الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ليس الانتحال مقصوراً على العرب
*
الاطلاع على تاريخ الأمم القديمة:
ذكر المؤلف في بدء هذا الفصل: أنه يجب على الباحث أن يتعود درس تاريخ الأمم القديمة؛ ليفهم تاريخ الأمة العربية على وجهه. وقال: إذا كان هناك شيء يؤخذ به الذين كتبوا تاريخ العرب وآدابهم، فلم يوفقوا إلى الحق فيه، فهو أنهم لم يلمّوا إلمامًا كافياً بتاريخ هذه الأمم القديمة، أو لم يخطر على بالهم أن يقارنوا بين الأمة العربية والأمم التي خلت من قبلها.
ثم قال في (ص 43): "والحق أنهم لو درسوا تاريخ هذه الأمم القديمة وقارنوا بينه وبين تاريخ العرب، لتغير رأيهم في الأمة العربية، ولتغير بذلك تاريخ العرب أنفسهم".
الاطلاع على تاريخ الأمم القديمة يفيد في درس تاريخ العرب وآدابهم، وهذا الاطلاع إنما يفيد الباحث الذي يستقبل الحقيقة بنظر مستقل، وقلب خالص من التحيز إلى ناحية، فإن كان المطلع على تاريخ الأمم القديمة يحمل فكرًا غير منتظم، أو كان يحمل للأمة العربية ازدراء وجفاء، كان اطلاعه شراً من عدم اطلاعه، وكذلك حال وسائل الخير إذا وقعت إلى يد لم تكن مستعدة لأن تعمل صالحاً.
إن الذي يتلقى تاريخ الأمم القديمة كما يتلقاه القرطاس بسذاجة، أو بما معه من بحث وتعليل، لا ينتظر منه أن يتناول تاريخ العرب وآدابهم، فيجيد النظر، ويحسن القياس، وينبت في الأدب نباتًا حسناً، فإذا ضم إلى عجزه عن التفكير الصحيح نزعة شعوبية، ثم ترامى على قياس الوقائع بأشباهها، رأيت الواقعة العربية تقاس على الواقعة اليونانية أو الرومانية في حال أن الواقعتين يفترقان مبدأ، ويختلفان أثراً. وهذا كتاب "في الشعر الجاهلي" قد خاض في تاريخ الأدب العربي، ومؤلفه مُلمّ بجانب من تاريخ اليونان والرومان، ولم يأت هذا الكتاب بقياس مقبول، أو رأي محدث سليم، ونحن لا نرى سبباً لعدم توفقه سوى أن مؤلفه يبحث في غير رفق وأناة، ويحرص على أن يهضم حق العرب بعد الاسلام.
هل يجد المطلع على تاريخ اليونان والرومان أثراً يتصل بموضوع الشعر الجاهلي أكثر من أن شعراً كثيراً اصطنع في هاتين الأمتين، وحمل على القدماء من شعرائهم، أو على شعراء خياليين؟ وهل يستطيع الباحث الملمّ بذلك التاريخ أن يبني على هذا الأثر شيئاً سوى إمكان أن يكون رواة الشعر الجاهلي قد نظموا شعراً، وعزوه إلى القدماء زوراً وكذباً؟.
أنصار القديم يسلمون باحتمال أن يكون في هذا الشعر الجاهلي ما هو مختلق مصنوع، بل يقولون: إن من هذا الشعر ما هو مختلق لا محالة. وإذا لم يكن لإلمامهم بتاريخ اليونان والرومان أثر في قضية الشعر الجاهلي، سوى أن يخطر على بالهم احتمال أن يكون هذا الشعر مصنوعاً كالشعر المعزو إلى قدماء اليونان والرومان، فإن علماء اللغة والأدب قد انتهوا إلى هذه الغاية قبل أن يعلموا أن من شعر تينك الأمتين ما هو محمول على قدمائهم، وشاهد