الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لأنهم لا يبنون عليه إرثاً أو مصاهرة أو مناصرة. فإن أراد المؤلف أن يتعاظم أمام طلابه في الجامعة بأنه يشك أو ينكر حيث يتيقن أهل العلم أو يتفقون، فقد تصوَّر هذه الطائفة القليلة المستنيرة بمكان البله والغباوة.
وإذا ضل عن المؤلف الطريق العلمي لمعرفة أنساب هؤلاء الشعراء، فليمش إليه على الطريق الذي عرف به أن في قبائل العرب قبيلة يقال لها: كندة، وأن عبد الرحمن الأشعث هو ابن محمد الأشعث، وأن محمد الأشعث هو ابن الأشعث، وأن الأشعث هو ابن قيس، وأن نسب آل الأشعث يتصل بقبيلة كندة (1). ومن بديع منطق المؤلف أن يتماثل الطريقان إلى الغاية، فيرضى عن أحدهما، ويسخط على الآخر، كان إنكاره أو شكه اختياري يستدعيه متى يشاء، ويصرفه في الوقت الذي يريد!.
*
اختلاف لغات العرب العدنانية:
ذكر المؤلف أن مسألة النسب لا تعنيه الآن، وأنه سيعرض لها إذا اقتضت مباحث هذا الكتاب أن يعرض لها.
ثم قال في (ص 31): "إنما المسألة التي تعنينا الآن، وتحملنا على الشك في قيمة هذه النظرية -نظرية تنقل الشعر في قبائل عدنان قبل الإسلام - مسألة فنية خالصة. فالرواة مجمعون على أن قبائل عدنان لم تكن متحدة اللغة، ولا متفقة اللهجة قبل أن يظهر الإِسلام فيقارب بين اللغات المختلفة، ويزيل كثيراً من تباين اللهجات. وكان من المعقول أن تختلف لغات العرب العدنانية، وتتباين لهجاتها قبل ظهور الإسلام".
(1) تحدث بهذا في (ص 134 - 137).
تختلف لهجات القبائل العربية اختلافاً لا يخرجها عن أن تعد لساناً واحداً، وأن يكون هذا اللسان ذا قوانين تجري في هذه اللهجات بأسرها.
تختلف في معاني بعض الكلمات، أو بتغاير بعض حروفها، أو هيئتها من حركة وسكون، أو صفتها كالإمالة والتفخيم، أو بقلبها، أو بالزيادة فيها، أو النقص منها، وتختلف في حروف معدودة بالإعراب والبناء، وبإعمال بعض الأدوات وإهمالها.
ولا تزال هذه الوجوه من الاختلاف محفوظة في كتب اللغة والنحو، بيد أن علماء العربية قد يعزون الكلمة أو اللهجة إلى القبيلة المختصة بها، وربما ذكروا أنها لغة من غير عزو إلى قبيلة بعينها.
ولم تشتد عنايتهم بذكر اسم القبيلة عند كل كلمة ترد على وجهين أو وجوه؛ لأنهم أصبحوا ينظرون إلى هذه اللهجات بمرآة عامة هي اللغة العربية، فصارت تلك الحروف على اختلاف وجوهها وأحوالها- مندرجة تحت اسم هذا العنوان الشامل، ولهذا تسمعهم يجعلون للمتكلم الخيار في أن ينطق بأي حرف شاء، وعلى أي وجه اتفق له، وهو معدود في كل حال ناطقاً بالعربية. قال ابن فارس بعد أن ذكر الوجوه التي تختلف بها لغات العرب:
"وكل هذه اللغات مسماة منسوبة لأصحابها، لكن هذا موضع اختصار، وهي وإن كانت لغة قوم دون قوم، فإنها لما انتشرت، تعاورها كلٌّ (1) ".
وقال ابن جني في كتاب "الخصائص": "اللغات على اختلافها كلها حجة، والناطق على قياس لغة من لغات العرب مصيب غير مخطئ". وقال أبو حيان في "شرح التسهيل": "كل ما كان لغة لقبيلة صحّ القياس عليه".
(1)"الصاحبي"(ص 22).