الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر عديّ بن زيد
قيل: إنّ عديّ بن زيد كان كاتب النّعمان بن المنذر فخرج يوما وعديّ يصحبه، فمرّ بشجرة فقال: أيّها الملك، أتدري ما تقول هذه الشجرة؟ قال: ماذا تقول يا عديّ؟ فقال: إنّها تقول (من الرمل):
ربّ ركب <قد> أناخوا حولنا
…
يشربون الخمر بالماء الزّلال
عطف الدّهر عليهم عطفة
…
وكذى الدّهر حالا بعد حال
قال: ثمّ مرّوا بمقبرة، فقال عديّ إنّ هذه المقبرة تقول أيّها <الملك>:
ألا أيّها الرّكب المجدّون على
…
الأرض المجنّون
كما كنتم كنّا
…
وكما نحن تكونون
قال: ففطن النّعمان لقوله، فقال له: إنّ الشجرة والمقبرة لا يتكلّمان، وإنّما أنت وعظتني. قال: نعم أيّها الملك. قال: فكيف النجاة؟
قال: تدع عبادة الأوثان وتعبد الله تعالى وتدين بدين عيسى ابن مريم.
فتنصّر النّعمان عند ذلك.
قال ابن الكلبيّ: كان عديّ يهوى هند بنت النّعمان، وكان قد رآها في خميس الفصح تتقرّب في البيعة. (340) وإنّ النّعمان لمّا اطّلع على ذلك أزوجه بها وأمهله قليلا، ثمّ قتله. فترهّبت هند وحبست نفسها في الدّير المعروف بها، وهو دير هند، بظاهر الحيرة. فلم تزل فيه حتّى ماتت في زمن معاوية بن أبي سفيان، رضي الله عنه.
وقيل: إنّ المغيرة بن شعبة لمّا ولاّه معاوية الكوفة، وقد كان سمع بهند، فأتاها فاستأذن عليها، فأذنت له فدخل وبسطت له مسحا فجلس عليه، فقالت له: ما جاء بك أيّها الأمير؟ قال: جئتك خاطبا. فقالت: والصّليب، لو علمت أنّ فيّ بقيّة أو خصلة من شباب يرغّبك لأجبتك، ولكنّك أردت أن تقول: ملكت مملكة النّعمان ونكحت ابنته؛ بحقّ معبودك، أليس هذا <ما> أردت؟ قال: أي والله. قالت: فما سبيل إلى ذلك.
وقيل: إنّ هندا هذه كانت تهوى زرقاء اليمامة، وأنّها كانت أوّل امرأة أحبّت امرأة في العرب. وإنّ الزّرقاء كانت ترا الجيش عن <بعد> ثلاثة أيّام، فكانوا أهلها متحصّنون بقوّة نظرها، فلا يقدر عليهم عدوّ أبدا.
فغزاهم بعض أعدائهم فلمّا قربوا من مسافة نظرها، قالوا: كيف الوصول إليهم مع نظر الزرقاء؟ فاجتمع رأيهم على أن يقطع كلّ واحد من القوم
شجرة بحيث إذا حملها سترته. فقطعوا القوم ذلك وحملوا الشجر بأيديهم على الخيل وساروا. فأشرفت الزّرقاء كعادتها، فقال لها قومها: ما تري يا زرقاء؟ قالت: أرى شجرا يمشي، أو قالت: يسير. فقالوا: لشدّ ما كذبت عيناك! هل من شجر يسير؟ واستهانوا بها. فلمّا كان صبيحة ثالثهم دارت بهم القوم فأخذوهم على غرّة منهم، ونهبوا أموالهم وقتلوا منهم خلقا كثيرا، وأخذوا الزّرقاء فقلعوا عينيها فوجدوا (341) فيهما عروقا سودا.
فسئلت عن ذلك، فقالت: إنّي كنت أديم الاكتحال بالإثمد، فلعلّ هذا منه؛ وماتت بعد ذلك. فلمّا بلغ هند بنت النّعمان خبرها ترهّبت بالدير حزنا عليها، والله أعلم.
ومن جيّد شعر عديّ بن زيد العابديّ يقول (من الطويل):
وعاذلة هبّت بليل تلومني
…
فلمّا غلت في اللّوم قلت لها اقصدي
أعاذل من تكتب له النّار يصلها
…
كفاحا ومن يكتب له الفوز يسعد
أعاذل إنّ الجهل من لذّة الفتى
…
وإنّ المنايا للرّجال بمرصد
أعاذل ما يدريك أنّ منيّتي
…
إلى ساعة في اليوم أو في ضحى الغد
أعاذل ما أدنى الرّشاد من الفتى
…
وأبعده منه إذا لم يسدّد
كفى زاجرا للمرء أيّام دهره
…
تروح له بالواعظات وتغتدي
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه
…
فكلّ قرين بالمقارن مقتد
فلا تقصرن عن سعي من قد نصحته
…
وما اسطعت من خير لنفسك فازدد
وبالعدل فانطق إن نطقت ولا تمل
…
وذا الذّمّ فاذممه وذا الحمد فاحمد
عسى سائل ذو حاجة إن منعته
…
من اليوم سؤلا أن ييسّر في غد
إذا أنت لم تنفع بودّك أهله
…
ولم تنك بالبؤس عدوّك فابعد
ومن قوله البديع القصيدة التي أوّلها (من الخفيف).
أيّها الشّامت المغترّ بالدّهر
…
أأنت المبرّأ الموفور
أم لديك العهد القديم من الأيّام
…
إم أنت جاهل مغرور
أين كسرى كسرى الملوك أنو شر
…
وان أم أين قبله سابور
وبنو الأصفر الكرام ملوك
…
<الرّوم> لم يبق منهم مذكور