الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التاريخ: أنّ أولاد يافث سبعة وثلاثون بطنا، لكلّ واحد منهم لغة يتكلم بها هو ونسله. منهم: الانسار والروس وبرجان والحرز (60) والترك والصقالبة ويأجوج ومأجوج وفارس ويونان وأصحاب جزائر البحر والصين والثغور وأمم لا تحصى.
ذكر يأجوج ومأجوج
. . .
يأجوج ومأجوج: فقد زعموا أنّ العامر من الأرض مائة وعشرين سنة. فقالوا: إنّ سبعون سنة منها ليأجوج ومأجوج، واثنا عشرة للسودان وثمانية للروم، والبقيّة لسائر الأمم، منها للعرب ثلاثة. ويأجوج ومأجوج أربعين أمّة مختلفة الألوان والقدود، ومنهم المشوهين الخلق.
ذكر السدّ الذي سدّه ذو القرنين على يأجوج ومأجوج
قال الشيخ جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن عليّ بن محمّد بن عليّ بن الجوزيّ في تاريخه المعروف بمرآة الزمان: روى أبو الحسين ابن
المناديّ بإسناده: لمّا عزم ذو القرنين الأكبر على المسير إلى مطلع الشمس، أخذ طريق كابل والهند وبلاد تبت، فتلقّته الملوك بالتّحف والأموال والهدايا، فانتهى إلى الحصون المعطّلة، وقد بقيت فيها بقايا.
فسألوه أن يسدّ الرّدم. فنزل ومعه الصّنّاع، واتّخذ قدورا من حديد، كبار كالخوابي. وأمر أن يجعل كلّ أربعة من تلك القدور على ديدكان، طول كلّ واحد خمسون ذراعا. وأمر الصنّاع أن يضربوا لبن الحديد، فضربوها، طول كلّ لبنة ذراع ونصف، وسمكها شبرا بالكبير. وبنوا السّدّ وجعلوا من وسطه بابا عظيما، عليه مصراعين، كلّ مصراع خمسون ذراعا، وعليه قفل نحو عشرة أذرع. فلمّا فرغ من بناء السدّ، أضرم عليه النار، فصار معجونا كأنّه حجر واحد.
قال أبو الحسين ابن المنادي: حدّثني أبي، قال: سمعت ابن خرداذبه، قال: سمعت سلاّم التّرجمان يحدّث، وأنا أسمع: أنّ الواثق بالله، أمير المؤمنين، (61) لمّا رأى في المنام أنّ السدّ الذي سدّ على يأجوج ومأجوج قد انفتح، أمر في أن أتوجّه إليه وآتيه بخبره عيانا،
وضمّ إليّ خمسين رجلا من أرباب البيوت، كبار في قومهم. ووصلني بخمسة آلاف دينار، وأعطاني بعدها دية نفسي: عشرة آلاف درهم، وأمر أن يعطى كلّ رجل توجّه معي عطاءة عن سنتين معجّلة، وأنعم على كلّ واحد بعد ذلك بمائة دينار، وجهّزني في مائتي بغل تحمل زادنا وماءنا.
فشخصنا من سرّ من رأى وعلى أيدينا كتاب من الواثق إلى إسحاق ابن إسماعيل، وهو يومئذ صاحب أرمينية. فكتب لنا إسحاق إلى صاحب السرير، وكتب لنا صاحب <مملكة> السّرير إلى ملك اللاّن، وكتب لنا ملك اللان إلى قيلانشاه، وكتب لنا قيلانشاه إلى ملك الخزر. فأقمنا عند ملك الخزر أيّاما لأجل الراحة، ثمّ وجّه معنا خمسين رجلا أدلاّء، فسرنا من عنده خمسة وعشرون ليلة، ثمّ انتهينا إلى أرض سوداء منتنة الريح. وقد كنّا تزوّدنا معنا قبل دخولنا إليها طيبا نشمّه لمنع تلك الرائحة الكرهة. فسرنا فيها عشرة أيّام، ثمّ صرنا إلى مدن خراب، فسرنا فيها تسعة وعشرون أيام.
فسألنا عن تلك المدن فخبّرونا أنّها المدن التي كان يأجوج ومأجوج يطرقونها حتّى أخربوها. ثمّ صرنا إلى حصون خربة وبعضها عامرة بالقرب من الجبل الذي فيه السدّ، وفي تلك الحصون قوم يتكلّمون بالعربيّة
والفارسيّة، مسلمون يقرؤون القرآن، لهم كتاتيب ومساجد. فسألوا: من أين أقبلتم؟ فأخبرناهم أنّا رسل أمير المؤمنين. فأقبلوا يتعجّبون لذلك ويقولون: أمير المؤمنين؟! قلنا: نعم. فقالوا: وكم يكون له من العمر الطويل كذا من عام؟ فقلنا: بل ممات حسن. فتعجّبوا لذلك (62) وقالوا:
أين يكون مقامه؟ قلنا: بالعراق، في مدينة يقال لها: سرّ من رأى. فقالوا:
ما سمعنا بهذا قطّ.
ثمّ أكرمونا وعادوا يتبرّكون بنا. ووجّهوا معنا من جهتهم من وصّلنا إلى ذلك الجبل، فإذا هو جبل أملس، ليس به خضرا، شاهق إلى العنان، ليس عليه طريق، ولا إليه تسليق، مقطوع بواد عرضه مائة وخمسون ذراعا. وإذا عضّادتان مبنيّتان ممّا يلي شعب في ذلك الجبل، من جنبي ذلك الوادي، عرض كلّ عضّادة خمسة وعشرون ذراعا، الظاهر من تحتها عشرة أذرع خارج الباب، وعليه بناء بلبن من حديد مغيّب في نحاس، في سمك خمسين ذراعا. وإذا دروند من حديد، طرفاه على العضّادتين، طوله مائة وعشرون ذراعا، قد ركّب على العضّادتين، على كلّ واحدة بمقدار عشرة أذرع في عرض خمسة أذرع، وفوق الدّروند بناء بذلك البن الحديد المغيّب في النحاس إلى رأس الجبل، في ارتفاعه مدّ البصر، وفوق ذلك شرف حديد، في كلّ شرفة قرنان، تنثني كلّ واحدة منهما على الأخرى، وإذا باب من حديد بمصراعين مغلقان، عرض كلّ مصراع خمسون ذراعا في ارتفاع مائة ذراع في سماكة عشرة أذرع وقيامتاهما في دوّارة قدر
الدروند، وعلى الباب قفل طوله عشرة أذرع في سمك ذراعين ونصف في الاستدارة وارتفاع القفل من الأرض خمسون ذراعا. وفوق القفل بمقدار خمسة أذرع غلق طوله أكثر من طول القفل، وقفيز كلّ واحد منها ثلاثة أذرع، وعلى الغلق مفتاح معلّق طوله ذراعين ونصف، وله اثنا عشر سنّة، كلّ سنّة كالهاون، معلّق في سلسلة طولها ثمان أذرع في استدارة أربعة أشبار. (63) والحلقة التي فيها السلسلة مثل حلقة المنجنيق العظيم، وعتبة الباب علوّ عشرة أذرع في بسط مائة ذراع، سوى ما تحت العضّادتين، الظاهر منها خمسة أذرع. وهذا الذرع كلّها بالذراع السوداء.
ورئيس تلك الحصون يركب في كلّ جمعة في عشرة فوارس، مع كلّ فارس مرزبّة حديد، وزن كلّ واحدة خمسون ومائة منّا. فيضرب القفل تلك المرزبّات في كلّ جمعة عدّة ضربات، ليسمع من وراء ذلك الباب الصوت وحسّ الضرب فيعلمون أنّ هنالك حفظة، ويعلموا أنّ هولائك لم يحدثوا في الباب حدثا؛ فهذا دأب سكان تلك الحصون.
فلمّا كان من غد يوم، وصلنا إلى السدّ، حضر رئيس تلك الحصون ومعه تلك الفوارس، وضربوا ذلك القفل، وصنتنا، فإذا من وراء الباب غوير ودويّ عظيم، يدلّ على عالم كبير جدا. . . من بعد المكان حصن كبير، يكون بقدر عشرة فراسخ تكسير مائة فرسخ. وعند ذلك الباب حصنان، يكون كلّ حصن منهما مائتي ذراع ارتفاع، مع دور. وعلى باب هذين الحصنين شجرتين، وبين الحصنين عين ماء عذبة. ورينا في أحد الحصنين آلة البناء الذي كان قد بني به السدّ، من القدور الحديد والمغارف الحديد والآلات التي كانت لتلك الصنّاع. والقدور شبه قدور الصابون، لكن أكبر منهم، مركّبة على كلّ ألفيّة أربع قدور. وهناك بقيّة من اللّبن الحديد، وقد التزق بعضها ببعض من الصدأ وطول العهد. والبنة ذراع ونصف طول، في نصف ذلك عرض، في سمك شبر ونصف. فتحيلنا حتى خلّصنا لبنة، وأحضرناها معنا للواثق. وسألنا من تلك الأقوام: هل رأيتوا أحدا من يأجوج ومأجوج؟ فذكروا أنّهم رأوا مرّة عددا منهم فوق الشّرف، فهبّت ريح سوداء فألقتهم (64) إلى جانبهم الذي يليهم، وكان مقدار الرجل منهم في رأي العين من هذا البعد وعلوّه تقدير الشبر ونصف ذراع، ولحاهم تلعب بها الريح.
قال سلاّم التّرجمان: فلمّا عاينّا ذلك وكتبنا بذلك أوراقا، ووضعنا خطوطا، وأخذنا خطوط تلك القوم المجاورون لتلك الديار، ثمّ أخذتنا الأدلاّء إلى ناحية خراسان، فسرنا إليها حتّى خرجنا من خلف سمرقند سبع فراسخ، وقد كان أصحاب الحصون زوّدونا ما كفانا. ثمّ صرنا إلى عبيد الله بن عبد الله بن طاهر، فوصلني بمائة ألف درهم، ووصل لكلّ واحد من أصحابي بألف درهم، وزوّدنا أتمّ زوادة، ورجعنا إلى سرّ من رأى، بعد غيبة ثمانية وعشرون شهرا، حتّى أتينا الخليفة فأخبرناه بذلك.
ومن رواية المسعوديّ: أنّ يأجوج ومأجوج فيهم من طوله الشّبر والشبران، ومنهم من هو أطول من ذلك، ومنهم من يفرش إحدى أذنيه ويتغطا بالأخرى، ومنهم من له ذنب وقرن وأنياب بارزة، ومنهم مشيته وثب، ويأكلون سائر اللحوم نية، بغير شيّ ولا صلق، ويأكلون لحوم الناس من بني آدم وجميع حساش الأرض. وكانوا قبل ذلك يغيرون على تلك الحصون والمدن المذكورة حتّى أخربوها، حتّى سدّ عليهم ذي