الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حدست الخواطر بالأفكار، وغرّدت سجعاتها الأطيار، في الأوكار، ولنستفتح الجزء الثاني بذكر مولده ومنشئه ومبعثه وبعض ما تصل القدرة من وصف معجزاته وغزاواته وما لخّص من سيرته، والله تعالى المسهّل لهذه المسالك، والموفّق بكرمه لذلك.
ذكر ما الخّص من كهّان العرب في الجاهليّة
أما شقّ، الكاهن الأوّل، فهو شقّ بن حويل بن آدم بن سام بن نوح، عليه السلام، وهو أوّل كاهن كان في العرب العاربة. وآدم كان أبو الجبابرة من عاد وثمود وطسم وجديس، ويقال: إنّه كان بعين واحدة في جبهته.
ويقال: إنّ الدّجّال من ولده. ويقال: بل هو الدّجّال بعينه، أنظره الله تعالى إلى وقته، وهو محبوس في بعض الجزائر، وأنّ الشياطين تأتيه بما يأكل وما يشرب. وقد ورد حديثه وحديث تميم الداريّ ما يغني عن إثبات جملته ها هنا.
وأمّا شقّ الثاني، فهو شقّ بن مراد اليشكري، وكان حكيما للعرب قديما في الجاهليّة. وكان يضاهي سطيح في كهانته، وكان معاصرا لسطيح.
وأمّا سطيح، فهو ربيع بن ربيعة من بني ذئب بن عديّ، وكان يسمّى (352) كاهن الكهّان، ولم يبلغ أحدا في الكهانة مبلغه وكان يخبر عن الغيوب بالعجائب.
وقيل: إنّ ابن نصر اللّخمي رأى رؤيا هالته فأمر بجمع السّحرة وأصحاب القيافة والزّجر، فقال: إنّي رأيت رؤيا هالتني. فقالوا: قصّها.
فقال: لا أقصّها، فما يعرف تأويلها إلاّ من عرفها. فقيل له: ما لها إلاّ سطيح. فقال: أقسم بالشّفق، والليل إذا غسق، والصّبح إذا برق، وطارق إذا طرق، لقد رأيت حممة خرجت من ظلمة، وقعت في أرض همة، وأكلت كلّ ذات حممة. قال: صدقت، فما تأويلها، يا با زرعة؟ فقال:
حلفت بما بين الحرش والحنش، لتنزلنّ أرضكم الحبش، وليملكنّ ما بين اليمن إلى حرش. فقال ربيعة: إنّ هذا لنا لغائط موجع؛ فهل في زماننا أم بعده؟ فقال: بل ينقطع بسبع من السنين، ينقرضون منها أجمعين،
ويخرجون منها هاربين. قال: ثمّ من يلي إخراجهم؟ قال: ابن ذي يزن، غلام من عدن، رحب العطن، يخرج عليهم من اليمن، فلا يترك لهم بقيّة في اليمن. فقال: يدوم أو ينقطع؟ فقال: يملك بعدهم منهم أخطار أطواد، من الرجال الأجواد. فقال: يدوم أم ينقطع؟ قال: يقطعه نبيّ زكيّ أمين، يأتيه الوحي من ربّ العالمين، ليس أحد بعده من النبيّين. قال: فممّن يكون هذا النّبيّ؟ قال: من ولد غالب بن فهر بن النّضر، يقوم بالملك قومه ومن تبعه إلى آخر الدّهر. قال: وهل للدهر آخر؟ قال: نعم؛ يوم يجمع فيه الإله القديم الأوّلين والآخرين، يسعد فيه (353) المحسنين، ويشقي فيه المسيئين، يحشر فيه المجرمين، في العذاب المهين. قال: أيّ يوم هو؟ قال: يوم تنفطر فيه السماء، والوقوف للجزاء، والسعادة والشقاء.
قال: أحقّ تخبر به يا سطيح؟ فقال: أي، والشّفق والغسق، والقصر إذا اتّسق، إنّ ما أخبرتك به لحقّ.
قلت: وأمّا تفسيره رؤيا الموبذان، وكسرى صاحب الإيوان، لمّا خمدت النّيران، وسقطت شواريف الإيوان، عند مولد أشرف الثّقلان، وسيّد ولد عدنان، فكان ذلك أوّل ما ظهر من البرهان، ونطقت بمعجزاته