الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
زعم البوارح أنّ رحلتنا غدا
…
وبذاك تنعاب الغداف الأسود
قال أبو عبيدة: وقد أقوا بعده جماعة من الشعراء المفلقين. والإقواء هو اختلاف إعراب القوافي. وقال: هو مأخوذ من أقوى المنزل، إذا خلا من أهله. فلمّا خلا من قافية أخيه، قيل: أقوا، أي خلا.
(317)
وقد قرأت لجماعة من العروضيّين مثل الخليل بن أحمد- وهو أوّل من اقترح العروض-والأخفش والتّبريزيّ وغيرهم، فذكروا أن الإقواء استنبط من فتل الحبل، كون فتله يمنة ويسرة، فاختلف في برمه وقوي بذلك، فسمّي: الإقواء. وعلى الجملة فإنّه من عيوب الشعر المستعملة.
وكذلك الإيطاء، وهو تكرار الكلمة الواحدة في القافية، فإن كانت أحد الكلمتين اسم والأخرى فعل فليس بإيطاء. وهو أيضا مأخوذ من إيطاء البعير إذا وطئ برجله مكان يده في مكان واحد فيقال: آطأ البعير.
وعيوب الشعر المستعملة ستّة، قد ذكروها أهل صناعة الشعر في كتبهم، فلا حاجة إلى إثباتها ها هنا، والله أعلم.
ذكر زهير بن أبي سلمى وطرفا من شعره
هو زهير بن أبي سلمى بن سعيد بن رياح. وقد قدّموا زهيرا على
الشعراء بأنّه كان أحسنهم شعرا وأبعدهم <من> سخف وأجمعهم للكثير من المعاني في قليل من اللفظ وأشدهم مبالعة في المدح وأكثرهم أمثالا في شعره.
قال ابن الأعرابيّ: كان لزهير من الشعر ما لم يكن لغيره؛ كان أبوه شاعرا وخاله شاعرا وأخته شاعرة وابناه شاعرين.
قلت: أمّا أعرق الشعراء في الشعر فهم آل أبي حفصة الإسلاميّون؛ نبغ منهم عشرة يتوارثون الشعر: كابر عن كابر. ولا زال أعرق الشعراء آل حسّان بن ثابت، فإنّهم كانوا ستّة نفر متوارثون الشعر، حتّى جاء آل أبي حفصة فأفضلوهم بأربعة، كلّ منهم قال الشعر ومدح الخلفاء والملوك وأخذوا الجوائز السّنيّة. وقد شرحت هذا الكلام في كتابيّ:(318) أحدهما المسمّى بحدائق الأحداق ودقائق الحذّاق، الموسوم باسم القاضي المرحوم علاء الدّين بن الأثير، رحم الله روحه وبرّد ضريحه، والآخر المسمّى بذخائر الأخاير، والموسوم باسم القاضي المرحوم فخر الدين، ناظر الجيوش المنصورة، تغمّده الله برحمته وأسكنه أعلا الدّرجات في جنّته، ممّا يغني <عن> إعادة الكلام في هذا التاريخ المختصر، خوفا أن أكون قد أطيت في كتبي وتأليفي قياسا على عيوب الشّعر.
وروي، قال: قال عبد الملك بن مروان: ما ضرّ من مدح بما مدح
به زهير آل أبي حارثة أن لا يمتدحوا بغيره، وهو حيث يقول (من الطويل):
على مكثريهم حقّ من يعتريهم
…
وعند المقلّين السّماحة والبذل
وإن جئت ألفيت حول بيوتهم
…
مجالس قد يشفى بأحلامها الجهل
وقال عمر بن الخطّاب، رضي الله عنه، لبعض ولد هرم بن سنان:
أنشدني بعض مديح زهير من أبيك. فأنشده. فقال: إنّه كان ليحسن فيكم القول. فقال: ونحن والله كنّا نحسن له العطيّة. فقال عمر: ذهب ما أعطيتموه وبقي ما أعطاكم.
وقال محمّد بن سلاّم: سألت يونس النّحويّ: من أشعر الناس؟ قال:
لا أومئ إلى رجل بعينه، ولكنّي أقول: امرؤ القيس إذا غضب، والنّابغة إذا رهب، وزهير إذا رغب، والأعشى إذا طرب.
وعن عيسى بن زيد قال: قال ابن عبّاس، رضي الله عنه، قال عمر بن الخطّاب، رضي الله عنه: أنشدني لأشعر الناس. قلت: من هو يا أمير المؤمنين؟ قال: زهير. قلت: <وبم صار كذلك؟ > ثمّ قال: كان لا يعاظل بين القوافي ولا يتّبع حوشيّ الكلام.
ومن مليح شعره قوله (من الطويل):
سئمت تكاليف الخباة ومن يعش
…
ثمانين حولا لا أبا لك يسأم
(319)
وأعلم ما في اليوم والأمس قبله
…
ولكنّني عن علم ما في غد عمي
ومن يجعل المعروف من دون عرضه
…
يفره ومن لم يتّق الشّتم يشتم
ومن لم يذد عن حوضه بحسامه
…
يهدّم ومن لم يظلم النّاس يظلم
ومنها يقول:
ومن يوف لم يذمم ومن يعص قلبه
…
إلى مطمئنّ البرّ لا يتجمجم
ومن يك ذا فضل فيبخل بفضله
…
على قومه يستغن عنه ويذمم
ومن هاب أسباب المنايا ينلنه
…
ولو نال أسباب السّماء بسلّم
ومن يغترب يحسب عدوّا صديقه
…
ومن لا يكرّم نفسه لا يكرّم
ومن لم يغمض عينه عن أمور كثيرة
…
يظرّس بأنياب ويكوى بمنسم
ومن قوله من قصيدة يمدح فيها هرم بن سنان (من البسيط):
إنّ البخيل ملوم حيث كان
…
ولكنّ الجواد على علاّته هرم
هو الجواد الّذي يعطيك نائله
…
عفوا ويظلم أحيانا فيظّلم
وممّا قدّمه عند علماء الشعر قوله (من البسيط):
قد جعل المبتغون الخير من هرم
…
السّائلون إلى أبوابه طرقا
من يلق يوما على علاّته هرما
…
يلق السّماحة منه والنّدا خلقا
أشمّ أبيض فيّاض يفكّك عن
…
أيدي العناة وعن أعناقها الرّبقا
وليس مانع ذي قربى وذي رحم
…
يوما ولا معدما من خابط ورقا
ومنها يقول:
وإنّ أشعر بيتا أنت قائله
…
بيت يقال إذا ما أنشدته صدقا
لو نال حيّ من الدّنيا بمكرمة
…
أفق السّماء لنالت كفّه الأفقا
وله من القصيدة التي أوّلها يقول (من الطويل):