الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
به ذو الجدّ منهم، قلنا له: لا تتعرض لمقام رسول الله صلى الله عليه وسلم حين تنطق في هزل أو غير يقظة، فما نحن بتأويل منطق الهزل أو الهذر بعالمين.
وقعت واقعة ذي قار بعد ظهور الإِسلام، ومن المؤرخين من يذكر لها وقتاً مسمّى، وهو السنة الثالثة للبعثة (1). وإذا احتمل بعض الأخبار المتصلة بها أن يكون مصطنعاً، فإن مجموع الأخبار والأشعار الواردة في طرق شتى، تفيد أن أصل الواقعة، وانتصار العرب على العجم مما لا شك فيه، ونسبة حديث هذا اليوم إلى العرب المضطرين إلى أن يجيبوا الشعوبيين بلون من الانتحال، مدفوعة بن كثيراً من أخباره مروية في "تاريخ ابن جرير"، و"العقد الفريد" عن شعوبي، وهو أبو عبيدة معمر بن المثنّى، فلولا أن خبر ذلك اليوم ثابت على وجه لا يتمكن الشعوبي من إنكاره، لما كان من رواته أبو عبيدة الذي سيعده المؤلف في طبقة صنّاع الأخبار المزرية بشأن الأمة العربية.
*
علماء اللغة والأدب والكلام والفلسفة:
قال المؤلف في (ص 114): "ولعلك تلاحظ أن الكئرة المطلقة من العلماء الذين انصرفوا إلى الأدب واللغة والكلام والفلسفة، كانوا من العجم الموالي، وكانوا يستظلون بسلطان الوزراء والمشيرين من الفرس أيضاً". وبعد أن زعم أن غاية هؤلاء العلماء استحالت من إثبات سابقة الفرس في السلطان إلى ترويج السلطان الذي كسبوه أيام بني العباس، قال:"ومن هنا كان هؤلاء العلماء والمناظرون أصحاب ازدراء للعرب، ونعي عليهم، وغض من أقدارهم".
(1)"تاريخ ابن خلدون".
في علماء اللغة والأدب للعهد الذي يتحدث عنه المؤلف كثير من العرب، مثل: الخليل بن أحمد، وأبي عمرو بن العلاء، والمفضل الضبي، والأصمعي، ومحمد بن سلام الجمحي، والمبرّد، وابن دريد، وفيهم كثير من بلاد العجم، وليسوا بموال؛ كالزجاجي، وأبي عمرو الهروي، وابن درستويه، وأبي حنيفة الدينوري. وفيهم كثير من الموالي، مثل: سيبويه، والكسائي، والفرّاء، وابن الأعرابي، وأبي عمرو الشيباني. وأنت إذا تقصيت آثار هؤلاء وأمثالهم ممن خدموا اللغة العربية وآدابها بالرواية والتأليف، لا تجد بها سوى روح علمية سامية، ومن قلة الإنصاف في البحث أن يقال عنهم: إنهم كانوا يزدرون العرب، ويغضون من أقدارهم، ولو تبينت هذا الذي جاء به المؤلف لم تجد له من شبهة سوى أن يقول: إن أصلهم عجم، وفي العجم شعوبية، أو يمد يده إلى رجال "حديث الأربعاء"، ويضم طائفة منهم إلى أبي عبيدة، ثم يقول لك: هؤلاء يمثلون الكرة المطلقة من العلماء الذين انصرفوا إلى الأدب واللغة.
لا يدري القارئ" ما وجه هذا الحديث عن علماء الكلام والفلسفة في هذا الفصل المعقود للشعوبية وانتحال الشعر، ولا أحسب أحداً يمشي في البحث على هذه الهيئة إلا حيث ينسى الغاية التي يرسمها عنوان الفصل، وينحرف عنها أذرعاً ليقضي حاجة أخرى.
قد يوجد في علماء الكلام والفلسفة مثل أبي عبيدة في علماء الأدب واللغة، أما دعوى أن الكثرة المطلقة من الموالي، وأن هذه الكثرة تبغض العرب، أو تستحل الافتراء عليها، فليس للمؤلف بها من سلطان إلا محاولته لأن يصنع لذلك العهد تاريخاً يحمل مساوي لا ترى بينها سريرة طيبة، أو سيرة حسنة.