الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أرضها مفاوز إلى آخر اجتماع الكواكب بقلب الأسد، فيكون خراب الكون بأسره إلى حين انحلال عقدة الفلك في اليوم الثاني منه.
فأمر أن يكتب جميع ذلك ويزبر في أعلا الأهرام؛ وهو بها إلى الآن، والله عز وجل أعلم.
وذكر أنّ روحانيّ أحد الأهرام في صورة امرأة عريانة، مكشوفة الفرج، حسناء، لها ذؤابتان، فإذا رآها الإنسان ضحكت في وجهه، فتطالبه نفسه بمضاجعتها، ويظنّ أنّها إنسيّة، فعندما يصل إليها تستهويه، فيتلف حاله في الوقت الحاضر، ويزول عقله ويهيم. وقد رأى جماعة من أهل مصر هذه المرأة تدور حول الهرم عدّة مرار.
وروحانيّ (84) الهرم الآخر غلام أجرد أصفر، له ذؤابتان، وقد رئي أيضا يطوف حوله.
ولكلّ هرم منهم روحانيّ بذاته. وكذلك البرابي لهم روحانيّين ممّا يطول الشرح في معناهم. وجميع ما ذكرته فليكن سماعه للتّعجب ولا للتّصديق. فإنّي لم أذكر ذلك أعتقادا منّي في صحّته، لكن ذكرت ما قالوه في كتبهم وما نقلوه عن عقولهم. وليس الاعتماد إلاّ بما جاء به الكتاب والسّنّة وقوله عز وجل {ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} .
ذكر ملوك من ولد سوريد واتّصال بعضهم ببعض إلى آخر وقت
وأقام سوريد ملكا مائة وسبع سنين، وأوصا بالملك لولده هرجيب.
وإنّ هرجيب سار سيرة أبيه في العدل والعمارة، وبنى الهرم الكبير الذي بدهشور، وحمل إليه كثيرا من المال، وكان هذا دهشور كاهنا في وقته، فأنزله بالقرب من الهرم، وبنا دهشور لنفسه الهرم الصغير الذي إلى جانبه، وأودعه علومه وعجائبه. وكان دهشور الكاهن صاحب علم الكيمياء وإكسيرها، فصنع من الإكسير أربعة عشر قرة مملوءة إكسيرا، وأودعها الهرم الصغير. وملك هرجيب بن سوريد تسعا وسبعين سنة.
وملك عليهم ابنه مناوس، وكان مناوس جبّارا سفّاكا للدماء، يغتصب نساء أهل مملكته. واستخرج في زمانه كنوز بابل. وبنا قصورا من الذهب والفضّة، وفجّر فيها الأنهار وجعل حصباؤها من أصناف الجوهر. وتجبّر وعتا، فبغضه أهل دولته. وأباح للخصّيصين به نساء العامّة من الناس وكان يفتضّ عذرة كلّ بكر قبل بعلها، فامتنع عليه بعض القوم في ذلك فأحرقهم بالنار، فخافوه الناس. وكانت مدّته يسيرة، ثمّ هلك ودفن مع أبيه وجدّه بجميع أمواله وذخائره بالهرم الثالث.
(85)
وملك على الناس ابنه أفروس. وكان أفروس عالما محنّكا بخلاف ما كان عليه أبيه، فعدل في الناس، وردّ نساءهم إليهم، وصنع في
وقته قبّة قدرها مائة ذراع سوداء في طول خمسون ذراعا سوداء. وركّب في جوانبها أطيارا تصفر بأنواع اللّغات المطربة. وعمل في وسط المدينة منارا من صفر، عليه صورة رأس إنسان من صفر، كلّما مضت ساعة من النهار صاح ذلك الرأس، وكذلك في ساعات الليل. وعمل منارا آخر، وجعل على رأسه قبّة من صفر مذهّب، ولطّخه بلطوخات محكمة، فعادت إلى غربت الشمس اشتعلت تلك القبّة نارا فتضيء على المدينة بأسرها، فلا يحتاجون معها إلى مصابيح، ولا تطفئها الرياح ولا الأمطار. وإذا كان النهار سكنت، لغلبة ضوء الشمس وشعاعها.
وهذا الملك كان تملّك في زمان الدرمشيل الذي في زمانه كان الطوفان. وأهدا إلى الدرمشيل هديّة من زبرجد طولها سبعة أشبار، فجعلها في هيكل الصنم الكبير الذي كان له.
وكان هذا الملك أفروس يطلب الولد، فينكح ستّمائة امرأة يبتغي الولد، فلم يولد له. وكانت في عصره قد عقمت أرحام النساء، لما أراد الله تعالى من هلاك العالم بالطوفان. وعقمت أرحام البهائم، ووقع الموت فيها. وكثرت الأسود حتّى عادت تحلل البيوت وتفترس الناس. فاحتالوا
بالطّلّسمات المانعة لذلك، فعجزوا عن دفعها لعظمة قدرة الله عز وجل.
وكذلك تسلّط عليهم الفار، فكان يأكل كلّما كانوا يزرعون من سائر أصناف الحبوب، حتّى قحطوا أشدّ قحط.
وذكر أنّ ساحرا من سحرتهم قد كان مناوس الملك اغتصب ابنة عمّه، وهي زوجته. وكانت أحسن أهل زمانها. فشرع ذلك الساحر، وكان يسمّى حيزاه، وكان يسكن البرّ الغربيّ (86) بشاطئ النيل، فكان يعمل الحيلة قليلا قليلا، في إفساد طلّسماتهم. لأنّ لكلّ طلّسم شيئا يفسده ويحلّ روحانيّته، وبهذه العلّة دخل البخت نصر الفارسيّ مصر، وكانت ممتنعة من جميع الملوك، فقوي عليها البخت نصر بإفساد طلّسماتهم، فكان من أمره ما كان.
وكان حيزاه الساحر قد أفسد طلّسمات التماسيح، فهاجت عليهم أيضا، حتّى منعتهم ورود الماء، وأشرفوا على الهلاك. ففطنوا له من بعض تلاميذه، فأنفذ الملك له جيشا يحضره. فلمّا نظر القوم مقبلين عليه، دخّن بدخن غشي أبصارهم، وارتفعت منه عجاجة من نار حالت بينهم وبينه، وكادوا يهلكون من شدّة حرّها، فهالهم أمره ورجعوا إلى الملك أفروس بالخيبة. فجمع الملك السّحرة أجمعين، وعرّفهم أمر حيزاه الساحر، فأقرّوا كلّهم له باليد الطولا في علمه، وأنّ لا طاقة لهم إلاّ المسالمة. فأمرهم الملك أن يتلطّفوا به، فتوجّهوا إليه ولاطفوه في حديث طويل هذا آخره.
ثمّ إنّ الملك أعطاه أمانا وردّ عليه زوجته التي كان استصفاها أبوه لنفسه.
فأبا مثولها، وقال: لا يحلّ لي في ديني مراجعة من وطئها الملك. فسألوه أن يرفع عنهم ما كان أفسده من أمرهم. فقال: أمّا السباع والتماسيح وما أشبه ذلك فقادر على إزالة مكروهه. وأمّا عقم الأرحام فليس من عملي، وإنّما ذلك من عمل ربّ السماء. وملكهم أفروس أربعا وستّين سنة. ولم يعقب، فملّكوا عليهم أرمانوس.
فملكهم أرمانوس وأحسن في سيره، وغزا أعدائهم، وقهر من ناوأهم. وقد كان أصيب بعلّة في جسده، فأوصى لابن عمّ له، يقال له:
فرعان بن ميسور.
ويقول القبطيّون القدم من أهل مصر: إنّ أوّل من سمّي فرعون (87) غلام كان للوليد بن دومغ العمليقيّ وكان يسمّى عونا. وقد كان هرب من مولاه الوليد لمّا رجع من جدّ النيل وطلبه، وبنى المدينة التي يقال لها:
مدينة العقاب، وتحصّن بها من مولاه الوليد بن دومغ، فقيل فرّ عون من مولاه. وسنذكر خبره في موضعه، إن شاء الله تعالى.
ونعود إلى قصّة أرمانيوس الملك وفرغان ابن عمّه. وذلك أنّه لمّا طال علّة أرمانوس ولا عاد ينفع النساء، وقعت عين زوجته على فرغان، وكان شابّا جميلا، فطلبته لنفسها ودقّقت الحيلة حتّى اجتمعت به في