الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الملك، الذي كان في زمانه الطوفان. وكان هذا الكاهن يسكن الهرم الكبير البحريّ. وكان هذا الهرم هيكل الكواكب: وكان فيه صور الشمس ناطقة، والقمر ناطق. وكان الهرم القبليّ ناؤوسا لأجساد الملوك. وهؤلاء الأهرام التي عمّرها سوريد الملك، وفيها من العجائب والتماثيل والمصاحف ما لا يحصى. وكان فيه التمثال الذي يضحك، وكان من الجوهر الأخضر، وأودع فيه خوفا عليه من الطوفان.
فهؤلاء ما أمكن من ذكرهم من الكهنة قبل الطوفان. وسنذكر منهم جماعة بعد الطوفان، بعد ذكرنا للأهرام، ومن بناهم، والسبب في بنائهم، وما أودعوا من العجائب والأهوال والذخائر، ممّا تضمّنه هذا الكتاب القبطيّ، والله عز وجل، أعلم.
(77) ذكر الأهرام وأوّل بنائها والسبب في ذلك
وما فيها من العجائب
كان سوريد بن سهلون ملكا على مصر قبل الطوفان بثلاثمائة سنة.
فرأى رؤيا: كأنّ الأرض انقلبت بأهلها، وكأنّ الكواكب السبعة تتساقط وقصدت بعضها بعضا بأصوات هائلة مفزعة. فانتبه مذعورا، وزاد غمّه، ولم يذكر ذلك لأحد في ذلك الوقت. وعلم أنّه سيحدث في الأرض
والعالم حدثا عظيما.
ثمّ رأى بعد ذلك كأنّ الكواكب الثابتة نزلت في صور طيور بيض، وكلّها تتخطّف الناس، وتلقيهم بين أرجلها ما بين جبلين عظيمين، وكأنّ الجبلين انطبقا عليهم، وكأنّ الكواكب النيّرة <مظلمة> كاسفة. فانتبه وقد تزايد ذعره. فدخل إلى هيكل الشمس، وجعل يمرّغ خدّيه <في التراب> ويبكي.
فلمّا أصبح، أمر بجمع رؤساء الكهنة من جميع أعمال مصر.
فاجتمعوا، وكانوا يومئذ مائة وثلاثين كاهنا. وهذا عند القبط أنّه أوّل اجتماع كان في الدنيا، ثمّ استثنوا ذلك. فخلا بهم وحدّثهم بجميع ما رآه أوّلا وآخرا. فعظّموه، وقالوا: لا بدّ من حدث عظيم يكون بالعالم الأرضيّ.
فقال أبو فليمون الكاهن-وكان أكبرهم، وهو إذ ذاك القاطير في ذاك الوقت: أنا أقصّ على الملك أيضا رؤيا ريتها من سنة، ولم أذكرها لأحد من الناس. وذلك أنّي رأيت: كأنّي مع الملك على رأس جبل المنار الذي في
وسطاسوس، وكأنّ الفلك قد انحطّ من موضعه، حتّى قارب سمت رؤوسنا، وكأنّه علينا كالمكبّة على المائدة، محيط بنا، وكأنّ الكواكب قد خالطتنا في صور مختلفة، وكأنّ الناس مستغيثون بالملك، وقد انجفلوا إلى قصره، وكان الملك رافعا يديه ليرفع الفلك (78) <إلى> أن يبلغ رأسه، وأمرني <أن> أفعل كذلك، ونحن على وجل شديد، إذ رأينا موضعا قد انفرج والشمس قد طلعت علينا منه، فكأنّا استغثنا بها، فخاطبتنا: إنّ هذا يكون بعد مضيّ ثلاثمائة وثلاثون دورة لي، ثمّ سيعود الفلك إلى مكانه.
فانتبهت، أيّها الملك، مذعورا، ولم أذكره إلاّ في ساعتي هذه.
فعند ذلك أمر الملك أن يؤخذ الارتفاع، وأن ينظر ويبحث ويدقّق النظر في أمر هذا الكائن، ما هو؟ فاجتمعوا، وفعلوا ما أمرهم به الملك، فظهر لهم أمر الطوفان، <وبعده النار التي تحرق العالم> فعندها أمر ببناء الأهرام. ونقل إليها جميع ما أحبّ. وزبروا فيها سائر علومهم وحكمهم، ورمزوا ذلك في صور مختلفة الأشكال، يصل إلى حلّها كلّ ذي ذهن وفهم ثاقب وعقل وافر، والله أعلم.
هذا ما تضمنّه الكتاب القبطيّ في بناية الأهرام.
وأمّا ما ذكره أبو معشر في ذلك، في كتابه المعروف بكتاب الألوف، فقال: إنّ السبب في بناية الأهرام، أنّ الملك سوريد بن سهلون، ملك مصر. وهذا الكلام مطابق للكلام الذي ذكرناه من الكتاب القبطيّ. وذكر أيضا صورة المنام الذي رآه الملك، والرؤيا التي رآها أبو أفليمون الكاهن، لكن سمّاه: أكرباه الكاهن.
ثمّ قال: إنّ الملك لمّا أمر ببناء الأهرام، وزبروا فيها سائر علومهم وحكمهم من جميع ما يحتاج إليه، قال للحكماء والكهنة: انظروا متى تكون هذه النازلة. فقالوا: إذا نزل قلب الأسد بأوّل دقيقة من رأس السّرطان، وتكون الكواكب عند نزولها في هذه المنازل من الفلك، والقمر والشّمس في أوّل دقيقة من رأس الحمل، ونزوس-وهو زحل-في أوّل درجة وثمانية وعشرين ثانية من الحمل، وراوهن-وهو المشتري-في الحوت، في تسعة
(79)
وعشرين درجة، والمرّيخ في الحوت، في ثمانية وعشرين درجة وثلاث دقائق، وأفرودتكني-وهي الزّهرة-في تسعة وعشرين درجة وثلاث دقائق، وهرمس-وهو عطارد-في الحوت، في تسعة وعشرين درجة وثلاث دقائق، والجوزهر في الميزان، في خمس درج ودقائق خمس. فلمّا علمنا ذلك، طالعنا به الملك.
فقال: انظروا، هل يكون بعد هذه النازلة بمكان <في> الدنيا آفة غيرها؟ فنظروا، فرأوا أنّ الكواكب تدلّ على آفة تنزل من السماء إلى الأرض، وأنّها بحدّ الأولى، وهي نار تحرق أقطار العالم إلاّ القليل.
فعرّفوه ذلك. فقال: انظروا متى تكون. فنظروا، فوجدوا أنّ ذلك يكون عند نزول قلب الأسد آخر دقيقة من الدرجة الخامسة عشر من الأسد، ويكون أقليدس-وهي الشمس-معه في دقيقة متّصلة بقزوس من تثليث الرائي، ويكون راوس في الأسد، مستقيم السير معه في رأس دقيقة، وهو القمر في الدلوا، ومعه الذنب في اثني عشر جزءا، ويكون كسوفا إطباقا،
ويكون اغرونطي بعده من ايكس، ويكون هرمس في بعده الأبعد أمامها، وأمّا افرود يصلى؟؟؟ الاستقامة، وأمّا هرمس فبالدرجة الخامسة.
فعرّفوا الملك ذلك. فقال: هل من خبر تطلعونا عليه من العظائم، غير هاتين الآفتين: المائيّة والناريّة؟ فنظروا، فإذا قلب الأسد، إذا قطع ثلثي أدواره، لم يبق في الأرض من حيوان متحرّك إلاّ تلف. فإذا استتمّ أدواره، تحلّلت عقدة الفلك، فعاد الأمر مستقيما. فعرّفناه ذلك. فقال: أي يوم يكون انحلال الفلك؟ قال: اليوم الثاني من حركة الفلك. فعجب الملك من ذلك. فعندها أمر بقطع الصخور والأساطين العظام، والبلاط (80) العظيم في الكبر، واستخراج الرصاص من أرض الغرب، واستجلب الصخور السود من ناحية أسوان، وكانت تحمل على الأطواق.
وقيل: إن كان لها مداخل من خصوص قريبة من مكان الأهرام، ثمّ
تغيّرت معالمها. وقيل: بل كانت تقطع بأسوان، وتهندس، ويكتب عليها أسماء. فكانت تأتي بذاتها، فتكون في المكان المعدود لها، المخصوص بها.
وكانوا يجعلون في وسط البلاط قلب من حديد، فتطبّق عليه الأخرى، منقوبة في الوسط، فيكون ذلك القلب في ذلك النّقب من الأخرى، ويذاب الرصاص ويصبّ حول الثقب، بعد أن تؤلّف كتابتها بعضها ببعض.
وجعلوا أبواب الأهرام من تحت الأرض بأربعين ذراعا سوداء، في أزج معقود، مبنيّ بالحجارة تحت الأرض، طول كلّ أزج منها مائة وخمسون ذراعا.
فأمّا باب الهرم الشرقيّ، فإنّه من ناحية الشرق، على مائة ذراع من وسط الحائط الذي للهرم. وله باب آخر من ناحية وسط الحائط الغربيّ بمقدار مائة ذراع. وعلامة ذلك صخرة سوداء، كأنّما ثبتت ثباتا، فيحفر من تحتها عشرة أذرع، فيجد باب الأزج إلى الهرم.
وأمّا الهرم المبنيّ لونين من الحجارة، فإنّ بابه من الناحية الغربية، يقاس أيضا من وسط الحائط البحريّ مائة ذراع، وعلامة ذلك صخرة بيضاء، فيحفر من تحتها عشرة أذرع، فيظهر له باب الأزج إلى الهرم الأبلق. وهذا الأزج درج نازلة.
هذه الأدلّة التي ذكرتها على أبواب الهرمين وجدتها في ذلك الكتاب القبطيّ المقدّم ذكره، ولعلّها صحيحة، والله أعلم.
. . . في كتابه المقدّم ذكره: أن النّسر الواقع طائر بالسّرطان. وجعل طول كلّ هرم منهما: خمس مائة ذراع بالمالكيّ، وهو تقدير ذراعنا (81) هذا. وجعل تربيع كلّ واحد منهما أربع مائة ذراع، وبناهما في <الاستواء> إلى أربعين ذراعا ثمّ هرمهما. وكان أوّل بنائهما في طالع سعد ثابت.
فلمّا فرغا، كساهما ديباجا ملوّنا من فوقهما إلى سفلهما، وعمل لهما عيدا عظيما في كلّ سنة، في أوان فروغهما. وأودع في الهرم الشرقيّ من الأموال والكنوز والآلات الزبرجديّة والتماثيل المصنوعة من فاخر الجواهر الملوّنة، والسلاح الذي لا يصدأ، والزجاج الذي يطوى طيّا، والنواميس المودات، والعقاقير المفردات، والمؤلّفات النافعة لسائر الأغراض: من الأمراض الجسديّة الظاهرة والباطنة والسّموم القاتلة بسائر وجوهها، والأواني من الجواهر التي لا قيمة لها، وأربعين كرة مملوءة من تبر الصنعة، وكتب مزبورة في اللواح القشم المعدني، في سائر العلوم الروحانيّة والعمليّة، وأشياء لا تدرك بالعبارة، ممّا ادّخرته الملوك الأوّل.
وأمّا الهرم الغربيّ فجعل فيه أجساد الملوك في جوبات صوّان أسود، وهم الملوك من الكهنة المذكورين. وجعل عند كلّ كاهن منهم مصحفه
وعجائبه وسيرته، وما عمل في زمانه من غرائب صناعته. وعدّتهم سبعة نفر، وهم القاطريون الذين كانوا يعبدون الكواكب حسبما تقدّم من ذكرهم.
ولكلّ واحد من هؤلاء ناحية من نواحي هذا الهرم ومرتبة به مصوّر فيها الأشاير بالذي فعله في زمانه، وخزن معه ماله وذخائره.
ثمّ جعل على كلّ هرم من هؤلاء خازن قد استخدم من جهة الكواكب في وقتها. فصاحب الهرم الشرقيّ مجزّع من جزع أسود وأبيض، له عينان مفتوحتان، جالس على كرسيّ، معه شبيه الحربة. إذا نظر إليه الناظر سمع من جهته صوتا، فلا يكاد يفارق حتّى (82) يموت غمّا.
وأمّا خازن الهرم الغربيّ <فهو> صنم من حجر صوّان مجزّع، بيده حربة، وفي عنقه حيّة، مطوّق بها، ثمّ تعود إلى عنق الصنم.
وأمّا الهرم الثالث، فإنّه مختصّ بالملك سوريد بن سهلون، فهو ناؤوسا له، وخزن فيه جميع أمواله وذخائره وكنوزه الذي جمعها في أيّام ملكه. فإن كان من عادتهم أن لا يتعرض ملك إلى مال ملك قبله، ولا إلى شيء من ذخائره، ولا يتصرّف إلاّ فيما يملكه لنفسه في زمانه.
وأمّا خازن هذا الهرم الثالث صنما صغيرا من حجر، المهمد على قاعدة منه. من نظر إليه اجترّه حتّى يلصق به، فلا يفارقه حتّى يموت.
قلت: ومن العجب في ذلك أنّي وجدت في هذا الكتاب القبطيّ يقول: إنّ سوريد الملك، لما أخبروه منجّموه، أن لا بدّ بعد تلك الآفة المائيّة من آفة ناريّة، وقدّروا له الوقت الكائن فيه، صنع في الأهرام أزجا معقودا مبنيّا بالحكم العويصة، ووصله بالنيل حتّى دخل إليه الماء. وحمل ذلك إلى الجبل بأطراف صعيد مصر، وهو ما بين صفحتي الجبل الغربيّ- هكذا يقول في هذا الكتاب القبطيّ-ليكون ذلك حرزا لهم من تلك الآفة الناريّة.
فو الله لم أرا أعجب من هذا الكلام، ودليله أنّ في البهنسا انخسف خسفا في الجبل المجاور لمدينة البهنسا. وكان الوالي يومئذ عليّ بن قيصر العلاليّ، فنزلوا إليه فوجدوه أزج معقود بين صفتحي الجبل جميعه فساقي ماء عذبا من ماء النيل، وهم عدّة فساقي متداخلة في بعضها البعض، ليس منهم إلاّ بقدر ما يمشي عليه الرجل، وليس لهم انتهاء بين صفحتي ذلك الجبل. وربّما مشوا فيهم اليوم واليومين ولا انتهوا إلى آخرهم.
ولكلّ فسقيّة درج (83) نازل من ناحيتها، ليس لها قرار تدرك. ولعل هذه الفساقي هذا أصل أمرهم وهذا سببهم. وهم إلى حين وضعي هذا التاريخ بالبهنسا. وينزلوا إليهم المتفرجين من أهل البهنسا. وربّما في هذا الوقت أنّ الوالي سدّ ذلك الخسف، فإنّ أهل البلاد من البهنسا وغيرها عادوا يعبروا إلى تلك الفساقي ويفسدوا فيها. ومن كان في خاطره من عدوّه أمرا بلغة هناك، ولا يطّلع له على خبر. فعادوا كالمهالك، فأمر الوالي بردم ذلك، فردموه، حسبما بلغني في هذا الوقت.
وفي هذا الكتاب القبطيّ أنّ سوريد الملك قال لمنجّموه وكهنته:
انظروا آخر أمر بلادنا، إلى ماذا يؤول أمره بعد الطوفان المائيّ والآفة الناريّة؟
فقالوا: يقيم خرابا قرنان كاملان، ثمّ يعمّر، فيقيم دورا كاملا، فيأتيه قوم مشوّهون الخلق من الشرق، فيخرّبون الأقاليم السبعة، ثمّ يكون عليهم نازلة من صيحة سمائيّة، فلا يبقى منهم ديّارا، ثمّ تعمّر الأقاليم السبعة كأحسن ما كانت عليه أوّلا، فيقيم دورا كاملا ونصف دورا كاملا. ثمّ ينقطع عن مصر نيلها، فلا يعود. فتجلوا عنها أهلها. وتنشف حتّى تعود