المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر النابغة الذبياني ولمعا من أخباره وأشعاره - كنز الدرر وجامع الغرر - جـ ٢

[ابن الدواداري]

فهرس الكتاب

- ‌[مقدمة المصنف]

- ‌ذكر انقضاء مدّة العالم وابتدائهواختلاف العلماء في ذلك

- ‌ذكر ما لخّص من مقامة لابن الجوزيّ، رحمه اللهوهي الباينة مما يتعلّق بذكر آدم، عليه السلام

- ‌نستفتح الكلام بذكر آدم، عليه السلام

- ‌فصلفي إعلام الله تعالى الملائكة بخلقه

- ‌فصلفي الخليفة

- ‌فصلقوله تعالى: {أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها} الآية

- ‌فصلفي قوله تعالى: {إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ}

- ‌ذكر خلق آدم، عليه السلام

- ‌فصلفي تعليمه الأسماء كلّها

- ‌فصلفي سجود الملائكة، عليهم السلام

- ‌(28) فصلفي قوله تعالى: {إِلاّ إِبْلِيسَ أَبى وَاِسْتَكْبَرَ}

- ‌فصل ذكر خلق حوّاء، عليها السلام

- ‌فصل(31)في مقام آدم في الجنّة

- ‌فصل: ذكر الشجرة المنهيّ عنها

- ‌فصل في احتيال إبليس على دخول الجنّة

- ‌فصلقوله تعالى: {وَقُلْنَا اِهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} الآية

- ‌فصلفي ذكر المكان الذي أهبطوا إليه

- ‌فصلفيما تجدّد لآدم بعد هبوطه من الجوار

- ‌(42) فصلفيما نزل مع آدم من الجنّة

- ‌ذكر قابيل بن آدم وما كان من أمره بعد أن قتل أخاه هابيل

- ‌ذكر شيث بن آدم، صلوات الله عليهما،وعدد الكتب والصحف التي أنزلت عليه

- ‌ذكر أنوش بن شيث بن آدم، عليه السلام

- ‌ذكر قينان بن أنوش بن شيث بن آدم، عليه السلام

- ‌ذكر برد بن قينان بن أنوش بن آدم، عليه السلام

- ‌ذكر أخنوخ، وهو إدريس النبيّ، صلوات الله عليه وسلم

- ‌ذكر متوشلح بن إدريس، عليه السلام

- ‌ذكر لامك، أبو نوح، عليه السلام

- ‌ذكر نوح، عليه السلام، وقصّته مع قومه

- ‌ذكر أولاد نوح، عليه السلام، وهم سام وحام ويافثوما ولد كلّ إنسان منهم من الأمم

- ‌ذكر كنعان بن حام وأولاده وشعوبه والفراعنة منهم

- ‌ذكر ملوك مصر من ولد حام

- ‌ذكر أولاد يافث بن نوح، عليه السلام،وقبائلهم وشعوبهم وأخبارهم

- ‌ذكر يأجوج ومأجوج

- ‌ذكر السدّ الذي سدّه ذو القرنين على يأجوج ومأجوج

- ‌ذكر الصقالبة

- ‌ذكر اليونانيّون الأوّلون من ولد يافث بن نوح عليه السلام

- ‌ذكر مملكة الروم

- ‌ذكر ملوك الصّين من ولد يافث

- ‌ذكر الإفرنج

- ‌ذكر مملكة الأندلس

- ‌ذكر مملكة الترك

- ‌ذكر مملكة خراسان

- ‌ذكر أولاد سام بن نوح، عليه السلام

- ‌ذكر تفرّق الطوائف من الناس بعد الطوفان

- ‌ذكر عاد

- ‌ذكر الكهّان القديمة بمصر من قبل الطوفان

- ‌ذكر قومة الكاهنة وما صنعت من العجائب في وقتها

- ‌(77) ذكر الأهرام وأوّل بنائها والسبب في ذلكوما فيها من العجائب

- ‌ذكر ملوك من ولد سوريد واتّصال بعضهم ببعض إلى آخر وقت

- ‌ذكر الكهّان من بعد الطوفان إلى حين خراب مصر

- ‌(91) ذكر ملوك مصر بعد الطوفان من وجه آخر

- ‌ذكر الوليد بن دومغ، أوّل الفراعنة بمصر

- ‌أخبار الوليد بن دومغ

- ‌ذكر نهراوس

- ‌ذكر دريوش

- ‌ذكر مقاريوس

- ‌ذكر اقسامين

- ‌ذكر ظلما بن فرمس

- ‌ولنبتدئ بذكر بقيّة الأنبياء، صلوات الله عليهم،بعد نوح عليه السلام

- ‌ذكر هود، عليه السلام

- ‌ذكر صالح، عليه السلام

- ‌ذكر إبراهيم الخليل، صلوات الله عليه

- ‌ذكر لوط، عليه السلام

- ‌ذكر إسماعيل، عليه السلام

- ‌ذكر يعقوب، عليه السلام

- ‌ذكر يوسف، عليه السلام

- ‌ذكر أيّوب، عليه السلام

- ‌ذكر شعيب، عليه السلام

- ‌ذكر الخضر، عليه السلام

- ‌ذكر موسى وهارون، عليهما السلام

- ‌ذكر أشمويل، عليه السلام، وداود، عليه السلام

- ‌ذكر سليمان بن داود، عليه السلام

- ‌ذكر رحبعم

- ‌ذكر أخبار آل داود

- ‌ذكر يونس بن متّا، عليه السلام

- ‌ذكر زكريّا، عليه السلام

- ‌ذكر عيسى ابن مريم، صلوات الله عليه

- ‌ذكر أهل القرية

- ‌ذكر ذو الكفل

- ‌ذكر لقمان الحكيم

- ‌ذكر أصحاب الأخدود

- ‌ذكر أصحاب الكهف

- ‌ذكر سائر ملوك الأرض وأسمائهمومدد تملّكهم إلى آخر وقت

- ‌ذكر الطّبقة الأولى لملوك الفرس

- ‌(177) ذكر الطبقة الثانية من ملوك الفرس وهم الكيسانيّة

- ‌ملحق من الأصل

- ‌ذكر الطبقة الثالثة من ملوك الفرس

- ‌ذكر ملوك الطبقة الرابعة من الفرس وهم الساسانيّة

- ‌ذكر نبذ من أخبارهم

- ‌ذكر الخبر الأوّل عن بهرام جور

- ‌ذكر الخبر الثاني عن بهرام جور

- ‌ذكر شابور ذي الأكتاف

- ‌ذكر ملوك البطالسة، وهم اليونانيّون

- ‌ذكر ملوك رومية، وهم المعروفون بالقياصرة

- ‌ذكر ملوك القسطنطينيّة بحكم الاختلاف

- ‌ذكر من ملك مصر من ملوك بعدما غرّق الله تعالى فرعون

- ‌ذكر بخت نصّر وسنة دخوله مصر وسبي بني إسرائيل

- ‌ذكر سبب انكشاف فارس عن الروم

- ‌ذكر ملوك العرب وأصولها وفروعها وبطونها

- ‌ذكر ملوك اللّخميّين وهم ملوك الحيرة، عرب العراق

- ‌ذكر ملوك العرب من آل جفنة

- ‌(233) ذكر التّبابعة من حمير ملوك اليمن

- ‌ذكر ملوك كندة بحكم التلخيص

- ‌ذكر وقائع العرب وحروبها في أيّامها المشهورة

- ‌ذكر كليب ومهلهل ابنا ربيعة،وهو حرب البسوس المذكور

- ‌(253) ذكر حرب عبس وبنو عامر والسبب فيه

- ‌هذا ذكر حرب داحس والغبراء المشهورة من أيّام حروب العرب

- ‌ذكر حاتم الطّائي ونبذ من أخباره

- ‌ذكر أيضا حاتم من وجه آخر

- ‌ذكر عنترة العبسيّ من وجه آخر

- ‌ذكر عروة بن الورد العبسيّ، جاهليّ

- ‌ذكر دريد بن الصّمّة والخنساء بنت عمر بن الشّريد السّلميّ

- ‌ذكر ذو الإصبع العدوانيّ، جاهليّ

- ‌(305) ذكر تأبّط شرّا وطرفا من خبره

- ‌ذكر الفحول من شعراء الجاهليّة ولمعا من شعرهم

- ‌ذكر امرئ القيس بن حجر

- ‌ذكر النّابغة الذّبيانيّ ولمعا من أخباره وأشعاره

- ‌ذكر زهير بن أبي سلمى وطرفا من شعره

- ‌ذكر طرفة بن العبد، جاهليّ

- ‌ذكر علقمة بن عبدة الفحل، جاهليّ

- ‌ذكر المتلمّس وبعض أخباره وطرف من أشعاره، جاهليّ

- ‌ذكر الأعشى، جاهليّ

- ‌ذكر عبيد بن الأبرص، جاهليّ

- ‌ذكر لبيد بن ربيعة وطرف من أخباره

- ‌ذكر عمرو بن كلثوم، جاهليّ

- ‌(336) ذكر المرقّشان: الأكبر والأصغر، جاهليّين

- ‌ذكر الأسود بن يعفر الدّارميّ، جاهليّ

- ‌ذكر عمرو بن قميئة

- ‌ذكر أبو دؤاد الإياديّ، جاهليّ

- ‌ذكر عديّ بن زيد

- ‌ذكر الأفوه الأوديّ، جاهليّ

- ‌(343) ذكر أبو كبير الهذليّ، جاهليّ

- ‌ذكر من تلا هؤلاء من المبشّرين بظهور سيّد المرسلين

- ‌ذكر زيد بن عمرو بن نفيل، جاهليّ، وفيه حديث

- ‌ذكر مدرج الرّيح، عامر المجنون الجرميّ

- ‌ذكر سعية بن غريض

- ‌ذكر أبو الصّلت، جاهليّ

- ‌ذكر ورقة بن نوفل، جاهليّ، وفيه حديث

- ‌ذكر ما الخّص من كهّان العرب في الجاهليّة

- ‌ذكر عدد الأنبياء والمرسلين والكتب المنزلة عليهم،صلوات الله عليهم أجمعين

- ‌ذكر التواريخ من لدن، آدم عليه السلام، إلى آخر وقت

- ‌ملحق

- ‌سرد المصادر والمراجع

الفصل: ‌ذكر النابغة الذبياني ولمعا من أخباره وأشعاره

فتور القيام قطيع الكلا

م تفترّ عن ذي غروب خضر

كأنّ المدام وصوب الغمام

وريح الخزامي ونشر القطر

يعلّ به برد أنيابها

إذا غرّد الطّائر المستحر

قلت: ما وصف أحد الثّغر فأجاد وأحسن كلّ الإحسان بإجماع الرواة كالنّابغة الذّبيانيّ في قوله (من الكامل):

تجلوا بقادمتي حمامة أيكة

بردا أشفّ لثاته بالإثمد

كالأقحوان غداة غبّ سمائه

جفّت أعاليه وأسفله ند

ولهذين البيتين شرح حسن، إذا أثبت يزيد على نصف كرّاس ولا يوفيهما حقّهما في شرحهما، فأضربت عن شرحهما للاختصار ومن شعر امرئ القيس قوله (من الوافر):

فبعض اللّوم عاذلتي فإنّي

ستكفيني التّجارب وانتسابي

إلى عرق الثّرى وشجت عروقي

وهذا الموت يسلبني شبابي

وقد طوّقت في الآفاق حتّى

رضيت من الغنيمة بالإياب

‌ذكر النّابغة الذّبيانيّ ولمعا من أخباره وأشعاره

النّابغة جاهليّ اسمه زياد بن معاوية ويكنى أبا أمامة ولقّب بالنّابغة لقوله (من الوافر):

ص: 465

وقد نبغت لهم منّا شؤون

وهو أحد الأشراف الذين حطّ من قديرهم الشعر وغضّ منهم القريض. وكان ذا رئاسة في قومه وشرف وتسوّد، فلمّا قال الشعر غلب عليه ونسب إليه.

قلت: ولله <درّ> القائل: الشعر يحطّ من قدر الكامل كما يرفع من قدر الجاهل، وقول الآخر: الشعر نقيصة (310) الكامل وحكمة الناقص.

وقول الآخر: الشعر يضع من قدر الشريف كما يرفع من قدر السّخيف.

روى الأصمعيّ: كان يضرب للنّابغة قبّة من أدم بسوق عكاظ فتأتيه الشعراء فتعرض عليه أشعارهم، فأنشدته الخنساء يوما بمحضر حسّان بن ثابت الأنصاريّ تقول (من البسيط):

فإنّ صخرا لمولانا وسيّدنا

وإنّ صخرا إذا يشتو لنحّار

وإنّ صخرا لتأتمّ الهداة به

كأنّه علم في رأسه نار

فقال: والله لولا أنّ أبا بصير أنشدني آنفا لقلت: إنّك أشعر الإنس والجن. فقام حسّان بن ثابت فقال: والله لأنا أشعر منك ومن أبيك. فقال له النابغة: يا ابن أخي، أنت لا تحسن <أن> تقول (من الطويل):

ص: 466

فإنّك الّذي هو مدركي

وإن خلت أنّ المنتأى عنك واسع

خطاطيف تحجزن في حبال متينة

تمدّ بها أيد إليك نوازع

فسكت عند ذلك حسّان.

وأبا النصير الذي عناه النابغة هو عمر بن عبد العزيز مولى لبني إسحاق، وكان شاعرا مفلقا.

قلت: ساق الحصريّ، صاحب كتاب زهر الآداب، أنّ الخنساء بنت عمرو بن الشّريد السّلمي وأخويها صخر ومعاوية، وكان أبوهما يقف بهما في الموسم فيقول: أنا أبو خيري مضر، فمن عيّب فليغيّر، فلا يغيّر عليه أحد. فكان يقول: من أتا بمثلهما من قبيلة فله حكمه! فتقرّ له العرب بذلك.

وأدركت الخنساء أيّام عمر بن الخطّاب، رضي الله عنه، وأحضرها قومها إليه، فقالوا: هذه الخنساء قد قرحت مآقيها في الجاهليّة والإسلام، فلو نهيتها رجونا أن تنته. فقال لها عمر، رضي الله عنه: إتّق الله يا خنساء، وأيقني بالموت. فقالت: إنّي لموقنة بالموت (311) وأبكي خيري مضر:

صخر ومعاوية. قال: أتبكيهما وقد صارا فحمتي في النار؟ قالت: ذلك

ص: 467

أشدّ لبكائي عليهما يا عمر. قال: فكأنّه رقّ لها، فقال: خلّوا عن عجوزكم، لا أبا لكم! نام الخليّ عن بكاء الشّجيّ. وفي سليم شرف كثير ليس هذا مكان ذكره.

قال أبو عبيدة: كان النابغة الذّبيانيّ أوضح شعراء الجاهليّة كلاما وأقلّهم سقطا وحشوا وأجودهم مقاطع وأحسنهم مطالع، ولشعره ديباجة ليست لغيره. إن شئت قلت: ليس بشعر مؤلّف، من تأتّيه ولينه، وإن شئت: هو صخر لو رديت به الجبال لأزالها.

وروي عن عمر بن الخطّاب، رضي الله عنه، أنّه قال ذات يوم: أيّ شعراكم يقول (من الطويل):

فلست بمستبق أخا لا تلمّه

على شعث أيّ الرّجال المهذّب

قالوا: النابغة. قال: هو أشعر شعراكم. ثمّ قال يوم آخر: أي شعراكم يقول (من الوافر):

فألفيت الأمانة لا تخنها

كذلك كان يوم لا تخون

قالوا: النابغة. قال: هو أشعر شعراكم. ثمّ قال يوم آخر: أي شعراكم يقول (من الطويل):

حلفت فلم أترك لنفسي ريبة

وليس وراء الله للمرء مذهب

ص: 468

قالوا: النّابغة. فقال: هو أشعركم. ففضّله في ثلاث مواضع:

روى خلف بن محرز أنّه سمع أهل البادية من بني سعد يروون بيت النابغة للزّبرقان بن بدر السّعديّ، وهو (من البسيط):

تعدوا الذّئاب على من لا كلاب له

وتتّقي مربض المستنفر الحامي

وإنهم رووا للنّابغة الذّبيانيّ هذا البيت، وهو (من البسيط):

تلك المكارم لا قعبان من لبن

شيبا بماء فعادا بعد أبوالا

وقيل إنّه لأميّة بن أبي الصّلت. ومثل هذا الاختلاف قول امرئ القيس (من الطويل):

وقوف بها صحبي عليّ مطيّهم

يقولون لا تهلك أسا وتجمّل

وقول طرفة بن العبد أيضا (312، من الطويل):

وقوف بها صحبي عليّ مطيّهم

يقولون لا تهلك أسا وتجلّد

ص: 469

ومن مليح قول النّابغة في النّعمان بن المنذر (من الطويل):

ألم ترا أنّ الله أعطاك سورة

ترى كلّ ملك دونها يتذبذب

كأنّك شمس والملوك كواكب

إذا طلعت لم يبد منهنّ كوكب

قلت: وهذه الأبيات من جملة قصيدة كان النّابغة قد نفذها للنّعمان بن المنذر يعتذر إليه فيها عن شيء بلغه بسبب المتجرّدة بنت زهير، امرأة النّعمان، وسنذكر خبر ذلك بعد ذكر بقيّة هذه الأبيات من جملة قصيدة طويلة، منها يقول:

حلفت فلم أترك لنفسي ريبة

وليس وراء الله للمرء مذهب

لئن كنت قد بلّغت عنّي خيانة

لمبلغك الواشي أغشّ وأكذب

ولكنّني كنت امرءا لي جانب

من الأرض فيه مستزاد ومذهب

ومنها يقول:

ملوك وإخوان إذا ما أتيتهم

أحكّم في أموالهم وأقرّب

ومنها يقول:

ص: 470

كفعلك في قوم أراك اصطنعتهم

فلم ترهم في شكر ذلك أذنبوا

فلا تتركنّي بالوعيد كأنّني

إلى النّاس مطليّ به القار أجرب

أتاني أبيت اللّعن أنّك لمتني

وتلك الّتي أهتمّ منها وأنصب

ولست بمستبق أخا لا تلمّه

على شعث أيّ الرّجال المهذّب

فإن أك مظلوما فعبد ظلمته

وإن تك ذا عتبى فمثلك يعتب

(313)

وأمّا حديث المتجرّدة فهي زوجة النّعمان بن المنذر ابن ماء السّماء، وكانت من أحسن الناس وجها، وكان يهواها. وقيل: إنّها كانت زوجة أبيه، المنذر بن النّعمان، فتزوّجها بعد موت أبيه، بشريعة الهوى وغلب المقدرة.

قلت: هذا كلام السّلطان، الملك المنصور، ناصر الدّنيا والدين، أبا المعالي محمّد بن الملك المظفّر تقيّ الدين عمر <بن> شاهنشاه بن أيّوب، صاحب حماة يومئذ، كان-رحمه الله تعالى وبرّد؟؟؟ ضريحه وسائر ملوك المسلمين-ساق هذا الحديث في كتابه المسمّى بدرر الآداب ومحاسن ذوي الألباب، في باب: طبقات الشعراء. وهو لعمري من الكتب النفيسة الجامعة لمحاسن الأدب، يدل على أنّه رحمه الله، من الملوك الأكابر المطّلعين على أخبار الناس وتواريخهم.

فالذي أقوله: إنّ هذا النّكاح كان جائزا في أيّام الجاهليّة ولا زال مستمرا حتّى جاء الإسلام، وسمّي: نكاح المقت، وبيان ذلك يأتي في

ص: 471

موضعه عند ذكر الأعياص من قريش ونسبهم، إن شاء الله تعالى.

وكان النّابغة الذّبيانيّ والمنخّل اليشكريّ في منادمة النّعمان بن المنذر، وكان النّابغة مليحا عفيفا والمنخّل اليشكريّ قبيحا فاسقا. وكانت المتجرّدة تهوى المنخّل لفسقه. وكان النّعمان مكرّما للنّابغة مبجّلا له دون المنخّل. فحسده على منزلته وقربه المنخّل اليشكريّ وخاف أن تنظره المتجرّدة فتهواه لجماله وقربه من النّعمان وتتركه. فعمل الحيلة في إبعاده عن النّعمان أو قتله.

واتّفق أنّ النّعمان قال للنّابغة: امدح لي المتجرّدة واذكر جميع محاسنها. ففعل هذه الأبيات الّتي أوّلها يقول (314، من الكامل):

أمن آل ميّة رائح أو مغتدي

عجلان ذا زاد وغير مزوّد

إلى أن وصل في صفتها شيئا فشيئا إلى قوله:

وإذا طعنت طعنت في مستهدف

رابي المجسّة بالعبير مقرمد

وإذا نزعت نزعت عن مستحصف

نزع الحزوّر بالرّشاء المحصد

فتخيّل النّعمان من قوله، وقال له النّعمان: كيف رأيت يا منخّل؟ فقال: لو لم يعاين لم يذكر. فتغيّر النّعمان على النّابغة. وبلغ النّابغة قول المنخّل، فعلم أنّه مقتول إن قعد، فهرب إلى اليمن وقال: يكون المنخّل الخائن وأنا الأمين، وأنسب دونه إلى الخيانة وقد عمل على قتلي.

ص: 472

ثمّ إنّه نفّذ إلى النّعمان القصيدة العينيّة التي منها يقول (من الطويل):

أتاني أبيت اللّعن أنّك لمتني

وتلك الّتي تستكّ منها المسامع

فبتّ كأنّي ساورتني ضئيلة

من الرّقش في أنيابها السّمّ ناقع

لعمري وما عمري عليّ بهيّن

لقد نطقت بطلا عليّ الأقارع

أقارع عوفا لا أحاول غيرها

وجوه قرود تبتغي من تجادع

أتاك امرؤ مستعلن لي بغضه

ولم يأت بالحقّ الّذي هو ناصع

أتاك بقول لم أكن لأقوله

ولو كبلت من ساعديّ الجوامع

حلفت فلم أترك لنفسك ريبة

وهل يأثمن ذو أمّة وهو طائع

ومنها يقول:

وحمّلتني ذنب امرئ وتركته

كذي العرّ يكوى غيره وهو راتع

ص: 473

ومنها يقول:

فإنّك كاللّيل الّذي هو مدركي

وإن خلت أنّ المنتأى عنك واسع

(315)

خطاطيف حجن من حبال متينة

تمدّ بها أيد إليك نوازع

أتوعد عبدا لم يخنك أمانة

وتترك عبدا ظالما وهو ضالع

وأنت ربيع ينعش النّاس سيبه

وسيف أعيرته المنيّة قاطع

أبى الله إلاّ عدله ووفائه

ولا النّكر معروف ولا العرف ضائع

ولمّا وصلته الأبيات ووقف عليها، علم النّعمان أنّ المنخّل <وهو> الخائن دون النابغة، فقال: يا منخّل، اخلفني في أهلي حتّى أمضي أتصيّد وأعود. قال: نعم، وخرج النّعمان بزعمه للصّيد، ثمّ عاد إلى بيته ليلا فوجد المنخّل والمتجرّدة يشربان الخمر وساقيها في وسطه، وهما قد أمنا ممّن يتجسّس عليهما لغيبة النّعمان. فلمّا رآهما على ذلك هجم عليهما وقال: يا منخّل، ألست القائل: إنّ النّابغة لو لم يعاين لم يقل؟ أنشدني قولك: إن كنت عاذلتي فسيرى (من مجزوء الكامل).

إن كنت عاذلتي فسيري

نحو العراق ولا تحوري

ص: 474

لا تسألي عن جلّ ما

لي واسألي كرمي وخيري

ولقد دخلت على الفتا

ة الخدر في اليوم المطير

ودفعتها فتدافعت

مشي القطاة إلى الغدير

ولثمتها فتنفّست

كتنفّس الظّبي الغرير

ونأت وقالت يا منخّل

ما بجسمك من حروري

ما شفّ جسمي غير حبّك

فاهدي عنّي وسيري

وأحبّها وتحبّني

ويحبّ ناقتها بعيري

فقال النّعمان: صدقت! لو لم تتحاببا لما كنتما كذي. ثمّ قتلهما جميعا، وكتب إلى النّابغة وأعلمه بذلك وأعاده بالقسم أنّه (316) آمن منه مبرّأ ممّا اتّهم به. فعاد إليه النّابغة، فكان أحبّ الناس إليه وأوفرهم حظّا عنده.

ومن مليح شعر النّابغة قوله (من الطويل):

كليني لهمّ يا أميمة ناصب

وليل أقضّيه بطيء الكواكب

ص: 475

وصدر لراع اللّيل عازب همّه

تضاعف فيه الهمّ من كلّ جانب

تقاعس حتّى قلت ليس بمنقض

وليس الّذي يرعى النّجوم بآئب

عليّ نعم ونعمة بعد نعمة

لوالده ليست بذات عقارب

ومنها يقول:

إذا ما غزوا بالجيش حلّق فوقهم

عصائب طير تهتدي بعصائب

جوانح قد أيقنّ أنّ قبيله

إذا ما التقى الجمعان أوّل غالب

وقد جاء في قول النّابغة إقواء في قصيدته التي أوّلها: أمن آل ميّة رائح أو مغتدي، فإنّ قافيتها جميعها مكسورة إلاّ بيت واحد، وهو قوله (من الكامل):

زعم البوارح أنّ رحلتنا غدا

وبذاك خبّرنا الغراب الأسود

والإقواء أحد العيوب المستعملة في الشّعر. وقد استشهد بهذا البيت جماعة من العروضيّين. فقيل: إنّه لمّا قدم يثرب قيل له: أقويت. فلم يعرفه. فألقوا الأبيات على لسان قينة فغنّت بها ومدّت في القوافي، فانتبه لها، فأصلحها لوقته، فقال:

ص: 476