الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأحلام وصحة العقول، وذكر العرب وما فيها من الدهاء والنكراء والمكر، ومن بلاغة الألسنة واللدد عند الخصومة، فقال:{فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ} [الأحزاب: 19].
ثم ذكر خلابة ألسنتهم واستمالتهم الأسماع بحسن منطقهم، فقال:{وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ} [المنافقون: 4].
ثم قال: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [البقرة: 204].
مِع قوله: {وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ} [البقرة: 205].
فهذا مما يرفع الثقة بزعم المؤلف أنه صاحب نظرية "أن في القرآن مرآة للحياة الجاهلية".
*
الجاهليون المجادلون:
قال المؤلف في (ص 25): "وفيما كانوا يجادلون ويخاصمون ويحاصرون؟ في الدين، وفيما يتصل بالدين في هذه المسائل المعضلة التي ينفق الفلاسفة فيها حياتهم دون أن يوفقوا إلى حلها: في البعث، في الخلق، في إمكان الاتصال بين الله والناس، في المعجزة، وما إلى ذلك".
تظهر قوة العقل من ثلاث جهات:
أولها: طريق الجدل في الآراء العلمية المستندة إلى التجارب، أو قياس النظير على النظير.
ثانيها: طريق الجدل في الآراء المستندة إلى حجج العقل؛ كالبحث فيما وراء الطبيعة.
ثالثها: الحديث في شؤون الأفراد والجماعات.
ونحن نعلم أن ذكاء الناس ونبوغهم يختلف في هذه الطرق اختلافاً كثيراً، فمنهم من يجيدون النظر في الطريق الأول أو الثاني، حتى إذا أخذوا بالحديث في الطريق الثالث، كانوا بمنزلة قوم لا يبصرون، ومنهم من تظهر ألْمعيتهم في الطريق الثالث، ولا يكادون يصرفون أنظارهم في الطريق الأول أو الثاني إلا رأيتهم كالأنعام أو أضلّ سبيلاً.
والقرآن يصف أولئك الجاهليين بشيء من العلم بهذه الحياة، فقال:{يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الروم: 7].
وقال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [البقرة: 204].
وهذا العلم يرجع إلى بعض شؤون الأفراد والجماعات، وما دخل تحت تجاربهم من السنن الكونية. ويصفهم -مع هذا- بسعة العارضة، واللدد في الخصومة اللذين هما أثر من آثار المهارة في هذا الفن من العلم، وقد يستحق هذا الوصف من يأخذ الشُّبه التي تعرض لمن له حظ من النباهة الفطرية، ويلقيها في زخرف من فصاحة، وحلية من بيان، حتى إذا طلعت الحجة، ذهب زخرف الفصاحة وحلية البيان، وبقي قصر النظر، أو خطل الرأي مكشوفاً بارزًا. وصف القرآن أولئك الجاهليين المجادلين بشيء من العلم بهذه الحياة، والمهارة في فن الجدل، ونعى عليهم الجهل بأمر البعث والخلق، والصلة بين الخالق والمخلوق، وضعف بصيرتهم عن إدراك المعجزة، وما إلى ذلك من مذاهب مطموسة الأثر، وآراء لا منشأ لها إلا الأذواق المعتلة والشهوات الطاغية، ولمثل هذا تجده لا يصفهم بخلابة البيان، أو العلم بظاهر من هذه الحياة، إلا نقم عليهم خطل الآراء فيما لا يقع تحت أبصارهم أو تجاربهم، ونعى عليهم سفهها في تزيين بعض قبائحهم،