المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(233) ذكر التبابعة من حمير ملوك اليمن - كنز الدرر وجامع الغرر - جـ ٢

[ابن الدواداري]

فهرس الكتاب

- ‌[مقدمة المصنف]

- ‌ذكر انقضاء مدّة العالم وابتدائهواختلاف العلماء في ذلك

- ‌ذكر ما لخّص من مقامة لابن الجوزيّ، رحمه اللهوهي الباينة مما يتعلّق بذكر آدم، عليه السلام

- ‌نستفتح الكلام بذكر آدم، عليه السلام

- ‌فصلفي إعلام الله تعالى الملائكة بخلقه

- ‌فصلفي الخليفة

- ‌فصلقوله تعالى: {أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها} الآية

- ‌فصلفي قوله تعالى: {إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ}

- ‌ذكر خلق آدم، عليه السلام

- ‌فصلفي تعليمه الأسماء كلّها

- ‌فصلفي سجود الملائكة، عليهم السلام

- ‌(28) فصلفي قوله تعالى: {إِلاّ إِبْلِيسَ أَبى وَاِسْتَكْبَرَ}

- ‌فصل ذكر خلق حوّاء، عليها السلام

- ‌فصل(31)في مقام آدم في الجنّة

- ‌فصل: ذكر الشجرة المنهيّ عنها

- ‌فصل في احتيال إبليس على دخول الجنّة

- ‌فصلقوله تعالى: {وَقُلْنَا اِهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} الآية

- ‌فصلفي ذكر المكان الذي أهبطوا إليه

- ‌فصلفيما تجدّد لآدم بعد هبوطه من الجوار

- ‌(42) فصلفيما نزل مع آدم من الجنّة

- ‌ذكر قابيل بن آدم وما كان من أمره بعد أن قتل أخاه هابيل

- ‌ذكر شيث بن آدم، صلوات الله عليهما،وعدد الكتب والصحف التي أنزلت عليه

- ‌ذكر أنوش بن شيث بن آدم، عليه السلام

- ‌ذكر قينان بن أنوش بن شيث بن آدم، عليه السلام

- ‌ذكر برد بن قينان بن أنوش بن آدم، عليه السلام

- ‌ذكر أخنوخ، وهو إدريس النبيّ، صلوات الله عليه وسلم

- ‌ذكر متوشلح بن إدريس، عليه السلام

- ‌ذكر لامك، أبو نوح، عليه السلام

- ‌ذكر نوح، عليه السلام، وقصّته مع قومه

- ‌ذكر أولاد نوح، عليه السلام، وهم سام وحام ويافثوما ولد كلّ إنسان منهم من الأمم

- ‌ذكر كنعان بن حام وأولاده وشعوبه والفراعنة منهم

- ‌ذكر ملوك مصر من ولد حام

- ‌ذكر أولاد يافث بن نوح، عليه السلام،وقبائلهم وشعوبهم وأخبارهم

- ‌ذكر يأجوج ومأجوج

- ‌ذكر السدّ الذي سدّه ذو القرنين على يأجوج ومأجوج

- ‌ذكر الصقالبة

- ‌ذكر اليونانيّون الأوّلون من ولد يافث بن نوح عليه السلام

- ‌ذكر مملكة الروم

- ‌ذكر ملوك الصّين من ولد يافث

- ‌ذكر الإفرنج

- ‌ذكر مملكة الأندلس

- ‌ذكر مملكة الترك

- ‌ذكر مملكة خراسان

- ‌ذكر أولاد سام بن نوح، عليه السلام

- ‌ذكر تفرّق الطوائف من الناس بعد الطوفان

- ‌ذكر عاد

- ‌ذكر الكهّان القديمة بمصر من قبل الطوفان

- ‌ذكر قومة الكاهنة وما صنعت من العجائب في وقتها

- ‌(77) ذكر الأهرام وأوّل بنائها والسبب في ذلكوما فيها من العجائب

- ‌ذكر ملوك من ولد سوريد واتّصال بعضهم ببعض إلى آخر وقت

- ‌ذكر الكهّان من بعد الطوفان إلى حين خراب مصر

- ‌(91) ذكر ملوك مصر بعد الطوفان من وجه آخر

- ‌ذكر الوليد بن دومغ، أوّل الفراعنة بمصر

- ‌أخبار الوليد بن دومغ

- ‌ذكر نهراوس

- ‌ذكر دريوش

- ‌ذكر مقاريوس

- ‌ذكر اقسامين

- ‌ذكر ظلما بن فرمس

- ‌ولنبتدئ بذكر بقيّة الأنبياء، صلوات الله عليهم،بعد نوح عليه السلام

- ‌ذكر هود، عليه السلام

- ‌ذكر صالح، عليه السلام

- ‌ذكر إبراهيم الخليل، صلوات الله عليه

- ‌ذكر لوط، عليه السلام

- ‌ذكر إسماعيل، عليه السلام

- ‌ذكر يعقوب، عليه السلام

- ‌ذكر يوسف، عليه السلام

- ‌ذكر أيّوب، عليه السلام

- ‌ذكر شعيب، عليه السلام

- ‌ذكر الخضر، عليه السلام

- ‌ذكر موسى وهارون، عليهما السلام

- ‌ذكر أشمويل، عليه السلام، وداود، عليه السلام

- ‌ذكر سليمان بن داود، عليه السلام

- ‌ذكر رحبعم

- ‌ذكر أخبار آل داود

- ‌ذكر يونس بن متّا، عليه السلام

- ‌ذكر زكريّا، عليه السلام

- ‌ذكر عيسى ابن مريم، صلوات الله عليه

- ‌ذكر أهل القرية

- ‌ذكر ذو الكفل

- ‌ذكر لقمان الحكيم

- ‌ذكر أصحاب الأخدود

- ‌ذكر أصحاب الكهف

- ‌ذكر سائر ملوك الأرض وأسمائهمومدد تملّكهم إلى آخر وقت

- ‌ذكر الطّبقة الأولى لملوك الفرس

- ‌(177) ذكر الطبقة الثانية من ملوك الفرس وهم الكيسانيّة

- ‌ملحق من الأصل

- ‌ذكر الطبقة الثالثة من ملوك الفرس

- ‌ذكر ملوك الطبقة الرابعة من الفرس وهم الساسانيّة

- ‌ذكر نبذ من أخبارهم

- ‌ذكر الخبر الأوّل عن بهرام جور

- ‌ذكر الخبر الثاني عن بهرام جور

- ‌ذكر شابور ذي الأكتاف

- ‌ذكر ملوك البطالسة، وهم اليونانيّون

- ‌ذكر ملوك رومية، وهم المعروفون بالقياصرة

- ‌ذكر ملوك القسطنطينيّة بحكم الاختلاف

- ‌ذكر من ملك مصر من ملوك بعدما غرّق الله تعالى فرعون

- ‌ذكر بخت نصّر وسنة دخوله مصر وسبي بني إسرائيل

- ‌ذكر سبب انكشاف فارس عن الروم

- ‌ذكر ملوك العرب وأصولها وفروعها وبطونها

- ‌ذكر ملوك اللّخميّين وهم ملوك الحيرة، عرب العراق

- ‌ذكر ملوك العرب من آل جفنة

- ‌(233) ذكر التّبابعة من حمير ملوك اليمن

- ‌ذكر ملوك كندة بحكم التلخيص

- ‌ذكر وقائع العرب وحروبها في أيّامها المشهورة

- ‌ذكر كليب ومهلهل ابنا ربيعة،وهو حرب البسوس المذكور

- ‌(253) ذكر حرب عبس وبنو عامر والسبب فيه

- ‌هذا ذكر حرب داحس والغبراء المشهورة من أيّام حروب العرب

- ‌ذكر حاتم الطّائي ونبذ من أخباره

- ‌ذكر أيضا حاتم من وجه آخر

- ‌ذكر عنترة العبسيّ من وجه آخر

- ‌ذكر عروة بن الورد العبسيّ، جاهليّ

- ‌ذكر دريد بن الصّمّة والخنساء بنت عمر بن الشّريد السّلميّ

- ‌ذكر ذو الإصبع العدوانيّ، جاهليّ

- ‌(305) ذكر تأبّط شرّا وطرفا من خبره

- ‌ذكر الفحول من شعراء الجاهليّة ولمعا من شعرهم

- ‌ذكر امرئ القيس بن حجر

- ‌ذكر النّابغة الذّبيانيّ ولمعا من أخباره وأشعاره

- ‌ذكر زهير بن أبي سلمى وطرفا من شعره

- ‌ذكر طرفة بن العبد، جاهليّ

- ‌ذكر علقمة بن عبدة الفحل، جاهليّ

- ‌ذكر المتلمّس وبعض أخباره وطرف من أشعاره، جاهليّ

- ‌ذكر الأعشى، جاهليّ

- ‌ذكر عبيد بن الأبرص، جاهليّ

- ‌ذكر لبيد بن ربيعة وطرف من أخباره

- ‌ذكر عمرو بن كلثوم، جاهليّ

- ‌(336) ذكر المرقّشان: الأكبر والأصغر، جاهليّين

- ‌ذكر الأسود بن يعفر الدّارميّ، جاهليّ

- ‌ذكر عمرو بن قميئة

- ‌ذكر أبو دؤاد الإياديّ، جاهليّ

- ‌ذكر عديّ بن زيد

- ‌ذكر الأفوه الأوديّ، جاهليّ

- ‌(343) ذكر أبو كبير الهذليّ، جاهليّ

- ‌ذكر من تلا هؤلاء من المبشّرين بظهور سيّد المرسلين

- ‌ذكر زيد بن عمرو بن نفيل، جاهليّ، وفيه حديث

- ‌ذكر مدرج الرّيح، عامر المجنون الجرميّ

- ‌ذكر سعية بن غريض

- ‌ذكر أبو الصّلت، جاهليّ

- ‌ذكر ورقة بن نوفل، جاهليّ، وفيه حديث

- ‌ذكر ما الخّص من كهّان العرب في الجاهليّة

- ‌ذكر عدد الأنبياء والمرسلين والكتب المنزلة عليهم،صلوات الله عليهم أجمعين

- ‌ذكر التواريخ من لدن، آدم عليه السلام، إلى آخر وقت

- ‌ملحق

- ‌سرد المصادر والمراجع

الفصل: ‌(233) ذكر التبابعة من حمير ملوك اليمن

وأمّا جفنة بن المنذر بن الحارث، فهو الذي يسمّى محرّقا، وبه سمّيت آل محرّق، وكان أحرق الحيرة.

وأمّا الحارث بن جبلة، فهو ابن أبي شمر، وهو الخامس بعد العشرين من ملوكهم، وهو الذي أوقع ببني كنانة.

وأمّا النّعمان بن الحارث، ولقبه قطام، وهو باني ما أشرف على الغور الأقصى، وبكاه النّابغة الذّبيانيّ، فقال (من الطويل):

بكى الحارث الجولان من بعد ربّه

وحوران منه خاشع متضائل

وأمّا الأيهم بن جبلة بن الحارث، فهو صاحب تدمر وقصر أريكة.

وأما جبلة بن الأيهم، فهو آخرهم، وهو الذي أسلم في أيّام عمر بن الخطّاب، رضي الله عنه، ثمّ عاد فلحق بالروم وتنصّر؛ وحديثه مشهور، والله أعلم.

(233) ذكر التّبابعة من حمير ملوك اليمن

هؤلاء ملوك حمير ملوك اليمن المعروفون بالتّبابعة. فأوّلهم حمير بن كهلان، ملك مائة وخمسون سنة. ثمّ ملك الحارث بن قيس مائة وخمس

ص: 353

وعشرون سنة. ثمّ ملك أبرهة بن الحارث مائة وثلاثة وثمانون سنة. ثمّ ملك إفريقيس بن أبرهة مائة وأربع وستّون سنة. ثمّ ملك العبد ذو الأذعار مائة وخمس وعشرون سنة. ثمّ ملك هدّاد بن شراحيل خمس وسبعون سنة. ثمّ ملك بلقيس بنت هدّاد، ملكت عشرون سنة. ثمّ ملك ناشر ينعم بن شراحيل خمس وثمانون سنة. ثمّ ملك شمر يرعش سبع وثلاثون سنة.

ثمّ ملك أبو مالك الحميريّ خمس وخمسون سنة. ثمّ ملك الأقرن بن أبي مالك ثلاث وعشرون سنة. ثمّ ملك ذو جيشان سبعون سنة على قول. ثمّ ملك تبّع بن الأقرن مائة وثلاث وستّون سنة محرّرا. ثمّ ملك كلى كرب خمس وثلاثون سنة. ثمّ ملك أسعد أبو كرب مائة وعشرون سنة. ثمّ ملك حسّان بن تبّع الأكبر سبعون سنة مع الأحلاف. ثمّ ملك عمرو بن أسعد ثلاث وستّون سنة. ثمّ عبد كلال بن مثوب أربع وسبعون سنة. <ثمّ

ص: 354

ملك> تبّع بن حسّان ثمان وتسعون سنة. ثمّ ملك مرثد بن عبد كلال إحدى وأربعون سنة. ثمّ ملك وليعة بن مرثد سبع وثلاثون سنة. ثمّ ملك أبرهة بن الصّبّاح خمس وعشرون سنة. ثمّ ملك حسّان بن عمرو سبع وخمسون سنة على قول. ثمّ ملك ذو شناتر سبع وعشرون سنة. ثمّ ملك ذو نواس عشرون سنة. ثمّ ملك ذو جدن ثمان وستّون سنة. ثمّ ملك أبرهة الحبشيّ عشرون سنة. ثمّ ملك يكسوم بن أبرهة سبع عشرة سنة. ثمّ ملك مسروق بن أبرهة اثنتا عشرة سنة.

قال عبد الملك بن هشام صاحب كتاب: التّيجان، المعتني بذكر التّبابعة من ملوك حمير (234): إنّ يعرب بن قحطان أوّل من نطق بالعربيّة. وكان سار إلى اليمن فاستوطنها. واليمانيّون كلّهم من ولده. وهو أوّل من حيّاه ولده بتحيّة الملوك. فقال له: أنعم صباحا وأبيت اللّعن.

وولد ليعرب يشجب، وولد ليشجب سبأ، واسمه عبد شمس. وإنّما سمّي سبأ لأنّه سبا بقومه في مخاليف اليمن وشؤونها، وتتبّع بقايا عاد، فلم يدع

ص: 355

منهم أحد إلاّ سباه. هكذا قال عبد الملك بن هشام، ووافقه على ذلك ابن دأب.

وقال ابن دأب: وقد كانت العرب العاربة عدّة قبائل، منها: عاد وثمود وعمليق وطسم وجديس ووبار وأميم وقحطان وحاتم. وكانت هذه القبائل كلّها تؤرّخ لآدم حتّى بادوا جميعا. وقد كان آخرهم في زمن ازدوان وأردشير والدي ملوك ساسان.

وقيل: إن كان ملك اليمن في زمن منوشجهر، شمر بن الأملوك، ثمّ جرى ابنه على منواله في طاعة ملوك فارس، وهو باني مدينة صنعاء باليمن. وفي زمن كيقباذ عقدت بنو قحطان ملك اليمن لعبد شمس بن يشجب بن يعرب بن قحطان. وملك بعده ولده حمير فبقي ملكا حتّى مات هرما. ويقال: إنّه ملك مائة وخمسون سنة، وتوارث ولده الملك بعده، ولم يعد ملكهم اليمن حتّى مضت قرون. وصار الملك إلى الحارث الرّايش، وهو تبّع الأوّل.

وممّن ملك اليمن قبل الرّايش ملكان: ملك بحضرموت وملك بسبأ.

ولم يجتمع اليمانيّون عليهم حتّى ملك الرّايش، فاجتمعوا عليه، وهو

ص: 356

الحارث بن قيس بن صيفي بن سبأ الأصغر الحميريّ. وسمّي رايشا لأنّه أوّل من غزا وأصاب الغنائم وأدخلها اليمن، فارتاشت حمير من أيّامه.

وذكر أنّ بين هذا الرّايش وبين حمير خمسة عشر أبا. وفي زمنه مات لقمان بن عاد، المعمّر، صاحب لبد والنّسور. وكان أقصى أثر ملك الرّايش في أوّل غزواته الهند ثمّ غزا التّرك بعد ذلك بأذربيجان، فقتل وسبا.

وملك بعده أبرهة، ذو المنار، سمّي بذلك (235) لأنّه نصب المنار على طرقه في غزواته، ليهتدي بها في رجوعه.

ثمّ ملك شمر إفريقيس بن أبرهة فغزا أرض المغرب لقصد البربر، وهو باني إفريقية، وهي مشتقّة من لقبه. وبلغ في مغازه ذلك أقصى البلاد ونهاية العمارة.

وملك بعده أخوه العبد ذو الأذعار بن أبرهة. وكان غزا في حياة أخيه بلاد النّسانس.

ثمّ ملك تبّع بن شراحيل. ثمّ ملكت بلقيس، ثمّ انتقلت إلى فلسطين بعد تلك المدّة التي قدّمنا ذكرها.

وذكر حمزة أنّ بلقيس هي بانية سدّ العرم، والصحيح ما قاله عبد الملك بن هشام إنّ ذلك إنّما بناه لقمان بن عاد، ولكنّ بلقيس رمّمت فيه أماكن قد كان الدّهر غيّرها. ثمّ بقي ذلك السدّ حتّى هدمه سيل العرم،

ص: 357

وذلك قبل الإسلام بنحو أربع مائة سنة؛ هكذا قال حمزة الإصفهانيّ في عدّة أماكن من كتابه. وأنّ ملوك آل جفنة ممّن تمزّقوا خوفا من سيل العرم، حسبما سقناه من ذكرهم.

وذكر أنّ مدّتهم ستّمائة سنة وأربع وعشرون سنة، وهم آل نصر، ملوك آل جفنة، ملوك عرب العراق المقدّم ذكرهم.

وأمّا ناشر ينعم، عمّ بلقيس، فإنّه سمّي بذلك لانتشار نعمه على الناس، وردّ الملك على ما كان عليه بعد زواله.

وأمّا شمر يرعش بن شمر إفريقيس، إنّما سمّي بذلك لارتعاش كان بيده. وأصحاب أخبار اليمن تفرط في ذكره ومدح آثاره، وتزعم أنّه هو المسمّى في القرآن العظيم بذي القرنين، وأنّ هذا اللّقب له خاصّة دون الإسكندر الرّوميّ. لكن الإسكندر لمّا انتبه بعد معازاه شمر يرعش غلط رواة الأخبار في صدر الإسلام، فحلّوه بهذا اللّقب، واستدلّوا أن لفظة:

ذو، عربيّة، لا روميّة، وهي مبدأ ألقاب ملوك حمير، لا غيرهم، مثل: ذو نواس، وذو كلاع، وذو يزن، وذو منار، وذو ثعلبان، وذو حبّان. وإنّما سمّوا ذا القرنين لذؤابتين كانا ينوسان على ظهره.

وقيل: إنّ شمر يرعش هذا، بلغ في بعض غزواته المشرق، فدوّخ بلاد خراسان (236) وهدم سور مدينة الصّغد، فقيل للمدينة بعده:

شمركند، أي شمر خرّب، بلغتهم، ثمّ عرّبت فقيل: سمرقند. ووجد في صعد لشمر هذا كتابة بالحميريّة، يقول: بسم الإله، هذا ما بناه شمر يرعش

ص: 358

لسيّده الشّمس. وقال بعض المؤرّخين: إنّ شمر هذا كان في زمن كشتاسب. وقيل: بل كان متقدّما عليه، والله أعلم.

وأمّا ذو جيشان بن الأقرن، فهو الذي أوقع بطسم وجديس باليمامة، قبل ملك الإسكندر، وقد كان بعمان واليمامة والبحرين فئام كثير من طسم وجديس وغيرهم، وكانوا سبع قبائل، منهم كانت مثل ربيعة ومضر، وقد تقدّمت أسماؤهم، فانقرضوا كلّهم، إلاّ بقايا من طسم وجديس، غبروا إلى زمان ذي جيشان، فأبادهم.

وأمّا أسعد أبو كرب فكان شديد الوطأة، كثير الغزو، فملّته حمير، وثقل عليهم لما كان يأخذهم به من كثرة الإنتزاح عن أهاليهم في غزواته.

فسألوا ولده حسّان بن تبّع أن يملكهم ويساعدهم على قتله. فقتلوه ثمّ ندموا. واختلفوا فيمن يملّكوه عليهم. ثمّ اضطرّوا حتّى ملّكوا عليهم ابنه حسّان، فملّكوه.

قال المؤرّخون من اليمانيّين: إنّ هذا هو المعنى في القرآن الكريم بتبّع، وأنّه لم يذمّ، وإنّما ذمّ قومه.

قلت: وكما كان في الفرس ملوك يقال لهم: ملوك الطوائف، أوّلهم الإسكندر، فكذلك كان في اليمن ملوك الطوائف أوّلهم الإسكندر، يقال لهم: الأقيال. وكما خرج أردشير بن بابك على ملوك الطوائف بالفرس، كذلك خرج أسعد أبو كرب هذا على ملوك الطوائف باليمن.

ص: 359

وإنّ الإسكندر فعل في اليمن بتفريق الممالك على عدّة ملوك كما فعل في بلاد فارس. ولمّا ملك أسعد لم يزل يتتبّع قتلة أبيه حتّى قتلهم، فكرهوه لكثرة سفكه الدماء. فأتوا إلى أخيه عمرو بن تبّع، فبايعوه على قتله وتمليكه بعده، ما خلا رجلا من أشرافهم يقال له: ذو رعين، فإنّه نهاه عن قتل أخيه وحذّره سوء العاقبة لقطعه رحمه، فلم يقبل منه، وقتل أخاه. فلمّا تملّك اضطربت عليه يده مع سائر بدنه (237) وتواترت أسقامه وعلله، فكان أبدا على فراشه. فإذا رام البروز ركب النّعش، وحمل على أكتاف الرجال، فسمّي موثبان، وذا الأعواد؛ وقيل: ذي الأعوان، وإنّما قلب الشاعر النون دال لضرورة الشعر، وهو قول الأسود ابن يعفر في ذلك (من الكامل):

ولقد علمت لو أنّ علمي نافعي

أنّ السّبيل سبيل ذي الأعواد

وذكر بعض الإخباريّين أنّ ملك ذي الأعواد كان في زمن شابور بن أردشير.

وأمّا عبد كلال فإنّه كان على دين المسيح.

وأمّا تبّع بن حسّان، فهو تبّع الأصغر، لأنّه آخر التّبابعة، وهو الذي ملك الحارث بن عمرو وآكل المرار على معدّ. وهو صاحب مكّة والمدينة. وقيل: إنّه أوّل من كسا البيت. ولمّا انصرف إلى اليمن، تبع الحبرين من اليهود، ودعى الناس إلى ذلك، ومن هناك كانت اليهود باليمن. وهو الذي عقد الحلف بين اليمن وربيعة.

وأمّا مرثد بن عبد كلال، فهو أخو تبّع، وبعده تفرّق ملك حمير.

ص: 360

وأمّا أبرهة بن الصّبّاح، فكان عالما جوادا. وكان يكرم المعدّيّين لعلمه أنّ الملك يصير إلى معدّ ويستقرّ في قريش. وقيل: إنّه كان في زمن شابور ذي الأكتاف.

وكان الملك بعده إلى الصّبّاح بن أبرهة بن الصّبّاح، في زمن يزدجرد بن بهرام جور، وإنّهما ملكا في عصر واحد خمس عشر سنة.

وأمّا ذو شناتر، فلم يكن من أهل بيت الملك، وكان فظّا، غليظ القلب، قتّالا، لا يسمع <أنّه> قد نشأ من أولاد الأقيال ولدا جميلا إلاّ احضره ونكحه. وكانت السّنّة فيهم أنّه: لا يملك من نكح. فكان قصده أن لا يتطاول إلى الملك أحدا من غير أهل بيته. وقيل: إنّه وجّه إلى غلام منهم يقال له: ذو نواس، لذؤابتين كانا ينوسان على كتفه. فدخل عليه، وفي ما بين ثيابه سكّين مخبّأة. فلمّا دنا منه للفاحشة، شقّ بطنه واحتزّ رأسه، فكان سببا لأن ملّكوه عليهم، حيث أراح الناس من شرّه.

ثمّ (238) ملك بعدهم أربعة نفر من الحبشة، ثمّ ثمانية نفر من الفرس، ثمّ انتقل الحكم إلى قريش. وليس يكاد يكون أسقم ولا أنحل من تاريخ ملوك حمير.

قال حمزة: وكانت مدّة ملك الحبشة اثنتين وسبعين سنة. ملك أرباط من ذلك عشرين سنة، وملك أبرهة، ويقال له: الأشرم، ثلاثا وعشرين سنة، وهو سائق الفيل الذي صار كيده في تضليل، وقصد هدم الكعبة

ص: 361

المعظّمة. وفي ملكه كان مولد سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، بعد قدوم الفيل مكّة ببضع وخمسين ليلة. وملك يكسوم وله سبع عشرة سنة. وملك مسروق أخوه، ابن أبرهة، اثني عشرة سنة. وفي زمن مسروق ساءت سيرة الحبشة، وتفاقم الأمر في ذلك. فخرج سيف بن ذي يزن مستغيثا بكسرى، ملك الفرس. فكان من أمره ما هو مشهورا بين الناس، في إنفاذه معه جيش من الفرس، فقهر بهم الحبشة. وملك سيف بن ذي يزن اليمن نيابة عن ملك فارس. وقد قيل في مقدار غلبة الحبشة على مدن اليمن غير ما تقدّم.

قلت: إنّ صحّ الحديث عن ابن عبّاس، رضي الله عنه، في وفود عبد المطّلب على سيف بن ذي يزن مهنّئا له بملك اليمن، وأنّه لمّا عرّفه بنفسه أكرمه دون رفقته، وبشّره بظهور رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنّ المدّة بين مولد سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبين وفاة جدّه عبد المطّلب لم تزد على ثمان سنين. ولا شكّ في مولد سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنّه كان عام الفيل، بإجماع الرّواة. فكيف اتّسع ذلك الزمان لملك يكسوم ومسروق، ونفد أمرهما تسع وعشرون سنة؟. . . من ذلك أن حمزة عدّ لملك ذي نواس عشرين سنة ولذي جدن ثمانيا وأربعين سنة، مع أنّ ذا نواس انهزم بين يدي الحبشة. .

وقال حمزة: كان قدوم وهرز اليمن بعد حرب الفجار بعشرين سنة،

ص: 362

وقبل بنيان الكعبة بخمس سنين، والرسول صلى الله عليه وسلم، إذ ذاك ثلاثون سنة. وأقام سيف بن ذي يزن (239) ملكا على اليمن من قبل كسرى أنوشروان ومعه وهرز الفارسيّ. وكان قد اتّخذ من بقايا الحبشة خدما، فخلوا به يوما في متصيّد له فزرقوه بحرابهم فقتلوهم، وهربوا في رؤوس الجبال.

وانقضى ملك حمير، وصارت اليمن بأيدي عمّال ملوك الفرس، وهم: وهرز، ثمّ ملك بعده وليسجان ثمّ ملك بعده حرزادشهر. ثم ملك ابن وليسجان. ثمّ ملك مروزان. ثمّ ملك ابنه خرخسره. ثمّ ملك باذان بن ساسان. ثمّ ملك دادويه، وكانت أمّه أخت باذان. وباذان هو الذي كاتب أبرويز كسرى في أمر سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، على ما تقدّم فيه الكلام.

ثمّ كان تملّك من الفرس جماعة على مواضع متفرّقة من أرض اليمن وهم ثمانية نفر مرازبة،. . . سخت تملّك على أرض كندة وحضرموت.

ثمّ تملّك على ما كان بيد سخت، وطال مكثه بالريف وبنى عدّة أبنية، ومن ذاك القصر المقول فيه (من الكامل):

أهل الخورنق والسّدير وبارق

والقصر ذي الشّرفات من سبداد

ص: 363