الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ما كان من أمر إبراهيم الخليل ما كان، واتّبعه وهاجر معه. وقيل: هو صاحب موسى بن عمران الذي لقيه عند مجمع البحرين؛ هذا حكم الشّرع المطهّر. وقال ابن إسحاق: إنّ الله تعالى بعث الخضر، عليه السلام، بعد شعيا. وكان من سبط هارون، عليه السلام. وقيل: إنّ الذي بعثه الله بعد شعيا أرميا، وهو الصحيح.
وعن عبد الله بن شوذب: الخضر من ولد فارس، وإلياس، عليه السلام، من بني إسرائيل، يلتقيان في كلّ عام بالموسم على عرفات.
وزعم أهل التوراة-وهم البعض منهم-أنّ موسى الذي لقي الخضر، عليه السلام، هو موسى بن منسّا بن يوسف. وكان نبيّا قبل موسى بن عمران.
والأوّل أصحّ، والله أعلم.
ذكر موسى وهارون، عليهما السلام
هو موسى، عليه السلام، بن عمران بن يصهر بن لاوي بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل، عليه السلام، وهارون أخوه لأبيه وأمّه، واسم أمّهما ياخية، وقيل: يوخايد. قال ابن إسحاق: اسمها نجيب.
وكان ملك مصر تتوارثه الفراعنة، وكان قابوس صاحب يوسف، الثاني من الريّان، قد مات، وقام مكانه أخوه الوليد بن مصعب وكان عاتيا
جبّارا كثير الإساءة لبني إسرائيل. وكانت الفراعنة قد استعبدوهم، فأخبره الكهنة: إنّه سيظهر مولود (156) يكون زوال ملكك على يده. فكان يقتل الذّكران سنة، ويستحييهم سنة. فولد هارون في السنة التي ستحيا فيها الغلمان.
ثمّ ولد موسى بعده بثلاث سنين، في السنة التي يذبح فيها الغلمان.
فجعلته أمّه في تابوت وقذفته في البحر بإلهام من الله، عز وجل. فصار إلى زوجة فرعون، وربّي في دار فرعون. فلمّا بلغ إحدى وأربعين سنة وقتل القبطيّ، خرج إلى مدين خائفا يترقّب. فأقام بمدين تسعة وثلاثين سنة، ثمّ سار بزوجته إلى مصر، وهي صفرا بنت شعيب، وقيل: اسمها صفور.
فلمّا أراد <أن> يقتبس من تلك النار التي ظهرت له، فكلّمه الله تعالى بطور سيناء، وأيّده بالمعجزات، وبعثه رسولا إلى فرعون مع أخيه هارون. فأقام بمصر أحد عشر شهرا، ثمّ خرج ببني إسرائيل، واتّبعه فرعون، وغرّقه الله تعالى في بحر القلزم. وصار موسى وهارون وبنو إسرائيل بالتّيه أربعين سنة، وخسف الله بقارون في التّيه. ومات هارون في التّيه وله مائة وسبع عشرة سنة، وقيل: مائة وثلاث وعشرون سنة. ومات موسى، عليه السلام، أيضا في التّيه وله مائة وعشرون سنة، بعد أن استخلف يوشع بن نون، عليه السلام.
قلت: هذا النّقل عن محمّد بن سلاّم القضاعيّ، عن أهل الأثر.
وأمّا ما وجدته في هذا الكتاب القبطيّ، فأنا أذكره أيضا، بعد ما تقدّم من الكلام فيه عند ذكر فرعون موسى وأصله، والاختلاف في فرعون،
وبدء موسى، عليه السلام، وأنّه ابن عمرون، حارس قصر الملك، ما يغني عن إعادته ها هنا.
فلمّا كان من أمر موسى ما كان، وتربّى في قصر، وكبر وشبّ، وردّ إليه فرعون كثيرا من أمره، وجعله من قوّاده، وكانت له سطوة. ثمّ وجّهه لغزو الكنعانيّين، وقد كانوا عاثوا في أطراف مصر. فخرج في جيش كثيف، ورزقه الله تعالى (157) الظّفر بهم، وأسر خلقا منهم، ورجع سالما مؤيّدا. فسرّ به فرعون وامرأته. ثمّ إنّه تسلّط على القبط حتّى وشوا به إلى فرعون، وغيّروه عليه. وكان من الذي وشا به إلى فرعون رجلا من القبط من أهل بيت الملك، فوقع عليه موسى حتّى قتله. وكان يقرب من فرعون، وكان يسمّى إدريس. فلمّا قتله اختفى في المدينة خوفا من فرعون لأن يقتله به. وإنّ فرعون طلبه أشدّ طلب، فلم يقدر عليه.
ثمّ إنّ موسى خرج ذات يوم مختفيا، فلقي بعض أعوان ذلك الذي قتله. فاستغاث على موسى، فأراد موسى قتله، فاستغاث عليه. فخرج موسى خابقا، وخرّج خلفه الخيل ليلحقوا به، فكان بين أيديهم وهم لا ينظرونه. ولم يزل موسى حتّى لحق بمدين، وتزوّج ابنة فيروز، وهو شعيب، عليه السلام. وأقام عنده يرعا له غنمه تسع وعشرون سنة.
ثمّ أخذ أهله وعاد إلى مصر، فكلّمه تعالى، وأرسله إلى فرعون، وبعث معه أخيه هاران. فترك امرأته، وقد ولدت، بحالها، ومضى لأمر ربّه. فأرسل الله إليها ملكا بما يصلحها من آلة الولادة، وختن ابنها، وكانت
الغنم تغدوا من عندها وتروح إليها بغير راع. وحمل الملك الغلام حتّى أراه موسى وهو سائر إلى مصر. فقبّله، وتفل في فيه، وبارك عليه، وردّه إلى أمّه. ومرّ بها رجل من آل فيروز، فردّها إلى مدين، إلى أبيها.
ووصل موسى إلى مصر، فلقي أخاه هاران، فلم يعرفه لطول غيبته، وكان يغسل على شاطيء النيل. فاستضافه، فأضافه وأطعمه جلبانا قد ثرد فيه ثريدا. فتعارفا وسرّ بعضهما ببعض، وعرّفه أنّ الله تعالى أرسله ونبّأه وأمره أن يكون معه أخيه هارون، وجعله له عضدا.
ثمّ إنّهما غدوا إلى فرعون، وأقاما أيّاما، وعلى كلّ واحد منهما جبّة صوف، ومعه عصاه التي أخذها من شعيب (158) وهي إحدا معجزاته.
فأقاما أيّاما لا يصلان إلى فرعون، لشدّة حجّابه، إلى أن دخل عليه مضحكا له، فعرّفه <حالهما وقال:> إنّ بالباب رجلان يطلبان الإذن منك، ويزعمان أنّ إلاههما أرسلهما إليك. فأمر بإدخالهما. وخاطبه موسى وأراه آياته في العصا وآيته في يده وبياضها، وهما آيتان من تسع. وكان من أمر خطابه لهما: أنتما ساحران تريدان أن تخرجا أهل مدينتي عن طاعتي. وهمّ
بقتله، فأحماه الله تعالى منه، وشغله عنه. ورأى ظلما كان في صورة قد، أتت فمسحت على أعينهم، فعموا. ثمّ أمر قوما آخرين بقتلهما. فرأى نارا أتت عليهم فأحرقتهم، فازداد غيضا وحنقا. فقال له: من أين لك هذه النواميس العظام؟ أسحرة بلدي علّموك؟ أو تعلّمته بعد خروجك من عندنا؟ قال له: هذا ناموس ربّ السماء وليس من نواميس الأرض. قال: ومن صاحبه؟ قال: صاحب البنيان الأعلا. قال: بل تعلّمتهم من بلدي.
وأمر بجمع السّحرة والكهنة وأصحاب النّواميس، وقال: ارفعوا إليّ أعمالكم، فإني أرى نواميس هذا الساحر رفيعة جدّا. فعرضوا عليه أعمالهم، فسرّه ذلك. وأحضره وقال: قد وقعت على سحرك، وعندي من يربي عليك بأعظم منه.
وأوعدهم يوم الزينة، وهو يوم عيده الأعظم. وكان يخرجوا أصنام الكواكب مزيّنة بأنواع الملابس والحليّ. واتّفق: من غلب منهما تبعه الآخر. وكان جماعة من أهل البلد قد تبعوا موسى، عليه السلام، فقتلهم ظلما. وإنّه جمع بينه وبين سحرة مصر جميعا، وكانوا مائتي ألف وأربعين ألف ساحر.
فعملوا من الأعمال ما حيّروا به العيون، وصنعوا من الدّخن عدّة ما يقبلون به النظر. فمن ذلك ما يروا الوجوه ملوّنة ومشوّهة في الطول
والعرض، ومنها المقلوب جبهته إلى أسفل ولحيته إلى فوق، ومنها ما له قرون وخرطوم كالأفيلة (159) ومن مثل ذلك وأنظاره، وأجسام هائلات تصل إلى السحاب، وحيّات عظام بأجنحة تطير في الهواء وترجع بعضها إلى بعض، وأسود ضاريات مفتّحة الأفواه تملأ الأرض بزئيرها، وحيّات تخرج من أفواهها النار تكاد تحرق العالم، وأكثروا من ذلك التّخايل. ثمّ صنعوا دخانا يغشى أبصار الناس، فلا ينظر بعضهم بعضا. فلمّا رأى فرعون ذلك سرّه هو وجماعة من حضره، واغتمّ موسى، عليه السلام، وجماعة ممّن كان آمن معه، وكتم ما به خوفا من فتنة الناس بما رأوا. وكان للسّحرة اثنان وسبعون رئيسا من كبارهم.
وعندما رأى موسى ذلك وضاق به ذرعا، أتاه ملك من إله السماء العليّ الآعلاء، وقال: لا تخف، إنّك أنت الغالب. وادفع عصاك إلى العلوّ لترى عجبا. فسرّ بذلك موسى وأمن بعد الخوف. وطمع في إيمان فرعون. فأسرّ إلى عظماء السحرة، وقال: وأنتم، ماذا تفعلون إن قهرتكم؟ قالوا: نؤمن بك. فرآه فرعون وقد أسرّ لهم، فغاظه <ذلك> وأراد أن يبدرهم بالقتل، ثمّ مهّل على نفسه ليرى ما يكون من موسى.
هذا، والناس يهزؤون من موسى وأخيه هارون، وعليهما درّاعتان من صوف، وقد احتزما. ووضع موسى عصاه وسمّا باسم الربّ القديم، ربّ
موسى وإبراهيم، ثمّ لوّح بالعصاة وحلّق بها في الجوء. فرفعها الملك حتّى غابت عن العيون، ثمّ أقبلت في صورة ثعبان عظيم له عينان كالترسين العظيمين يتوقّدان، ويخرج من فيه ومنخريه مثل الحراب وهو يرتعد غضبا لله تعالى، ولا يقع من زنده شيء على أحد إلاّ برصه لوقته، وبرصت من ذلك بنت فرعون. والثعبان فاغر فاه-والقوم ينظرون-حتّى قرّب منهم فابتلع جمع ما عمله السحرة ومائتي مركبا مملوّة عصيّا وحبالا، وجميع ما كان فيها-وكانت المراكب في النهر الذي يتصّل إلى دار فرعون- (160) وعمدا كثيرة وحجارة، إلى ما هناك من عمائر فرعون.
وأقبل الثعبان إلى قصر الملك، وكان فرعون في قبّة إلى جانب القصر يشرف على عمل السحرة. فوضع الثعبان نابه تحت القصر وأراد أن يبتلع قصر فرعون، بكلّ ما فيه. فصاح فرعون عند ذلك، واستغاث بموسى، وقام هاربا. فرأوه أهل مملكته وهو يعرج، ولم يكن رأوه قبلها.
فتبسّم موسى، وزجر الثعبان عنه. فعطف على الناس ليبتلعهم، فسقط بعضهم على بعض. فمسكه موسى، عليه السلام، فعاد في يده عصا كما كان أوّلا.
وقد كان موسى أيضا ارتاع منها فقال له الملك الموكّل بها: لا ترتاع يا موسى، وأمسكها تعود عصا، على ما كانت عليه أوّلا. ففعل. فلمّا رأوا السحرة ذلك هالهم، و <لمّا> لم يروا للمراكب أثرا، ولا تلك العمد ولا
الحجارة، قالوا: ما هذا من عمل الآدميّين، وإنّما نصنع نحن تخاييل لا تغيب عن العيان إذا انتهى فعلنا، وهذا من فعل جبّار عنيد قدير على الأشياء. فقال موسى: أوفوا بعهدكم وإلاّ سلّطها عليكم، فتبتلعكم كما ابتعلت ما رأيتم، وتصيروا إلى النار بعدها. فآمن به السحرة وجاهروا فرعون بالمعصية عليه. فقال <فرعون>: قد علمت أنّكم واطيتموه عليّ وعلى ملكي، حسدا لي. وأمر، فقطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف، وصلبوا. فكانوا يرون أماكنهم في الجنّة قبل أن يموتوا. وجاهرته امرأته أيضا، ففعل بها مثل ذلك.
وإنّ الروحانيّ قال له: إنّك ربّ الأرض وقد استخلفتك فيها، فأنت ربّ كلّ شيء يسكنها من الخلق. فتجبّر وادّعا الربوبيّة وفعل ما فعل.
فلمّا علت آيات موسى، عليه السلام، من الطوفان على زروعهم والجراد والقمل والضفادع والدم. وكانت الإسرائيليّة تسقي القبطيّة من فيها ماء فيعود دما في فم القبطيّة، وتعض على (161) الرغيف لتأكل منه، فتعض على ضفدع. وعاد القمل على أجسادهم وهم لا يكادون يقرّون من أكله لهم. وكلّما نزعوه زاد عليهم. وعادوا كلّما تحيّلوا في شيء يزرعونه يأكله الجراد. وهدم الماء بساتينهم ومنازلهم وتبيّن للناس أنّ فرعون عاجز عن إزالة ما نزل بهم، فضاق صدر فرعون لذلك، فرجع إلى مداراة موسى، عليه السلام، ووعده أن يستخلفه على ملكه. فأشار عليه هامان والكهّان أن: لا تفعل. وأمر الرعيّة أن يقتلوا موسى. فخرجوا إلى الموضع الذي هو
فيه، فأتت نار فأحرقتهم. ورأى فرعون أنّه أخذ برجليه ونكّص به على رأسه في حفيرة نار، وكان يستغيث ويقول: أنا مؤمن بموسى، فخلّوا عنه.
فقصّ على هامان وعرّفه ذلك، وقال: لم يبق بعد هذا شيء، أريد أن أومن بموسى. فقال له: هو الذي عمل لك الرؤيا ليهوّل عليك، فتريد أن تكون عبدا بعد إذ أنت ربّا، وتستخفّ بك الرعيّة، ويعود الحكم لموسى من دونك؟ قال: فتلطّف به ووعده أنّه يؤمن به. وكان يبعث إليه <سرّا> ويستنظره، فكلّما مرّ الأجل ولم يفعل، عظم البلاء عليهم.
فكان الناس قد خافوا موسى وهابوه، وكانوا يؤمنون به سرّا، فمن آمن به زال عنه الأذاء. فلمّا زاد الأمر على فرعون، أحضر موسى وقال له:
إن أجبتك، فما لي عندك؟ قال: أردّ شبابك وأضعّف عمرك وأومنك من جميع العلل والأعراض ومن زوال ملكك، وأعلي يدك على كلّ من ناوأك من الملوك، وأكثر نشاطك وأكلك وشربك. قال: إن فعلت فقد أنصفت، فأنظرني إلى الغد.
ثمّ شاور هامان فمنعه من ذلك. فقال له موسى: أطلق لي بني إسرائيل. فقال: إنّما تريد إخراجهم من بلدي لتكون عليهم ملكا، وأنا أنتفع بهم (161 أ) وبخدمتهم، وإنّما هذا حسد منك لي. قال: فانتقل من ادّعائك الربوبيّة. قال: إذا، أنقص من أعين الناس. قال: فإنّ إلهي سيهلكك أنت وقومك وتصير أرواحكم إلى النار. قال: فإنّي أستعمل ذلك سرّا ولا أستعمله علانيّة، وأقرّب لإلهك قربانا عظيما. قال: لا يقبله منك
وأنت على هذا الحال، دون تركك ادّعاك وإقرارك بها ظاهرا. فوعده بتخلية بني إسرائيل من العبوديّة والإحسان إليهم.
ثمّ أزال عن بني إسرائيل الخدمة وحضر عيد لهم. فأمر موسى أن يستعيروا الإسرائيلات حليّ القبطيّات ليتزيّنّ به في عيدهم. ففعل نساء الإسرائيلين ذلك. وأكلوا معهم وشربوا وألقى <الله تعالى> على القبطيّين السّبات. فأمرهم موسى بالتّعدية إلى المشرق ليكون عيدهم هناك.
ثمّ سار بهم من <أوّل> الليل، وكانوا ستّمائة ألف ونيّف وأربعون ألفا.
وأخرجوا تابوت يوسف من النيل، دلّتهم عليه عجوز مؤمنة، فحملوها معهم ومضوا إلى ناحية بحر القلزم ليخفي آثارهم.
فلمّا كان في آخر الليل عرف <فرعون> خروجهم لمّا سقط الأصنام والأعلام. وكان موسى قد عرّف فرعون أنّ ذلك علامة هلاكه ومن معه. ثمّ أمر الناس بالتّعدية، وركب خلفهم تابعا لآثارهم. فلم يبق أحدا من أولاد الملوك ولا من أبنائهم إ <لاّ> وركب. فيقال: إنّه ركب في ألف ألف ونيّف. فلم يمرّوا على شيء من الأعلام والأصنام إلاّ وسقط.
ولم يزالوا مجدّين حتّى لحقوهم على معبر البحر. فقال موسى لهارون:
قف بالبحر وكنّه بأبي العبّاس ومره أن يكفّ عنّا موجه. وضربه بعصاه فانكشف أرضه ولحقه موسى ومعه بنو إسرائيل. فمشوا في وسط الماء وهو عن أيمانهم وأيسارهم. وجعل لكلّ سبط طريقا، وجعل فيه طاقات ليرا بعضهم بعضا.
فأقبل جبريل، عليه السلام، على فرس بلقاء فدخل قّدام (161 ب) حصان فرعون. فطلبها الحصان وغلب على أمر فرعون. فعبر من خلفه، فلم يبق أحدا منهم في البرّ إلاّ وعبر لعبور فرعون. فلمّا توسّطوا البحر- وقد خرج موسى، عليه السلام، بجميع بني إسرائيل إلى الجانب الآخر- فأمر الله، سبحانه وتعالى، البحر أن يأخذ فرعون وقومه.
فلمّا عاين فرعون الغرق قال: آمنت أنّه لا إله إلاّ الذي آمنت به بنو إسرائيل. وكان قوله غير صحيح النيّة، فألحمه جبريل، عليه السلام، بكفّ من حصاة البحر ضرب بها وجهه، فغرق الجميع، ومرّ بأرواحهم إلى النار.
وطرحهم البحر بعد هلاكهم إلى ذلك الجانب الذي به موسى وبنو إسرائيل. وألقي جسد فرعون حتّى رآه موسى وقومه وعرفوه. وانتقم الله، عز وجل، منهم ونجّا عباده المؤمنين، والحمد لله ربّ العالمين.
قلت: وسيأتي ذكر من ملك مصر من بعد فرعون موسى عند ذكر فتوح مصر في الإسلام، بكلام يتلوا هذا الكلام، سياقه إلى حين ولاية عمرو بن العاص سنة عشرين الهجريّة، إن شاء الله تعالى، بحول الله وقوّته
ومنّه وكرمه ورحمته.
وأجمع أهل التاريخ أنّ يعقوب، عليه السلام، دخل مصر في سبعين نفرا من أهل بيته، وأنّ بنيه خرجوا من مصر في سبع مائة ألف مقاتل، وأنّ بين مولد الخليل، عليه السلام، وبين خروج بني إسرائيل من مصر:
خمس مائة سنة وخمسين سنة. وقيل: خمس مائة سنة وخمس عشرة سنة.
وقد زعم كثير من العبريّين أنّ من مولد إبراهيم، عليه السلام، إلى دخول بني إسرائيل مصر: مائتان وسبعون سنة، وذلك بعد وفاة إسحاق عليه السلام، بعشر سنين.
وذكروا أنّ حزقيل، هو الذي أصاب قومه الطاعون، فخرجوا من ديارهم حذر الموت. فقال الله: موتوا. فماتوا، ثمّ أحياهم.
ولمّا مات حزقيل كثرت الأحداث في بني إسرائيل، وتركوا عهد الله وعبدوا الأوثان. فبعث الله إليهم (162) ابن العبرانيّ، فلم يطيعوه. فدعا الله عليهم فأقحطوا ثلاث سنين. فسألوه الدعاء بسؤال ذلك، ويرجعون عن معاصيهم، ففعل، ولم يرجعوا.
وكان لإلياس تلميذ يقال له: أليسع بن أخطوب، وقد عرفه البعض بابن العجوز، ودعا له إلياس فنبّئ بعده. وأقاموا كذاك يتوبون وقتا فيصلح