الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يا معاذ؟» فقال: رأيت اليهود يسجدون لأحبارهم، والنصارى لرهبانهم وقسّيسيهم، ففعلت مثلهم، وأنت أولى. فقال:«مه يا معاذ، كذبوا. إنّما السجود لله تعالى» . وقاله ابن عبّاس كذاك. والثاني: أنّه كان سجودا على الحقيقة لآدم، قاله مجاهد. والثالث: أنّه جعل آدم قبلة لهم وسجودهم لله تعالى، كما جعلت الكعبة قبلة للصلاة المختصّة بالمؤمنين، والصلاة لله ربّ العالمين. وقال ابن مسعود: سجدت الملائكة لآدم، وسجد هو لله تعالى. وقال أبيّ بن كعب: معنى سجودهم أنّهم أقرّوا لآدم أنّه خير وأكرم على الله منهم.
وعن عمر بن عبد العزيز: لمّا أمر الله الملائكة بالسجود لآدم، أوّل من سجد له إسرافيل، فأثابه الله أن كتب القرآن في جبهته.
(28) فصل
في قوله تعالى: {إِلاّ إِبْلِيسَ أَبى وَاِسْتَكْبَرَ}
أي امتنع وتعظّم، وكان بمعنى صار في علم الله أنّه من الذين وجبت عليهم الشقاوة. وقال السّدّيّ: لمّا امتنع إبليس من السجود قال <له> الله تعالى: {ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ} له؟ {قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ} قال: بماذا؟ قال: {خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} ألست الذي استخلفتني في الأرض وجعلتني حاكما عليها وعلى الملائكة، وألبستني الريش ووشّحتني
بالنور وتوّجتني بالكرامة، وجعلتني خازن السموات، وعبدتك ثمانين ألف سنة، وكنت من المقرّبين؟ فقال الله تعالى:{فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ، وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلى يَوْمِ الدِّينِ، قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ، قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ} . وقال ابن عبّاس: قال الله تعالى: {ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ} لما خلقت من يدي؟ منهم من أجراه على ظاهره ومنهم من قال: بقدر القدرة.
وقال أبو إسحاق الثّعلبي، رحمه الله، بإسناده عن أبي هريرة قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا قرأ ابن آدم السّجدة، وسجد، اعتزل الشيطان يبكي ويقول: يا ويله، أمر ابن آدم بالسجود فسجد، فله الجنّة، وأمرت بالسجود فأبيت فله النار» .
واختلفوا في الاستثناء المذكور في قوله: {إِلاّ إِبْلِيسَ أَبى} على قولين، أحدهما: أنّه استثناء من الجنس، فعلى هذا يكون إبليس من الملائكة. والثاني: أنّه استثناء من غير الجنس، فيكون إبليس من الجنّ، وقد بيّنّاه.
وذكر صاحب الملل والنّحل: أنّ أوّل شبهة وقعت في الخليقة شبهة إبليس. ومصدرها استبداده بالرأي في مقابلة النصّ (29) ومعارضة الأمر واستكباره بالمادّة التي خلق منها، وهي النار، على مادة آدم، وهي التراب.