الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأمّا جفنة بن المنذر بن الحارث، فهو الذي يسمّى محرّقا، وبه سمّيت آل محرّق، وكان أحرق الحيرة.
وأمّا الحارث بن جبلة، فهو ابن أبي شمر، وهو الخامس بعد العشرين من ملوكهم، وهو الذي أوقع ببني كنانة.
وأمّا النّعمان بن الحارث، ولقبه قطام، وهو باني ما أشرف على الغور الأقصى، وبكاه النّابغة الذّبيانيّ، فقال (من الطويل):
بكى الحارث الجولان من بعد ربّه
…
وحوران منه خاشع متضائل
وأمّا الأيهم بن جبلة بن الحارث، فهو صاحب تدمر وقصر أريكة.
وأما جبلة بن الأيهم، فهو آخرهم، وهو الذي أسلم في أيّام عمر بن الخطّاب، رضي الله عنه، ثمّ عاد فلحق بالروم وتنصّر؛ وحديثه مشهور، والله أعلم.
(233) ذكر التّبابعة من حمير ملوك اليمن
هؤلاء ملوك حمير ملوك اليمن المعروفون بالتّبابعة. فأوّلهم حمير بن كهلان، ملك مائة وخمسون سنة. ثمّ ملك الحارث بن قيس مائة وخمس
وعشرون سنة. ثمّ ملك أبرهة بن الحارث مائة وثلاثة وثمانون سنة. ثمّ ملك إفريقيس بن أبرهة مائة وأربع وستّون سنة. ثمّ ملك العبد ذو الأذعار مائة وخمس وعشرون سنة. ثمّ ملك هدّاد بن شراحيل خمس وسبعون سنة. ثمّ ملك بلقيس بنت هدّاد، ملكت عشرون سنة. ثمّ ملك ناشر ينعم بن شراحيل خمس وثمانون سنة. ثمّ ملك شمر يرعش سبع وثلاثون سنة.
ثمّ ملك أبو مالك الحميريّ خمس وخمسون سنة. ثمّ ملك الأقرن بن أبي مالك ثلاث وعشرون سنة. ثمّ ملك ذو جيشان سبعون سنة على قول. ثمّ ملك تبّع بن الأقرن مائة وثلاث وستّون سنة محرّرا. ثمّ ملك كلى كرب خمس وثلاثون سنة. ثمّ ملك أسعد أبو كرب مائة وعشرون سنة. ثمّ ملك حسّان بن تبّع الأكبر سبعون سنة مع الأحلاف. ثمّ ملك عمرو بن أسعد ثلاث وستّون سنة. ثمّ عبد كلال بن مثوب أربع وسبعون سنة. <ثمّ
ملك> تبّع بن حسّان ثمان وتسعون سنة. ثمّ ملك مرثد بن عبد كلال إحدى وأربعون سنة. ثمّ ملك وليعة بن مرثد سبع وثلاثون سنة. ثمّ ملك أبرهة بن الصّبّاح خمس وعشرون سنة. ثمّ ملك حسّان بن عمرو سبع وخمسون سنة على قول. ثمّ ملك ذو شناتر سبع وعشرون سنة. ثمّ ملك ذو نواس عشرون سنة. ثمّ ملك ذو جدن ثمان وستّون سنة. ثمّ ملك أبرهة الحبشيّ عشرون سنة. ثمّ ملك يكسوم بن أبرهة سبع عشرة سنة. ثمّ ملك مسروق بن أبرهة اثنتا عشرة سنة.
قال عبد الملك بن هشام صاحب كتاب: التّيجان، المعتني بذكر التّبابعة من ملوك حمير (234): إنّ يعرب بن قحطان أوّل من نطق بالعربيّة. وكان سار إلى اليمن فاستوطنها. واليمانيّون كلّهم من ولده. وهو أوّل من حيّاه ولده بتحيّة الملوك. فقال له: أنعم صباحا وأبيت اللّعن.
وولد ليعرب يشجب، وولد ليشجب سبأ، واسمه عبد شمس. وإنّما سمّي سبأ لأنّه سبا بقومه في مخاليف اليمن وشؤونها، وتتبّع بقايا عاد، فلم يدع
منهم أحد إلاّ سباه. هكذا قال عبد الملك بن هشام، ووافقه على ذلك ابن دأب.
وقال ابن دأب: وقد كانت العرب العاربة عدّة قبائل، منها: عاد وثمود وعمليق وطسم وجديس ووبار وأميم وقحطان وحاتم. وكانت هذه القبائل كلّها تؤرّخ لآدم حتّى بادوا جميعا. وقد كان آخرهم في زمن ازدوان وأردشير والدي ملوك ساسان.
وقيل: إن كان ملك اليمن في زمن منوشجهر، شمر بن الأملوك، ثمّ جرى ابنه على منواله في طاعة ملوك فارس، وهو باني مدينة صنعاء باليمن. وفي زمن كيقباذ عقدت بنو قحطان ملك اليمن لعبد شمس بن يشجب بن يعرب بن قحطان. وملك بعده ولده حمير فبقي ملكا حتّى مات هرما. ويقال: إنّه ملك مائة وخمسون سنة، وتوارث ولده الملك بعده، ولم يعد ملكهم اليمن حتّى مضت قرون. وصار الملك إلى الحارث الرّايش، وهو تبّع الأوّل.
وممّن ملك اليمن قبل الرّايش ملكان: ملك بحضرموت وملك بسبأ.
ولم يجتمع اليمانيّون عليهم حتّى ملك الرّايش، فاجتمعوا عليه، وهو
الحارث بن قيس بن صيفي بن سبأ الأصغر الحميريّ. وسمّي رايشا لأنّه أوّل من غزا وأصاب الغنائم وأدخلها اليمن، فارتاشت حمير من أيّامه.
وذكر أنّ بين هذا الرّايش وبين حمير خمسة عشر أبا. وفي زمنه مات لقمان بن عاد، المعمّر، صاحب لبد والنّسور. وكان أقصى أثر ملك الرّايش في أوّل غزواته الهند ثمّ غزا التّرك بعد ذلك بأذربيجان، فقتل وسبا.
وملك بعده أبرهة، ذو المنار، سمّي بذلك (235) لأنّه نصب المنار على طرقه في غزواته، ليهتدي بها في رجوعه.
ثمّ ملك شمر إفريقيس بن أبرهة فغزا أرض المغرب لقصد البربر، وهو باني إفريقية، وهي مشتقّة من لقبه. وبلغ في مغازه ذلك أقصى البلاد ونهاية العمارة.
وملك بعده أخوه العبد ذو الأذعار بن أبرهة. وكان غزا في حياة أخيه بلاد النّسانس.
ثمّ ملك تبّع بن شراحيل. ثمّ ملكت بلقيس، ثمّ انتقلت إلى فلسطين بعد تلك المدّة التي قدّمنا ذكرها.
وذكر حمزة أنّ بلقيس هي بانية سدّ العرم، والصحيح ما قاله عبد الملك بن هشام إنّ ذلك إنّما بناه لقمان بن عاد، ولكنّ بلقيس رمّمت فيه أماكن قد كان الدّهر غيّرها. ثمّ بقي ذلك السدّ حتّى هدمه سيل العرم،
وذلك قبل الإسلام بنحو أربع مائة سنة؛ هكذا قال حمزة الإصفهانيّ في عدّة أماكن من كتابه. وأنّ ملوك آل جفنة ممّن تمزّقوا خوفا من سيل العرم، حسبما سقناه من ذكرهم.
وذكر أنّ مدّتهم ستّمائة سنة وأربع وعشرون سنة، وهم آل نصر، ملوك آل جفنة، ملوك عرب العراق المقدّم ذكرهم.
وأمّا ناشر ينعم، عمّ بلقيس، فإنّه سمّي بذلك لانتشار نعمه على الناس، وردّ الملك على ما كان عليه بعد زواله.
وأمّا شمر يرعش بن شمر إفريقيس، إنّما سمّي بذلك لارتعاش كان بيده. وأصحاب أخبار اليمن تفرط في ذكره ومدح آثاره، وتزعم أنّه هو المسمّى في القرآن العظيم بذي القرنين، وأنّ هذا اللّقب له خاصّة دون الإسكندر الرّوميّ. لكن الإسكندر لمّا انتبه بعد معازاه شمر يرعش غلط رواة الأخبار في صدر الإسلام، فحلّوه بهذا اللّقب، واستدلّوا أن لفظة:
ذو، عربيّة، لا روميّة، وهي مبدأ ألقاب ملوك حمير، لا غيرهم، مثل: ذو نواس، وذو كلاع، وذو يزن، وذو منار، وذو ثعلبان، وذو حبّان. وإنّما سمّوا ذا القرنين لذؤابتين كانا ينوسان على ظهره.
وقيل: إنّ شمر يرعش هذا، بلغ في بعض غزواته المشرق، فدوّخ بلاد خراسان (236) وهدم سور مدينة الصّغد، فقيل للمدينة بعده:
شمركند، أي شمر خرّب، بلغتهم، ثمّ عرّبت فقيل: سمرقند. ووجد في صعد لشمر هذا كتابة بالحميريّة، يقول: بسم الإله، هذا ما بناه شمر يرعش
لسيّده الشّمس. وقال بعض المؤرّخين: إنّ شمر هذا كان في زمن كشتاسب. وقيل: بل كان متقدّما عليه، والله أعلم.
وأمّا ذو جيشان بن الأقرن، فهو الذي أوقع بطسم وجديس باليمامة، قبل ملك الإسكندر، وقد كان بعمان واليمامة والبحرين فئام كثير من طسم وجديس وغيرهم، وكانوا سبع قبائل، منهم كانت مثل ربيعة ومضر، وقد تقدّمت أسماؤهم، فانقرضوا كلّهم، إلاّ بقايا من طسم وجديس، غبروا إلى زمان ذي جيشان، فأبادهم.
وأمّا أسعد أبو كرب فكان شديد الوطأة، كثير الغزو، فملّته حمير، وثقل عليهم لما كان يأخذهم به من كثرة الإنتزاح عن أهاليهم في غزواته.
فسألوا ولده حسّان بن تبّع أن يملكهم ويساعدهم على قتله. فقتلوه ثمّ ندموا. واختلفوا فيمن يملّكوه عليهم. ثمّ اضطرّوا حتّى ملّكوا عليهم ابنه حسّان، فملّكوه.
قال المؤرّخون من اليمانيّين: إنّ هذا هو المعنى في القرآن الكريم بتبّع، وأنّه لم يذمّ، وإنّما ذمّ قومه.
قلت: وكما كان في الفرس ملوك يقال لهم: ملوك الطوائف، أوّلهم الإسكندر، فكذلك كان في اليمن ملوك الطوائف أوّلهم الإسكندر، يقال لهم: الأقيال. وكما خرج أردشير بن بابك على ملوك الطوائف بالفرس، كذلك خرج أسعد أبو كرب هذا على ملوك الطوائف باليمن.
وإنّ الإسكندر فعل في اليمن بتفريق الممالك على عدّة ملوك كما فعل في بلاد فارس. ولمّا ملك أسعد لم يزل يتتبّع قتلة أبيه حتّى قتلهم، فكرهوه لكثرة سفكه الدماء. فأتوا إلى أخيه عمرو بن تبّع، فبايعوه على قتله وتمليكه بعده، ما خلا رجلا من أشرافهم يقال له: ذو رعين، فإنّه نهاه عن قتل أخيه وحذّره سوء العاقبة لقطعه رحمه، فلم يقبل منه، وقتل أخاه. فلمّا تملّك اضطربت عليه يده مع سائر بدنه (237) وتواترت أسقامه وعلله، فكان أبدا على فراشه. فإذا رام البروز ركب النّعش، وحمل على أكتاف الرجال، فسمّي موثبان، وذا الأعواد؛ وقيل: ذي الأعوان، وإنّما قلب الشاعر النون دال لضرورة الشعر، وهو قول الأسود ابن يعفر في ذلك (من الكامل):
ولقد علمت لو أنّ علمي نافعي
…
أنّ السّبيل سبيل ذي الأعواد
وذكر بعض الإخباريّين أنّ ملك ذي الأعواد كان في زمن شابور بن أردشير.
وأمّا عبد كلال فإنّه كان على دين المسيح.
وأمّا تبّع بن حسّان، فهو تبّع الأصغر، لأنّه آخر التّبابعة، وهو الذي ملك الحارث بن عمرو وآكل المرار على معدّ. وهو صاحب مكّة والمدينة. وقيل: إنّه أوّل من كسا البيت. ولمّا انصرف إلى اليمن، تبع الحبرين من اليهود، ودعى الناس إلى ذلك، ومن هناك كانت اليهود باليمن. وهو الذي عقد الحلف بين اليمن وربيعة.
وأمّا مرثد بن عبد كلال، فهو أخو تبّع، وبعده تفرّق ملك حمير.
وأمّا أبرهة بن الصّبّاح، فكان عالما جوادا. وكان يكرم المعدّيّين لعلمه أنّ الملك يصير إلى معدّ ويستقرّ في قريش. وقيل: إنّه كان في زمن شابور ذي الأكتاف.
وكان الملك بعده إلى الصّبّاح بن أبرهة بن الصّبّاح، في زمن يزدجرد بن بهرام جور، وإنّهما ملكا في عصر واحد خمس عشر سنة.
وأمّا ذو شناتر، فلم يكن من أهل بيت الملك، وكان فظّا، غليظ القلب، قتّالا، لا يسمع <أنّه> قد نشأ من أولاد الأقيال ولدا جميلا إلاّ احضره ونكحه. وكانت السّنّة فيهم أنّه: لا يملك من نكح. فكان قصده أن لا يتطاول إلى الملك أحدا من غير أهل بيته. وقيل: إنّه وجّه إلى غلام منهم يقال له: ذو نواس، لذؤابتين كانا ينوسان على كتفه. فدخل عليه، وفي ما بين ثيابه سكّين مخبّأة. فلمّا دنا منه للفاحشة، شقّ بطنه واحتزّ رأسه، فكان سببا لأن ملّكوه عليهم، حيث أراح الناس من شرّه.
ثمّ (238) ملك بعدهم أربعة نفر من الحبشة، ثمّ ثمانية نفر من الفرس، ثمّ انتقل الحكم إلى قريش. وليس يكاد يكون أسقم ولا أنحل من تاريخ ملوك حمير.
قال حمزة: وكانت مدّة ملك الحبشة اثنتين وسبعين سنة. ملك أرباط من ذلك عشرين سنة، وملك أبرهة، ويقال له: الأشرم، ثلاثا وعشرين سنة، وهو سائق الفيل الذي صار كيده في تضليل، وقصد هدم الكعبة
المعظّمة. وفي ملكه كان مولد سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، بعد قدوم الفيل مكّة ببضع وخمسين ليلة. وملك يكسوم وله سبع عشرة سنة. وملك مسروق أخوه، ابن أبرهة، اثني عشرة سنة. وفي زمن مسروق ساءت سيرة الحبشة، وتفاقم الأمر في ذلك. فخرج سيف بن ذي يزن مستغيثا بكسرى، ملك الفرس. فكان من أمره ما هو مشهورا بين الناس، في إنفاذه معه جيش من الفرس، فقهر بهم الحبشة. وملك سيف بن ذي يزن اليمن نيابة عن ملك فارس. وقد قيل في مقدار غلبة الحبشة على مدن اليمن غير ما تقدّم.
قلت: إنّ صحّ الحديث عن ابن عبّاس، رضي الله عنه، في وفود عبد المطّلب على سيف بن ذي يزن مهنّئا له بملك اليمن، وأنّه لمّا عرّفه بنفسه أكرمه دون رفقته، وبشّره بظهور رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنّ المدّة بين مولد سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبين وفاة جدّه عبد المطّلب لم تزد على ثمان سنين. ولا شكّ في مولد سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنّه كان عام الفيل، بإجماع الرّواة. فكيف اتّسع ذلك الزمان لملك يكسوم ومسروق، ونفد أمرهما تسع وعشرون سنة؟. . . من ذلك أن حمزة عدّ لملك ذي نواس عشرين سنة ولذي جدن ثمانيا وأربعين سنة، مع أنّ ذا نواس انهزم بين يدي الحبشة. .
وقال حمزة: كان قدوم وهرز اليمن بعد حرب الفجار بعشرين سنة،
وقبل بنيان الكعبة بخمس سنين، والرسول صلى الله عليه وسلم، إذ ذاك ثلاثون سنة. وأقام سيف بن ذي يزن (239) ملكا على اليمن من قبل كسرى أنوشروان ومعه وهرز الفارسيّ. وكان قد اتّخذ من بقايا الحبشة خدما، فخلوا به يوما في متصيّد له فزرقوه بحرابهم فقتلوهم، وهربوا في رؤوس الجبال.
وانقضى ملك حمير، وصارت اليمن بأيدي عمّال ملوك الفرس، وهم: وهرز، ثمّ ملك بعده وليسجان ثمّ ملك بعده حرزادشهر. ثم ملك ابن وليسجان. ثمّ ملك مروزان. ثمّ ملك ابنه خرخسره. ثمّ ملك باذان بن ساسان. ثمّ ملك دادويه، وكانت أمّه أخت باذان. وباذان هو الذي كاتب أبرويز كسرى في أمر سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، على ما تقدّم فيه الكلام.
ثمّ كان تملّك من الفرس جماعة على مواضع متفرّقة من أرض اليمن وهم ثمانية نفر مرازبة،. . . سخت تملّك على أرض كندة وحضرموت.
ثمّ تملّك على ما كان بيد سخت، وطال مكثه بالريف وبنى عدّة أبنية، ومن ذاك القصر المقول فيه (من الكامل):
أهل الخورنق والسّدير وبارق
…
والقصر ذي الشّرفات من سبداد