الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أخذت بالحزم، وخشيتك. ثمّ أمر هرقل بقبّة من الديباج، فضربت له بين الصفّين. فنزل هرقل، فدخلها، ودخل معه بترجمان. وأقبل شهرزبان حتّى دخل عليه، فانتهى بينهما الترجمان حتّى أحكما أمرهما، واستوثق كلّ منهما من صاحبه بالعهود والمواثيق. فخرج هرقل وأمر، وأشار إلى الشهرزبان بأن يقتل التّرجمان لكي يخفا ما كان بينهما. فقتله شهرزبان.
ثمّ تأخّر شهرزبان عن كسرى بالجيوش، وصار هرقل إلى كسرى حتّى أغار عليه ومن بقي معه. وكان ذلك أوّل هلكة كسرى. ووفى هرقل لشهرزبان ما أعطاه من ترك الأرض التي لفارس، وانكشف حين أفسد أرض فارس على كسرى فقتلت فارس كسرى ولحق شهرزبان بفارس والجنود، والله أعلم.
ذكر ملوك العرب وأصولها وفروعها وبطونها
قلت: قد أتينا، بحمد الله تعالى، بذكر سائر ملوك الأرض من لدن آدم، عليه السلام، وإلى عهد النبيّ صلى الله عليه وسلم، من ولد يافث، وهو أبو سائر هؤلاء الملوك الأعجميّة. ونتلوا ذلك بذكر سائر ملوك العرب، ليكون الكلام سياقة وتوطئة إلى مبعث سيّد المرسلين، وخاتم النّبيّين، وخير العالمين، محمّد الأمين صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
ذكر ملوك اللّخميّين وهم ملوك الحيرة، عرب العراق
(227)
هؤلاء ملوك العرب اللّخميّين، ملوك العراق، أهل الحيرة.
فأوّلهم مالك بن فهم الأزديّ. ثمّ ملك جذيمة الأبرش بن مالك اللّخميّ
ستّون سنة. ثمّ ملك عمرو بن عديّ مائة وثمنية عشرة سنة. ثمّ ملك امرؤ القيس بن عمرو بن عديّ مائة وأربعة وعشرة سنة. ثمّ ملك عمرو بن امرؤ القيس. . . ثلاثون سنة. ثمّ ملك أوس بن فلان خمس سنين. ثمّ امرؤ القيس الثاني خمس وعشرون سنة. ثمّ النّعمان بن امرؤ القيس ثلاثون سنة.
ثمّ ملك المنذر بن النّعمان أربع وأربعون سنة. ثمّ الأسود بن المنذر بن النّعمان عشرون سنة. ثمّ المنذر بن المنذر بن النّعمان سبع سنين. ثمّ النّعمان بن الأسود أربع سنين. ثمّ ملك أبو يعفر بن علقمة ثلاث سنين.
ثمّ ملك امرؤ القيس بن النّعمان سبع عشرة سنة. ثمّ ملك المنذر بن امرؤ القيس تسع وأربعون سنة. ثمّ ملك الحارث بن عمرو بن حجر الكنديّ.
ثمّ ملك المنذر بن امرؤ القيس ثانيا. ثمّ ملك عمرو بن المنذر بن امرء القيس ستّة عشر سنة. ثمّ ملك قابوس بن المنذر أربع سنين. ثمّ رجع ملك الحيرة إلى الفرس. فملك فسهير الفارسيّ سنة واحدة. ثمّ عاد
النّعمان ابن المنذر، وهو أخو قابوس بن المنذر، اثنتي وعشرين سنة. ثمّ ملك إياس ابن قبيصة سبع سنين. ثمّ تولّى الحيرة من قبل الفرس زاديه الفارسيّ سبع عشرة سنة. ثمّ كان المنذر بن النّعمان ثمانية أشهر.
هؤلاء عدّة ملوك الحيرة من اللّخميّين، من بني النّصر، ملوك عرب العراق ومن اندرج معهم.
وذكر أنّه لمّا حدث سيل العرم عبرت عرب اليمن من مدينة مأرب إلى الشام والعراق. وكانت تنوخ، وهم في حيّ من الأزد، ممّن تمزّق إلى العراق. فاتّفق ورود مالك بن فهم من بني النّصر بن الأزد في جمهور الأزد.
وورود ملك بن فهم أيضا في جمهور من قضاعة، لمّا خلت قضاعة من تهامة إلى البحرين. فقال ملك بن فهم (228) الأزديّ لمالك بن فهم القضاعيّ:
نقيم بالبحرين ونتحالف على من سوانا. فتحالفوا، فسمّوا تنوخا، وذلك في أيّام ملوك الطوائف.
وأمّا جذيمة بن مالك الأبرش فكان ثاقب الرأي، بعيد المغار، شديد النّكاية، ذا حزم ونجدة، غزا بالجيوش، وشنّ الغارات على قبائل العرب.
وكان به برص، فأكبرت العرب أن تفوه به، فسمّته الأبرش تارة، وتارة الوضّاح لذلك. واستولى من السّواد على ما بين أرض الحيرة إلى الفرات، وغزا في آخر عمره الشام، فقتل عمرو بن الضّرب بن أذينة العمليقيّ، والد
الزّبّاء، فاستثأرت له على أخذ الثأر. وفي أذينة يقول الشاعر (من المتقارب):
أزال أذينة عن ملكه
…
وأخرج من حصنه ذا يزن
وستأتي هذه الأبيات في موضعها، إن شاء الله تعالى.
ثمّ ورث الملك بعده ابن أخته عمرو بن عديّ، وأمّه رقاش بنت مالك بن فهم، أخت جذيمة، وهو الذي استهوته الجنّ. ويقال: إنّه جدّ الأكراد، حسبما نسوقه في موضعه، إن شاء الله تعالى. وعمرو هو أوّل من اتّخذ الحيرة منزلا من ملوك العرب، وهو أوّل ملك تعدّه الحيريّون في كتبهم من ملوك عرب العراق، وهم آل نصر. وكان سيّدا في سلطانه، منفردا بملكه، يغزوا المغازي، ويصيب المغانم، وتجبى إليه الأموال، وتفد عليه الوفود، ولا يدين لملوك الطوائف، حتّى ظهر أمر أردشير بن بابك، وضبط ملك العراق، وقهر كلّ من كان في مناوأته، حتّى حملهم على ما أراد.
وأمّا امرؤ القيس، ولده، فيقال: امرؤ القيس البداويّ الأوّل، وأمّه ماوية بنت عمرو، أخت عمرو بن كعب الأزديّ.
وأمّا أوس بن قلام، فهو ابن قطنبا بن حمير العمليقيّ، ملك في زمن أردشير. ثمّ ملك بعده ابنه النّعمان الأعور السائح، وهو باني الخورنق
والسّدير، وفارس حليمة، وأمّه شقيقة بنت أبي ربيعة بن ذهل بن شيبان (229) بن ثعلب وأخو الشّقيقة لأبيها عمرو المزدلف.
وأخو النّعمان لأمّه حسّان بن زهير اللّخميّ، ملك في زمن يزدجرد ابن شابور، وكان أشدّ ملوك العرب نكاية في الأعداء، وأبعدهم مغارا.
وغزا الشام مرارا كثيرة وملك الفرس يمدّه بالجيوش من تنوخ ومن الفرس.
وكان ضابطا لملكه، حازما صارما. واجتمع عنده من المال والرقيق والسلاح والخول ما لم يملكه غيره من ملوك الحيرة. والحيرة يومئذ ساحل الفرات، لأنّ الفرات حينئذ كانت تدنوا من أطراف البرّ حتّى تصل إلى النّجف. فعلا مجلسه بالخورنق يوما، ورأى النّجف وما يليه من البساتين والنّخل والجنان والأنهار، وممّا يلي المغرب وعلى الفرات ممّا يلي المشرق، فأعجبه ذلك لما رأى من الخضرة والنّور والأزهار والأنهار الجارية ورعي الإبل ولقاط الكمأة وصيد الضباء والأرانب، وما في الفرات من الملاّحين والغوّاصين والصيّادين، وفي الحيرة من الأموال والخول، ومن يموج فيها من رعيّته، ففكّر في نفسه: أيّ ملك هذا، وإنّي لتاركه غد لغيري. فبعث إلى حجّابه ونحّاهم عن بابه. فلمّا جنّه الليل التحف بكساء وخرج، فلم ير بعدها. وفيه يقول الشاعر (من الخفيف):
وتفكّر ربّ الخورنق إذ
…
أشرف يوما والهدى تفكير
سرّه ما رأى وكثرة ما يملك
…
والبحر معرضا والسّدير
فارعوى قلبه وقال: فما
…
غبطة حيّ إلى الممات يصير
وأمّا امرؤ القيس بن النّعمان بن امرئ القيس، فهو الذي غزا بكرا، وكانوا أنصار لبني آكل المرّار، فهزمهم. وهو أيضا باني الحصن الذي يقال له: الصّنّين، على يدي البنّاء الذي يقال له: سنمّار الرّوميّ: وفي الحصن أيضا يقول الشاعر (من الخفيف):
ليت شعري متى تحثّ بي
…
النّاقة نحو العذيب والصّنّين
وهو قاتل سنمّار الروميّ وباني قصره.
وأمّا المنذر بن امرئ القيس، فهو المنذر (230) ابن ماء السّماء، وماء السّماء أمّه، واسمها ماوية بنت عوف بن جشم بن هلال بن ربيعة بن زيد مناة بن عامر الضّحيان بن الخزرج بن تيم الله بن النّمر بن قاسط، ويقال: هي ربعة أخت كليب.
ثمّ انتقل الملك من لخم إلى كندة لسببان، أحدهما: إغضاء قباذ عن الملك وإهماله القيام بواجب السياسة. وكان والده فيروز غزا الهياطلة، وهم سكّان طرفة من أطراف خراسان، ومعه ولده قباذ، فقتل فيروز وأسر
قباد. فقصدهم جند الفرس حتّى خلّصوا قباذ من الأسر. فلمّا خلّص وتقرّر ملكه، ترك القتل والقتال، وانتشرت الزّندقة فيهم. وكان الداعي إليها مزدك بن باسداد بن موبد موبدان، فجمع إليه الضعفى ووعدهم الملك، فضعف ملك العرب. فإنّ مادّة ملك العرب إنّما كانت من الفرس. فلمّا مات قباد وملك ابنه أنوشروان العادل، سار بسيرة مضادّة لسيرة أبيه، فاصطلم الزنادقة وأبادهم قتلا وأسرا حتّى قوي ملكه، وردّ المنذر بن النّعمان إلى ملكه. والسبب الثاني: أنّ امرء القيس كان يغزوا قبائل ربيعة، فبلى فيهم، ومنهم أصاب ماء السماء، وكانت تحت أبي حوط. وأهمل الحزم في إحدى غزواته، فنادت به بنو بكر بن وائل، فهزموا رجاله وأسروه. أسره سلمة بن مرّة بن همّام، وأطلقه بعد أن أخذ منه الفداء.
وبقيت العداوة في نفوس بكر بن وائل. وقيل: إنّ أمّ قباد كانت منهم.
فأرسلت بكر إلى الحارث فملّكوه.
ثمّ ملك قابوس بن المنذر. ويقال: إنّه تملّك؛ وإنّما سمّي ملك لأنّ أباه وأخاه كانا ملكين. وكان فيه لين، فسمّي: فتنة العروس. فقتله رجل من يشكر، وسلبه.
ثمّ تملّك فشهرب الفارسيّ. ثمّ تملّك المنذر بن المنذر، أخو عمرو بن هند. ثمّ تملّك النّعمان بن المنذر، وهو أبو قابوس، وهو قاتل