الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكما في تاريخ ابن خلكان، أو في سنة 156 وكما في "الفهرست" لابن النديم، والقصة يلقب فيها المهدي أمير المؤمنين، والقصر المذكور في هذه القصة إنما بناه المهدي بعد تقلده للخلافة، وهو لم يجلس على عرش الخلافة إلا في سنة 158 هـ.
ولهذا النقد قسط من الوجاهة؛ فإنك تجد في القصة أن الخادم خرج، وقال: يا معشر من حضر من أهل العلم! إن أمير المؤمنين يعلمكم أنه قد وصل حمّاداً بعشرين ألف درهم؛ لجودة شعره، وأبطل روايته؛ لزيادته. وتجد فيها أن حمّاداً والمفضّل دخلا على المهدي في داره بعيساباذ. وفي "تاريخ ابن جرير الطبري": أن المهدي بني في سنة 164 بعيساباذ الكبرى قصراً من لبن إلى أن بني قصره الذي بالآجر، وسماه: قصر السلامة.
*
خلف ووالبة بن الحباب:
قال المؤلف في (ص 121): "فأما خَلَف، فكلام الناس في كذبه كثير. وابن سلام ينبئنا بأنه كان أفرس الناس ببيت شعر، ويتحدثون أنه وضع لأهل الكوفة ما شاء الله أن يضع لهم، ثم نسك في آخر أيامه، فأنبأ أهل الكوفة بما كان قد وضع لهم من الشعر؛ فأبوا تصديقه".
يقول المؤلف: كلام الناس في كذب خَلَف كثير، ويورد شاهداً على هذا جملة يختطفها من حديث ابن سلام، ويقطعها عن قرينتها الشاهدة بصحة ما يرويه خلف، ونص عبارة ابن سلام في "الطبقات":"أجمع أصحابنا: أنه كان أفرس الناس ببيت شعر، وأصدقه لساناً، كنا لا نبالي إذا أخذنا عنه خبراً، أو أنشدنا شعراً، ألا نسمعه من صاحبه"، ومحمد بن سلام أخذ عن خلف، وكان ثقة جليلاً. إذن هو يعني بقوله: أفرس الناس ببيت شعر: جودة
نظره في معاني الأبيات، وحسن بيانه لما يقصد الشعراء، وفي "أساس البلاغة":"فرس: صار ذا رأي وعلم بالأمور"، وفي "اللسان":"رجل فارس بالأمر؛ أي: عالم به بصير".
والرواية التي تصف خلفاً بانتحال الشعر تقول: إنه اعترف بما كان ينتحله، وبينّه للناس، وقد جاءت الرواية بن له شعراً حمله عنه أبو نواس، وأقرب الظن أن يكون هذا الشعر المنتحل قد أضافه إلى شعره الذي أخذ عنه في حياته، ولا شك أن هذا الذي رواه عنه الكوفيون، وأبوا تصديقه في انتحاله، قد عرفه البصريون، وتحاموا أن يرووه لمن عزاه إليهم. وشأن الرواة الثقات من الكوفيين أن يرتابوا في هذا الشعر الذي قال لهم راويه: إنه منحول، ولم يجدوا له في رواية غيره أثراً.
أما صداقة خلف لوالبة بن الحباب التي لوَّح بها المؤلف إلى الطعن في روايته، فقد يكون والبة يكتم زندقته عن خلف، ولا يكاشفه بها؛ فقد كان الزنادقة -بطبيعة الحال- يتظاهرون بالإِسلام، بل تجد في الكتب التي تسوق شيئاً من أخبارهم أن بعضهم كانوا يخفضون رؤوسهم بالركوع والسجود، ويراؤون بالإمساك عن شهوات بطونهم حين يشهدون شهر رمضان، حكى صاحب "الأغاني" عن علي بن القاسم: أنه قال: كنت آلف إياس بن مطيع، فعنفني في عشرته جماعة، وقالوا لي: إنه زنديق، فأخبرته بذلك، فقال: وهل سمعت مني، أو رأيت شيئاً يدل على ذلك؟ أو هل وجدتني أخلّ بالفرائض في صلاة أو صوم؟ فقلت له: والله! ما اتهمتك، ولكن خبرتك بما قالوا.
فقد يكون خلف ألِف والبة؛ لأنه لم يسمع منه، ولم ير شيئاً يدل