الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حديث طويل. ثمّ اتّفقا على قتل أرمانيوس فسقته سمّا في شرابه، فعجّلت عليه بهلاكه.
واستقرّ فرغان بالملك؛ وإنّه تجبّر وعتا وغصب الناس أموالهم وعمل ما لا يفعله ملك غيره، وأسرف في القتل وإهراق الدماء، وهابته الناس والملوك.
وكتب إلى الدرمشيل <ملك بابل> يشير عليه بقتل نوح، عليه السلام، وذلك أنّ الدرمشيل كان كتب إلى سائر الآفاق من الملوك يقول:
هل تعلمون آلهة غير الأصنام؟ ويذكر لهم ما جاء به نوح، عليه السلام.
فأجاب فرغان، وأشار عليه بقتل نوح، صلوات الله عليه، فأحماه الله، عز وجل، منه حسبما تقدّم من الكلام.
وفي زمان فرغان كان الطوفان، وغرّق الله فرغان الملك، وهلك مع جملة من هلك بالطوفان، ولم تغن عنه معاقله ولا أهرامه شيئا. واستقرّت الأرض بولد نوح، عليه السلام، حسبما ذكرنا من قبل، والله أعلم.
ذكر الكهّان من بعد الطوفان إلى حين خراب مصر
فأمّا الكهّان بعد الطوفان إلى حين خراب مصر على يد بخت نصر الفارسيّ فكثير، ونحن نذكر ما تصل إليه القدرة ملخّصا، إن شاء الله تعالى، ليكون تاريخنا هذا يتلوا بعضه بعضا، زمان بعد زمان، بعون الله وحسن توفيقه.
(88)
فأوّلهم كارباه بن أفليمون، كان ركب السفينة مع أبيه أفليمون، وتزوّج أخته كركندة بنت أفليمون الكاهن مصر بن بيصر بن حام، وهم الذين خرجوا إلى مصر في عدّة ثلاثين نفر. وعمّروا منف واسمها: مأفه، تفسيرها: ثلاثين. وكانوا مؤمنين موحّدين على دين نوح، عليه السلام.
ولم يكن اسم الكهانة عندهم عيبة، بل كان الكاهن كالحاكم الذي لا يعصى.
وأوّل من عمل بالكهانة بعد كارباه بن أفليمون، وغيّر الدين، وتعبّد الكواكب: البودشير بن قفطريم بن مصريم بن بيصر بن حام، وكان ملكا بعد أبيه. وهذا الملك تذكره جميع الكهنة من المصريّين والقبطيّين، يعظّمونه في مصاحفهم ويقولون: إنّه من أجلّ ملوكهم، وأعظم حكمائهم، وأعلم كهنتهم. وعمل النواميس العظام، وبنا البرابي، وزبر العلوم وتعبّد للكواكب.
وتزعم القبط أنّ الكواكب كانت تخاطبه، وله عجائب كبيرة، منها أنّه استتر عن الناس بعد سنين من ملكه، وكان يظهر لهم وقتا بعد وقت في
السنة، عند نزول الشمس الحمل، فيدخل الناس إليه، ويخاطبهم، ويأمرهم بما يفعلونه، ويحذّرهم بما يكون من أمر أعدائهم، وهم لا يرونه، بل يسمعون خطابه من غير أن يروا شخصه.
ثمّ إنّه ظهر لهم يوم نزول الشمس الحمل، وكانوا يخرجون له وعليهم الحليّ والحلل من الجواهر واليواقيت والذهب السبك، وبأيديهم الجواكين الذّهب، ومعهم سائر أصنام الملاهي والمطربات، ويخرجون إلى ظاهر البلد في الأماكن المستترة، ويتلون أسماء علّمهم <إيّاها>، ويقولون في مخاطبة الشمس، ويقطعون هذه الحشيشة المعروفة بكركاوش، ويبخّرونها بأنواع الطيب ويدعونها في جيوبهم، ويتقدّمون قليلا قليلا وهم في سمت ووقار (89) وهيبة عظيمة، والملاهي تضرب بحشمة ورئاسة، والناس على مراتبهم، وكلّ طبقة على قدر طبقها عند الملك. ويخرج من العامّة من له حاجة عند الملك، فيفعل كفعلهم. فعندما تنزل الشمس بنقطة الحمل، يظهر لهم الملك في عين الشمس، جالس على سرير من الجوهر، فيكلّمهم بما يختارونه، ويعطى كلّ أحد سؤلة. فهذا كان أصل قطع هذا الكركيش، والله أعلم.
ثمّ إنّ هذا الملك غاب عنهم، فلم يعودوا يرونه، واختلفت فيه الأقاويل. ثمّ ظهر لهم وأمرهم: أنهم لا يقطعون هذه السنّة يوم نزول الشمس الحمل، فإنّ سائر حوائجهم تقضا، وعرّفهم أنّه لا عادوا يرونه
بعدها، وأمرهم أن يقلّدوا الملك للملك عديم بن قفطريم، ففعلوا ذلك.
واستسنوا الخروج في كلّ عام إلى خدمة الشمس، وقطع بعده الحشيشة، وقد زعموا أنّ من حفظ هذه الأسماء التي لعزيمتها وفعل هذا الفعل، فإنّ حاجته تقضا، كائن ما كان، والله أعلم.
وأمّا مرورة الكاهنة، فإنّها امرأة منهم، من أهل بيت الملك، يقال:
إنّها بنت أخت البودشير، وأنّه ألقى إليها كهانته. وهي التي بنت برباة إخميم. وكان المتكفّل ببنائها: إخميم الكاهن من قبل مرورة الكاهنة.
وعملت الطلسمات العظيمة، والأصنام الناطقة بمدينة منف. ولم تزل الكهانة في أهل بيتها.
وذكر في هذا الكتاب القبطيّ، أنّها عملت طلّسما منعت الوحوش والطير أن تشرب من ماء النيل. وسبب ذلك، أنّها التي بنت الحيط الحجوز، ومنعت من أن يرد النيل بهائم إلاّ بأمرها، وبما قرّرته عليهم.
فسمعت راعيا يقول: لم لا تمنع الوحش والطير، إن كان لها يد؟ ففعلت ذلك، حتّى هلك أكثر الوحش والطير عطشا.
وإنّ الله تعالى أرسل ملكا، فصاح بها صيحة ارتجّت الأرض بها،
(90)
وتشقّقت جبالها، وأهلكها الله تعالى. وقيل: إنّها كانت تطير في الهوى، والملائكة تضربها بأجنحتها. ولها أحوال كثيرة منكرة، أضربت عنها، والله أعلم.
وقيل: إنّ التي بنت حيط الحجور: دلّوكة، الكاهنة. والله أعلم أيّهما كانت.
وأمّا شموان الأشمونيّ، فيقال: إنّه هرمس الأوّل، الذي بنا بيت التماثيل التي يعرف بها مقادير النيل عند جبل القمر. وعمل للشمس هناك هيكلا. وتنقل عنه أقوالا تخامر العقل. وكان يختفي عن أعين الناس وهو بينهم، ولا يرونه. وهو الذي بنا الأشمونين. وإنّما سمّيت باسمه: شموان الأشموني، فثقل هذا الاسم، فقيل: الأشمونين. وبنا مدينة أنصنا، واتّخذ فيها الأعلام والملاعب. وعمل في سفح الجبل الشرقيّ مدينة يقال لها:
أوطراطيس. وجعل فيها من العجائب شيئا كثيرا، وجعل لها أربعة أبواب من أربعة جهات. فجعل على الباب الشرقيّ صورة عقاب، وعلى الباب الغربيّ صورة ثور، وعلى القبليّ صورة أسد، وعلى البحريّ صورة كلب.
وأسلك فيهم الروحانيّات، فكانت تنطق إذا قصدها قاصد من تلك الجهات، أو تحرّك عدوّا من تلك الجهات الأربع، فيصيح ذلك التمثال،