجنّة. ونزل معه عصا موسى، وكانت من آس الجنّة، طولها عشرة أذرع-هذا ما رواه ابن الجوزيّ، رحمه الله.
وروى المسعوديّ وغيره: أن أهبط آدم على جبل بالهند بسرنديب، وعليه الورق المخصوف من الجنّة، فتحاتّ الريح الورق فنبت منه بأرض الهند أنواع الطيب والأفاويه والثّمر الذي لا يوجد إلاّ هناك.
وكنّا الله تعالى آدم بأبي محمّد، وكان من صفته أنّه طويلا أجعد الشعر، أجمل ما يكون وأحسن، فلمّا أنزله الله إلى الأرض نقّص من حسنه ولونه وكان يتكلّم في الجنّة بالعربيّة، فحوّله الله تعالى إلى السّريانيّة.
ونقّص من حسن حوّاء، وكان بيدها قضيب من الجوهر، فتناثر فكان الجوهر منه. وكان مع آدم قبضة من برّ وعصي من بعض شجر الجنّة، يقال: إنّها العوسجة ويقال: إنّها من آس الجنّة، وهي التي عادت بيد موسى، عليه السلام.
ونزل مع آدم ثلاثين قضيبا من قضبان الجنّة، جعلها إكليلا على رأسه، هذه رواية المسعوديّ وغيره، قال: منها عشرة طاهرة القشر، وهي:
الجوز واللّوز والفستق والبندق والبلّوط والقسطل وجوز الهند والرّمّان والشّاهلوك والموز والخشخاش. ومنها عشرة لهم نوا، وهي: الخوخ والمشمش والإجّاص والرّطب والغبيراء (43) والزّعرور والمقل والنّبق والقراسيا وعين البقر. ومنها عشرة لا قشر لها ولا نوا، وهي: التّفّاح والكمّثرى والسّفرجل والعنب والتّين والأترجّ والخيار والبطّيخ والنارنج واللّيمون، وقيل: أوّل ما أكل في الأرض: الكمّثرا.
وتاب الله عز وجل، على آدم بعد مضيّ مائة عام، وقيل: أقلّ. ثمّ أتاه جبريل، عليه السلام، وعلّمه الكلمات، وهي: لا إله إلاّ أنت، عملت سوءا وظلمت نفسي، فاغفر لي وأنت خير الغافرين.
وعلّمه استخراج الحديد وسبكه، وعمل العدد، والزراعة والتسبّب فيما يأكله في دوابّ البحر ودوابّ البرّ، وما يتجنّبه. وأمره بالمشي إلى مكّة، فكان موضع قدمه عمرانا، وما بينهما مفازة.
وأتا إلى جدّة، وإذا بحوّاء تبكي، فقال: هذا عملكي.
وقيل له: إيت الكعبة وطف بها. فتلقّته الملائكة في الأبطح، فقالوا له: حيّاك الله، يا آدم، لقد طفنا بهذا البيت قبلك بمائة ألف عام. وعلّمه جبريل المناسك، وأنزل عليه إحدى وعشرين صحيفة، وفرضت عليه الصلاة والزّكاة والاغتسال من الجنابة والوضوء والصوم، وزرع وحصد وعجن وخبز. وقيل له: دأبك أنت وذرّيّتك، فقال: يا ربّ، ما بلغت هذا إلاّ بشقّ النفس، فقال: هذا بخطيّتك.
وعوقبت حوّاء بعشر خصال: بوجع العذرة، وطلق المخاض، ووجع الولادة، والحيض، وحزن الموت، وقناع الرأس، والملك تحت أيدي الرجال، والوله عند المصيبة، وتكون أسفل من الرجل وقت الجماع.
وجمع بين آدم وحوّاء بجمع وتعارفا بعرفات.
وعوقب آدم بنقصان طوله وحسنه ولونه، وخوفه من السباع (44) بعد أن كانت تخافه، وحكم عليه وعلى ذرّيّته بالموت.
وعوقبت الحيّة بقصّ جناحيها، وعدم يديها ورجليها، وأن تمشي على بطنها، وشقّ لسانها، وأعدمها نطقها، وخوّفها من الناس، وجعل غذاءها التراب.
ثمّ إنّ آدم، عليه السلام، غشي حوّاء فولدت له قابيل وتؤمته، ثمّ ولدت له هابيل وتؤمته <قليما>. وكانت ولادتها ذكرا وأنثى في كلّ بطن. وكان اسم تؤمة هابيل: لبودا.
وشغل قابيل بالحرث، وشغل هابيل برعي الغنم. ثمّ أمر آدم أن يزوّج قابيل من أخت هابيل، فظنّ قابيل بأخته وقال: أنا أحقّ بأختي منه، فأمرهما آدم أن يقرّبا قربانا، فأيّهما يقبل قربانه كان أحقّ بها من صاحبه، فرضيا بذلك. فقرّب هابيل أسمن كبشا كان في غنمه، وقرّب قابيل أرذل ما كان في زرعه، وكانا بمنا يوم الجمعة، فجاءت النار إلى القربان، فحملت كبش هابيل ولم تقبل قربان قابيل.
فأغضبه ذلك، وعزم على قتله، فلم يدر كيف يقتله. فعمد إبليس إلى طائر فرضخ رأسه بحجر فقتله. فأغفل قابيل هابيل حتّى نام عند غنمه وهي ترعا، فحمل حجرا فطرحه على رأسه فقتله:{فَأَصْبَحَ مِنَ النّادِمِينَ} .
ثمّ أرسل الله غرابين، فقتل أحدهم الآخر، ثمّ حفر له أخدودا في الأرض حتّى دفنه، ففعل بأخيه كذلك.
وكان لمّا طال تحسّر آدم على الجنّة، أنزل الله عليه خيمة من خيم الجنّة، من ياقوتة حمراء، وضعت موضع الكعبة.
فلمّا تمّ ثلاث وثلاثين سنة من هبوطه ولد له شيث، عليه السلام، وهو هبة الله، وتؤمته.
وأجمعت أهل التاريخ أنّ حوّاء ولدت لآدم مائة وعشرين بطنا تؤمان.
وأمر آدم بكتب الصحيفة، وعلّم اللغات كلّها، (45) والأسماء التي تقهر بها الجنّ والشياطين، وحساب الأزمنة، وسير الكواكب.
وسأل ربّه أن يريه مثال الدنيا وما يكون فيها من خير وشرّ، فمثلت له برّا وبحرا، فنظر إليها ومن يملكها ومن يسكنها من ولده، وصور الأنبياء وما يكون في العالم من خير وشرّ.
ولمّا كثر ولده وولد ولده، أرسله الله تعالى إليهم يأمرهم بما أمر الله، وينهاهم عمّا نها الله. ويقال: إنّه أرسل وهو ابن سبعمائة وسبعين سنة.