الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأظنّ بينهما ما لا تحبّ، فقلت: ريح رجل؛ فلم تزل بك حتّى انثنيت أيضا. ثمّ خرجت إلى فرسك فأردته، فخرجت إليه ثمّ خرجت ثمّ خرجت، ثمّ انثنيت أيضا. فرأيتك في هذه الخصال أكمل الناس، ولكنّك تنثني وترجع. قال: فضحك الرجل ثمّ قال: أمّا ما رأيت من صرامتي وقوة فطنتي فمن قبل أعمامي هذيل؛ وأمّا انثنائي وكعاعتي فلأخوالي السوء، وهم بطن من خزاعة؛ والمرأة الذي رأيت عندي امرأة منهم، وأنا لاحق بقومي وخارج عن أخوالي ومخلّ سبيل المرأة. ولولا ما رأيت من كعاعتي لم يقو على مناوأتي أحد من العرب. فقال عروة: خذ الآن فرسك راشدا.
قال: ما كنت لآخذه منك، ولو كان غيرك ما راح به، ولكن عندي من نسله الغنى عنه، فخذه مجعول بعده. فقال ثمامة: إنّ له عندنا أحاديث كثيرة، ما سمعنا بأطراف منها يا أمير المؤمنين. وتمّت أخبار عروة ملخّصا.
ذكر دريد بن الصّمّة والخنساء بنت عمر بن الشّريد السّلميّ
قال أبو عمرو: وإنّ دريد بن الصّمّة أدرك الإسلام فلم يسلم. وكان
فارس جشم، وكان شيخ العرب في الجاهليّة يرجعون لرأيه، (300) وكان مظفّرا ميمونا أين توجّه وقصد، وكان قد جمع مالك بن عوف هوازن وأخرجت بنو جشم معها دريدا، وكان يومئذ شيخا كبيرا فقتل في تلك الوقعة.
وعن يونس يقول: أفضل بيت قالته العرب في الصّبر على النوائب بيت دريد بن الصّمّة، وهو (من الطويل):
قليل التّشكّي للمصيبات حافظ
…
من اليوم أعقاب الأحاديث في غد
وروي أن دريدا مرّ بالخنساء بنت عمرو بن الشّريد وهي تهنأ بعيرا لها، ثمّ نضّت عنها ثيابها فاغتسلت ودريد ينظر إليها وهي لا تشعر به فأعجبته، فانصرف وهو يقول (من الكامل):
حيّوا تماضر وابلغوا صحبي
…
وقفوا فإنّ وقوفكم حسبي
أخناس قد هام الفؤاد بكم
…
وأصابه تبل من الحبّ
متبذّلا تبدو محاسنه
…
يضع الهناة مواضع الثّقب
قال: فلمّا أصبح غدا إلى قومها يخطبها، فقال له أبوها: حبّا وكرامة يا با مرّة! إنّك الكريم الذي لا يطعن في حسبه، والسّيّد الذي لا ترد حاجته، والفحل الذي لا يقرع أنفه، ولكن لهذه الامرأة من نفسها ما ليس لغيرها، وأنا ذاكرك لها. ثمّ دخل أبوها إليها فقال: أي بنيّة! أتاك فارس هوازن وسيّد جشم وشيخ العرب، دريد بن الصّمّة، يخطبك. فقالت:
أنظرني يا به أشاور نفسي. ثمّ بعثت خلف دريد وليدة لها وقالت: انظري دريدا إذا بال يقعر أم يبعثر، وعودي. فاتّبعته وعادت إليها، فقالت: وجدته قد ساح على وجه الأرض من غير أن يأثر بها، فأمسكت. وعاود دريد أباها، فعاودها فقالت: يا به، إنّي تاركة بني عمّي مثل عوالي الرّماح وناكحة شيخا من جشم مماته (301) اليوم أو غد. فخرج أبوها إليه وقال:
قد امتنعت، ولعلّ تجيب بعدها.
وقالت الخنساء تعرّض بذمّ دريد من قصيدة (من الوافر):
أتخطبني هبلت على دريد
…
وقد أطردت سيّد آل بدر
فلمّا بلغ شعرها دريدا اشتد ذلك عليه وقال يهجوها (من الوافر):
وقاك الله يابنة آل عمرو
…
من الفتيان أمثالي ونفسي
ولا تلدي ولا ينكحك مثلي
…
إذا ما ليلة طرقت بنحس
قلت: الخنساء، فهي تماضر ابنة عمرو بن الشّريد السّلميّ، وفي سلم شرف كثير يأتي ذكر ذلك عند ذكر النّابغة. وأمّا إحسانها في شعرها فمعروف، ووفائها لصخر أخيها موصوف.
ويروى أنّها دخلت على بعض أزواج النّبيّ صلى الله عليه وسلم، وعليها صدار من شعر، فقالت لها: يا خنساء، قتل أخوك صخر في الجاهليّة وأنت متسليّة عليه في الإسلام. فقالت: كان لي زوج متلاف، فأتيت أخي ثلاث مرّات فشاطرني ماله، ثمّ أعطاني في الرابعة كرائم إبله، فلامته امرأته سلمى، فسمعته يقول (من الرجز):
والله لا أمنعها خيارها
…
ولو هلكت قدّدت خمارها
واتّخذت من شعر صدارها
فنذرت أن لا أنزعه حتّى ألحق به.
ومن شعرها تقول (من المتقارب):