الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حين أثبت أن هذا وما يشبهه مما يضاف إلى تبع وحمير موضوع منتحل.
ثم قال في (عى 76): "وابن إسحاق، ومن إليه من أصحاب القصص لا يكتفون بالشعر يضيفونه إلى عاد وثمود وتبع وحمير، وإنما هم يضيفون الشعر إلى آدم نفسه، فهم يزعمون أنه رثى هابيل حين قتله أخوه قابيل. ونظن من الإطالة والإِملال أن نقف عند هذا النحو من السخف".
هذا الشعر الذي ينسب إلى آدم عليه السلام قد أنكره كثير من أهل العلم. فهذا صاحب الكشاف يقول في شأنه: "هو كذب بحت، وما الشعر إلا منحول ملحون". وقال الرازي: "ولقد صدق صاحب "الكشاف" فيما قاله؛ فإن ذلك الشعر في غاية الركاكة، لا يليق إلا بالحمقى". وأورد هذا الشعر سبط ابن الجوزي في "مرآة الزمان"، وقال:"هذا ما ذكره الثعلبي، وهو شعر ركيك مزحوف، وقد أنكر ابن عباس هذا الشعر، وقال: من قال: إن آدم قال شعراً، فقد كذب على الله ورسوله". وإذا كان علماء الأدب والتفسير قد نبهوا على أن الشعر المضاف إلى آدم وعاد وثمود وتبع وحمير منحول مصطنع، فلا مزية للمؤلف في حديثه هذا إلا أنه ساق الكلام في صورة تضع في نفس القارئ أن شعرآدم لم يتعرض لإنكاره أحد من قبله.
*
الاستشهاد على القرآن بالشعر:
عاد المؤلف إلى الحديث عن الشعر الذي يستشهد به الرواة والمفسرون على ألفاظ القرآن ومعانيه.
حتى قال: "فحرصوا على أن يستشهدوا على كل كلمة من كلمات القرآن بشيء من شعر العرب، يثبت أن هذه الكلمة القرآنية عربية، لا سبيل إلى الشك في عربيتها".
وقال في (ص 77): "وإنما نعيد شيئاً واحداً، وهو أننا نعتقد أنه إذا كان هناك نص عربي لا تقبل لغته شكاً ولا ريبًا، وهو لذلك أوثق مصدر للغة العربية، فهو القرآن. وبنصوص القرآن وألفاظه يجب أن يستشهد على صحة ما يسمونه الشعر الجاهلي، بدل أن نستشهد بهذا الشعر على نصوص القرآن. ولست أفهم كيف يتسرب الشك إلى عالم جاد في عربية القرآن واستقامة ألفاظه وأساليبه ونظمه على ما عرف العرب أيام النبي من لفظ ونظم وأسلوب".
لم يستشهد العلماء على كل كلمة من كلمات القرآن بشيء من شعر العرب؛ فإن أغلب كلامه ظاهر لا يحتاج في تقرير معناه أو وجه إعرابه إلى شاهد، وقد سبقت لنا كلمة في هذا الصدد، ونقلنا لكم ما قال الرازي وابن حزم فيما أنكراه على بعض النحاة من الاستشهاد على القرآن بالشعر، أو توقفهم في الاستشهاد بالقرآن، وإنما نعيد شيئاً واحداً، وهو أن إنكار الاحتجاج بالشعر على القرآن رأي قديم، وزعم المؤلف أنه الصانع له تغييرٌ في تاريخ أدب اللغة العربية، وما كان لأستاذ الآداب أن يغير تاريخها إلى حد أن يأخذ الرأي الذي نشأ في المئة الثالثة أو الرابعة أو الخامسة، ويجعله ابن المئة الرابعة عشرة. وليس التصرف في تاريخ الآراء بأقل جناية من أن يدَّعي لطلابه: أن الرازي، أوابن حزم، أو أبا بكر بن الأنباري من علماء هذا العصر، وأنهم لا زالوا أحياء يرزقون.
يقول أبو بكر الأنباري (1): "قد جاء عن الصحابة والتابعين كثيراً الاحتجاجُ
(1)"الإتقان"(ج 1 ص 119).
على غريب القرآن ومشكله بالشعر، وأنكر جماعة لا علم لهم على النحويين ذلك، وقالوا: إذا فعلتم ذلك، جعلتم الشعر أصلاً للقرًان. قالوا: وكيف يجوز أن يحتج بالشعر على القرآن، وهو مذموم في القرآن والحديث؟ ". ثم قال؛ "وليس الأمر كما زعموه من أنا جعلنا الشعر أصلاً للقرآن، بل أردنا تبيين الحرف الغريب من القرآن بالشعر؛ لأن الله تعالى قال:{إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} [الزخرف: 3].
وقال: {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} [الشعراء: 195].
وإن شئت حديثاً يزيدك ثقة بما قال أبو بكر بن الأنباري في جواب جماعة لا علم لهم، فإليك الحديث:
في القرآن كلمات ذات معان مفردة يعرفها الجمهور من الناس، وهذه الكلمات لا يحتاج مفسر الآية إلى الاستشهاد عليها بشيء من الشعر أو النثر.
وفي القرآن كلمات ذات معان متعددة، ومن هذه المعاني ما هو معروف متداول في الاستعمال، ومنها ما ليس كذلك، فإذا اقتضت البلاغة في نظر المفسر أن يحمل مثل هذه الكلمات على معنى غير المعنى المعروف لدى الجمهور، احتاج إلى الاستشهاد بمنظوم أو منثور تكون دلالته على هذا المعنى واضحة، حتى لا يتردد في قبول التفسير من لم يقف على أن هذه الكلمة قد تستعمل عربية في غير ما هو مألوف لدى الجمهور.
وفي القرآن كلمات غريبة يحتاج المفسر عند بيان معناها إلى الاستشهاد بشيء من كلام العرب، حتى يعلم طالب العلم أن التفسير لم يخرج عن حدود اللسان العربي، فيطمئن إلى صحة التفسير، لا إلى أن القرآن عربي، فإن هذا لا يشك فيه أحد مطلق الرجلين يطوف أنى شاء، ويلتقي بمن شاء.