الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كان أبو كبير الهذليّ رآك ما قال إلاّ فيك. قال لها: «وما قال؟» فأنشدته قوله:
وإذا نظرت إلى أسرّة وجهه
…
برقت كبرق العارض المتهلّل
فسرّ بذلك وزاد وجههه تهلّلا صلى الله عليه وسلم وعظّم وكرّم.
ذكر من تلا هؤلاء من المبشّرين بظهور سيّد المرسلين
قد مضى القول فيمن ذكرناه، وفي هذا المجموع الحسن أثبتناه، من شعراء الجاهليّة والأوّلين، والفحول المفلقين، ونحن نتلوا ذلك بذكر المبشّرين، بسيّد المرسلين، وخاتم النبيّين محّمد، صلّى الله عليه وعلى آله الطاهرين.
(344)
فأوّل ما نذكر من هؤلاء الفتيان، من اعتزل في الجاهليّة عبادة الأوثان، وتوجّه للواحد الملك الديّان، مفرّق الأديان، الذي لا يشغله شأن عن شأن، ثمّ نذكر من اشتهر من العرب من الكهّان، المبشّرين بظهور سيّد ولد عدنان، صلّى الله عليه وعلى آله والصحابة أهل الشرف والجود والإحسان.
ذكر زيد بن عمرو بن نفيل، جاهليّ، وفيه حديث
هو زيد بن عمرو بن نفيل بن عبد العزّى بنسب متّصل إلى لؤيّ بن غالب، وأمّه جيداء بنت غالب بن جابر بن أبي حبيب بن فهم. وكانت جيداء عند نفيل بن عبد العزّى فولدت له الخطّاب، أبا عمر، رضي الله عنه. ثمّ مات عنها نفيل فأخذها عمرو، ولده، فولدت له زيد. وكان هذا
النكاح تنكحه الجاهليّة، حتّى أبطله الإسلام، وسمّي نكاح المقت، حسبما قدّمناه عند ذكر النّعمان بن المنذر والمتجرّدة زوجة أبيه.
وهذا زيد بن عمرو أحد من اعتزل عبادة الأوثان وامتنع من أكل ذبائحهم. وقال: <يا> معشر قريش، أيرسل الله قطر السماء وينبت بقل الأرض ويخلق السائمة فترعى فيه وتذبحونها لغيره؟ والله ما أعلم أحدا على ظهرها على دين إبراهيم غيري.
وروي محمّد بن الضحّاك قال: كان الخطّاب بن نفيل قد أخرج زيد ابن عمرو من مكة وجماعة من قريش ومنعوه أن يدخلها حين فارق عبادة الأوثان، وكان أشدّهم عليه الخطّاب بن نفيل. وكان زيد بن عمرو إذا خلا بالبيت استقبله ثمّ يقول: لبّيك لبّيك، حقّا حقّا، تعبّدا ورقّا، البرّ أرجو لا الخال، هل من مهجّر كمن قال (345، من الرجز):
عذت بما عاذ به إبراهيم
…
مستقبل الكعبة والحطيم
اقول أنفي لك راغم
…
مهما تجشّمني فإنّي جاشم
ثمّ يسجد. وكان يقول أيضا (من الرجز):
اللهمّ إنّي حرم لا حلّه
…
وإنّ داري أوسط المحلّه
عند الصّفا ليس بها مضلّه
<عن> أسماء بنت أبي بكر، رضي الله عنهما، قالت: قال زيد بن
عمرو بن <نفيل> (من الوافر):
عزلت الجنّ والجنّان عنّي
…
كذلك يفعل الجلد الصّبور
فلا العزّى أدين ولا ابنتيها
…
ولا صنمي بني طسم أدير
ولا عتما أدين وكان ربّا
…
لنا في الدّهر إذ حلمي صغير
أربّا واحدا أم ألف ربّ
…
أدين إذا تقسّمت الأمور
ألم تعلم بأنّ الله أفنى
…
رجالا كان شأنهم الفجور
وأبقى آخرين ببرّ قوم
…
فيربوا منهم الطّفل الصّغير
وقال ورقة بن نوفل لزيد بن عمرو بن نفيل (من الطويل):
رشدت فأنعمت ابن عمرو وإنّما
…
تجنّبت تنّورا من النّار حاميا
بدينك ربّا ليس ربّ كمثله
…
وتركك جنّان الجبال كما هيا
أقول إذا ما سرت أرضا مخوفة
…
حنانيك لا تظهر عليّ الأعاديا
حنانيك إنّ الجنّ كانت رجاءهم
…
وأنت إلهي ربّنا ورجائيا
أدين لربّ يستجيب ولا أرى
…
أدين لمن لا يسمع الدّهر واعيا
أقول إذا صلّيت في كلّ بيعة
…
تباركت قد أكثرت باسمك داعيا
معناه يقول: خلقت خلقا كثيرا يدعون باسمك.
روى عبد الله بن عمر، رضي الله عنه، قال: خرج زيد بن عمرو إلى الشام يسل عن الدين ويتّبعه، (346) ولقي عالما من علماء اليهود فسأله عن دينه وقال: لعلّي أدين بدينكم؛ فأخبرني عنه. قال اليهوديّ: إنّك لا تكون على ديننا حتّى تأخذ بنصيبك من غضب الله. فقال زيد: ولست أفرّ إلاّ من غضب الله، ولا أحمل من غضب الله من شيء. فهل تدلّني على دين ليس فيه هذا؟ قال: لا أعلمه إلاّ أن تكوم حنيفا. قال: وما الحنيف؟ قال: دين إبراهيم. فذهب من عنده وتركه فأتى عالما من علماء النّصارى فسأله نحو ما سأل عالم اليهود، فقال النّصرانيّ: إنّك لا تكون على ديننا حتّى تأخذ بنصيبك من لعنة الله. فقال: لا أحمل من لعنة الله ولا من غضبه شيئا، ولا أستطع، فهل تدلّني على دين ليس فيه هذا؟ فقال: لا أعلمه إلاّ أن تكون حنيفا. فخرج من عنده وقد رضي بما أخبراه به واتّفقا عليه من دين إبراهيم، صلوات الله عليه وسلّم.
وعن سعيد بن زيد وهاشم بن عروة بن الزّبير قالا: بلغنا أن زيد بن عمرو كان بالشام، فلمّا بلغه ظهور أمر سيّدنا وحبيبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ارتحل يريده ليقدم عليه، فقتل قبل وروده.
وعن سعيد بن زيد بن عمرو قال: سألت أنا وعمر بن الخطّاب